خاص| محلل سياسي روسي: مشروع الضبعة النووي لحظة مفصلية في العلاقات المصرية الروسية    «الدلتا التكنولوجية» أفضل جامعة صديقة للبيئة    تجهيز 500 مقر انتخابي استعدادًا لانتخابات مجلس النواب بالمنوفية    وزير السياحة يبحث خطوات تفعيل المنظومة الجديدة للتأشيرة السياحية عند الوصول    شيخ الأزهر يهنئ السلطان هيثم بن طارق والشعب العماني باليوم الوطني    الرئاسة الفلسطينية: قرار مجلس الأمن بشأن غزة تحول كبير ومهم    مساعد وزير الخارجية يشيد ببرامج الاتحاد الأفريقي لإعادة إعمار الدول الخارجة من النزاعات    الشحات يخوض المرحلة الأخيرة من التأهيل    ساديو ماني يكشف كواليس خلافه مع محمد صلاح ويؤكد: منذ ذلك اليوم أصبحنا أقرب    23 نوفمبر، نظر طعن طلاب المدارس الدولية على قرار فرض التاريخ والعربي إجباري    دموع الإيمان تهز القلوب، الشرقية تكرم عبد الله رغم عدم فوزه في "دولة التلاوة" (صور)    مهرجان شرم الشيخ المسرحى يكرم مخرجى الألفية الثالثة.. تفاصيل    سانوفي تطلق دواء "ساركليزا" في مصر لتمنح مرضى سرطان المايلوما المتعددة أملًا جديدًا في العلاج    سعر الجنيه السوداني مقابل الدولار في بنك الخرطوم المركزي (آخر تحديث)    عضو الحزب الجمهورى: إسرائيل لا تعترف بأى قرار ولا تحترم أى قرار دولى    أشرف صبحي يلتقي رئيس مكتب دوري كرة السلة الأمريكي NBA بمصر    في اليوم العالمي للطفل، تعلمي طرق دعم ثقة طفلك بنفسه    الداخلية تضبط صاحب فيديو «عصا البلطجة» بالجيزة    يونيفيل: استقرار هش على طول الخط الأزرق ونسير دوريات مع الجيش اللبناني    وكالة الطاقة الذرية تدعو إلى مزيد من عمليات التفتيش على المواقع النووية الإيرانية    فقرة بدنية في مران الزمالك قبل مواجهة زيسكو    رئيس كوريا الجنوبية: أحب الحضارة المصرية وشعبنا يحبكم    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 20نوفمبر 2025 فى المنيا    الشيخ رمضان عبد المعز: العمل الصالح هو قرين الإيمان وبرهان صدقه    محافظ الفيوم يوجه بسرعة رفع مخلفات الطبقة الأسفلتية القديمة بشارع عدلي يكن لتيسير الحركة المرورية    محافظة الجيزة: غلق كلي بطريق امتداد محور 26 يوليو أمام جامعة النيل غدا الجمعة    مستشفى الناس تحتفل بتدشين أول وأكبر مركز مجاني لزراعة الكبد بالشرق الأوسط وتعلن تحولها لمدينة طبية    إيقاف بسمة وهبة وياسمين الخطيب.. الأعلى للإعلام يقرر    محافظ القليوبية يُهدي ماكينات خياطة ل 15 متدربة من خريجات دورات المهنة    الموسيقار عمر خيرت يتعافى ويغادر المستشفى    شركة مياه القليوبية ترفع درجة الاستعداد للمرحلة الثانية من انتخابات النواب    ارتفاع أسعار العملات العربية في ختام تعاملات اليوم 20 نوفمبر 2025    من زيورخ إلى المكسيك.. ملحق مونديال 2026 على الأبواب    النائب محمد إبراهيم موسى: تصنيف الإخوان إرهابية وCAIR خطوة حاسمة لمواجهة التطرف    محافظات المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب وعدد المترشحين بها    حل الأحزاب السياسية في مصر.. نظرة تاريخية    محافظ الأقصر يوجه بتحسين الخدمة بوحدة الغسيل الكلوى بمركزى طب أسرة الدير واصفون    أسهم الإسكندرية لتداول الحاويات تواصل الصعود وتقفز 7% بعد صفقة موانئ أبوظبي    حكم صلاة الجنازة والقيام بالدفن فى أوقات الكراهة.. دار الإفتاء توضح    رئيس أزهر سوهاج يتفقد فعاليات التصفيات الأولية لمسابقة القرآن الكريم    الهلال الأحمر المصري يطلق «زاد العزة» ال77 محمّلة بأكثر من 11 ألف طن مساعدات    التضامن: نخطط لتحويل العاصمة الجديدة إلى مدينة صديقة للأطفال    إيقاف إبراهيم صلاح 8 مباريات    إيمان كريم: المجلس يضع حقوق الطفل ذوي الإعاقة في قلب برامجه وخطط عمله    تأثير الطقس البارد على الصحة النفسية وكيفية التكيف مع الشتاء    الرقابة المالية تصدر ضوابط عمل لجنة حماية المتعاملين وتسوية المنازعات في مجال التأمين    والده ل في الجول: أشرف داري لا يفكر في الرحيل عن الأهلي    جثة طائرة من السماء.. مصرع شاب عثروا عليه ملقى بشوارع الحلمية    تموين القليوبية: جنح ضد سوبر ماركت ومخالفي الأسعار    السبت المقبل.. «التضامن» تعلن أسعار برامج حج الجمعيات الأهلية    طقس الإسكندرية اليوم: ارتفاع تدريجي فى درجات الحرارة.. والعظمى 27 درجة مئوية    وزارة «التضامن» تقر قيد جمعيتين في محافظة الغربية    سبورت بيلد: صلاح هو المشكلة الأكبر أمام تألق فيرتز في ليفربول    مسؤولة السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى: سنفرض عقوبات على عدد من الجهات السودانية    د. شريف حلمى رئيس هيئة المحطات النووية فى حوار ل«روزاليوسف»: الضبعة توفر 7 مليارات متر مكعب من الغاز سنويًا والمحطة تنتقل إلى أهم مرحلة فى تاريخها    سيد إسماعيل ضيف الله: «شغف» تعيد قراءة العلاقة بين الشرق والغرب    أدعية الرزق وأفضل الطرق لطلب البركة والتوفيق من الله    عصام صاصا عن طليقته: مشوفتش منها غير كل خير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمل دنقل.. طوبى للغرباء
نشر في اليوم السابع يوم 17 - 08 - 2012

كان العبقرى أمل دنقل (1940 -1983) من الناحية الإنسانية، نجما عابرا لمع فى أوساط الأدب العربى، مر كأنه مسافر غريب ما أن لمح البشر نوره حتى أفل.. أما من الناحية الإبداعية، فقد كان حالة متفردة صنعت عالماً من الإبداع، أرسى بها قواعد جديدة للشعر العربى الحديث.. خرجت من تحت قبتها أجيال من الشعراء، كانوا من فرط إحساسهم بروح أمل دنقل فى داخلهم، يسبحون ضد التيار كما فعل أمل دنقل نفسه حتى وإن تغير الواقع الذى يعيشون فيه.. فلم يكن أمل دنقل - فى رأى - أميرا لشعراء الرفض، كما وصفه النقاد، و إنما كان "روحا أبدية الألم" كما وصف هو نفسه بنفسه:
من قال لا فلم يمت
وظل روحاً أبدية الألم
أخرج أمل دنقل بأشعاره أقوى مشاعر رفض الهزيمة فى النفس المصرية إبان هزيمة 67.. ورفع بأشعاره راية العصيان فى وجه الانحناء والتكيف مع واقع الانسحاق تحت عجلات الانهيار النفسى والعسكرى والسياسى الذى أصاب مصر فى تلك اللحظة.. ومن عجبٍ أنه بقدر رفضه للهزيمة، فقد رفض الاحتفال بنصر أكتوبر والفخر به فى أغنيات مطولة - كما فعل معظم شعراء عصره - فقد كان النصر بالنسبة له هو الحالة الطبيعية التى لا تستحق الاحتفال، فالهزيمة هى الاستثناء فى قانون الروح الحرة .. وبنفس المنطق يخرج بعدها بأقوى مشاعر الرفض للتصالح مع العدو المنهزم.. لتصبح رائعته "لا تصالح" صرخة حق فى وجه محترفى السياسة، ولحنا جنائزيا ينعى فيه من مات من أجل تحرير الأرض، وكأنهم قد ماتوا فى تلك اللحظة فقط:
إنها الحرب.... قد تثقل القلب
لكن خلفك عار العرب
لا تصالح ولا تتوخ الهرب
لا تصالح على الدم حتى بدم
لا تصالح ولو قيل رأس برأس..
أكُل الرؤوس سواء؟
أقلب الغريب كقلب أخيك
..................
...................
واغرس السيف فى جبهة الصحراء إلى أن يجيب العدم.
لقد أبدع أمل دنقل فى استلهام التراث العربى فى أشعاره، بصورة لم يسبقه إليها أحد.. فعل ذلك، فى وقت غرق فيه الشعراء فى الميثولوجيا الأوروبية بكل أطيافها، مبهورين بالقصيدة الغربية معناً ومبنى.. فجاء أمل دنقل ليضع الأمور فى نصابها، ليستلهم الأسطورة العربية و التاريخ العربى.. والأنساق الدينية من الكتب الدينية الإسلامية و المسيحية.. فأصبح قاموس أمل دنقل متفردا بمصطلحاته (زرقاء اليمامة - العهد الآتى- حرب البسوس)، وأسقط على كل منها واقعاً مصريا جريحاً مؤلما فى ذلك الوقت، فأصبحت النصوص وأبطالها تتحدث بلسان واقع أمل دنقل، وتشدوا شجوا بكل ما آلم بالمصريين والعرب فى ذلك الوقت.. ولم ينكر أمل دنقل انتماءه للتاريخ المصرى القديم، فجاءت مجموعته الشعرية الأخيرة "أوراق الغرفة رقم 8" انعكاساً لذلك الضوء الفرعونى فى داخله فظهرت إيزيس وأوزوريس وحورس.. ولأنه فى تلك اللحظة كان يستحضر موتاً أيقن باقترابه، فقد ظهرت رحلة رع- إله الشمس عند الفراعنة- فى أشعاره، وكأنه يمهد لانتقال جسدى وروحى إلى العالم الآخر كى يستريح من معاناته مع مرض السرطان.
ورغم إيمان أمل دنقل بانتمائه العربى، قلبا وروحا، تاريخا ولغة.. وحتى من حيث المولد، فقد كان أبوه الشيخ محارب دنقل شيخا وعالما أزهريا، أقول رغم انتمائه للثقافة العربية، إلا أنه كان قادرا على التوغل فى روح المقاتل الباحث عن الحرية، باحثا عنها فى أى بقعة ضوء من التاريخ الإنسانى.. لتأتى قصيدته "كلمات سبارتاكوس الأخيرة" لطمة فى وجه الظلم و الاستعباد، ودعوة عالية الصوت، حادة النبرات، ساخنة الدم من أجل كسر القيود والقتال من أجل الحرية.. سخر فيها - وبكل مرارة - ممن قبلوا العبودية إلى الحد الذى باعوا فيه دم من قاتل من أجل حريتهم.. فهم قد ألفوا القيود.. وأصبحوا غير عابئين إلا بالبقاء على قيد الحياة حتى ولو بلا كرامة.. لتصبح صرخته القوية فى وجه كل من احترفوا صناعة القياصرة صفعة تاريخية على كل الوجوه الذليلة ليترك لنا خلاصة تجربته:
لا تحلموا بعالم سعيد
فخلف كل قيصر يموت
قيصر جديد
وأحلام بلا جدوى
ودمعة سدى..
رحم الله أمل دنقل.. فقد امتلك روح الشاعر.. وقلب زرقاء اليمامة.. ليرى بقلبه - فى حالته الشعرية- ما لا يراه غيره من محترفى النفاق وأشعار المناسبات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.