سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ذات يوم 20 نوفمبر 1951.. حشود شعبية تستقبل الزعيم الإيرانى محمد مصدق بالقاهرة واعتلال صحته يثير مخاوف مصطفى النحاس ومستقبليه فى فندق شبرد ونقابة الصحفيين
فى طريق عودته إلى بلاده من أمريكا، توقف الدكتور محمد مصدق رئيس وزراء إيرانبالقاهرة فى زيارة رسمية بدأت يوم 20 نوفمبر- مثل هذا اليوم– عام 1951، بدعوة من مصطفى النحاس رئيس الحكومة، وفقا للدكتور سعيد الصباغ فى كتابه «العلاقة بين القاهرةوطهران، تنافس أم تعاون؟»، مشيرا إلى أن النحاس وجه دعوته بعد إلغائه معاهدة 1936 أمام البرلمان فى أكتوبر 1951. يذكر «الصباغ» أن البعض ربط بين زيارة مصدق لزيارة وإلغاء النحاس باشا لمعاهدة 1936، وتصعيد العمليات الفدائية فى مدن القناة ضد الاحتلال البريطانى، وبين ما كانت تواجهه إيران بقرار مصدق التاريخى بتأميم البترول يوم 30 أبريل 1951، وقوبلت هذه الخطوة بخطط سرية للمخابرات الأمريكية وبريطانيا انتهت بالانقلاب عليه يوم 22 أغسطس 1953، وهو المنتخب ديمقراطيا كرئيس للحكومة، ووضع تحت الإقامة الجبرية حتى توفى وحيدا بين جدران البيت عام 1967. كان «مصدق» بوصف الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه «مدافع آيات الله»: «بطل الساعة والتأميم ورمز اعتزاز الأمة بنفسها، كان خليطا غريبا كزعيم سياسى، فرغم أنه بلغ السبعين إلا أنه كان خطيبا مفوها يجيد تحريك العواطف، ومثقلا بكل أحزان الشيعة»، يتذكر هيكل، أنه حضر عدة مناقشات فى البرلمان الإيرانى وقتئذ، وأصبحت خصائص أسلوبه الخطابة مألوفة لدى، فعادة ما كان يبدأ بالتحدث إلى النواب عن آلام الشعب الإيرانى، إلى أن يتملكه التأثر من بلاغته شخصيا فينفجر باكيا، ثم يتحول البكاء إلى نوبة سعال، ثم ينهار تماما، فيندفع إليه النواب، يقدمون إليه أكواب الماء والكولونيا، والمنعشات ليشمها، وبعد قليل ينجحون فى إعادته للوقوف على قدميه، ويشرع فى مواصلة خطبته، ليغلبه التأثر بنفس الطريقة مرة أخرى بعد خمس دقائق، كان الجميع يتعجبون من صدق عواطفه، وكان مخلصا للغاية، وبحلول عام 1950 أصبح تجسيدا لطموحات الشعب الإيرانى، لكنه كان فاشلا من وجهة النظر العملية كسياسي، إذ لم يكن لديه فكرة قط عن التنظيم والإدارة. استمرت الزيارة أربعة أيام وسط استقبال شعبى مصرى حاشد، تصفه «الأهرام» فى عدد 21 نوفمبر 1951 قائلة: «خرجت القاهرة عن بكرة أبيها لاستقبال البطل العظيم الدكتور مصدق»، وأضافت: «انتظم الشعب كله فى مواكب تهتف بحياة البطل الجبار قاهر الاستعمار وزعيم المجاهدين الأحرار، ومطار فاروق كان مقصد آلاف عديدة من مختلف هيئات الشعب وطبقاته»، وتذكر مجلة «آخر ساعة» فى عددها رقم 892، يوم 27 نوفمبر 1951، أنه حين دخل النحاس باشا على مصدق فى حجرته بفندق شبرد مصطحبا معه الصحفيين فوجئوا بمشهد مروع ظنوا معه أن الرجل يغالب الموت، حيث كان مستلقيا ببدلته على السرير، واسترخت قدماه على جانب المخدع، وصدره يضطرب فى خفقات متلاحقة سريعة وشفتاه ترتعشان، وقيل للنحاس ان هتافات الجماهير تزعج الدكتور مصدق، فصاح رفعته: حالا نعطى أوامر بمنع الهتاف، ويمشوا على طول، فأشار مصدق بيديه المرتعشة، وهمس بأنه يقدر شعور الشعب المصرى العظيم. وتضيف «آخر ساعة»، أن نقابة الصحفيين نظمت حفلة له خطب فيها باللغة الفارسية، وكان الخطاب طويلا عبارة عن صفحتين فلوسكاب كاملتين وبخط دقيق رفيع، وعند منتصف الورقة الأولى تهدج صوته وانخفضت نبراته، ومال نصف جسده الأعلى نحو المائدة، وهيئ للجميع أنه مقبل على إغماءه طويلة، وهنا فتح العرابى باشا فمه فى هلع وخوف وهم بالوقوف ليسنده وكان يجلس على يساره، وكان على ماهر باشا يجلس على يمينه ونظر نظرة ذعر كمن يتوقع مفاجأة حقيقية، وقفز فكرى أباظة باشا خلف مصدق، وأمسك بيديه مشفقا ويرجوه أن يتوقف عن الخطابة، ولكن ما لبث أن عاد إليه صوته قويا كما كان، واعتدل جسمه، وأكمل خطابه حتى آخر سطر من الصفحة الثانية، وختم كلمته بالشكر. يذكر سعيد الصباغ، أن المثقفين والكتاب المصريين عبروا عن تقديرهم لمصدق الذى يمثل فى إيران الشقيقة روح الجهاد، وأكدوا على أنه «كما أن بترول «عبدان» من حق حكومة إيران، فإن قناة السويس من حق المصريين وفى صميم أملاكهم، رغم كل عدوان أو طغيان، ونتج عن الزيارة اعتراف إيران رسميا بلقب الملك فاروق الجديد «ملك مصر والسودان» بتاريخ 10 ديسمبر 1951، وكانت أول دولة تعترف بهذا اللقب. أثارت الزيارة مخاوف شاه إيرانوأمريكا، وفقا للأهرام، 20 نوفمبر1951، وقالت نقلا عن مراسل الوكالة الفرنسية فى طهران، أن الزيارة دفعت السفير الأمريكى لدى طهران «لوى هندرسون» للقاء الشاه وإبلاغه أن الحكومة الأمريكية لا تنظر بعين الارتياح إلى الزيارة، ولن تكون لها نتائج طيبة بالنسبة للعلاقات الودية القائمة بين إيرانوأمريكا، وأيده الشاه فى ذلك خاصة أنه لديه مخاوف أكثر من حدوث تنسيق بين مصدق زعيم الحركة الوطنية الإيرانية والتحاس باشا زعيم الحركة الوطنية المصرية، بحيث ينتج تعظيم لقدرات الحركة الوطنية الإيرانية، فتنعكس على علاقات إيرانوأمريكا، وعلى قدرات مصدق.