في عملية وُصفت بأنها الأكبر منذ عملية «السور الواقى» عام 2002، دخل العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر على شمال الضفة الغربيةالمحتلة يومه السادس، اليوم الإثنين، وسط احتدام الاشتباكات بين الفصائل الفلسطينية وقوات جيش الاحتلال في مدن بالضفة الغربيةالمحتلة. ووفقا لما تناولته تقارير إعلامية يرى البعض أن عدوان قوات الاحتلال الإسرائيلي الأخير على بعض مدن الضفة الغربية هي رسالة موجهة إلى حد كبير إلى الجمهور الإسرائيلي، بينما رأى البعض الآخر أنها ربما كانت تهدف أيضًا إلى «إرهاب» الفلسطينيين كأحد أشكال الحرب النفسية. ومنذ ال7 من أكتوبر الماضي، كثفت إسرائيل غاراتها على مدن شمال الضفة الغربية، وخاصة في مخيمات اللاجئين، كخطوة استباقية تهدف من ورائها تل أبيب إلى تحييد الضفة كجبهة إضافية ردا على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. وفي الوقت نفسه، أصبحت تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف، إيتمار بن غفير، ووزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، تدعو بشكل متزايد إلى اتخاذ إجراءات في الضفة الغربية من خلال توسيع نطاق الحرب الشاملة على غزة إلى الضفة، وكان كل ذلك مصحوبًا بتصريحات تحريضية مثل توسيع المستوطنات مستندين إلى دعم من قاعدتهما الشعبية من المستوطنين المتشددين. وفي هذا السياق، رأت مؤسسة «تروث آوت» الأمريكية في تقرير لها أن الحرب في غزة تحولت إلى حرب استنزاف في الأشهر القليلة الماضية، مما زاد من الضغوط الداخلية والخارجية على رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، لإنهاء الحرب، وهنا يأتي الهجوم على الضفة الغربية. ووفقا ل«تروث آوت»، بما أن إسرائيل من المتوقع أن تبدأ في تقليص عملياتها في غزة، فإنها تحاول الآن توسيع نطاق العمليات إلى الضفة الغربية من أجل إطالة «حالة» الحرب قدر الإمكان، نظرا لأن مصالح «نتنياهو» تتوافق مع استمرار سيناريو الاستنزاف. وعلاوة على ذلك، تمثل الضفة الغربية أهمية استراتيجية لإسرائيل، نظرا لنيتها ضم مساحات كبيرة من المنطقة (ج)، التي تشكل أكثر من 60٪ من مساحتها الإجمالية، وتشكل هذه الخطة محور البرنامج السياسي لليمين الإسرائيلي، الذي يتمتع حاليًا بنفوذ حاسم في السياسة الإسرائيلية. ومنذ الساعات الأولى للعملية التي أعلن عنها جيش الاحتلال في الضفة، الأسبوع الماضي، أغلقت قوات الاحتلال مدينة جنين وحاصرت مستشفاها العام، بينما داهمت قوات أخرى مخيمي نور شمس في طولكرم والفارعة في طوباس. في المقابل، شكلت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، تحديا قويا لمحاولات إسرائيل الحفاظ على الاستقرار في الضفة بالتوازي مع توسيع مشروعها الاستيطاني. وفي هذا السياق، تقول هبه شكري، الباحثة بوحدة الدراسات الفلسطينية والإسرائيلية بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية، إن عملية إطلاق النار التي تمت أمس بالقرب من حاجز ترقوميا بغرب الخليل بجنوب الضفة الغربية أكدت وجود تغيير نوعي في استراتيجية عمل المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، حيث قتل 3 ضباط يتبعون الشرطة العسكرية الإسرائيلية بإطلاق إحدى عشرة رصاصة على مركبتهم، وقد جاءت عقب العملية النوعية التي وقعت في منطقة غوش عتصيون الاستيطانية. وأضافت «شكري» في تصريحات ل«المصري اليوم»، أن التغيير النوعي تمثل في طريقة عمل المقاومة الفلسطينية وتشكيلاتها في الضفة الغربية، خصوصا من حيث قوة التنظيم والصلابة الأمنية والتطور التكتيكي، حيث تم تنفيذ العملية بدون وجود إشارات مسبقة، مما شكل تهديدًا أمنيا خطيرًا لإسرائيل. وأشارت «شكري» إلى أن العملية الأخيرة قرب حاجز ترقوميا تبعث رسالة مفادها أن مناطق الضفة لم تستسلم للواقع الأمني المفروض عليها، وعلى الرغم من أن المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية لا تمتلك الإمكانيات التي تملكها نظيرتها في قطاع غزة، لكنها تتصدى للجيش الإسرائيلي وتنصب له الكمائن وتشتبك معه في مواجهات مباشرة، كما عكست مستوى عاليا من التخطيط والمواجهة، ومن ثم الانسحاب بحرفية عالية. وتطرقت «شكري» إلى تصريحات كل من الوزيرين اليمينيين المتطرفين بحكومة بنيامين نتنياهو، وهما وزيرا الأمن القومي، إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، قائلة إنها لعبت دورا كبيرا في إشعال الأوضاع في الضفة الغربية، حيث يستمرا في إطلاق التصريحات الاستفزازية ويصرا على تطبيق سياستهم الاستيطانية المستندة إلى الأفكار العقائدية المتطرفة على أراضي الضفة الغربية. وأشارت إلى أن آخر تلك التصريحات كانت إعلان «سموتريتش» أن الحكومة ستوسع مستوطنات بالضفة الغربية، وستتخذ إجراءات عقابية ضد السلطة الفلسطينية ردا على التحركات الفلسطينية ضد إسرائيل في المحافل الدولية، فيما أثار «بن غفير» جدلا بعدما شكّك في الوضع القائم في الحرم القدسي، وأبدى تأييده بناء كنيس (يهودي) في المكان. وقالت «شكري» إنه خلال الفترة الماضية دأب كل من الوزيرين بن غفير وسموتريتش لفرض أجندة حكومة نتنياهو لتهويد الضفة الغربية عبر مصادرة الأراضي وإنشاء المستوطنات عليها، جنبا إلى جنب مع قتل الفلسطينيين واعتقالهم. وأضافت أنه تم تكثيف بناء الوحدات الاستيطانية الجديدة، التي جرت المصادقة عليها من طرف الحكومة؛ حيث ارتفع عددها ليصل لأكثر من 24 ألف وحدة خلال العام ونصف العام الماضي، ومنذ 7 أكتوبر الماضي فقط تم تأسيس حوالي 23 بؤرة استيطانية جديدة في الضفة الغربية، ليس ذلك فحسب بل اعتقلت القوات الإسرائيلية أكثر من 10.400 من الضفة بما فيها القدس منذ 7 أكتوبر. ورجحت «شكري» أن تزداد الضفة الغربية «سخونة»، خاصة مع إطلاق إسرائيل لعملية «المخيمات الصيفية»- في إشارة إلى الاسم الذي أطلقته إسرائيل على عمليتها الأخيرة- وما يستتبع ذلك من رد المقاومة على الجرائم الإسرائيلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي ظل ما تفرضه حكومة نتنياهو من واقع استيطاني على امتداد مساحة الضفة، بما فيها القدس، مشيرة إلى أن إسرائيل تصر على الاستيلاء على المزيد من الأرض الفلسطينية وتهويدها بالاستيطان سعيا لتنفيذ مخطط الضم، وممارسة أبشع أشكال التنكيل بالفلسطينيين وتهجيرهم. وقالت «شكري» إن حكومة نتنياهو تحاول البحث عن تحقيق «النصر»، بعد إخفاقها في تحقيق الانتصار في غزة بعد 11 شهرا من الحرب، بالإضافة إلى رغبة نتنياهو في إطالة أمد الحرب لإنقاذ مصيره السياسي والهروب من الملاحقة القضائية بسبب اتهامات الفساد الموجهة له من جانب، ولإرضاء اليمين المتطرف الذي يعتمد عليه الائتلاف الحاكم، بهدف خلق واقع أمني جديد تمهيدًا لفرض سيطرة إسرائيلية كاملة على الضفة من جانب آخر. وبالإضافة إلى ذلك، تستهدف إسرائيل إضعاف المقاومة في الضفة الغربية ومنع تطورها وانتقالها إلى مناطق أخرى، لذلك يتم تنفيذ سياسة العقاب الجماعي مع الفلسطينيين وعلى «الحواضن الاجتماعية» للمقاومة من خلال تدمير البنية التحتية وتجريف الشوارع ومداخل المدن لمنع تشكل جبهة مقاومة على غرار قطاع غزة.