يصادف اليوم ال15 من مايو، الذكرى ال73 لنكبة شعبنا الفلسطيني، والتي كان ضحيتها تهجير نحو 950 ألف فلسطيني من مدنهم وبلداتهم الأصلية، من أصل مليون و400 ألف فلسطيني كانوا يعيشون في 1300 قرية ومدينة. ولعل من قبيل المصادفة أن يأتي الرقم موافقًا لسنة الانتصار العربي الوحيد على الاحتلال الإسرائيلي في أكتوبر 1973، عندما نجحت قوات الجيشين المصري والسوري في رد الكرامة للعرب ولقنوا العدو درسًا قاسيًا لن ينساه، وقد تزامن مع ذلك شواهد انتفاضة فلسطينية جديدة انطلقت هذه الأيام، ومعادلة تغيرت عن أحداث الانتفاضات السابقة، حيث وجد الاحتلال نفسه يحارب على أكثر من جبهة في وقت واحد، وبدأت بحملات تهجير قسري لأهالي حي الشيخ جراح من المقدسيين من منازلهم عنوة لصالح مستطونين يهود.
دلائل تغير المعادلة اتضحت عندما نجحت صواريخ فصائل المقاومة في اختراق منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية، وألحقت خسائر جسيمة في مدن تخضع لسيطرة وحكم الاحتلال الإسرائيلي، ما جعل قوات الاحتلال تبادر بشن هجوم صاروخي عنيف على قطاع غزة استمر لليوم السادس على التوالي، وسط مناشدات دولية لوقف النار وإيقاف نزيف الدم الفلسطيني، خصوصًا وأن القصف الإسرائيلي يستهدف منشآت مدنية ومولات تجارية وأسواق وناطحات سحاب، بهدف إلحاق أكبر ضرر بمدن القطاع التي تديره حكومة حماس، كنوع من العقاب على الصواريخ التي اخترقت منظومة القبة الحديدية الدفاعية وإجبار الغزاوية على الانتظار فترة طويلة لإعادة الإعمار وتعود الحياة كما كانت عليه في السابق. وبات واضحًا أن تطور قدرات الفصائل الفلسطينية الصاروخية سيجبر جيش الاحتلال على تطوير منظوماته الدفاعية وعدم الاعتماد على المنظومات المطورة بالتعاون مع الولاياتالمتحدة فقط.
في تلك الانتفاضة الجديدة واجهت قوات الاحتلال مقاومة شرسة من أشقائنا الفلسطينيين ليس في القدس فقط ولكن في الضفة الغربيةورام الله وأراضي 1948 فضلًا عن غزة، ولم ترهبهم العملية العسكرية والعدوان الغاشم الذي شنه جيش الاحتلال وشرطته على قطاع غزة واستهدافه شريان الحياة الرئيسي بمدن القطاع، لكن ذلك لم يرهب الفلسطينيين وفصائل المقاومة رغم سقوط شهداء وجرحى بالمئات وخسائر بملايين الدولارات . وبحسب مركز المعلومات الفلسطيني، سيطرت العصابات الصهيونية خلال النكبة على 774 قرية ومدينة فلسطينية، وتم تدمير 531 منها بالكامل وطمس معالمها الحضارية والتاريخية، وما تبقى تم إخضاعه إلى كيان الاحتلال وقوانينه. كما شهد عام النكبة أكثر من 70 مجزرة نفذتها العصابات الصهيونية، التي أمدتها بريطانيا بالسلاح والدعم، كمجازر دير ياسين والطنطورة، وأكثر من 15 ألف شهيد والعديد من المعارك بين المقاومين الفلسطينيين والجيوش العربية من جهة والاحتلال الاسرائيلي من الجهة المقابلة.
قرابة 531 بلدة وقرية جرى تدميرها ومحوها، وإنشاء مستوطنات إسرائيلية على أراضيها، كما احتلت المدن الكبيرة وشهد بعضها معارك عنيفة وتعرضت لقصف احتلالي أسفر عن تدمير أجزاء كبيرة منها، ومنها اليوم ما تحول إلى مدينة يسكنها إسرائيليون فقط، وأخرى باتت مدن مختلطة. وبحسب سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" بلغ عدد مخيمات اللاجئين الفلسطينيين 58 مخيما رسميا تابعا للوكالة تتوزع بواقع 10 مخيمات في الأردن، و9 مخيمات في سوريا، و12 مخيما في لبنان، و19 مخيما في الضفة الغربية، و8 مخيمات في قطاع غزة. وسيطر الاحتلال الذي أعلن قيام دولته في مثل هذا اليوم قبل 72 عاما، على 78% من مساحة فلسطين التاريخية (27000 كيلو متر مربع)، بدعم من الاستعمار البريطاني تنفيذا لوعد بلفور المزعوم عام 1917 وتسهيل هجرة اليهود إلى فلسطين، والدور الاستعماري في اتخاذ قرار التقسيم، (قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947، الذي عملت الولاياتالمتحدة الأميركية وفرنسا على استصداره)، ثم جاءت النكسة وتوسع الاستيطان والتهجير، وسيطر الاحتلال على أكثر من 85% من مساحة فلسطين. وبلغ عدد الفلسطينيين في نهاية عام 2019 حسب الجهاز المركزي للإحصاء حوالي 13 مليونا، منهم نحو 5 ملايين فلسطيني يعيشون في الضفة وقطاع غزة، (43% منهم لاجئين حسب التعداد العام للسكان والمساكن والمنشآت 2017)، وحوالي مليون و597 ألف فلسطيني يعيشون في الأراضي المحتلة عام 1948، فيما بلغ عدد الفلسطينيين في الدول العربية حوالي 6 ملايين، وفي الدول الأجنبية حوالي 727 ألفا. وعادة ما يتم إحياء ذكرى النكبة بمسيرات جماهيرية ولقاءات حاشدة غير أن انتشار فيروس كورونا حال دون تنظيمها حفاظا على السلامة العامة، وعوضا عن ذلك فقد نشط فلسطينيون بالتذكير بالنكبة من خلال منصات التواصل الاجتماعي. وفي ظل ما يجري في القدسالشرقية وقطاع غزة فقد تحولت فعاليات النكبة إلى مسيرات ومواجهات مع الجيش الإسرائيلي. فقد انطلقت مسيرة كبيرة من وسط مدينة رام الله، شارك فيها قادة فصائل فلسطينية، إلى المدخل الشمالي لمدينة البيرة، حيث يتواجد حاجز عسكري إسرائيلي، ووجهت القوى الفلسطينية دعوات لمسيرات في المدن الفلسطينية بالضفة الغربية إلى الحواجز الإسرائيلية. وكانت الضفة الغربية شهدت أمس الجمعة أعنف مواجهات منذ سنوات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي ما أدى إلى مقتل 11 فلسطينيا وإصابة المئات.
وطغت مجريات الأحداث في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة على المشهد. وقال مسؤول مقرب من الرئيس الفلسطيني ل"العين الإخبارية" إن "مشاهد ما جرى في الأيام الأخيرة تقول أمرا واحدا وهي أن النكبة مستمرة". وأضاف: "نحيي ذكرى النكبة ونحن في نكبة جديدة". وفي هذا الصدد فقد أكدت الرئاسة الفلسطينية على أن "الجريمة البشعة التي قام بها الاحتلال الإسرائيلي، فجر يوم النكبة، والتي راحت ضحيتها عائلة كاملة من أبناء شعبنا، جريمة لا يمكن السكوت عليها". وقالت في بيان: "إن الحرب الإسرائيلية المستمرة على الشعب الفلسطيني منذ 73 عاما، وآخر هذه الجرائم، إبادة عائلة أبو حطب بأطفالها ونسائها وشيوخها، تتحمل حكومة الاحتلال مسئولية وتداعيات ذلك" في إشارة الى العائلة التي راحت بأكملها ضحية قصف إسرائيلي في غزة. وأغلقت المحال التجارية في مدينة القدسالشرقية أبوابها السبت حدادا على أرواح الفلسطينيين الذين سقطوا بالضفة الغربية وقطاع غزة. وسادت مظاهر الحداد المدن والقرى الفلسطينية بالضفة الغربية وسط دعوات للاشتباك مع الجيش الإسرائيلي نصرة لغزة.
# وقال عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية رئيس دائرة شؤون اللاجئين د. أحمد أبو هولي "أن ما يجري على الأرض من جرائم وعدوان إسرائيلي يستهدف الوجود الفلسطيني على أرضه هو امتداد للنكبة الفلسطينية". ولفت في تصريحات صحفية إلى أن النكبة الفلسطينية ليست مجرد ذكرى يحييها شعبنا الفلسطيني أو حدثاً عابراً بل تشكل حدثاً تاريخاً لقضية وطن مسلوب وشعب مشرد يخوض نضاله المشروع من أجل استرداد حقوقه التي اغتصبت منه عام 1948. وأضاف أن "النكبة الفلسطينية بمدلولاتها السياسية والإنسانية تحمل في طياتها ودلالاتها قضية اللاجئين الفلسطينيين التي تشكل قلب وجوهر القضية الفلسطينية والسبب الرئيسي لاستمرار الصراع القائم في الشرق الأوسط ". وأشار إلى أن اللاجئين في مخيمات اللجوء بات عددهم اليوم بعد مرور 73 عاماً على نكبتهم إلى ما يقارب 6.2 مليون لاجئ فلسطيني ينتظرون من المجتمع الدولي برفع الظلم التاريخي عنهم. وحمل د. أبو هولي المجتمع الدولي وهيئة الأممالمتحدة ومؤسساتها مسئولية استمرار مأساة الشعب الفلسطيني ومعاناة اللاجئين الفلسطينيين بعدم إلزام إسرائيل بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية منذ سبعة عقود من عمر النكبة الفلسطينية". وطالب "بتحمل مسئولياته الدولية بإنصاف الشعب الفلسطيني ورفع الظلم التاريخي الذي لحق به عبر العودة إلى دياره وتمكينه من ممارسة حقوقه المشروعة حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس".
#
ومن المعروف أن ذكرى النكبة الموافق 15 مايو من كل عام، هو يوم إحياء الذكرى السنوية لنكبة الشعب الفلسطيني، حيث يتذكر الفلسطينيون ما حل بهم من مأساة إنسانية وتهجير. اتُّفِق على أن يكون يوم الذكرى هو اليوم التالي لذكرى إعلان قيام دولة الاحتلال الإسرائيلي وذلك في إشارة إلى أن كل ما قامت به العصابات المسلحة الصهيونية مثل "هاجاناه" في حق الشعب الفلسطيني كان من أجل التمهيد لقيام هذه الدولة التي أريد منها أن تكون دولة لليهود فقط.
والنكبة مصطلح فلسطيني يبحث في المأساة الإنسانية المتعلقة بتشريد عدد كبير من الشعب الفلسطيني خارج دياره خلال الحرب الإسرائيلية - العربية عام 1948. وتشير كلمة النكبة في اللغة العربية إلى الكارثة. لذلك يرمز بها الفلسطينيون للتهجيرهم القسري الجماعي وهدم معظم معالم مجتمعهم، ويعد المفتاح أحد أهم الرموز التي يعبر الفلسطينيون بها عن تمسكهم بحق العودة إلى الأراضي المحتلة.
وكان المؤرِّخ والمفكر القومي العَلماني قسطنطين زريق أول من استخدم مصطلح النكبة على كارثة تهجير الفلسطينيين. وقد أصدر بعد ثلاثة أشهر فقط على إعلان قيام دولة إسرائيل، كتابه التأسيسي "معنى النكبة" باللغة الإنجليزية.