إذا كان من الممكن اعتبارالقصائد صوت مؤلفها يخبرنا من خلالها فلسفته الخاصة أو يتمثل غيره ويتحدث بشاعرية عن حياتهم، فإن محمود عزت في ديوانه الجديد «عن الكائنات النظيفة» - الصادر عن دار ميريت- تعطي القصائد انطباعا عن مؤلفها كأنه رجل مدينة أربعيني لا شاب في مقتبل التجارب، ولديه القدرة علي أن يخرج من بين براثن المدينة اللاهثة بلقطات إنسانية رائقة. يقول: «شيئان طاهران في وجهك: قبلة أمك التي تركت ثقبا مضيئا في وجنتك يومض فجأة في الأزقة المظلمة .... ولمسة الحبيبة تهش عن جبينك الموت... المتسلل كذبابة قاتمة» يقدم عزت في الديوان حالة من الصدق مع الذات ومع التفاصيل المهملة التي لا تلقي رواجا بين الناس، يخرجنا من غرق الشعر في الحديث عن العلاقات العاطفية المثالية والدوران حول الحب ومداواة جروحه لمساحته الأوسع والأكثر مرونة بالحديث مع الله وعن الأصدقاء ومع الجنود. تخيل فقط مرت بنا الدائرة قبلهم» في الكائنات النظيفة، نستشعر قيمة اللفظة الواحدة في مكانها من النص كأنه بها يعيد صياغة المألوف من المشاهد ليصير الكون من حوله فيلم خيال «كانت الأسماك تتجول حولنا في السينما تتجمع وتتفرق في مجموعات صغيرة بينما تمضغين الفشار كقط صغير يحملق في الشاشة....» قبل أن يختم الديوان بالحديث عن الجنود الملتزمين تماما بالتعليمات «الجنود؛ يحبون الله والأخيار وما يقرر القائد الجنود لديهم الفضيلة الفارقة؛ لا يقرأون الشعر؛ يقرأون فقط ما يكتبه الجنود الشعراء يموتون غدا أو بعد غد و يذهبون إلي الجنة ما أسعد الجنود..». «عن الكائنات النظيفة» ديوان يمنحك ساعات من البهجة، حتي وهو يتحدث عن كثير من الأشياء التي لا تجلب البهجة كثيرا.