رغم أن مؤتمر التاريخ السنوي الذي نظمته الجامعة الأمريكية كانت دورته هذا العام مهداه إلي ذكري الباحث التاريخي محمد حاكم، إلا أن ظل الفرنسي ميشيل فوكو كان هو المسيطر علي معظم أجواء الأبحاث التي ألقيت خلال المؤتمر وربما يعود هذا إلي محور المؤتمر الأساسي الروايات الرسمية وغير الرسمية في مصر والعالم العربي منذ العصور الوسطي. ففوكو حسبما أوضحت د. ماجدة النويعي في ورقتها البحثية »كيف نقرأ الأدب اللاتيني كمصدر للتاريخ؟« قد أحدث ثورة فكرية في المنهج التاريخي والمعرفة التاريخية اتاحت الفرصة للعلوم الانسانية لتكون عونا للتاريخ أكثر من ذي قبل. لهذا فقد أتت معظم أبحاث المؤتمر مركزة علي الخطابات والوثائق التاريخية التي توثق للاوضاع الاجتماعية والثقافية للمصريين في فترات مختلفة حيث حملت أول جلسات المؤتمر عنوان »الادب واللغة كمصادر تاريخية« شاركت فيها د. ماجدة النويعمي، (جامعة الاسكندرية) بورقة بعنوان »كيف نقرأ الأدب اللاتيني كمصدر للتاريخ؟« حاولت فيها تقديم رؤية للتاريخ الروماني من خلال النصوص الأدبية اللاتينية. كما ألقي د. سيد عشماوي (جامعة القاهرة) ورقة بحثية بعنوان »المؤرخون والعامية في مصر العثمانية: هل تصنع اللغة العامية تاريخا اجتماعيا؟« نفي فيها صحة الفكرة القائلة أن رواج العامية وانتشارها كان يصاحب حالات التدهور الحضاري، فمن خلال دراسته لنصوص مجموعة من المؤرخين من أمثال اياس الملواني، وأحمد الدمرداشي، والجبرتي استنتج أن ظهور العامية في لغة كتابة التاريخ تعبير عن الهوية المصرية. كما شارك في نفس الجلسة د. محمد فوزي رحيل (الجامعة الأمريكيةبالقاهرة) بورقة بعنوان »بين التاريخ والفلكلور: صلاح الدين الأيوبي في السيرة الظاهرية«. جاءت الجلسة الثانية من جلسات المؤتمر تحت عنوان »السرديات غير الرسمية للتاريخ ما قبل العصر الحديث« وتحدثت فيها د. سارة نمس (جامعة جورج تاون) عن »الروايات المنسقة: تاريخ الطرق الصوفية في كتب الطبقات في القرن التاسع عشر«. ومن المعهد الفرنسي للآثار الشرقية شارك د. عباس زواش بورقة بحثية عن كتابة تاريخ الحملات الصليبية في مصر بين التاريخ والذاكرة، كما شارك في نفس الجلسة نفسها د. ماجد صبحي (المركز الثقافي القبطي) ببحث عن الروايات غير الرسمية للتاريخ عن حروب صلاح الدين الأيوبي من خلال ديوان القاضي. الفاضل ورسائله، حيث كان القاضي الفاضل لسان الدولة الأيوبية ووزير صلاح الدين ولم يقع حادث في زمن صلاح الدين إلا وكان لقلم القاضي الفاضل مشاركة فيه فبقلمه أذيعت بشائر الفتوحات والانتصارات في كل البلاد، وراسل صلاح الدين ملوك العالم الاسلامي ليخبرهم بأنباء الحرب ويستنجد بهم، لذلك يمثل ديوانه الشعري واحدا من المصادر الأدبية المهمة للتأريخ لتلك الحقبة. وحملت أولي جلسات ثاني أيام المؤتمر عنوان »بين السرديات الرسمية وغير الرسمية« تحدث فيها د. جمال معوض شقرة (جامعة عين شمس) عن مصادر كتابة تاريخ مصر المعاصر: أرشيف منشية البكري، الذي يضم مجموعة كبيرة ومتنوعة من الرسائل التي كان يتم ارسالها إلي الرئيس جمال عبدالناصر من الجماهير والمثقفين ورجال الفكر والسياسة، وكذلك الرسائل التي عرفت برسائل البريد الأسود التي أرسلت من أعدائه بدون توقيع. وفي نفس الجلسة شاركت ملك لبيب (جامعة بروفنس) ببحث بعنوان »استكشاف منطق انتاج الإحصائيات: انتاج الإحصائيات وظهور أساليب جديدة للحكم في مصر تحت الاحتلال البريطاني »تطرقت فيها إلي نظام الإحصاء والادارة في مصر تحت الحكم البريطاني، وشارك د. مجدي جرجس (جامعة كفر الشيخ) بورقة بحثية بعنوان »القبط أمام الدين والكنيسة«، رؤي وكتابات من القرن الثامن عشر«. وجاءت الجلسة التالية تحت عنوان »الفتاوي: الخطاب القانوني والفقهي كمصدر لدراسة التاريخ« وشارك فيها د. سيد نظام الدين أحمد (الجامعة الأمريكية) ببحث بعنوان »حدود الاحتجاج في الاسلام« أما أحمد فكري ابراهيم (جورج تاون) فقد شارك ببحث بعنوان »حدود المذاهب والحاجة المجتمعية في الشريعة الاسلامية: التلفيق وتتبع الرخص بين النظرية والممارسة« تطرق فيها إلي طبيعة النظام القانوني في مصر العثمانية وعلاقته بالمذاهب الفقهية المختلفة. ومن جامعة القاهرة شاركت سها جودة بورقة بعنوان »الفتوي والقضاء في النصف الأول من القرن التاسع عشر« تحدثت فيها عن الفتوي التي كانت ملزمة للقضاء المصري، وكيف عملت الدولة المصرية الناشئة في ذلك الوقت علي تنظيم عملية الافتاء للحفاظ علي تماسك نسق النظام القضائي، وشاركت د. إنصاف عمر (جامعة القاهرة) ببحث عن فتاوي الامام محمد عبده مصدرا للتاريخ الاجتماعي والاقتصادي«. اختتم المؤتمر اعماله السبت قبل الماضي بجلسة بعنوان »الناس والمكان« تحدث فيها د. حسام عبدالمعطي (جامعة بني سويف) عن المحاكم الشرعية مصدرا لدراسة تاريخ المدن المصرية ابان العصر العثماني، بينما ألقي ستيفاني بوبل (جامعة نورث إيسترن) بحثا بعنوان »رسم خرائط طنطا: صنع المدينة الحديثة 4881 - 7091«. وحملت الجلسة الأخيرة عنوان »التصنت بين السطور: الأصوات المهمشة« شاركت فيه رانية عبدالرحمن (الجامعة الأمريكية) ببحث عن »الخطابات كمصادر تاريخية: خطابات النساء في البرديات العربية« بينما قدمت ياسمين زوسر الدالي (جامعة القاهرة) بحثا بعنوان »صورة الجنون في كتابات الطب الرسمي والشعبي في مصر في أواخر القرن التاسع عشر« حيث اعتمدت علي كتاب الدكتور ابراهيم باشا حسن »الدستور المرعي في الطب الشرعي« وكتاب عبدالرحمن اسماعيل »طب الركة« الذي يمثل أحد نماذج الطب الشعبي حيث قارنت الباحثة بين تعريف الجنون في الطب الرسمي والطب الشعبي.