حالات الحصول على إجازة سنوية لمدة شهر في قانون العمل الجديد    قرار جمهورى بتولى المستشار محمد إبراهيم الإشراف على أعمال أمانة المجالس التخصصية    طبق البيض يتراجع 60 جنيها ويسجل أدنى سعر منذ 7 أشهر    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    البحيرة: توريد 188 ألف طن قمح للشون والصوامع حتى الآن    16 مايو 2024.. أسعار الأسماك بسوق العبور للجملة اليوم    البيئة تناقش تطوير معالجة المخلفات الطبية    إطلاق 40 صاروخا من لبنان باتجاه الجولان المحتل    الرئيس العراقي: نتنياهو رفض كل القرارات والنداءات الدولية لوقف الحرب في غزة    عضو ب«النواب»: القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمال القمة العربية    إعلام فلسطيني: شهيد ومصابون في قصف إسرائيلي استهدف وسط مدينة رفح الفلسطينية    الرئيس الصيني: بكين وموسكو تدافعان عن السلام والنظام العالمي والدور المركزي للأمم المتحدة    مراسل «القاهرة الإخبارية»: مستشفيات غزة قد تتوقف عن العمل خلال ساعات    تشكيل برشلونة المتوقع أمام ألميريا في الدوري الإسباني    موعد مباراة المصري والبنك الأهلي بالدوري الممتاز والقناة الناقلة    أصر على نزوله.. رئيس الترجي يفاجئ علي معلول لحظة وصول بعثة الأهلي (فيديو)    رضا عبد العال يهاجم ثنائي الأهلي والزمالك بسبب المنتخب    منتخب الغربية يقصي جنوب سيناء ويتأهل إلى دور ال16 من دوري مراكز الشباب    معلم لغة عربية يجيب على المرادفات الغريبة بامتحان اللغة العربية بالقاهرة    انتظام حركة القطارات بمحطات الخطين الأول والثاني بعد إصلاح عطل فني    ختام فعاليات مهرجان المسرح بجامعة قناة السويس، اليوم    الأحد.. الفنان عمر الشناوي حفيد النجم كمال الشناوي ضيف برنامج واحد من الناس    مواعيد مباريات اليوم الخميس 16 مايو 2024 في الدوري المصري والبطولات العالمية    نجم الترجي السابق ل«أهل مصر»: الأهلي مع كولر اختلف عن الجيل الذهبي    استقرار اسعار صرف الدولار مقابل الجنيه المصرى في بداية تعاملات اليوم    تداول 10 آلاف طن و585 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    تطور جديد في قضية سائق أوبر المتهم بالتحرش بفتاة التجمع    بوتين يصل قاعة الشعب الكبرى في بكين استعدادا للقاء الرئيس الصيني    اليوم.. انطلاق الملتقى التوظيفي لزراعة عين شمس    ياسمين عبدالعزيز تنشر صورة مفاجئة: زوجي الجديد    رامي جمال يحتفل بتصدر أغنية بيكلموني قائمة الأكثر استماعا في مصر    «الإفتاء» تحسم الجدل حول مشروعية المديح والابتهالات.. ماذا قالت؟    تنظيف كبدة الفراخ بمكون سحري.. «هيودي الطعم في حتة تانية»    طريقة عمل دجاج ال«بينك صوص» في خطوات بسيطة.. «مكونات متوفرة»    «سلامتك في سرية بياناتك».. إطلاق حملة «شفرة» لتوعية المجتمع بخطورة الجرائم الإلكترونية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    غارات إسرائيلية على منطقة البقاع شرق لبنان    توقعات الأبراج وحظك اليوم 16 مايو 2024: تحذيرات ل«الأسد» ومكاسب مالية ل«الحمل»    إبراهيم عيسى: "في أي لحظة انفلات أو تسامح حكومي البلاعات السلفية هتطلع تاني"    محمود عاشور يسجل ظهوره الأول في الدوري السعودي    عالمة آثار: صورة قرطاج على قميص مؤسس فيسبوك ليست بريئة    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    تراجع الوفيات بسبب جرعات المخدرات الزائدة لأول مرة في الولايات المتحدة منذ الجائحة    "في الخلاط" حضري أحلى جاتو    قدم الآن.. خطوات التقديم في مسابقة وزارة التربية والتعليم لتعيين 18 ألف معلم (رابط مباشر)    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟ أمين الفتوى بجيب    بعد 40 يوما من دفنها، شقيقان وراء مقتل والدتهما بالدقهلية، والسر الزواج العرفي    4 سيارات لإخماد النيران.. حريق هائل يلتهم عدة محال داخل عقار في الدقهلية    رسميا.. جدول امتحانات الثانوية العامة 2024 thanwya جميع الشعب مباشر الآن في محافظة القليوبية    منها البتر والفشل الكلوي، 4 مضاعفات خطرة بسبب إهمال علاج مرض السكر    كم متبقي على عيد الأضحى 2024؟    «فوزي» يناشد أطباء الإسكندرية: عند الاستدعاء للنيابة يجب أن تكون بحضور محامي النقابة    رئيس تعليم الكبار يشارك لقاء "كونفينتيا 7 إطار مراكش" بجامعة المنصورة    قصور الثقافة تطلق عددا من الأنشطة الصيفية لأطفال الغربية    هولندا تختار الأقصر لفعاليات احتفالات عيد ملكها    فرقة فاقوس تعرض "إيكادولي" على مسرح قصر ثقافة الزقازيق    حسن شاكوش يقترب من المليون بمهرجان "عن جيلو"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن كائنات نظيفة لا تخطيء أبداً:
الأرض هيروشيما كبيرة !
نشر في أخبار الأدب يوم 17 - 04 - 2010

وفقا لإجابة نجيب محفوظ علي سؤال عن نصيحته للأدباء الشباب ( لا تسمعوا نصائح أحد ) والتي اختارها محمود عزت كمفتتح لديوانه ( عن الكائنات النظيفة ) الصادر مؤخرا عن دار ميريت وفقا لهذه الإجابة أتصور أن ثمة سؤالا سيكون عليه أن يصاحب القاريء أثناء قراءته للديوان : ما النصائح التي لم يسمعها محمود عزت؟ .. قد تكون الفرصة متاحة بالفعل للحصول علي إجابات عديدة لكن بالنسبة لي تظل الإجابة الأبرز هي أن الشاعر لم يسمع للنصائح الشهيرة عن قصيدة النثر والتي تحولت بمرور الوقت إلي قوانين ومعايير جودة وشروط ينبغي الالتزام بها كي يحقق النص انتماءه الشكلي علي الأقل للنموذج المثبت منذ سنوات طويلة باعتباره الحقيقة المثالية لقصيدة النثر.. لم يتعامل محمود عزت مع قصيدة النثر بوصفها طريقة لتمرير البوح فحسب بل تجاوز هذا الحد أيضا وتعامل معها كفضاء شاسع يستوعب الفضفضة غير المحكومة وغير المقيدة بأدوات وإجراءت خاضعة لأي منطق سابق .. الشعر يكشف هنا إذن عن محاولته لقبول الاسترسال والاستطراد المتواصل ولإعطاء الجمل الطويلة حريتها كضرورة ممكنة يفرضها هذا البوح أو هذه الفضفضة.. بناء علي هذا قد يتوفر لدينا الإلهام اللازم لتأمل كيف يمكن لقصيدة النثر أن تنفتح علي جميع الاستخدامات والتوظيفات الجمالية وما الكيفية التي تقدر بواسطتها أن تراهن علي صلاحيتها كخبرة شعرية تسمح باختبار التعايش بين الحكايات والقصص والأغنيات أيضا.. "عن الكائنات النظيفة" بالنسبة لي بمثابة نتيجة يقف وراءها قرار ينتصر للكتابة في حد ذاتها.. الكتابة كفعل خالص غير ممنهج يسعي لتفادي التورط في قالب معين ويتخذ من شعر الفصحي مبرراً لكسب ثقة المتلقي وخلق تواصل ما بينه وبين الكتابة التي تتجاوز يقينيات هذا الشعر وتعيد خلقها من جديد في نفس الوقت .. هذا التجاوز لا يعد ممارسة محسوبة ومتعمدة كليا بقدر ما هو استجابة لموقف من العالم .. انحياز لرؤية ولتفكير وانشغال بالحياة والموت اقتضي الانصياع لهذا التدفق للأفكار والمشاعر الذي ميز نصوص الكتاب والذي لم يكن يهمه تشكيل نفسه في خطاب مجازي مكثف ومنمق لغويا بقدر ما كان يهمه أن يتدافع دون قواعد إرشادية تعطل توتراته الحميمية عن المضي داخل المسارات الممهدة التي يتخذها وفقا لمشيئته الخاصة .
(خرجت من المترو الشاغر تماما ..
نزلت في المحطة الخاوية تماما ..
وصعدت السلالم التي ترمقني وحدي ، أضغط علي جبهاتها إلي أعلي ..
وهناك .. كان كل شيء متفحما ..
فكرت قليلا ..
أوك ..
لا بأس .. سحبت المدينة _ المتفحمة كشجرة إفريقية _ من قدمها إلي النهر ..
غمرتها من كعبها في الماء ..
ثم تركتها لتجف ..
تجولت ألمّ الجثث وأقوّم الجذوع المحنية ، وأعلّق علي الفروع أحجارا صغيرة ستنضج وتحمرّ ، وتنتظر الأسراب القادمة في الموسم ..
غرست البنايات من جديد ..
وثقبت بإصبعي في وجوهها المطموسة نوافذ جديدة ..
تناولت القمر ومسحت عنه التراب بمرفقي ، ثم علقته مكانه ..
وجلست علي الرصيف أنتظر أنا الآخر)
هذا السرد الذي تبدأ به قصيدة (أين كنت يا محمود ؟) يصف مشهدا كابوسيا عن مدينة احترقت بكاملها وخّلفت جثثا وجذوعا محنية وبنايات متهاوية ذات وجوه مطموسة وقمر ملقي يكسوه التراب .. السارد يخبرنا بطبيعة وجوده داخل المشهد باعتباره فاعلا داخل الكابوس عليه أن يعيد الحياة إلي المدينة بكافة تفاصيلها وأشيائها المحترقة بدءا من نزوله من المترو الشاغر تماما في المحطة الخاوية تماما .. هو ليس وحيدا علي مستوي الزمان والمكان بقدر ما هو متفحص للخراب عبر فهم يخصه وحده وبالتالي يختبره بالطريقة التي لا يشاركه فيها أحد .. المترو الشاغر إذن هو القدر الذي ينتقل بالسارد من نقطة لأخري داخل رحلة مقررة سلفا والوحدة داخل المترو دليل خصوصية المكان والحركة حيث أنك وحدك من تخوض مغامرتك الشخصية مع العالم وأنت التي تقع عليك توابع وتأثيرات هذه المغامرة وليس أي أحد آخر .. الأمر يتجاوز الاستقلال أو الانفصال لأن تجربتك الوجودية في عدم تشابهها مع تجارب الآخرين تكرّس لقطيعة تجبرك علي مواجهة منعزلة مع الدنيا لا شأن لغيرك بها لأنه ببساطة لا يحمل تاريخك بل لديه تاريخه الذي يجعله في مواجهة منعزلة مع الدنيا هو الآخر .. الخروج من المترو هو انفلات من القدر وتحرر من الخضوع للرحلة الحتمية من أجل إنقاذ مدينة احترقت قد تكون هي الكون نفسه .. لا يخبرك السارد هنا أي حياة أراد أن يعيدها إلي الكائنات والأشياء .. أراد أن يعيد الحياة فحسب وكأنه لا يتحيز لحياة بعينها ويتركك تفكر أنت الآخر في ماهية هذه الحياة لو كنت مكانه.
(نبت عابر
ثم آخر
ثم نهضت المدينة
تسعل وتنفض عن ثيابها الغبار
أزّت بوابات المترو
اندفع الناس في الممرات
تومض وتطفيء إعلانات الكولا والبارات
قمت أستند علي ركبتيّ و ..
مرحبا هيروشيما
- مرحبا محمود ...
أين كنت كل هذه الفترة ؟ )
وأنت تراقب عودة الحياة تشعر وكأنك إزاء فيلم كارتون يتسق فيه الواقع مع الخيال في انسجام قد تقرر معه أن هذا المشهد منذ بدايته يحدث داخل روح السارد نفسه بالتزامن مع روحك أيضا.. كل مدينة هي (هيروشيما) بشكل أو بآخر.. الأرض كلها (هيروشيما) كبيرة .. وبالطبع كل قلب هو بالضرورة (هيروشيما) أيضا وعلي كل واحد منا أن يفكر في أن الدنيا ربما تعني أن تظل متخيلا نزولك من المترو كي تعيد الحياة إلي كل المدن وكل القلوب التي دمرتها قنبلة ذرية ما بما فيهم قلبك بالتأكيد .. لو لاحظنا في الفقرة الأولي حين رأي السارد المدينة متفحمة :
( فكرت قليلا ..
أوك ..
لا بأس .. سحبت المدينة _ المتفحمة كشجرة إفريقية _ من قدمها إلي النهر .. )
يمكننا أن نستنتج أن هناك اعتياد من السارد علي هذا الفعل وأنه جربه قبل ذلك أكثر من مرة للدرجة التي جعلته يقول ( أوك .. لا بأس ) ثم تصرف بتلقائية تدل علي كونه يقوم برد فعل بديهي ليس غريبا عليه .. يوجد ماضي متخم بهذه الكوارث الباطنية في المقام الأول كما أتصورها وهذا الماضي شكّل هذه الخبرة التي تؤهل من تكونت في وعيه للتعامل مع الوحشة التي تعقب كل كارثة بما يليق بها .. هكذا يبدو أن الأمر يتكرر حقا وأن بعد كل إعادة للحياة تسقط قنبلة ذرية جديدة في مكان ما حتي أن الخيال هنا وتماشيا مع اعتباره منفذا لفيلم كارتون بالفعل يبدو وكأنه خيال منهك ومحنك في نفس الوقت .. منهك بسبب كونه في حالة عمل دائم نتيجة لاستمرار سقوط القنابل التي تحرق كل شيء ومحنك لكونه يعرف ما يجب عليه أن يفعل وهو يعيد إنتاج نفس الوهم بطريقة جديدة كل مرة .
(أريد أن أذهب إلي البحر ..
هذا فقط ما أطلبه من الجميع
لن يصاب أحد بسرطان الرئة
لن تصابوا بالجذام لست طبيبا ..
فقط دعوني أذهب إلي البحر )
هذا المقطع من قصيدة (أريد أن أذهب إلي البحر) يوثق به الشاعر كيف يمكن للآخرين أن يكونوا أدوات للقهر حين يقفوا بينه وبين تحقيق أمنيته البسيطة التي لا تعدو أكثر من الذهاب إلي البحر .. الآخرون الذين يعتبرونه وفقا لأسبابهم الخاصة مبررا للإحساس بالأمان وبالطمأنينة وعلي هذا كان عليهم منعه من التحرر الذي إن تم لن يسفر عن أذي أو أن الأذي في حقيقته حدث متواصل في جميع الأحوال لن يفرق معه بالتالي أن يتخذ البعض من أحد ما طوق نجاة مثلا أو درعا يحميهم من الألم أو لا .
(أسعد مخلوقات الله الأرضية
الجنود ..
حاملو المؤن والذخيرة
مصفحو الرأس
منقذو البشرية من النسبية والعاطلين)
هكذا تبدأ قصيدة (الجنود) حيث يصفهم الشاعر بأنهم أسعد مخلوقات الله الأرضية .. لماذا ؟ .. لأنهم يمتلكون الحسم والعقيدة الثابتة التي لا يمكن لشك أو جدل أن يخدشها ولا يسمحون للذين لا لزوم لهم غير المفيدين في تنفيذ المهام التي تتطلبها الحقيقة الوحيدة في العالم والتي يدركها الجنود حصريا دون غيرهم لا يسمحون لهم بإفساد البشرية .
(الجنود
يموتون غدا أو بعد غد
ويذهبون إلي الجنة
ما أسعد الجنود ..)
رغم كونهم مهددون إلي هذه الدرجة من موت حاضر ووشيك إلا أن الحقيقة الحاسمة التي ينفذون قراراتها في الحياة هي نفسها التي ستقودهم إلي الجنة بعد الموت.. ما الثمن الذي يدفعه الجنود وأراد الشاعر أن نكتشفه من بين هذه السطور والمقاطع؟ .. الشعر هنا يريد من الحياد الظاهري المشبع بسخرية عميقة في الرصد أن ينحت في وعيك الأسئلة الضرورية عن حكمة أن يكون الجنود هكذا .. يمتلكون يقينا محددا تجاه كل شيء : الأشرار .. التصويب .. الأوامر الواضحة .. الله .. الأخيار .. القائد .. الإيمان بالبنادق .. الموت . ما الذي يأتي بهم ويشكلهم بهذه الطريقة ويحقنهم بهذا الزيف فيصبحون سعداء هكذا ؟ .. سعداء كسائر الكائنات النظيفة التي تفهم كل شيء وتستطيع أن تفرق جيدا بين ما هو صحيح وما هو خاطيء ويقتلون الآخرين بينما يقتلون أنفسهم ويحولون كل مدينة إلي (هيروشيما) ببراعة فائقة تدربوا كثيرا حتي يصلوا إليها.
الكتاب : عن الكائنات النظيفة
المؤلف : محمود عزت
الناشر : دار ميريت


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.