تحدث الكثيرون عن مسئولية المجلس العسكرى فى حماية المعتصمين فى العباسية، قبل الموقعة المشهودة، وتحدثوا عن جرائم البلطجية بغطاء من الجيش.. الخ، وقد أتفق مع كثير مما قيل فى هذا الصدد، لكننى أبحث على الدوام عن أخطائنا قبل الحديث عن أخطاء الآخرين وأنبش عن سلبيات الإسلاميين وأظهرها قبل أن أرفع صوتى بالشكوى والدعاء بعظائم الأمور والويل والثبور على المجلس العسكرى وعلى البلطجية. السؤال الذى ينبغى طرحه هنا يا سادة هو.. الظواهرى فى العباسية.. هل هذا أمر طبيعى؟. وكان من المفترض تدخل رموز إسلامية ذات ثقل كبير وذات مكانة مرموقة ومعروفة بخطها المتعقل ونهجها الرصين ورؤيتها المستقبلية. لم يعد الأمر يحتمل المحاباة والطبطبة، فلماذا لم يذهب إلى المعتصمين أمام وزارة الدفاع كبار رموز العمل الإسلامى؟ لماذا لم يذهب الشيخ القرضاوى أو مرشحو الرئاسة ذوو المرجعية الإسلامية، لماذا لم يذهب المفكرون والكتاب الإسلاميون؟ لماذا لم يذهب الشيخ حسان أو رموز الجماعة الإسلامية العقلاء أو رموز الإخوان من ذوى الخبرة أو بعض علماء الأزهر أو الدكتور زغلول النجار أو نواب إسلاميون عقلاء من داخل البرلمان يتفاوضون مع المعتصمين ويشرحون لهم خطورة التواجد فى مثل هذا المكان وإمكانية استغلال فلول الوطنى له وتحريكه لصالحهم، ومن ثم إقناعهم بنقل الاعتصام إلى مكانه الطبيعى فى ميدان التحرير؟. للأسف الشديد غاب صوت العقل ورأينا فى الكادر الأخ محمد الظواهرى وأبوالأشبال والسيسى..إلخ، وكان صوت التهييج والتحريض ملتهباً مرتفعاً الى عنان السماء. ألم يسأل أحد هنا نفسه، لماذا احتفى الاشتراكيون الثوريون و6 أبريل– وغيرهم ممن حاولوا مراراً الدفع باتجاه الصدام مع الجيش– لماذا الاحتفاء بتلك الأصوات المهيجة المحسوبة على الإسلاميين فى تيارى السلفية والجهاد التى تدعو للغزو والاقتحام والانتقام والمواجهة؟. وفى المقابل فى ذات الوقت يُهاجم أصحاب النهج الوسطى المعتدل ممن يدعون إلى الاحتماء بالسلمية فى الإعلام والصحف والإنترنت من نفس المصدر ومن ذات التيارات لأنهم يدعون إلى عدم الصدام مع الجيش. فهل غر الظواهرى وأبو الأشبال والسيسى.. إلخ مديح وثناء الاشتراكيين الثوريين و6 أبريل ونوارة نجم لهم؟. دعونا نكون أكثر صراحة، ووضوحاً فقد سئمنا الرعونة والسذاجة والبلاهة السياسية، ليتسلى "عيال" من التيارات العلمانية المتطرفة– ماركسيين وليبراليين– ببعض أصحاب اللحى، لنفاجأ بهم بعد يومين يعلنون انتصاراً على التيار الإسلامى بأكمله. والمدهش والمؤلم أنها نفس الطريقة وذات الأسلوب؛ ونفس الفخ الذى يقع فيه فريق من الإسلاميين بدون تفكير وبدون نظر وبدون مشورة وبدون دراسة كأن المواقف السياسية لديهم لا تختلف كثيراً عن سلق بيضة أو تجهيز طبق من السلطة. وإلا فكيف يرضون لأنفسهم أن يكونوا وقوداً لمعركة ليست معركتهم من الأساس؟. إنما هى معركة التيارات الليبرالية والماركسية التى تفتقد للجماهيرية والثقل فى الشارع، ولها مع المؤسسة العسكرية المصرية قضية لا تخفى على أحد فى قصة معروفة منذ بداية الثورة؛ وهى محاولة الاستيلاء على السلطة بطرق غير مشروعة، بعيداً عن الاستحقاق الديمقراطى ولعبة تداول السلطة بطريقة سلمية، والتى لا نصيب لهم فيها ولا تأثير ولا قدم نظراً لضعف شعبيتهم ورفض المزاج الشعبى لهم. ما الذى يجرى؟ ما الذى يفعله هؤلاء الذين يدعون أنهم إسلاميون؟ يتحدثون عن أخطاء المجلس العسكرى، وأنا أصر على الحديث عن دهاء وذكاء ومكر المجلس العسكرى وحرفيته العالية فى إدارة الفترة الانتقالية بما يحقق مصلحته ومصلحة قادته وعبور هذه المرحلة بأقل الخسائر الممكنة. ولا أقلل أيضاً من حرفية ومكر وذكاء بعض القوى والتكتلات التى لا تمتلك ما يمتلكه الإسلاميون من أرضية جماهيرية واسعة، لكنهم يمتلكون النفوذ الإعلامى والثقافى والخبرة والحنكة السياسية، وبدا الإسلاميون وأصحاب اللحى فى المشهد وحدهم هم الأكثر سذاجة وبلاهة وكانوا كاللعبة و"الشخشيخة" فى أيدى عيال أبريل والاشتراكيين الثوريين. فهل نسى الإسلاميون وهم يضعون أيديهم فى يد 6 أبريل والاشتراكيين الثوريين فى مواجهة جنود وضباط الجيش المصرى، هل نسوا أن العلمانيين – ليبراليين وماركسيين– يفضلون حكم العسكر كبديل دائم ومحبب إليهم عن حكم الإسلاميين؟. وهل نسوا على مدار التاريخ الحديث منذ ثلاثينيات القرن الماضى إلى اليوم، كم أوقعهم اليساريون والليبراليون فى فخ العنف والصدام مع السلطة لتخلو الساحة السياسية لهم؟. وأرجو هنا مراجعة اشتراك 6 أبريل بالفعل ووقوع قتلى منهم فى الموقعة ثم إعلانهم عن تبرئهم وعدم اشتراكهم "ويشيل الإسلاميون الليلة" ! والسؤال الذى كنت أتمنى أن تحمله الرموز الإسلامية المتعقلة الرصينة للمعتصمين قبل أن تسيل الدماء هو: لماذا الاعتصام أمام وزارة الدفاع؟ ، ولماذا هذا الخطاب التحريضى العنيف غير المسئول من أصوات سلفية وجهادية كأبو الأشبال والظواهرى وغيرهما ضد الجيش والقوات المسلحة المصرية وأعضاء المجلس العسكرى؟. وهل تبين للبعض اليوم خطأ الإسلاميين فى التخلى عن الثوار، وعن الميادين فعادوا اليوم ليصححوا خطأهم؟. إن كان الأمر كذلك فهم فى واقع الأمر يصححون الخطأ بخطيئة؛ وبدلاً من أن يعودوا إلى الميادين الحقيقية التى انتصرت فيها الثورة، وبدلاً من العودة إلى القيم الحقيقية التى انتصرت بها الثورة، إذا بهم يقعون فى أسوأ السوءات التى شابت الثورة المصرية منذ انطلاقها، ويضعون أيديهم بأيدى فصائل ومجموعات لا ترجو للوطن خيراً ولا تفكر إلا فى مصلحتها فقط، وتسعى للإيقاع بالإسلاميين ولإغراق البلاد فى الفوضى، حتى لا ينعم الإسلاميون بانتصاراتهم القليلة على الساحة السياسية وحتى يقطعوا على الأحزاب الإسلامية الطريق إلى مزيد من الانتصارات التى تمكنهم من تعزيز مكانتهم الجماهيرية ووضعهم السياسى. نسى هؤلاء المحسوبون على التيار الإسلامى الذين حرضوا ضد الجيش فى العباسية أن الثورة فى الأساس ليست ثورة إسلامية إنما هى ثورة الشعب المصرى بجميع فصائله وطوائفه، وأن مبارك لم يسقط بالسلاح والجهاد المسلح إنما بالصدور العارية والشباب الأعزل. ونسى الأخ الظواهرى وأبو الأشبال اللذان استدعيا ذاكرة العنف والغزو والجهاد المسلح وهتفوا باسم الشيخ أسامة بن لادن، أن المصريين بثورتهم السلمية حققوا ما لم يحققه الشيخ بن لادن وغيره، بل إن لها أفضالا وأيادى على كثير من الإسلاميين ؛ فهى التى فتحت لهم أبواب السجون والمعتقلات ومنحتهم الحرية. أين هنا إذاً الرمز الإسلامى الذى يرفع اسمه الإسلاميون فى الميادين عالياً إلى جوار أيقونة الثوار من التيارات الليبرالية واليسارية "تشى جيفارا"؟. ومن هو الرمز الثورى الأخلاقى الذى يستحق أن تهتف الحناجر الإسلامية باسمه، كما تهتف الحناجر الثورية والليبرالية باسم جيفارا؟. الرمز الاسلامى هنا ليس الشيخ حازم أبو إسماعيل للأسف الشديد– الذى كان السبب الحقيقى والأساسى وراء الاعتصام، وليس بالطبع الشيخ بن لادن– الذى استدعاه البعض فى فعاليات المواجهة. كلاهما أبو إسماعيل وبن لادن– سيتفوق عليهما جيفارا فى هذه المقارنة الثورية الظالمة للأسف الشديد. تشى جيفارا– بمقارنته بأبو إسماعيل– كان أكثر التزاماً بأخلاق الثورة وكان أكثر تجرداً لمصلحة المجموع على حساب مجده الشخصى؛ فجيفارا لم يبحث عن زعامة شخصية، وبعد نجاح الثورة فى كوبا تخلى الثائر البطل عن وزارة الزراعة ليكمل دربه النضالى مشاركاً وداعماً حركات الشعوب التحررية، ليس فى أمريكا اللاتينية فحسب، بل فى آسيا وأفريقيا أيضاً، وفى النهاية قدم الثائر الكبير دمه على أرض بوليفيا إثر كمين نصبته له وكالة الاستخبارات الأمريكية، محققاً بذلك مقولته الشهيرة الخالدة: "الغزلان تموت فى أحضان أمهاتها، أما الصقور فلا يهمها أين تموت". هذا كان جيفارا الثائر والزعيم الحقيقى، أما الزعيم –المزعوم – أبو إسماعيل فقد كان نائماً فى بيته تحت وقع دور أنفلونزا، وأتباعه فى الميدان يُذبحون ويُنحرون، ويواجهون أسلحة البلطجية المتطورة بالحجارة وأقفاص الخوخ والبرتقال! يا للزعامة.. ويا للقيادة، ويا للحظة الفارقة!. إنها مقارنات مؤلمة بلا شك، لكن لا مفر منها ليفيق الواهمون المغيبون، وليفيق الشيخ أبو إسماعيل وأبو الأشبال والظواهرى. وبمقارنة جيفارا ببن لادن يربح بجدارة جيفارا؛ لأنه كان حريصاً على عدم توريط المدنيين واستخدامهم كدروع بشرية، وتلك تأتى فى الذروة من أخلاق ومبادئ الثائر، وهى أخلاقية تكاد تكون منعدمة عند الأخ الظواهرى، وعند من هتف بأسمائهم فى العباسية، لأنهم ببساطة يضحون بأرواح الأبرياء من المدنيين استناداً لفتوى التمترس أو التترس. غاب عن ميدان العباسية الرمز الإسلامى الذى يضاهى جيفارا، وغاب أيضاً رموز التعقل، والمذهل والمدهش فى المشهد الغرائبى أننا ودولتنا تتعرض لمحنة حقيقية وتهديدات حقيقية تهدد كيانها ، فإن ردود أفعال القيادات الإسلامية المعنية بالأمر، والتى لها ارتباط مباشر بالأحداث لم ترق للمستوى المطلوب ولم تتسم بالمسئولية. وفى حين أحجم العقلاء وأصحاب الخطاب الهادئ الموزون والصوت المسئول، تصدر المشهد المحرضون والمهيجون. وبالطبع كانوا هناك فى العباسية صيداً ثميناً. وكان الأخ الظواهرى على قلب الاشتراكيين الثوريين وشباب 6 أبريل "زى العسل".