ما زلتُ هارباً ... من أن أقول ما جري .... أن أنفجر و أُلوّنَ أوهامي وأصير حَكاَّّءً .... أحمل علي ظهري عدة حواديت كبري ، أمشي بهم وأستمع لدبيب آلامي تحت وطأتهم دائماً دائماً ... في الشتاء يُغيّمونَ الرؤية في عيوني وفي الصيف تلتف الحكايات علي عنقي فيضيق تنفسي ويَزْرَقُّ وجهي وتتشاءم مني أمي وتخفي حبيبتي خوفها لكنني أُحس ... الحَكَّاء الضال ورغم ذلك أجري بعيداً كلما بدَأَ لساني في العَدْوِ .... أهلي من الحكائين المشهورين كانت نهاياتهم مرعبة ، بعدما صاروا هم أنفسهم حواديت أو أبطالاً في الفضيحة المتحركة أو بالأحري بالونات ... ريشٌ مُلَّون .... يطير مع دخان السجائر في المساءات التي يبحث فيها كل وحيدٍ عن شَبيهْ ....... يمضغ لحوم الأبطال في شَرَفِهِ وتحت مظلته ....لماذا أسبحُ في هذا المصير ... لماذا أعيشُ تحت هالةٍ تسلبُ حريتي ... القديسون محجوبون عن زمانهم وعن أنفسهم .... مربوطون بسلاسل الضوء والبريق .... اعتدتُ علي آلام حكاياتي وعلي كوني معذبٌ أصيلٌ بها للأبد ، واعتدتُ كذلكَ علي كَوْني لا أسمع بكاءها ... والحق أنني أتجاهل توقها للحرية ... أقتله وأمسح الدماءَ عن أسناني.. أنا ضحيةٌ وجلادٌ في اللحظة ذاتها .... أنا الذي عندما أنام تطلُعُ حكاياتي وتملأ الوسادة فأصرخ وأبتسم معاً .... وعندما أصحو وأنا ألهث أَلمُّها في حِجْري بسرعة وبكل هِمَّة .... مرايا الوزير * الرسول : حالة أن تصادق روائياً ... يعني أن تشارك وتحيا وتتنفس.. حتي لو لم تظهر علي الورق ... يسألك دائماً عن رأيك في هذه الشخصية وأهميتها في سير الأحداث وتقول نعم أو لا ثم عن الحدث وهل نتركه يؤثر هكذا أم نحذفه ونحذف تأثيراته وتجلياته وتسرح وتقول نعم أو لا ... وبالطبع تقرأ كل جزء يُكتب ..ثم تنتقل منطقة الثقل إلي عندك أنت فتنصح وتشير ويقول هو نعم أو لا .... وهكذا ...أهم من هذا أنك تعود لبيتك كل يوم مملوءاً وثقيلاً وتحلم بالأبطال ومصائرهم لتدلي بدلوك صادقاً ومخلصاً بعد أن سكنت وحدك مكان المتلقين جميعاً ... وتقمصت نزواتهم ... أين وعيك وسط غابات الوعي ... وعي المؤلف ووعي الشخصيات ووعي المتلقين....وراء الجبل أم أنه في القلب ؟...يا ليتك لم تكن الصديق الوحيد المخلص الصادق لروائي ... يا ليتك لم تكن مرآةً تهتز بعض الأحيان فيسندها هو بمقولات من قبيل " لا أحد لي غيرك ".." أنت الأقرب والأصفي والمَجْلَي " أو باستثارتك بهاجس المجد بعبارة " صفحة الإهداء .. ستزدان باسمك وبعرفاني الصادق " إذن أنت في اللعبة ... أساسي ...وأنت من داخلك سعيد.. تتبادل المواقع مع الخالق ... وتراقب المخلوقين وتقسو وترحم ...تسمح وتمنع مثله تماماً...لكن الحقيقة أنك أيضاً واهم ... لست خالقاً إلا بمقدار .. أنت الوصيف الذي لا يتنفس ويحيا وينتصب فاعلاً ومؤثراً إلا أن سمح هو لك ... وهل يملك إلا أن يسمح ؟ هو المستفيد الحقيقي وما أنت إلا واحد من الجوقة التي ترفع بصوتها الأجش ليظهر جمال ولمعان صوته هو .... الذي لا حياة لنا جميعاً إلا بعبقريته ونوره ... فابق في موقعك المرآوي ..لأن داخلك حقا ً- ينحني للكبير ... أي كبير.. الذي يشيله لنا وفينا القَدَر.. أو بالأحري لأنه هو القَدَر ................ .............................. * المُخَلَِّص : حالة أن تصادق روائياً في بلدتكم الصغيرة يعني أن تزوغ عيناك كلما خرجت من غرفتك ..أن تتلفح بالحذر كي لا يظهر عليك الأمر ثم يظهر عليك وفيك من شدة رعبك أن يحدث ... في المبتدأ تجلس بأمان مع الروائي الذي لاسبيل أمامه إلا اختيار أبطاله من شخصيات واقعكم أنتم ... من الأقرباء والأصدقاء والبعيدين عن التعامل لكنكم تعرفونهم أو حتي تعتبرون ملامحهم جديرة بالنحت والحفظ....يختار فتوافق أنت لأن الأحداث التي تجري تعتبر عينةً إنسانية صالحة ... وهكذا تصير خالتك هي الراقصة وأبوه هو القاتل وجاركم هو الشبح والشاعر هو شيخ الجامع !! وينشغل هو بموقعه المتعالي كخالق وتمكث أنت وسط الأتون ... هل ستعلم هي أنكم استعرتموها وأن حياتها تملك من البلاغة ماجعلكم تنقلونها كما هي ... هل سيعلم هو أن مهابته قد تحولت بفعل نزواتكم إلي عبث ... إن تناسوا رد السلام عليك يمتعض وجهك وتزيد دقَّاتك...وإن قاموا من جوارك في المناسبة السعيدة أو السيئة تكون الكارثة اقتربت...وترتعش ..أنت الذي في المتناول ..لأنك الأقرب له ولهم.. أما هو.. فالشك بعد نجاحه ، وازدياد معارفه وكونه صار مسنوداً ..حتي من قرائه .. يجعل التردد حالاً بإزائه ...أما أنت يا مسكين.. فليس لك إلا الخوف والقلق ... وليس عليك إلا أن تفرح له من قلبك وتقول الحياة أدوار ثم تعطي خدك الأيسر ............ ................................. الذراعُ ملتوٍ تحت التشاؤم ياآه علي المجاز الجبار المتساقط مني ....إنها حقاً جملة مقعرة ومتكلسة وتشبه الجدران السميكة التي تضغط علي الروح والذاكرة ....جملة بنت ستين كلب !! أتفق معكم طول الوقت علي أن نزف جمل كهذه دليل عدم القدرة علي التعبير عن النفس بصورة أوضح وأبسط.. لهذا يلجأ الفاشل للف والدوران والتخفي وراء الهيبة والجلال اللذان يطلان من أهاب المجاز...لكنَّ الحقيقة أن هناك سراً ... هو أن فدادين الداخل عندي بلغت من التعقيد شأناً يجعلها الأم الرءوم لحروف فخمة كهذه.... قمت مفزوعاً في ليلة تشبه باقي الليالي من زاوية الكوابيس وارتباطها القسري بالرعب والفزع والثعابين والخفافيش التي تملأ الدماغ وتتسرب للسرير ثم للغرفة والدنيا بأسرها.... قمت وأنا مفاجئ بأنني نائم وذراعي تحتي... نام جسدي كله ..بأشباحه وأصواته المخيفة ورعشاته وذكرياته الثقيلة علي ذراعي... التي بت لا أحس بها ولا أستطيع تحريكها لأن الدم ضعف في الوصول إليها .... ولم يكن الأمر مجرد " تنميل " كما يقال ولكن لأن سريان الدورة الدموية عندي ضعيف منذ ولادتي يصبح الأمر أشبه بالكارثة حينما يأتي الخطأ من هذه الناحية ... وكنت في الكابوس مربوطاً وألهث من العطش والعرق يعمي عيناي وأسمع قرع نعال آخر الموجودين في القبو وأحس لمعة ظهورهم وأقفيتهم وأقنعتهم وأن كنت لا أراها ..... وهكذا ... وجدتني في الصباح أكتب بيدي الأخري لأن الأولي مازالت مشلولة ..ميتة... الذراع تحت الفزع ..الذراع يعدو بأقصي سرعة وهو منهدلٌ علي ظلِّهِ ............... ........................................................ أخي في طريقه للصلاة قال ما لعينيك حمراوين وشكلك مخيف ... يا أخي تفاءل يوماً وتعالَ صَلِّ معي ... وضعتُ رأسي في الأرض فغادر وهو يهز رأسه ويحوقل... غَيَّرتُ الجملة إلي الذراع ملتوٍ تحت التشاؤم.. وهكذا يأتي المجاز من ثم أتعجب منه معكم وأندم علي اقترافه مثلما أندم علي كل الأفكار الشريرة التي أرسمها وأفاجأ بها تحدث.... دائما أتفاجأ بالأمور وأرتبك وأسأل.. لكني في الحقيقة، في داخلي أعلم ...... قَصَّاص الأثر مكتبي في المصلحة الحكومية العتيقة ، في آخرها ، وكذلك هو واطئ وينزل سنتيمتراتٍ عن باقي الأرض ، ومع السنين قَرَّ في يقيني أنَّ ذلك لم يكن بسبب هبوط الأرض الطبيعي وإنما بسبب سخونة الضجر الذي يصيب الخطوات من كثرة وتعدد واتساع دائرة السير واللف علي المكاتب.القهر يجعل الإنسان بين خيارين ، إما أن يستسلم فيكون سُمْكُ خطواته بسيطاً وإما أن يأخذ استسلامه شكلاً آخر ، هو أن يجمع آخر ما تبقي عنده من قوة ليكيل للأرض ضربةً تُظَلِّلُها أطنان السِباب والدعاء .... أراقبها أنا وهي تصعد مصحوبة بألسنة اللهب للسماء ... أقبع في مواجهة الباب إلا قليلاً ... بزاويةٍ ماكرةٍ تتيح لي أن أري وأصيغ وأرسم وأسمع .... لكن تسليتي الحقيقية هي الخطوات ... أستطيع الآن أن أدرك صاحب الخطوة وَحَظّه ونصيبه من اللحظة الأولي ... الرجل الذي تكاد أقدامه لا تلمس الأرض ورومانسيته وأحلامه.. وذلك الذي يدب بخطوات واثقة والسيدة المشوشة صاحبة اللمسات التي لا خريطة تَحُدُّها ... وهكذا .... ولأني وحيد صرتُ أُواربُ باب الشقة وأراهن نفسي علي معرفةِ مشاعر ضيوف الجيران وخِفَّةِ كذباتهم أو ثقلها المقبض ... حتي الحيوانات والطيور ... حتي الهواء الذي يحمل أخباراً سيئة وذلك الذي يملك جعبةً فارغة ... محطة السكة الحديد ... أعلم الآن عدد بلاطها وحظ كل بلاطة من الضغط ... والحيطان أشمُ كل ما جري بين تلافيها .... الوحيدون الذين يأتون آخر الليل وينظرونَ بعيداً .. صرتُ أخوهم وحامل أسرارهم وحارس خطواتهم الطائرة ... أنا قَصَّاص الأثر صرتُ عدواً للريح الغادرة التي تنتظر نومي لتمسح بلاغة العابرين وعندما رَبَيّْتُ ساعةً في عقلي تدور علي قرع الخطوات انضبطَ الكونُ لأول مرة أنا الذي ملأتُ الدنيا بالناس لأكشفهم ثم أستفهم في دولابي.. وأغذيهم.. ليصيروا أقوياء في وجه المطر المستهتر الذي يُفْسِدُ الأمورَ دائماً ولا يعيد رسم المصير .... خَالقونْ صحوتُ يوماً فوجدتُ شَعْر جسدي كله قد صار أبيض ..... لم يصل الأمر لدرجة أنني صرتُ وحشاً أملك أظافرَ طويلةٍ وقذرة وجثةٍ تزيدُ وتخلقُ ظلالاً مرعبة كلما أتثاءب ......الأمر أنني صرتُ عجوزاً أسرع من المفترض ، فقط .... وهكذا انحني ظهري وضعف بصري مع أنني كنتُ بالأمس شاباً .... الساعةُ الأكثر صعوبة في حياتي هي التي أقبع فيها حالياً ..... كيف أخرج للناس .... ماذا أقول لهم وكيف أبرر لهم كوني غير مستغرب ولا مندهش .... لن يدركوا أنني في الفترة الأخيرة صرتُ أكثر يأساً وأكثر تقبلاً لما يجري لي ..... مللتُ من الكوابيس والصرخات و مللتُ من تدفق الحشرات من المنام إلي الوسادة ..... حتي تقبلتهم في النهاية وتَقَبَّلْتُ أي شيء .... ماذا ؟ .... نعم نعم .. الحل الوحيد هو أن أجلبهم إلي هنا فيصيروا ضيوفاً عَليَّ واللياقة تقتضي ألا يعترض الوافد علي المقيم ....أن أستثير مواهبي التي تَكَلَّست بفضل عدم الاستخدام ... أن أبتكر وأنا في نهاية عمري حياة كاملةً تستمر بعدي .... فتكون المرآةُ هي كوبري المدينة ، والسرير البيوت والدولاب المناسبات العامة ، والسجادة المواصلات ، والبلاط المدافن ..... أما أنا فأختفي ..أصير ذكري مكتنزة.. لن أصير حاكماً أو عمدة ... ليس هذا في طموحي ولا أسعي إليه .... يكفي أنني الخالق ..الخالقون دائماً أعلي من حواسنا العاجزة ....فلا يليق أن يُرَوْا أو يُسْمَعوا ... متسامون ... كبار حقاً ... لا يسكنون إلا في الأعالي تاركين السفوح للعَجَزة والنسبيينَ الذين يقضون أعمارهم في التطلع والانتظار ..... مكاني الجديد في كل القلوب ، سيعيدني لشبابي.. حيث الخلودُ والمهابةُ والبهاء شيءٌ واحد .......