الأرواح الميتة ربما تكون حية، لكنّها حياة كالموت– إنها حولنا، لكن ببساطة لا أحد يراها، أو هكذا يفضلون. عندما اختفي الاتحاد السوفيتي من الوجود، ظهرت العديد من الأرواح الميتة، ألقي بها تحت رحمة القدر. بالأمس كانت جزءًا من دولة واحدة، صارت في اليوم التالي مشردة علي اتساع أراضيه: ليس كجزء منه، إنما وحدات مستقلة، غير مرغوب فيها، لذا أصبحت أشبه بالأرواح الميتة. صاحب الحظ العاثر، روسي، يعيش علي أراضي روسيا، لكنه يملك إقامة في جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق، صار في موقف لا يحسد عليه؛ فقد غدا بلا وطن. تحديدًا من خلال هذا الموقف، يمكن التعاطي مع بطل رواية دينيس جوتسكو »دون طريق، بلا أثر». دون امتلاك مدرج الإقامة في جواز السفر، وهو ما يجسد تبعات المثل القائل: »دون أوراق رسمية، أنت مجرد ورقة»، يواصل بطل دينيس جوتسكو الرئيس العيش في روسيا، محاولًا علي فترات الحصول علي جواز سفر مواطن. هذا المدرج غباء صرف؛ فهو ملزم لجميع مواطني روسيا حتي لو، تطلب منهم تغيير جواز السفر لاحقًا. روح ميتة حقًا، وجودها تؤكده وثيقة، تصارع من أجل نيل حقها، الذي لا يرغب أحد في منحه لها. ما برح خط السرد الأساسي يعود باستمرار إلي حل معضلة الحصول علي الجنسية، وفي لحظات أخري يتحول إلي حوارات في الغابة. يعيش البطل وسط مشاكل متباينة. أمنية الحصول علي جواز السفر لا تفارقه. لكن، من جهة أخري، عليه عدم نسيان احتياجات أخري. مثلًا، الحصول علي لقمة العيش. كيف يمكن فعل ذلك؟ من خلال ممارسة أعمال تجارية أو من خلال حماية من يقومون بأعمال تجارية. في الإمكان إتمام المهام بنفسك، أو أن تقتسمها مع آخرين. هناك من المشاغل ما يكفي مواطن بلا جواز سفر، لو أراد ذلك لن يحرمه أحد من ممارسة الأعمال التجارية في السوق، خاصة لو عمل مع رب عمل، في حاجة إلي أياد إضافية تعينه. ربما يبدو أن دينيس جوتسكو يستهدف وصف الفترة الانتقالية بين انهيار الاتحاد السوفيتي واستعادة الدولة. وقد انشغل خطاب الكاتب أغلب الوقت بفترة الانتقال إلي الألفية الجديدة، مع اهتمام خاص بانتخابات عام 1999. وفي لحظات وعي خاطفة، تذكر جوتسكو الحياة اليومية، ورسم لوحة للماضي بتفاصيله، دون الغوص في حوار متواتر، ممتلئ بكلام فارغ من شأنه أن يشتت ذهن القارئ. ستتضح تفاصيل قصة حياة البطل قرب نهاية خط السرد، وحتي الوصول لتلك اللحظة، لا مفر من جمع النثرات التي ألقاها علي صفحات النص. تهبط الشخصية الرئيسة مرارًا وتكرارًا درجات السلم البيروقراطي لأجل الحصول علي جواز السفر الذي لا غني عنه بالنسبة لها. ومجددًا يتحرر القارئ من العرض السائل لحياة البطل اليومية، باستيعابه لماهية العقبة التالية. ربما عجز الجميع عن تقديم يد العون للبطل الرئيس. سيظل يطوف دون راحة جميع أنحاء روسيا، مدركًا، أن ما من أحد سينوب عنه في حل مشاكله، وأنه أيضًا لن يجد لها حلًّا بمفرده نتيجة لكل الظروف المناوئة له. عليه أن يتقرب للناس، ممن يملكون علاقات مع السلطات. هل باستطاعة المسؤولين أن يساعدوه أم لا؟ هؤلاء الذي يصارعون من أجل الحصول علي أصوات الناخبين علي صفحات الرواية، ثم ينسون وعودهم، ليعيشوا خارج نطاق مصالح الناخبين حتي موعد الانتخابات التالية. الأرواح الميتة ربما تكون حية. إنها تظهر حال كان وجودها ضروريًا. عليها أن تتلاشي وتختفي عن الأنظار، عندما لا يصبح لوجودها فائدة. الأرواح الميتة حقيقة لا تموت، إنها تواصل صراعها لأجل إثبات أنها لا تزال علي قيد الحياة. سيبقي القارئ في حيرة، هل سيتمكن البطل الرئيس لرواية »دون طريق، بلا أثر» من الحصول علي المدرج المطلوب، الذي بدونه لن يتمكن من الحصول علي جواز السفر. يبدو أن السلم البيروقراطي لن يسمح له بالمرور ببساطة، ذلك لأنه، بدون الحصول علي رضاه، ربما يكون من المستحيل الصعود من القاع. تكمن غرابة الموقف في أن قمة البيروقراطية مستقرة في القاع، وستستمر علي أية حال أن تكون عقبة في طريق سكان القاع، ذلك لأنها أعلي من وجود ما تفضل تجاهله. صحفية وناقدة روسية