من قرأ كتاب "مكان تحت الشمس"، لرئيس الوزراء الصهيونى بنيامين نتنياهو، يتضح له أن الأطماع الإسرائيلية فى الضفة الغربية، هى الأصل والأساس، إذ يُظهر نتنياهو، من خلال صفحات الكتاب، أن الاستيطان فى الضفة الغربية ليس مجرد سياسة أو إجراء حكومي، بل هو قاعدة أساسية تعكس عقيدته السياسية والدينية، حيث يعتبر الضفة الغربية، التى يُطلق عليها الإسرائيليون "يهودا والسامرة"، موطنًا تاريخيًا لليهود وأرض الأنبياء، فى المخيلة الإسرائيلية، تشكل هذه الأراضى جزءًا لا يتجزأ من الهوية الوطنية والدينية، حيث يُستحضر فيها تاريخ الأجداد ومواقع مقدسة كمدينة الخليل وألون موريا وراحيل وسلوان، إذ تُبرز كلمات نتنياهو، فى الكتاب أهمية هذه المناطق بالنسبة له، حيث قال: "من يظن أننا سنسلم أمننا للفلسطينيين هو واهمٌ!"، مما يعكس موقفه السلبى تجاه أى حلول سياسية قد تُطرح فى سياق الصراع. يتبنى نتنياهو، بقوة فى الكتاب، مقترح إسحاق شامير، بشأن توطين مليونى مستوطن فى الضفة الغربية، ليكون جزءًا من المخطط الاستيطانى الإسرائيلي، إذ يرى فيه الوسيلة المثلى لضمان السيطرة الإسرائيلية على الأراضى الفلسطينية ومنع أى محاولات للتوصل إلى تسوية سياسية قد تلحق الضرر بمصالح الدولة العبرية، نتنياهو ينظر إلى الاستيطان كدعامة أساسية لوجود إسرائيل وتكريس هويتها، وقد أعرب عن رفضه الشديد لمبدأ "الأرض مقابل السلام"، هذا الرفض يعنى أنه لا يعتقد بأن تقديم الأرض للفلسطينيين سيمكن من تحقيق السلام الدائم، بل يرى فى هذا المبدأ تهديداً مستقبلياً لبقاء الدولة العبرية. نتنياهو، الذى يسعى إلى أن يكون الزعيم الذى يُعيد لليهود مجدهم التليد، ويحقق لإسرائيل الاستقرار الأبدى على أرض الميعاد، يُعد أكبر عقبة فى وجه أى حل سياسى مع الفلسطينيين، فعقيدته السياسية تشتمل على بند خطير، وهو تعديل القوانين الإسرائيلية لتخدم المشروع الاستيطانى بالدرجة الأولى، فقد سارعت حكومته المتطرفة إلى طرح عدد من القوانين التى تنظم أو تمهد لضم الضفة الغربية، ومن هذه المشاريع، مشروع قانون صادقت عليه اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع، والذى يهدف إلى تغيير مسمى "الضفة الغربية" إلى "يهودا والسامرة" فى التشريعات الإسرائيلية، وأصدر رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب الأمريكي، أوامر لموظفيه باستعمال اسم "يهودا والسامرة" فى المراسلات الرسمية والاتصالات والتوثيق، مما يعزز الإطار القانونى لهذا الضم. كما قام نتنياهو، بنقل نظام الحكم فى الضفة الغربية من صيغة احتلال عسكري، عليه التزامات قانونية تجاه السكان الواقعين تحت الاحتلال بموجب القانون الدولي، إلى نظام مدني، وهذا ما يمكن اعتباره خطوة نوعية فى تعزيز السيادة الإسرائيلية على تلك الأراضي، وقد منحت هذه الخطوة اليمينى المتطرف بتسلئيل سموتريتش رئيس حزب "الصهيونية الدينية" ووزير المالية، العديد من الصلاحيات على مختلف جوانب الحياة المدنية فى الضفة الغربية، وهو ما يعنى فعلياً منح أتباع الأيديولوجية الاستيطانية السلطة اللأزمة لتنفيذ أجندتهم. هذا التحول فى السلطة قد أتاح للمستوطنين بناء بؤر استيطانية مغصوبة بصورة شرعية، وتمكينهم من التملك القانونى لأراضى الفلسطينيين، علاوةً على ذلك، تم إزالة ما كان يُعرف سابقًا ب"بؤر استيطانية غير شرعية"، مما يعكس تحولاً كبيرًا فى السياسات الإسرائيلية تجاه الاستيطان. سموتريتش وزميله المتطرف ايتمار بن غفير، وزير الأمن القومي، كرسا جهودهما لتنفيذ ما ورد فى كتاب "مكان تحت الشمس"، حيث بذلا جهدًا كبيرًا لإجبار الفلسطينيين على الرحيل من الضفة عبر سحب أراضيهم أو تخريبها أو قتلهم أو تسليح ودعم المستوطنين، مما يزيد من الضغوط على الفلسطينيين، إذ يتبنى اليمين المتطرف ثلاثة خيارات للفلسطينيين فى الضفة الغربية: الأول هو أن يقبل الفلسطينيون العيش فى إطار الدولة الإسرائيلية كمواطنين من الدرجة الثانية، والخيار الثانى أن يتم تهجيرهم إلى أى دولة أخرى والثالث أن يتم قتل أى فلسطينى يرفض الخيارين، هذه الخيارات تتنافى مع الحق الأساسى للشعب الفلسطينى فى تقرير مصيره، وتعكس توجهًا متطرفًا يسعى إلى تحويل الصراع الفلسطينى الإسرائيلى إلى قضية وجودية تمس حقوق الإنسان. إن ما يجرى اليوم من عملية عسكرية فى الضفة الغربية والتى يطلق عليها عملية "السور الحديدي" تعد جزءاً من هذه السياسة، إذ تهدف إلى فرض السيطرة على الأرض وإخضاع السكان لأجندات سياسة مختلطة من الحصار والتهجير والتدمير. خلال الأسابيع الأخيرة، اشتدت وتيرة العمليات العسكرية على مدن ومخيمات فلسطينية عدة، وأصبح الحصار والتدمير عنوانين بارزين لوصف حالة الحياة هناك، فقد تعرض أهالى مخيم جنين وطولكرم ونور شمس والفارعة لعملية طرد قسري. وقد أظهرت التقارير الصادرة عن الأونروا، أن عملية "السور الحديدي" أسفرت عن أكبر موجة نزوح للفلسطينيين فى الضفة الغربية منذ حرب عام 1967، حيث أُجبر حوالى 40 ألف شخص على ترك منازلهم، وتم إفراغ مخيمات جنين وطولكرم ونور شمس للاجئين من سكانها تقريبًا ومع الدمار الواسع النطاق للبنية التحتية المدنية بما فى ذلك المنازل، يواجه الناس الآن احتمال عدم وجود مكان للعودة إليه. إن الأوضاع فى الضفة الغربية مقلقة للغاية ويتساءل الكثيرون، هل يعقل أن تبقى تلك الجرائم بلا ردود فعل دولية حقيقية؟.. تتوالى الأصوات المنادية بضرورة تدخل ما وعلى الرغم من الشجب اللفظى الذى نسمعه بين الحين والآخر من بعض الدول، إلا أن الحقيقة تبقى أن تلك التصريحات لا تؤدى إلى خطوات فعلية لوقف التصعيد، إن الوضع يتطلب من المجتمع الدولي، تدخلًا عاجلًا لوقف التصعيد وحماية المدنيين.