وزير العمل يلتقى نظيره السويسري لتعزيز التعاون في الملفات المشتركة    خبراء عسكريون: الجمهورية الجديدة حاربت الإرهاب فكريًا وعسكريًا ونجحت فى مشروعات التنمية الشاملة    أسعار اللحوم اليوم الجمعة 7 يونيو 2024 في أسواق الأقصر    وزير التنمية المحلية: تنفيذ 5130 مشروعا في سوهاج وقنا لتحسين البنية التحتية والخدمات    الإسكان: تم وجارٍ تنفيذ 11 مشروعًا لمياه الشرب وصرف صحى الحضر لخدمة أهالى محافظة مطروح    أسعار الأسماك اليوم 7 يونيو بسوق العبور    ارتفاع حجم التجارة الخارجية للصين بواقع 6.3% في أول 5 أشهر من 2024    وزير النقل يبحث التعاون المشترك مع نظرائه في الإمارات وروسيا والصين    الزراعة الاكتفاء الذاتى وتقليل فاتورة الاستيراد    15 شهيدا في قصف إسرائيلي استهدف وسط غزة    البرهان: الجيش السوداني مستمر في معركته ضد الميليشيات المتمردة    مداهمات واقتحامات ليلية من الاحتلال الإسرائيلي لمختلف مناطق الضفة الغربية    خطأ فادح ل«ميلر» بشأن استهداف مدرسة في غزة.. و«الخارجية الأمريكية» توضح    اليمين المتطرف.. يجتاح أوروبا    الزمالك يواجه البنك الأهلي وديا استعدادا ل سيراميكا كليوباترا بدوري نايل    جيل رياضى قادر على تحقيق طموحات الجمهورية الجديدة    الأرصاد: الموجة شديدة الحرارة مستمرة الأسبوع المقبل باستثناء يومين    العثور على جثة شاب مذبوح وملقى في بحر الحجايزة بالدقهلية    «الغرف السياحية»: انطلاق رحلات الحج السياحي 5 نجوم اليوم.. ولا مبيت في منى    من هو أحمد سعد وما عدد زيجاته    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 7 يونيو 2024.. ترقيه جديدة ل«الحمل» و«السرطان»يستقبل مولودًا جديدًا    مرسى جميل عزيز l ملك الحروف .. و موسيقار الكلمات    في ذكرى ميلاد محمود مرسي.. قصة حب «فيلسوف الفن» وسيدة المسرح    «أفضل أعمال العشر الأول من ذي الحجة» موضوع خطبة الجمعة بمساجد شمال سيناء    «الرقابة الصحية»: 3 ملايين مريض يموتون سنويًا بالدول منخفضة الدخل بسبب «غياب الجودة»    ماكرون: الوقت ليس مناسبا للاعتراف بدولة فلسطين    منتخب السودان يتصدر مجموعة تصفيات كأس العالم على حساب السنغال    الأخضر بكامِ ؟.. سعر الدولار أمام الجنيه المصري في تعاملات اليوم الجمعة 7 يونيو 2024    هل يشترط صيام العشر من ذي الحجة أم يكفي يومان.. دار الإفتاء توضح    عبر الموقع الرسمي.. نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024 (رابط مباشر)    تفشي سلالة من إنفلونزا الطيور في مزرعة دواجن خامسة بأستراليا    السيطرة على حريق شب في محل حلويات بحلوان    دعاء أولى ليالي العشر من ذي الحجة.. اللهم اغفر لي ولوالدي    افتتاح المهرجان الختامي لفرق الأقاليم ال46 بمسرح السامر بالعجوزة غدًا    مفاجأة.. دولة عربية تعلن إجازة عيد الأضحى يومين فقط    سياسية ألمانية تعتبر السماح بضرب أهداف روسية بأسلحة بلدها ضرباً من الجنون    سيد معوض: هناك لاعبين لعبوا المباراة بقوة وبعد نصف ساعة كانوا بعيدين تمامًا    الأوقاف تفتتح 25 مساجد.. اليوم الجمعة    رغم الفوز.. نبيل الحلفاوي ينتقد مبارة مصر وبوركينا فاسو .. ماذا قال؟    الصيادلة: الدواء المصري حتى بعد الزيادة الأرخص في العالم    موعد مباراة كوت ديفوار والجابون في تصفيات إفريقيا المؤهلة لكأس العالم    بعد جدل أفشة.. تركي آل شيخ يعلن عن مفاجأة في برنامج إبراهيم فايق    حالة يعفى فيها الموظف من مجازاته تأديبًا في قانون الخدمة المدنية    نصائح هامة للطلاب قبل الثانوية العامة "تعرف عليهم"    ما قانونية المكالمات الهاتفية لشركات التسويق العقاري؟ خبير يجيب (فيديو)    تحرير 30 مخالفة في حملات لتموين الأقصر للتأكد من التزام أصحاب المخابز والتجار    إنفوجراف لكلمة مصر نيابة عن «المجموعة العربية» في مؤتمر العمل الدولي بجنيف    ساتر لجميع جسدها.. الإفتاء توضح الزي الشرعي للمرأة أثناء الحج    أمين الفتوى: إعداد الزوجة للطعام فضل منها وليس واجبا    مجلس الزمالك يلبي طلب الطفل الفلسطيني خليل سامح    خالد جلال ينعي المخرج محمد لبيب مدير دار عرض مسرح الطليعة    «صلاة الجمعة».. مواقيت الصلاة اليوم في محافظات مصر    في عيد تأسيسها الأول.. الأنبا مرقس يكرس إيبارشية القوصية لقلب يسوع الأقدس    غانا تعاقب مالي في الوقت القاتل بتصفيات كأس العالم 2026    حظ عاثر للأهلي.. إصابة ثنائي دولي في ساعات    حسين حمودة بعد حصوله على جائزة الدولة في الأدب: "حاسس إن في حاجة أقدر أقدمها لبنتي"    بمكون سحري وفي دقيقة واحدة .. طريقة تنظيف الممبار استعدادًا ل عيد الأضحى    نجاح أول تجربة لعلاج جيني يعمل على إعادة السمع للأطفال.. النتائج مبشرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"رجوع الشيخ":
مرايا الذات المتكسرة

حين أشاهد نفسي في المرايا التي تعكسني، حين أشاهد نفسي فيها من الخلف، أو خلال سيري، أو من الجانب، عندها أشعر برعب أنني أتعايش مع ذاتي. عندما أشاهد نفسي من الخلف في المرايا يبدو لي أن لي وجودا آخر، أي رعب هذا أننا لا نستطيع أن نري كل مرة سوي جانب واحد من جسدنا؟ ماذا يمكن أن يقع في الجانب الذي لا نراه عندما لا نراه؟" هكذا تُعدُّ المرايا تيمة أساسية في أعمال بورخيس، تيمة تجلت في شعره وسرده معا، وهكذا وظفَّها محمد عبد النبي في روايته "رجوع الشيخ" الصادرة مؤخرا عن دار روافد. تدور الرواية حول كاتب يسعي لأن يكتب نصه الأكثر حميمية في رواية غير مكتملة، ولا ينوي أن يكملها، لأن إيتالو كالفينو أخبره أن "ليس ثمة مكان أفضل لحفظ السر من رواية غير مكتملة".
منذ الصفحة الأولي يطالعنا أحمد رجائي الذي أعطاه اسم الشيخ تمييزا له عن أحمد رجائي الذي يمثل انشطار الذات، فشيخه يسعي للعودة إلي صباه في تماس واضح مع النص الأشهر في التراث العربي "رجوع الشيخ إلي صباه"، فأحمد رجائي تفتحت حواسه، وتلمس رغبات جسده من خلال صفحات هذا النص التراثي، ومن هنا تسعي الذات الساردة إلي الرجوع إلي الصبا، رغبة في استكناه حياة غابت تفاصيلها في ذاكرة شذرية لا تحتفظ بالكل كاملا، فلم يجد أمامه سوي الانشطار إلي آخر أعطاه ذات الاسم، ليعيد له تلك التفاصيل:"ربما كان خطأ أحمد أنه رغب دائمًا وأبدًا أن يري الكل المحيط الشامل. لكن الجيل التالي لحسن الحظ تجاوز هذا العيب الخطير، ولم يعد ينتبه إلا للتفاصيل الصغيرة، المنفصلة تمامًا عن كل ما يضمها ويحنو عليها".
يقدم لنا عبد النبي نصا مفتوحا يتناص مع نصوص عديدة تراثية وحداثية، فهو يتناص بالضرورة مع كتاب "رجوع الشيخ إلي صباه " كما أشرنا سابقا، كما يتناص مع "ألف ليلة وليلة"، ثم أخيرا يتناص مع عوالم بورخيس، وأقول عوالم بورخيس وليس فقط نص "الآخر"، حيث يحكي بورخيس كيف أنه ذات صباح في بوسطن وهو جالس بجانب نهر تشارلز يلتقي بشاب ويكتشف أنه هو نفسه، مراهق تقريبا. كلاهما يعيشان في أزمنة مغايرة و لكنهما يجتمعان هناك، إلي جوار نهر تشارلز، في فضاء واحد".
لم تكن تلك القصة هي السردية الوحيدة التي استلهمها محمد عبد النبي، فتيمات مثل المتاهة والمرايا التي تكررت في جُلِّ أعمال بورخيس تتجلي بوضوح في نص "رجوع الشيخ ". ثمة متاهة يجيد صنعها الكاتب ليوقع فيها قارئه الافتراضي الذي يحاول جاهدا أن يفك شفرات ذلك النص المتخم بالدلالات. نص "رجوع الشيخ" من النصوص المفتوحة علي عوالم وحكايات شذرية وتفاصيل تجعل القارئ يدور في متاهة لا تنتهي.
يجيد عبد النبي نسج علاقة تبدو شائكة بالمرآة، حيث المرآة هي انعكاس للذات، وفيها يتجلي العالم. مرآة تتكسر و تتشظي من أول النص حتي آخره؛ لتعكس كل شظية جانبا من وجود الذات الساردة التي تتشظي هي الأخري إلي ذوات عديدة تتصارع، وتحاول السيطرة علي مقاليد ومقدرات السرد، فشخصية البطل الذي يظن القارئ أنه البطل منذ بداية الرواية نكتشف أنه هو ذاته أحمد رجائي الصغير، وربما هو ذاته الناقد الذي اكتشف أن كاتبا صغيرا استولي علي أفكاره وحولها لنصوص سردية، وليس من المستبعد أن يكون هو مني التي تشارك أحمد رجائي الصغير محاولات كتابة الرواية.
يفيد عبد النبي من فكرة الميتا سرد، حين يتخذ الكاتب الكتابة والحديث عن عمل إبداعي موضوعا للرواية، وهي حيلة لم تعد جديدة، فقد جربها روائيون كُثر منذ كونديرا في "خفة الكائن" إلا أن عبد النبي يجيد الغوص داخل شخوصه، فهو يعتمد علي مستويات من العالم النفسي للشخوص، وليس مجرد سرد حكايا. هو منذ الصفحة الأولي يخبرنا أنه روائي يحاول كتابة رواية يكون هو بطلها، ويبرر ذلك أن ذاته هي الأقرب بالنسبة له، بل هي أكثر ما يعرفه من الحياة، لذا يجد لنفسه مبررا أن يكتب حكايته في دفترين اشتراهما لهذا الغرض، ويخبرنا فيما يشبه النبوءة أنه حين تكتمل روايته سوف يموت هو، لذا يسعي جاهدا إلي تضليل القارئ بألاعيب سردية حتي لا يكتمل النص. السرد في النص له علاقة حميمية جدا بالمرايا. مرايا الإنسان والأشياء داخل العالم. و من كثرة حضورها في وجدانه وفكره فهو يخشاها كثيرا، مراياه المتشذرة قاسية جدا؛ لأنها تكشف عن رعب العالم، مراياه محدقة و مرعبة، فهو يضعنا من خلالها أمام قسوة العالم و رعبه: "ربما كان يخشي الألم، ألم انتزاع الروح من البدن، أو كان يخشي المجهول..ومن بعيد أمسك بالمرآة، وراح ينظر إليها، وأدرك أنه لم يكن يخشي المجهول ولا الألم بقدر ما يخشي مفارقة أحمد، يخشي ضياع وجهه الوحيد الذي يعرفه".
كذلك تكشف الرواية المتخمة بالدلالات والإحالات عن صورة المثقف الفوضوي، والمثقف الملتزم بقضايا الوطن، فأحداث يناير 1977، تحيل بالضرورة إلي ثورة يناير 2011. كما أن النص يطرح أسئلة وجودية واضحة تكشف عن قلق الإنسان، وتساؤلاته حول الوجود والعدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.