من جديد يحاول البعض مد أي جسور بالقوة الجبرية. ومثلما اعتاد العدو عبر عقود، قام هذه المرة بالسطو علي أعمال عدد من المبدعات العربيات، وترجمتها في كتاب عن دار نشر إسرائيلية، ليتكرر السيناريو نفسه. أخبار الكتاب تنتقل إلي الساحة الثقافية العربية فتتباين ردود الأفعال، البعض يتحلي بالتعقل ويكتفي مبدئيا بالتساؤل عن وجود موافقة علي الترجمة من عدمه، وآخرون يسارعون بإلقاء اتهامات التطبيع. وعلي مدار سنوات قضيتُها في الساحة الثقافية كان يثبت غالبا أن التطبيع يتم بالإكراه! فالمبدع العربي يجد نفسه فجأة مواجها بنصوصه علي الجانب الآخر، مكتوبة بحروف لا يفهمها لكنه يعرف ماهيتها، مرة وحيدة فقط تابعتُ فيها شاعرة متميزة تقيم بالخارج تعلن أنها وافقت علي الترجمة، وهي قصة لا مجال لها حاليا. لا تختلف تفاصيل الواقعة الجديدة عن معظم مثيلاتها إلا في الأسماء، الجاني الرئيسي فيها هذه المرة هو آلون فراجمان منسق دراسات اللغة العربية بقسم الشرق الأوسط في جامعة بن جوريون، وقد قام بترجمة قصص عربية ومصرية في كتاب باسم »حرية». وضم الكتاب أعمالا لعدة كاتبات مصريات، فوجئن بأنهن متهمات بالتطبيع، فبدأن الرد علي ذلك في تصريحات صحفية، قبل أن تتقدم بعضهن ببلاغ وشكوي رسمية لاتحاد كتاب مصر، أكدن فيها أن الترجمة تمت بدون علمهن أو إذنهن، وأضفن أن ما حدث ينافي حقوق الملكية الفكرية، ويعد مخالفة صريحة لثوابت الأمة العربية، لهذا طالبن رئيس الاتحاد باتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، بالإضافة إلي مخاطبة اتحاد الكتاب العرب واتحاد كتاب فلسطين وتصعيد الموقف إلي أعلي المستويات. وقام بالتوقيع علي الشكوي كل من انتصار عبد المنعم، سعاد سليمان، شاهيناز فواز، وسندس جمال الحسيني. لن أتساءل عن موقف الكاتبات اللاتي لم تقمن بتوضيح مواقفهن حتي الآن، لأن ما يشغلني هو ما يمكن أن يقوم به اتحاد الكتاب مع بقية الاتحادات العربية لتصعيد الموقف، أطرح سؤالا حقيقيا وليس تهكميا، لأنني أعتقد أن الطرف الصهيوني يزيد بأفعاله الشيطانية اتحاداتنا العربية مجتمعة عجزا علي عجزها! فالكُتاب الذين يتعرضون للسطو الإسرائيلي المستمر لا يملكون عادة سوي تأكيد عدم موافقتهم علي ماحدث، ثم يلقون بالكرة في ملاعب اتحادات لا تملك خطوات محددة للتعامل، لا لأنها لا تمتلك الرؤية أو القدرة مثلما يتهمها البعض أحيانا، بل لأن خبث العدو يجعل الجميع في هذه الحالة أمام بديلين، الأول وهو الشجب والإدانة، بينما يتمثل الثاني في اللجوء إلي رفع دعاوي قضائية دولية، وقتها ستكون النتيجة مفاجئة وغريبة، فالإسرائيليون قد يعترفون بأن ما ارتكبوه خطأ ينتهك حقوق الملكية الفكرية، ويبدون استعدادهم لدفع التعويضات المناسبة، هنا سيجد المبدعون أنفسهم من جديد في مواجهة من يرغب في فرض التطبيع» المادي» عليهم بالإكراه! إنها اللعبة نفسها تتكرر في السينما والأغنيات والمسرح والكتب، وفي كل مرة نجد أنفسنا أمام بيانات موسمية بالشجب والإدانة، نسعي من خلالها إلي تبرئة أنفسنا.. أمام أنفسنا! دون أن نصل إلي حل حاسم لهذه السرقات المزمنة، التي تحتاج إلي رؤية حقيقية للمواجهة، ينبغي أن ترسم ملامحها اتحادات الكتاب إذا كان المسئولون عنها مقتنعون حقيقة بجدوي وجودها.