أمل دنقل الاحتفالات متعددة والمحتفي به شخص واحد ، فعاليات وندوات ولقاءات جدّدت حضور الشاعر الكبير أمل دنقل في ذكري رحيله ،.. أمل الشاعر المتمرد الذي ترك بصماته المميزة عبر حياة قصيرة 0491 -3891والتي تجسّدت في قصائد دواوينه، التي تعد أحد أهم الإنجازات الشعرية في حياتنا الثقافية. رغم الرحيل مازالت أشعاره، تعيش بنا ، وكأنها كتبت لهذا الزمان ، فمن كتب الشعر مثلما كتبه أمل دنقل لا تموت كلماته أبدا. "البكاء بين يدي زرقاء اليمامة"، و"تعليق علي ما حدث"، و"مقتل القمر"، و"العهد الآتي"، و"أقوال جديدة عن حرب بسوس"، و"أوراق الغرفة 8" الذي كتبه في غرفة المستشفي قبل رحيله. رحلة ممتعة بالعذاب والتمرد والرفض والعشق لكل ذرة من تراب أرض مصر صنعها أمل دنقل بكلماته التي حفرها عبر سطور قصائده التي مازالت توقظ المشاعر وتلهب الوجدان توقّف النقاد عند شعر دنقل الذي اتّسم بالوضوح ومصداقية اللحظة الشعورية، والتعبير عن المخاطر التي تحيط بالأمة العربية، التي تجلت في قصائد ارتكزت علي استلهام التراث العربي والإسلامي والفرعوني، إذ خاطب النيل وزرقاء اليمامة وصلاح الدين والزير سالم، وبات شعره منفتح الدلالة علي الطبيعة العربية وسنوات من المجد والفخر.. وقد قال عنه الشاعر الكبير أحمد عبد المعطي حجازي إن شعر دنقل يواكب الأزمنة المختلفة، وأن دنقل يستحق لقب "شاعر المستقبل"، لأنه صدق في شعره، وصدق كإنسان مع من عرفوه. في قصيدة "زرقاء اليمامة "يقول: أيتها العرافة المقدَّسةْ.. جئتُ إليك.. مثخناً بالطعنات والدماءْ أزحف في معاطف القتلي، وفوق الجثث المكدّسة منكسر السيف، مغبَّر الجبين والأعضاءْ. أسأل يا زرقاءْ.. عن فمكِ الياقوتِ عن، نبوءة العذراء عن ساعدي المقطوع.. وهو ما يزال ممسكاً بالراية المنكَّسة عن صور الأطفال في الخوذات.. ملقاةً علي الصحراء عن جاريَ الذي يَهُمُّ بارتشاف الماء.. فيثقب الرصاصُ رأسَه.. في لحظة الملامسة! عن الفم المحشوِّ بالرمال والدماء!! أسأل يا زرقاء.. عن وقفتي العزلاء بين السيف.. والجدارْ! عن صرخة المرأة بين السَّبي. والفرارْ؟ كيف حملتُ العار.. ثم مشيتُ؟ دون أن أقتل نفسي؟! دون أن أنهار؟! ودون أن يسقط لحمي.. من غبار التربة المدنسة؟! تكلَّمي أيتها النبية المقدسة لا تغمضي عينيكِ، فالجرذان.. تلعق من دمي حساءَها.. ولا أردُّها! تكلمي... لشدَّ ما أنا مُهان لا اللَّيل يُخفي عورتي.. كلا ولا الجدران! ولا اختبائي في الصحيفة التي أشدُّها.. ولا احتمائي في سحائب الدخان! وفي قصيدته الغاضبة "من مذكرات المتنبي في مصر" يقول: تسألني جاريتي أن أكثري للبيت حرّاسا فقد طغي اللصوص في مصر.. بلا رادع فقلت : هذا سيفيَ القاطع ضعيه خلف الباب. متراسا! ( ما حاجتي للسيف مشهورا ما دمت قد جاورت كافورا؟ ) " عيدٌ بأية حال عدت يا عيدُ؟ بما مضي؟ أم لأرضي فيك تهويد؟ نامت نواطير مصر " عن عساكرها وحاربت بدلاً منها الأناشيد! ناديت : يا نيل هل تجري المياه دماً لكي تفيض ، ويصحو الأهل إن نودوا؟ عيد بأية حال عدت يا عيد؟ ويقول في قصيدة "أغنية الكعكة الحجرية" : اذكريني فقد لوثتني العناوين في الصحف الخائنة لونتني لأني منذ الهزيمة لا لون لي غير لون الضياع قبلها كنت أقرأ في صفحة الرمل والرمل أصبح كالعملة الصعبة الرمل أصبح أبسطه تحت أقدام جيش الدفاع! فاذكريني كما تذكرين المهرب والمطرب العاطفي وكاب العقيد.. وزينة رأس السنة اذكريني إذا نسيتني شهود العيان ومضبطة البرلمان وقائمة التهم المعلنة الوداع! ومن أشعاره العاطفية نقرأ من قصيدته "وجهها" يا وجهها الحلوا أمطر ، فاني مجدب السلوي مازلت لا أقوي أن أنقل الخطوا إن فاتني سندك يا وجهها الحلوا مازلت أفتقدك مازلت أفتقدك وفي قصيدته الأكثر شهرة "لا تصالح"يقول: لا تصالحْ! ..ولو منحوك الذهب أتري حين أفقأ عينيك ثم أثبت جوهرتين مكانهما.. هل تري..؟ هي أشياء لا تشتري..: ذكريات الطفولة بين أخيك وبينك، حسُّكما - فجأةً - بالرجولةِ، هذا الحياء الذي يكبت الشوق.. حين تعانقُهُ، الصمتُ - مبتسمين - لتأنيب أمكما.. وكأنكما ما تزالان طفلين! تلك الطمأنينة الأبدية بينكما: أنَّ سيفانِ سيفَكَ.. صوتانِ صوتَكَ أنك إن متَّ: للبيت ربٌّ وللطفل أبْ هل يصير دمي -بين عينيك- ماءً؟ أتنسي ردائي الملطَّخَ بالدماء.. تلبس -فوق دمائي- ثيابًا مطرَّزَةً بالقصب؟ إنها الحربُ! قد تثقل القلبَ.. لكن خلفك عار العرب لا تصالحْ.. ولا تتوخَّ الهرب! ويقول في نهايتها: لا تصالح ولو وقفت ضد سيفك كل الشيوخ والرجال التي ملأتها الشروخ هؤلاء الذين تدلت عمائمهم فوق أعينهم وسيوفهم العربية قد نسيت سنوات الشموخ لا تصالح فليس سوي أن تريد أنت فارسُ هذا الزمان الوحيد وسواك.. المسوخ! لا تصالحْ