لم تعد نكبة فلسطين التاريخية التي يتم الاحتفاء بذكراها سنويا فى 16 مايو بعد أن فقد أبناء فلسطين أراضيهم بفعل الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948، بل يمكن القول بأن هناك نكبة أخرى أكثر فداحة يتعرض لها قطاع غزة منذ الحرب الإسرائيلية الغاشمة فى أكتوبر من عام 2023، ومع اتجاه الاحتلال للسيطرة على الجزء الأكبر من القطاع والتمسك بالوصول إلى هدف تهجير ما يقرب من 2 مليون شخص لكنها تبقى بلا عودة ودون أن يكون هذا الحق معترفا به دوليا مع غياب الحديث عنه بشكل كامل. ◄ تبني المجتمع الدولي لإعادة الإعمار وتأسيس لتسوية سياسية فرصة قبل احتلال غزة والضفة ◄ مؤتمر لحل الأزمة تحت رعاية الأممالمتحدة الشهر المقبل ففي عام 1948 شرد الاحتلال الإسرائيلي نحو 950 ألف فلسطينى من قراهم ومدنهم من أصل 1.5 مليون كانوا يقيمون بفلسطين التاريخية فى 1300 قرية ومدينة، وانتهى التهجير غالبيتهم إلى عدد من الدول العربية المجاورة، إضافة إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن التهجير الداخلي والتطهير العرقي للآلاف من الفلسطينيين داخل الأراضى التى أُخضِعَت لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي. وذكر الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني أن عدد الفلسطينيين تضاعف نحو 10 مرات منذ النكبة وحتى نهاية عام 2024، ويُقدر اليوم بحوالى 15 مليون نسمة، بينهم حوالى 7 ملايين لاجئ، وينظم الفلسطينيون فى ذكرى النكبة فعاليات وتظاهرات فى الأراضى المحتلة، وفى الضفة الغربية وقطاع غزة، وفى مخيمات اللاجئين الفلسطينيين فى الدول العربية، وفى كل أنحاء العالم. نكبة مضاعفة وتتزامن ذكرى النكبة هذا العام مع تصعيد الاحتلال الإسرائيلي من عملياته العسكرية فى قطاع غزة والضفة الغربية على التوازى وذلك بعد أن قام بتدمير مخيمات جنين ونور شمس طولكرم فى الضفة الغربية فى عملية عسكرية تستمر للشهر الرابع على التوالى وهو ما تسبب فى تهجير من 40 ألف لاجئ أصبحوا نازحين، فيما يتصاعد القلق من انتظار بقية مخيمات الضفة مصيراً مشابهاً بعد أن اقتحمتها قوات الاحتلال وأخذت مقاسات، ووضعت رموزاً وأرقاماً على المنازل التى تخطط لتدميرها، كما أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام عمليات برية واسعة فى مناطق بشمال وجنوب قطاع غزة، ضمن حملة جديدة أطلق عليها اسم «عملية عربات جدعون»، مع تأكيده تكثيف الضربات الجوية على القطاع الفلسطينى بحجة الضغط على حماس. ◄ اقرأ أيضًا | «الأونروا»: سكان غزة عانوا من الحرمان من أساسيات الحياة لأكثر من 11 أسبوعًا ◄ تتضاؤل الفرص وأمام توسع الاحتلال الإسرائيلى تتضاءل فرص الوصول إلى اتفاق سلام شامل وعادل يقوم على مبدأ حل الدولتين ويمكن الفلسطينيين من البقاء فى أراضيهم وعودة من جرى تهجيرهم منها، إذ إن عدم غلق أبواب التفاوض بشأن وقف الحرب الجارية فى قطاع غزة ومع تصاعد المطالب الدولية لوقف هذا الصراع، وكذلك تبنى المجتمع الدولى لخطة مصرية عربية بشأن إعادة إعمار غزة والتأسيس لتسوية سياسية جديدة يجعل هناك فرصة قد تكون أخيرة قبل أن يحكم الاحتلال قبضته بشكل شبه كامل على غزة والضفة الغربية. وتشير بيانات مكتب الأممالمتحدة لتنسيق الشئون الإنسانية إلى أن 70% من قطاع غزة أصبح الآن ضمن المناطق الأمنية المحظورة التى أقيمت على طول أطراف القطاع أو فى المناطق التى أصدر الجيش الإسرائيلى تحذيرات لسكانها بالإخلاء. ونزح أكثر من 436 ألف شخص منذ شهر مارس الماضى، ومن المقرّر أن تعقد الجمعية العامة للأمم المتحدة مؤتمرا فى يونيو لحشد الجهود نحو المضى قدما بحل دولتين فى إطار وضع حد للنزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، على أن ينظم برعاية فرنسية- سعودية. وقال مساعد الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون الشرق الأوسط وآسيا والمحيط الهادى خالد خيارى إن «السلام يتطلب تقدما ملموسا ودائما نحو حل الدولتين وإنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة تكون غزة جزءا لا يتجزأ منها». ◄ ممتدة! وقالت الدكتورة عبير ياسين، الخبير فى الشؤون الفلسطينية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، إن النكبة الفلسطينية لم تعد واحدة فهناك نكبة ممتدة منذ أكتوبر من العام 2023 وهى بمثابة حرب كبرى تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين وهناك من يرى بأن ما حدث فى العام 1967 والذى كان بمفهومنا نكسة لكنه فى نظر الآخرين نكبة ثالثة لأنه ترتب عليها احتلال اجزاء كبيرة من الصيغة والقدسالشرقية، مشيرة إلى أن التهجير القسرى يبقى عاملا مشتركا بما يهدف لإخلاء الأراضى الفلسطينية من مواطنيها لإقامة الدولة اليهودية الخالصة. أضافت أن هذه الشعارات يرفعها عدد من الوزراء الإسرائيليين المتطرفين بينهم وزير شؤون الأمن القومى الإسرائيلى ايتمار بن غفير، ويهدف حاليا لتهجير أهالى قطاع غزة والإبقاء فقط على 300 ألف فلسطينى باعتبارهم أقلية قد يحصلون على حقوق مدنية ولكن لا يحصلون على حقوقهم السياسية وليس من حقهم أن يطالبوا بحق إقامة دولتهم، فى مشهد يتقارب مع ما حدث فى النكبة الأولى التى تتكرر فيها صور القتل والتجويع والتهجير، وأشارت إلى أن نكبة 48 كان من يغادرون الأرض يقنعون بسرعة العودة إليها مرة أخرى وأن كثيرًا من الكتابات التاريخية تشير إلى أن بعض الفلسطينيين رفضوا اصطحاب أغراضهم كاملة مع قناعتهم بالعودة إلى منازلهم مرة أخرى فى غضون أيام، وأن الجيوش العربية التى ستأتى إلى فلسطين سوف تحررها من اليهود وتعيدهم مرة أخرى ولم يكن لديهم أى تصور بشأن عدم عودتهم ولكن بعكس ما يحدث الآن إذ أن فكرة التهجير القسرى من قطاع غزة تتعارض مع حق العودة مرة أخرى. ◄ حدث فاصل وذكرت أن النكبة التى حدثت فى العام 67 كانت بمثابة حدث فاصل إذ إنه قاد لتأسيس الصهيونية القومية والتى ترفض التخلى عن أى أراضى فلسطينية جرى السيطرة عليها، وتطور الآن إلى ما يسمى باليمين المتطرف مشيرًا إلى أن خطة الحسم التى قدمها زعيم تيار الصهيونية الدينية ووزير المالية الحالى بتسلئيل سموتريش والقائمة على التهجير والتوسع والاستيطان والتهويد تسعى إسرائيل لتطبيقها الآن مع وضع خياران كلاهما مر بين القبول بالتهجير أو الموت أمام الآلة العسكرية، وأن حرب غزة الحالية كانت بمثابة فرصة سانحة لليمين الأكثر تطرفا فى محاولة لتطبيق أجندته. ولفتت إلى أن المستقبل تحيط به الكثير من الأخطار المتصاعدة على القضية الفلسطينية فى ظل قسوة المشهد الراهن مع المجاعة المنتشرة فى كافة أنحاء غزة والخسائر البشرية الفادحة، ويمكن القول بأنه مازال هناك فرصة أخيرة أمام مبدأ حل الدولتين فى ظل إقدام إسرائيل على تقطيع أوصال الدولة الفلسطينية مع زيادة وتيرة الاستيطان ومع موافقة الكنيست الإسرائيلى مؤخرا السيطرة على 60% من أراضى الضفة الغربية وهى بالأساس تمثل 60% من إجمالى الأراضى الفلسطينية المقترحة لإقامة الدولة عليها، إلى جانب السيطرة الكاملة على 30% من أراضى قطاع غزة مع تننى الاحتلال فكرة عدم إسقاط القدس الموحدة، وشددت على أن القضية الفلسطينية أمام مفترق طريق حقيقى لأن هناك خطاباً أوروبيًا ودولى يدعم الاتجاه نحو السلام وإعلان إقامة دولة فلسطينى تبدأ بوقف الحرب دون تنفيذ خطط التهجير وبين استمرار التصعيد الذى يجعل الاحتمالات مفتوحة على أن يكون الصراع ممتدا مع تزايد معدلات استهداف الفلسطينيين فى الضفة الغربية وفقًا للرؤى الدينية اليهودية التى تشير إلى أنها مركز الثقل فى إقامة الدولة اليهودية الكاملة. ودعت قيادات سبع دول أوروبية، إسرائيل إلى الدخول فى مفاوضات بنية صادقة لإنهاء حرب الإبادة التى تشنها فى قطاع غزة منذ قرابة عشرين شهراً، كما طالبوا برفع الحصار المفروض على القطاع، مشيرين إلى أنهم لن يقفوا مكتوفى الأيدى أمام «كارثة إنسانية من صنع الإنسان تُرتكب أمام أنظار العالم فى غزة»، جاء ذلك فى بيان مشترك أصدره قادة كل من: إسبانيا، النرويج، آيسلندا، أيرلندا، لوكسمبورغ، مالطا، وسلوفينيا، أعربوا فيه عن رفضهم التام لأى خطط تهدف إلى التهجير القسرى لسكان القطاع أو إلى إجراء تغييرات ديمغرافية فيه. ◄ فلسطين التاريخية وقال الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، إن مناطق كبيرة من أراضى فلسطين التاريخية تم ابتلاعها ويقوم الاحتلال الآن بتوسيع عمليات السيطرة الأمنية والاستيطان لغلق جميع المنافذ أمام عملية السلام، غير أن الموقف المصرى القوى والذى عبر عنه الرئيس عبدالفتاح السيسى فى القمة العربية أخيرًا برهن على أنه لن يكون هناك سلام فى المنطقة دون الفلسطينيين أنفسهم، ورغم صعوبة المشهد الراهن غير أن آفاق الحل تبقى باقية، وأوضح أنه فى حال سُدت جميع الأبواب فإن دائرة العنف سوف تتسع داخل فلسطين وخارجها إلى ما لا نهاية ولا أحد يمكن أن يتنبأ إلى ما يمكن أن ينتهى عليه الصراع، مشيراً إلى أن الدول الأوروبية تتنبه لهذا الخطر وهو ما يدفعها للضغط باتجاه الحل وطرح العديد من التسويات سيكون أبرزها عقد مؤتمر تنظمه الأممالمتحدة الشهر القادم للحديث عن جغرافيا الدولة الفلسطينية، ولفت إلى أن إعلان الاحتلال تصعيد عملياته العسكرية فى غزة يهدف بالأساس للضغط على حماس لإنجاح المفاوضات الجارية فى الدوحة والتجارب التاريخية تشير إلى أنه كلما احتدم الصراع والعمليات الإجرامية التى يقوم بها الاحتلال اقترب أمد الحل، وأن اللحظات الأخيرة دائمًا هى الأكثر صعوبة.