يرى "أرسطو" أن "سيادة القانون" مثل أعلى يجب الاحتذاء به، وعندما يتحدث عنها "مونتيسكيو" تجده يقول إن القانون يجب أن يكون مثل الموت لا يستثنى أحدا. وذهب آلبرت فين دايس فى وصفه لمعنى "سيادة القانون" فى قانون الكومنولث عام 1895 إلى أن كل مسئول بدأ من رئيس الوزراء وانتهاء بالشرطى أو جابى الضرائب العادى يتحملوا المسئولية نفسها كأى مواطن آخر لكل عمل يقومون به دون سند قانونى. إلى أن جاء ميثاق الأممالمتحدة مؤكدا على ذات المعنى وشارحا "سيادة القانون" على أنها تشير إلى مبدأ للحكم يكون فيه جميع الأشخاص والكيانات بما فى ذلك الدولة ذاتها مسئولين أمام قوانين صادرة علنا، وتطبق على الجميع بالتساوى. إلى ذلك تتضح الأهمية القصوى لسيادة القانون لتحقيق العدالة بين المواطنين جميعا، حتى الدستور المصرى الساقط بنظامه وواضعيه لم يخلو من التأكيد على هذا المبدأ الهام فى مادته (ال 64) التى تنص على أن "سيادة القانون أساس الحكم فى الدولة". جئت بهذه المقدمة لأبرهن لكل من يعتقد بأننا نصر ونقاتل على محاكمة مبارك للتشفى منه، فنحن لم نكن لنفعل ذلك، ونسعد بهذه الفعلة للتشفى أو رغبة فى الانتقام أو حتى ليعتبر من يتلوه، ويأتى بعده حاكما علينا. ولكننا سعدنا ب "سيادة القانون" التى ما عادت تستثنى أحداً بعد عقود أو قل قرون عانينا خلالها مرارة استثناءات القانون. لن ينتظر التاريخ حتى تنتهى محاكمة مبارك فقد أعلن منذ لحظة دخول مبارك قفص الاتهام عن حضارة الثورة المصرية الفريدة عن كل ما سبقها من ثورات على مر العصور والأزمنة، فجاءت الأولى التى تحاكم نظامها المستبد أمام المحاكم الطبيعية مانحة إياه كل الحق فى دفع كل ما نسب إلية من تهم. هنيئا لنا جميعا محاكاتنا لحظة ميلاد "سيادة القانون" على أرض مصر، ولنستمر فى تمسكنا بها وإصرارنا عليها لتكون حجر الأساس لإرساء دعائم مصر الجديدة، فإذا كانت العبرة فى الثورات تقاس بمبلغ ما تحدثه من تغير اجتماعى فى حياة الشعوب، إذن الثورة المصرية ولدت على أيدى "سيادة القانون" فى مشهد لن يمحى من ذاكرة كل من عاصره. فثورتنا علمت العالم كيف يكتب التاريخ وكيف تؤسس المبادئ الحضارية السامية الرفيعة.