المرحلة الأولي 2025 أدبي.. مؤشرات تنسيق الثانوية العامة (الألسن 84.26%)    بحضور آلاف المواطنين.. مستقبل وطن ينظم مؤتمرًا انتخابيًا حاشدًا في قنا    مصدر: لا موعد مُحدد حتى الآن لعودة الكهرباء والمياه بالمناطق المتأثرة في الجيزة    لماذا دمج صندوق النقد مراجعتي مصر الخامسة والسادسة؟ محمد معيط يجيب    جهاز تنمية المشروعات: خطة لمضاعفة تمويل المشروعات الإنتاجية بالإسكندرية    وصول قطار الأشقاء السودانيين إلى محطة السد العالى بأسوان.. صور    هولندا تمنع الوزيرين المتطرفين سموتريتش وبن غفير من دخول البلاد    الخارجية الأمريكية تصف المؤتمر الدولي لتسوية القضية الفلسطينية بأنه «حيلة دعائية»    ستارمر على خطى ماكرون: خطة بريطانية للاعتراف بدولة فلسطين تلوح في الأفق    الرئيس الفلسطينى يثمن نداء الرئيس السيسى للرئيس الأمريكى من أجل وقف الحرب فى غزة    كارثة غزة: مجاعة تتوسع والموت ينتظر عند طوابير الخبز    جوتيريش: حل الدولتين أصبح الآن أبعد من أي وقت مضى    مصرع 30 شخصا في العاصمة الصينية بكين جراء الأمطار الغزيرة    بدء اختبارات مشروع تنمية المواهب بالتعاون بين فيفا واتحاد الكرة    قناة الأهلي: عبد القادر يريد الرحيل عن الأهلي والانتقال للزمالك    رئيس الإسماعيلي يعلق على أزمات النادي المتكررة    عاجل.. أحمد عبدالقادر يرد على طلب فسخ عقده مع الأهلي للانتقال للزمالك    «هبطلك كورة».. رسائل نارية من مجدي عبدالغني بسبب أزمة أحمد عبدالقادر مع الأهلي    السيطرة على حريق بمولد كهرباء بقرية الثمانين في الوادي الجديد وتوفير البديل    القبض على رمضان صبحي لهذا السبب    ماجدة الرومي تتصدر تريند جوجل بعد ظهورها المؤثر في جنازة زياد الرحباني: حضور مُبكٍ وموقف تاريخي    اليونسكو: الإسكندرية مدينة الانفتاح والإبداع وعاصمة فكرية عالمية    من هو ريان الرحيمي لاعب البنزرتي الذي أشاد به ريبيرو؟    6 صور لشيما صابر مع زوجها في المصيف    "الحصول على 500 مليون".. مصدر يكشف حقيقة طلب إمام عاشور تعديل عقده في الأهلي    نشرة التوك شو| الوطنية للانتخابات تعلن جاهزيتها لانتخابات الشيوخ وحقيقة فرض رسوم على الهواتف بأثر رجعي    "إحنا بنموت من الحر".. استغاثات من سكان الجيزة بعد استمرار انقطاع المياه والكهرباء    تشييع جثماني طبيبين من الشرقية لقيا مصرعهما في حادث بالقاهرة    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الثلاثاء 29-7-2025    تحت عنوان «إتقان العمل».. أوقاف قنا تعقد 126 قافلة دعوية    لليوم الثالث على التوالي.. شكاوى من انقطاع الكهرباء مُجددًا في عدد من مناطق الجيزة| التفاصيل كاملة    وزير الثقافة يشهد العرض المسرحي «حواديت» على مسرح سيد درويش بالإسكندرية    «طنطاوي» مديرًا و «مروة» وكيلاً ل «صحة المنيا»    سعر الذهب اليوم الثلاثاء 29 يوليو 2025 بالصاغة.. وعيار 21 الآن بعد الانخفاض الكبير    سعر الدولار الآن أمام الجنيه والعملات العربية والأجنبية قبل بداية تعاملات الثلاثاء 29 يوليو 2025    أخبار 24 ساعة.. انطلاق القطار الثانى لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    النجاح له ألف أب!    «قد تُستخدم ضدك في المحكمة».. 7 أشياء لا تُخبر بها الذكاء الاصطناعي بعد تحذير مؤسس «ChatGPT»    6 مصابين في حريق شقة سكنية بالمريوطية بينهم شرطي (تفاصيل)    في عامها الدراسي الأول.. جامعة الفيوم الأهلية تعلن المصروفات الدراسية للعام الجامعي 2025/2026    استشهاد 3 فلسطينيين جراء استهداف الاحتلال خيمة نازحين    لجنة للمرور على اللجان الانتخابية بالدقهلية لبحث جاهزيتها لانتخابات الشيوخ    صراع على السلطة في مكان العمل.. حظ برج الدلو اليوم 29 يوليو    نوسة وإحسان وجميلة    تعرف على برجك اليوم 2025/7/29.. «الحمل»: تبدو عمليًا وواقعيًا.. و«الثور»: تراجع معنوي وشعور بالملل    أحمد صيام: محبة الناس واحترامهم هي الرزق الحقيقي.. والمال آخر ما يُذكر    محافظ سوهاج يوجه بتوفير فرصة عمل لسيدة كفيفة بقرية الصلعا تحفظ القرآن بأحكامه    للحماية من التهاب المرارة.. تعرف على علامات حصوات المرارة المبكرة    من تنظيم مستويات السكر لتحسين الهضم.. تعرف على فوائد القرنفل الصحية    لها مفعول السحر.. رشة «سماق» على السلطة يوميًا تقضي على التهاب المفاصل وتخفض الكوليسترول.    جامعة الإسماعيلية الجديدة الأهلية تُقدم خدماتها الطبية ل 476 مواطناً    حزب مستقبل وطن بالبحيرة يدعم المستشفيات بأجهزة طبية    حرائق الكهرباء عرض مستمر، اشتعال النيران بعمود إنارة بالبدرشين (صور)    مي كساب بإطلالة جديدة باللون الأصفر.. تصميم جذاب يبرز قوامها    ما الوقت المناسب بين الأذان والإقامة؟.. أمين الفتوى يجيب    هل "الماكياج" عذر يبيح التيمم للنساء؟.. أمينة الفتوى تُجيب    إلقاء بقايا الطعام في القمامة.. هل يجوز شرعًا؟ دار الإفتاء توضح    أحمد الرخ: تغييب العقل بالمخدرات والمسكرات جريمة شرعية ومفتاح لكل الشرور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جيفارا المصرى .. محجوب عمر
نشر في اليوم السابع يوم 23 - 03 - 2012

بعض الذين يعرفون المناضل محجوب عمر وقرأوا نعيه فى الصحف، لابد أنهم دهشوا عندما عرفوا أن اسمه بالمصرى هو رؤوف نظمى ميخائيل، ولابد أنهم احتاروا أمام دلالات الاسمين.
وبعض الذى يعرفون الدكتور رؤوف نظمى لابد أنهم دهشوا عندما عرفوا أن جميع الناس كانوا ينادونه باسم محجوب عمر، وأغلب الذين يعرفون «الحكيم» لا يدهشهم هذا فلقد كان محجوب عمر أو رؤوف نظمى قديساً من نوع خاص، يقبله الجميع بنورانيته لا يرون فيه ما يسألون عنه، بقدر ما يسمعون منه.
أعرف محجوب عمر منذ نحو خمسين عاماً، أحياناً كنا نلتقى كل يوم، وأحياناً كنا نلتقى كل سنوات، ولكنه دائماً لم يكن يريد شيئاً من أحد، بل كان جاهزاً دائماً لأن يعطى، وغيره فى حالته الصحية أحياناً كان لا يستطيع العطاء أو حتى الأخذ، لكن محجوب عمر لم يكن عاجزاً أبداً عن العطاء.
لا أدرى متى تقابلنا لأول مرة، فى غالب الأمر كان ذلك فى أيام الدراسة، وأظن أن من جمعنا كان الكاتب الصحفى الراحل فيليب جلاب، وكنا جمعياً فى مرحلة الدراسة، كان محجوب فى كلية الطب، وفيليب فى آداب عين شمس، وكنت فى آداب القاهرة.
وأحب أن أضيف إلى الأسماء التى ذكرتها اسماً آخر هو إسماعيل عبدالحكم الذى رحل منذ أعوام وهو ناشر شهير.
أضيف اسمه رغم أنه لم يكن فى تلك اللقاءات العابرة فى البدايات، ولكن ما حدث بعد ذلك بدا قصة تروى.
دخل محجوب - وكان اسمه آنئذ رؤوف - وإسماعيل، معتقل الواحات، وكان إسماعيل زميلاً لى، وإن كان فى قسم آخر هو «الوثائق والمكتبات»، وسقط إسماعيل مريضاً وهو فى الاعتقال، يحدث هذا كثيراً، ولكن حالته ازدادت سوءاً حتى عرفنا بعد ذلك أن وزنه نقص إلى النصف، وكان تشخيص طبيب المعتقل غير صحيح لأن الحالة تسوء، وعندئذ تقدم محجوب بتشخيص قالوا عنه إنه «جنونى»، وبدا أن نهاية إسماعيل قد اقتربت، فلانت إدارة السجن، فهم لا يريدون قتلى فى المعتقل، تتردد أسماؤهم فى وسائل الإعلام العالمية.
وانتهوا إلى إرسال إسماعيل إلى مستشفى قصر العينى بصحبة المعتقل محجوب، لأنه يملك التشخيص «الجنونى»، ولا أحد غيره يستطيع تحمل مسؤوليته، وشرح محجوب الحالة النادرة، وطريقة العلاج لأساتذته الذين تخرج على أيديهم بعد سنوات.
ونجا إسماعيل عبدالحكم من الموت، ولكن أية نجاة؟ لقد أخرجوه من المستشفى ليبقى فى البيت عاماً كاملاً، قال لى إسماعيل إن أسوأ اللحظات كانت لحظات غروب الشمس، فالبيت الذى انتقلوا إليه فى الحلمية الجديدة، حيث كنا جيرانا، كان يطل على مزارع والمنظر فاتن.
لكنه الوقت الذى يهدأ فيه البيت ويظهر شبح الموت، حتى الأصدقاء والأقارب يأتون مساء وربما أتى بعضهم صباحاً، لكن الجميع تركوا الغروب يفترس إسماعيل، لذلك عاش بقية عمره يبحث عن الشارع المزدحم ساعة الغروب.
وبعد 1964 تخرج محجوب عمر وأصبح طبيباً فى أحد مستشفيات الدقهلية، وأصبحت حكاياته طقساً للشلة.. قرر رفض تسلم المواد الغذائية التى قدمها مقاول راش يتعامل عادة مع مدير مرتش، وكان معنى هذا أن يموت المرضى جوعاً.
محجوب عرف أن هناك أطعمة جافة فى المخزن لمثل هذه الحالات طلب هذه الأطعمة، المسؤول فى إجازة! كون لجنة وكسر الباب، قامت التحقيقات، لكنها انتهت على لا شىء.
تواضعت أحلامه الصحية فطلب نظافة المستشفى، ويبدو أن ذلك كان صعباً جداً، وأنه لم يكن يهم غيره، وانتهى الأمر بأنه أتى بأدوات نظافة وبدأ ينظف المستشفى، وقامت الدنيا، كيف أن طبيباً يأتى بجردل وصابون وماء ويمسح الأرض؟!
حتى نقابة الأطباء ثارت لكرامتها وكرامة الأطباء، أما وزير الصحة فلقد أحاله إلى المعاش! واستمر المستشفى فى قذارته.
وانضم محجوب إلى المقاومة الفلسطينية، وعرفنا أن علاقته كانت وثيقة بياسر عرفات وخليل الوزير، وحاول الأستاذ فهى هويدى الذى كان من القلائل الذين كتبوا عنه بعد رحيله، نفى شيوعيته التى دخل بها المعتقل، واستعان بما قاله له عبد القادر ياسين.
ونحن الذين نعرف محجوب عمر منذ أن كان طالباً، نعرف أنه كان رجلا ذا فكر تقدمى، وحتى النهاية لم يكن يرفع شعارات زاعقة، ولا يلجأ إلى نصوص جامدة.
بالطبع تغير محجوب عمر عما كان فى الخمسينيات أو حتى الستينيات، فلقد تأكد أن التجربة كانت مخالفة للنظرية، وأن النظرية والدولة سقطتا بسقوط الاتحاد السوفيتى فى حادث من أهم وأغرب حوادث التاريخ.
وتجربة محجوب عمر فى المقاومة الفلسطينية لم تكتب، وتجاربه كلها لم تكتب، ولكنه كتب عن معركة «الأشرفية» كتاباً أقرب إلى الرواية، كان محجوب طبيباً مع المقاومة، ثم انقلبت السلطة الأردنية على المقاومة، ودخلت فى حرب شرسة ضدها فيما سمى بأيلول الأسود، وأوقف جمال عبدالناصر هذه الحرب فى مؤتمر فى القاهرة مات فى نهايته، وأسر محجوب مع مجموعة من الفلسطينيين، وكان التالى معروفاً، أوقفوهم فى صف واحد، وأصدر القائد أمراً بإطلاق الرصاص عليهم، وعندئذ صاحت فتاة إنه الحكيم عمر الذى عالجهم وتوقف إطلاق النار.
كتب محجوب «الأشرفية» فى كتاب صغير هو من أجمل وأصدق ما قرأت، وبعدها حاولت أن أقنعه بكتابة الرواية ولم يرفض، كان محجوب نهراً يسير كما يريد.
والحياة كالدراما أو العكس، فالتقى محجوب عمر مع إسماعيل عبدالحكم فى بيروت بعد أن خرجت المقاومة الفلسطينية إليها. وأنشأ إسماعيل مع منظمة التحرير، وبمساعدة محجوب، أهم دار نشر للأطفال بالعربية «دار الفتى العربى» واستمر لقاء محجوب وإسماعيل بعد ذلك.
وفيما بعد، كان لإسماعيل مكتب فى شارع قصر العينى، قال لى مشيراً إلى مكتب: هذا مكتب محجوب.
ومرات كنا نلتقى فى هذه الشقة، ونستغرق فى أحاديث شديدة التنوع، وعندما كان يقطع الحديث تليفون أو جرس الباب، كان إسماعيل يقسم بأنه سيقطع الكهرباء عن الشقة، وأظن أننا لو كنا سجلنا الأحاديث التى ملأت هذه الأوقات، لعرف الجميع لماذا كان محجوب عمر يسمى بالحكيم.
عاش نصف عمره يعانى من آلام بشعة، لكنه لا يشكو، بل يتهرب من العلاج، ومع ذلك قدم ما يقدر عليه لمصر وللعرب.
وافته المنية بعد عمر حافل من أجل القضية الفلسطينية.. كان عضوا بالمجلس العسكرى لحركة فتح.. محمود عباس قلده وسام القدس تقديراً لجهوده ونضاله المشرف.
كتب أرنست همنجواى عن جيله «الجيل الضائع» وأعتقد أن جيل محجوب عمر هو الجيل المضيع، هذا الجيل العظيم الذى كان مؤهلاً لأن يقدم لمصر أعظم الأشياء، فوضعوه فى السجون، وحرموه من كل الفرص، هذا الجيل الذى رأى أن القضية الفلسطينية هى قضيته، أذكر منهم رغم قصور الذاكرة سعد زغلول فؤاد الذى شارك فى المقاومة الفلسطينية سواء فى الميدان أو فى بلاد أوروبية، ومصطفى الحسينى الذى كان قائداً لوحدة فلسطينية فى يوم من الأيام، وفاروق القاضى الذى يعيش الآن فى الأردن، هؤلاء وغيرهم شاركوا فى المقاومة الفلسطينية وقبل ذلك وبعد ذلك احترقوا من أجل مصر.
كان جيفار طبيباً اختار الثورة.
وكان محجوب عمر طبيباً اختار الثورة.
نحنى رؤوسنا إجلالاً لهذا.. ولهذا.. ولهؤلاء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.