لم يستجب سيدنا (الحسين بن على بن أبى طالب)- رضى الله عنه، وكرم الله وجه أبيه– إلى نصائح من نصحوه من صحابة رسول الله– صلى الله عليه وسلم- بألا يخرج إلى الكوفة ملبيا دعوة من دعوه للخروج على الحاكم الفاسد يزيد بن معاوية، الذى أفسد فى أمة النبى صلى الله عليه وسلم، لكى يحل هو محله، فيصلح ما أفسده، فهو التقى النقى .. حفيد النبى!! لأن الصحابة رأوا فى خروجه فتنة، ستودى بحياته وحياة من معه من أنصاره وخيرة آل بيت النبى، ولن يتحقق من خروجه ما أراده من الإصلاح الذى يبتغيه، لأن من دعوه للخروج سيخذلونه، وسيكونون أول من يتركونه.. وقد تحقق (الحسين) بنفسه- بعد خروجه- من صدق ما نصحه به الصحابة، وثبت لديه أن من دعوه للخروج قوم فتنة، أرادوا استخدام اسمه وجسمه لإشعال الفتنة وإراقة الدماء التى حرمها الله إلا بالحق، فقد تركوه وتخلوا عنه بعد أن دعوه !! ولم ينصروه ويؤازروه كما وعدوه !! ولما تبين له ذلك.. وأيقن أنه هالك .. وأن دماءه هو والقلة القليلة التى معه من أنصاره ستسفك سدى وبغير طائل، دون أن يتحقق له ما أراده من وراء خروجه، من الإصلاح فى أمة جده عليه الصلاة والسلام، عدل عن مواصلة طريقه بعد ما ثبت له أنه طريق إلى التهلكة، وقرر العودة بِمَن معه مِن حيث أتى، حفظا وحقنا لدمائهم... لكن جيش البغاة والطغاة أبى إلا أن يحاصروه ويقاتلوه، فقتلوه!. وسالت دماؤه الزكية الطاهرة ودماء من معه من أنصاره من خيرة آل بيت النبى، ولم يشأ الله عز وجل بحكمته أن يقدر له الوصول للحكم والخلافة، مع صدق نيته فى الإصلاح لأجل هذه الأمة، ومع خيريته وأفضليته وعلو شأنه ومقامه فى الدنيا والآخرة... سلامٌ من الله على الإمام الشهيد، الثائر الحق، البطل الصادق، سيد شباب أهل الجنة، سيدنا (الحسين بن على بن أبى طالب). وأما ما حدث قبل ذلك مع أخيه الأكبر سيدنا (الحسن بن على بن أبى طالب) رضى الله عنه، أنه قد بويع بالخلافة بيعة شرعية، وأصبح خليفة للمسلمين وأميرا للمؤمنين بالفعل، وتولى أمرهم وشئونهم، ثم لما تبين له أن خلافته هذه ستشعل فتنة بينه وبين خصومه من أنصار سيدنا (معاوية بن أبى سفيان) رضى الله عنه، لأنهم يريدون مبايعة (معاوية) خليفة للمسلمين، لا (الحسن)، وأن هذه الفتنة ستؤدى إلى قتال بينه وبينهم، وستسفك فيها الدماء، وستتفرق فيها الأمة على تفرقها، تنازل طواعية بغير إكراه عن الحكم والخلافة ل (معاوية)، مع أنه يعلم والكل يعلم، أن (الحسن) بالإجماع هو أفضل وأتقى، وأحرص على الأمة والرعية، وعلى تطبيق شرع الله، والعمل بسنة رسول الله من (معاوية)، وأن (الحسن) أقرب إلى الله فى تقواه من معاوية، فقد بشره جده صلى الله عليه وسلم هو وأخاه بالجنة، وقال عنهما: (هذان سيدا شباب أهل الجنة)... ولكن (الحسن) مع كل هذا تنازل ل (معاوية) عن حقه الشرعى فى الحكم، الذى أتاه ببيعة شرعية، وذلك من أجل حقن الدماء، فهو لم يستبح أبدا دماء الناس، من أجل مجد ومطلب دنيوى شخصى، ولم يتكالب أبدا على الخلافة، ولم يتشبث بها، بل إنه لم يسْعَ أصلا للحكم والخلافة، ولم يكن يريدها، بل هى التى سعت إليه وطلبته بمطلب وإرادة حرة من الناس، ومع ذلك فقد تركها لله، ومن أجل الله، ومن أجل الجنة التى يبتغيها فى الآخرة، ولم يصل إلى السلطة أبدا على أسنة الرماح والسيوف، ولم يسبح إليها فى دماء الناس.. وبِصَنِيعِهِ هذا جمع الأمة- التى تشتت طويلا- على كلمة واحدة، وعلى رجل واحد، ووقى الأمة فتنة عظيمة، وحقق بشارة جده عليه الصلاة والسلام، التى كشفها الله له من وراء حجب الغيب، حين قال عن الحسن: ( إن ابنى هذا سيد، لعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين)... سلامٌ من الله على الإمام الذى آثر الآخرة على الدنيا، وحفظ دماء الأمة، ووحدها بعد تفرق، وجمعها بعد تشتت، سيد شباب أهل الجنة، سيدنا (الحسن بن على بن أبى طالب). ومن أجل هذين الموقفين السابقين ل(الحسن) و(الحسين) رضى الله عنهما، أقول لكل من رشح نفسه لانتخابات الرئاسة، ثم اسْتُبعِد أو سقط أو نجح، تأمل وتدبر هذين الموقفين جيدا وتمعن فيهما ... ولا تستبح بحال من الأحوال دماء الناس من أجل نفسك ومن أجل مجدك الشخصى !! فأنت بالتأكيد لست أفضل من (الحسن والحسين) رضى الله عنهما !! وأنت بالتأكيد لست أتقى لله منهما !! وأنت بالتأكيد لست أحرص على تطبيق شرع الله منهما!! ولا أحرص على الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية منهما!! مهما كانت مرجعيتك .. دينية أم غير دينية !! ومن رأى أنه قد استُبْعِدَ أو سقط ظلما وزورا بغير وجه حق، ولديه من الأدلة ما يثبت به ذلك، فمن حقِه أن يُثبت حقَه!! ولا ينازعه أو ينزع منه أحدٌ هذا الحق، ولكن ليذهب بأدلته هذه إلى ساحات القضاء فى المحاكم، وليس إلى ساحات الميادين فى الشوارع !! وليُجَنِب شعبه وأمته نار الفتن التى ستشتعل، وستفرق الأمة، والدماء التى سَتُسْفَك أنهارا من أجل نفسه، وكفانا ما سُفِكَ من دماء من أجل عَرَضٍ دنيوى زائل !! واعلم أن الله سبحانه بحكمته يؤتى ملكه من يشاء، فارض بما قسمه الله لك، وأعرض عما سلبه الله منك، ولا تأس عليه، إن كنت صادقا مع الله، ومع نفسك !! ... أما أنت يا من نجحت ووصلت للحكم والرئاسة، فلا تفرح بما آتاك الله، وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، وأحسن فيه وإليه، واعلم أن الإمارة والرئاسة خزى وحسرة وندامة يوم القيامة إن لم تحسن فيها وإليها، وأن الله سائلك عنها.. وإذا ثارت الفتن يومًا حول بقائك ورحيلك، فلا تفرق الأمة وتستبح وتسبح فى دمائها، من أجل أن تبق على الكرسى، الذى لن يدوم لك مهما طال بك العمر وامتد، فلو دام لمن سبقك، لما وصل إليك!! وأما الناخبون من الأمة فأقول لهم: ارضوا بمن قدر الله له أن يفوز بهذا المنصب، ويصل إلى ذلك الكرسى، حتى ولو كان على غير رغبتكم، ما دام فاز به ووصل إليه بأغلبية، وبحرية ونزاهة، وبلا تزييف أو تزوير!! ولا داعى للفرقة والتفرق، وشق وحدة الجماعة، وإثارة الفتن!!. من أجل كل ما سبق، أقول لمُرَشَّح الرئاسة: كُنْ (حَسَنًا)، فَلَسْتَ (حُسَيْنًا) !! ألا! هل بلغت ؟!.. اللهم فاشهد!! رضى الله عن (الحسن والحسين)، وجمعنا بهما مع أبيهما فى الجنة، بصحبة الحبيب النبى، وأزواجه وآل بيته، وسائر الصحب أجمعين.. ووقى الله بلادنا الفتن.. ما ظهر منها وما بطن!!.