ما زالت مصر تمارس هوايتها الأثيرة فى إبهار العالم، فبعد افتتاح المتحف المصري الكبير، لم تأخذ الدولة لحظة استراحة، بل واصلت نبض التعمير كنبض قلب لا يهدأ، ومدّت يد البناء بلا كلل، كأنها تكتب فصلاً جديدًا من الجمال في كتاب الزمن. تلال الفسطاط، التي كانت يومًا مجرد أكوام من القمامة، تحولت إلى لوحة بديعة، رُسمت بريشة دولة قررت أن تُبدل القبح بالجمال، والإهمال بالدهشة، والرماد بالخضرة والمياه والحياة، منطقة كانت تُسمى "التلال" فأصبحت اليوم "جبالًا من الجمال". الفسطاط بثوبها الجديد تجمع بين التلال والتراث والنهر، وكأنها ثلاثة أوتار تعزف لحنًا حضاريًا واحدًا، تتوزع التلال الثلاثة بارتفاعات مختلفة، يتخللها الممر المائي الذي يشبه نهراً يستحضر روح الماضي، ويمد جذوره إلى المستقبل، تتدرج المصاطب من النهر حتى القمم، لتجعلك تشاهد القاهرة من نقطة تُطل على التاريخ: قلعة صلاح الدين من ناحية، والأهرامات من ناحية أخرى، وكأن المكان يعيد وصل ما انقطع بين حضارتين. هنا تبرز "تلة القصبة"، على مساحة 13 ألف متر مربع، حاملة فندقًا سياحيًا ومبانٍ خدمية ومواقف سيارات وبحيرة صناعية، ومدرجات تُعانق الشلال، وكوبري مشاة يربط المكان ببعضه كأنما يربط الزائر بالحلم. وعلى مقربة منها، تتكشف "تلة الحفائر" التي ستتحول إلى متحف مفتوح يستعرض بقايا مدينة الفسطاط على مساحة 47 فدانًا، مع ممشى مرتفع يطوّف حول المنطقة الأثرية، وكأنه جسرٌ بين زمنين. أما "تلة الحدائق التراثية" فتمتد بدرجاتها ومطاعمها وبرجولاتها الخشبية، مطلة على بحيرة تنعكس عليها ملامح القاهرة القديمة والجديدة معًا. ولا تتوقف الروعة عند حدود التلال، فهناك منطقة الأسواق، بمساحة ستين ألف متر مربع، صُممت لتنعش السياحة وتنعش الاقتصاد، وتعيد للحرف اليدوية روحها الأولى، أسواق من ثلاث مراحل تضم 19 محلًا، وفندقًا، وبحيرة صناعية، ومساحات خضراء تشبه تنهدًا لطيفًا وسط زحام المدينة. وجاء افتتاح أول مهرجان شتوي في قلب القاهرة، "مهرجان الفسطاط الشتوي"، ليزيح الستار عن طبقة جديدة من الجمال، وكأنه إعلان رسمي بأن الفسطاط قد خرجت من بين الركام، لا لتقف فقط، بل لتسطع. مصر لا تكتفي بأن تبني، بل تصر على أن تبهر، تصر على أن تنحت الجمال من حجر الأيام، وتُقيم الحضارة على كتف الزمن، وتترك العالم واقفًا متأملًا: كيف تستطيع دولة واحدة أن تنهض بهذا القدر من الضوء؟.