الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى شاهد على عصر من الحلم والانكسار النجاح والإخفاق فى تاريخ وطن بحجم مصر، وكان للفترة التى عايشها الأبنودى والتغيرات الكبيرة التى حدثت بها أن سمحت له بأن يعاصر أنظمة مصر وحكامها المختلفة، بمواقف ثابتة لم تتغير فقد كان مخلصا للشعب وللوطن وللشعر ولذا جاءت آراؤه فيها لاذعة، ولكنه لم يكف يوما عن الإفصاح بها، وكانت علاقته بهم شائكة دائما، رثى عبد الناصر بعد وفاته ورفعه لمنزلة الأبطال وقال فيه: عشنا الحياة وياه كالحلم فلا فساد ولا رهن بلاد يومها انتشينا ثقافة وعلم وف زمنه ما عشناش آحاد رغم الحصار كنا أحرار وفى الهزيمة الشعب ما جاعش كان اسمها بلد الثوار وقرار زعيمها ما بيرجعش خلى بلاده أعز بلاد ليها احترام فى الكون مخصوص لا شفنا وسط رجالة فساد ولا خطط سمسرة ولصوص كتب الأبنودى فى الزعيم الراحل عبد الناصر أيضا قصيدته "الله يجازيك ياعم عبد الناصر"، الذى زرع حلم القومية العربية فى قلوب المصريين، ووجدوا أنفسهم بعد ذلك متمسكين بوهم، بعدما أصاب الدول العربية من فرقة قائلا: الليل مليّل والألم عاصر لسة اللى بيبيع أمته كسبان وكل يوم أطلع أنا الخاسر أما أنت خميت مصر دى خمة يوم ما ناديت بالعشق للأمة ورطتنا نعشق خريطة عبيطة وبشر ما نعرفهاش وبلاد ما بنزورهاش إلا فواعلية وبنايين وسواقين وخدامين وطباخين وكناسين بلاد أسافرها سعيد أرجع حزين حبيتها زى ما قلت لى وأكتر ع الأجنبى ما استكترتش عليا تستكتر ع الأجنبى ما اتنقورتش عليا تتنقور تطمع فى دمعى وف تعاسة راتبى ملهم أنا وأعمل غبى وأدى الألم يا عم عبد الناصر زاحف وبيحاصر وأدى الجميع خاسر وأدى فجر أمتنا الجميل مغلوب وأدى انتحار الأمة بالمقلوب وأنا غريب الدار لابسنى توب العار ساكن فى وطنى بالإيجار قاعد أنا ع الجسر فى القيَّالة من قلب اللهيب مِنشالة اختلف مع السادات وهاجمه واختلف الأبنودى مع الرئيس الراحل أنور لسادات وسياسته، واعتبرها فترة ظلامية، شهدت تراجعا للعدالة واشتد فيها بطش الحكومة على الشعب الذى دفع الثمن، ولعل قصيدة "المتهم" هى أشهر قصائده التى كتبت فى عصر السادات الذى لم يكن أحب الرؤساء إلى قلبه، وقال فيها: كل الزهور كانت منورة كل الشموس كانت منورة واقفة العدالة فى العرا كل الدفاتر تنقرا فيه ناس بتتولد مع الميلاد وناس بتتلفت ورا علشان إما تضرب تصيب دا الموت دا ولا الحياة ولا العقاب الرهيب لتاجر الأوطان سليل العبيد أبو ألف إيد الأبنودى شهّر بفساد مبارك وكان الأبنودى من مهاجمى الرئيس الأسبق حسنى مبارك وحكومته، واتهمهم بييع الوطن وانتصاراته التى حققها فى العصور السابقة، ووصف حكمهم لمصر ب"السمسرة"، وفى ذلك كتب قصيدة "الاسم المشطوب" التى خاطب فيها عبد العاطى صائد الدبابات، قائلا إن كل ما بذله من أجل الوطن راح هباء: دلوقت إيه اللى مضيّق صدرك الوسيع؟ وبتفهم إزاى الفروق بين اشترا الوطن الأسير والبيع النصر تمنه اشتروا بيه قصر تمن الوطن إذن لدخول السمسرة ماكانش حرب ماكانش نصر واللى دفعناه لأجل نتقدم حدفنا بعيد ورا .. ماتقولش زيّى .. كان وكان كان حيلة لأجل يموت فقيرها فى طوابير الهوان وطنك يا صاحبى كان زمان واللى إحنا فيه زمن العفاريت السمان .. ماعادش داخل الحدود غير اللى سمسر واللى قرقر اللى وفر واللى باع واشتدت لهجة الخال الأبنودى لذاعةً فى وقت حكم المجلس العسكرى بعد ثورة 25 يناير، واعتبر ممارساته قتلا للثورة ولأبنائها الذين ماتوا والذين كانوا على قيد الحياة، ولم يستطع الأبنودى السكوت وقتها عن الاعتقالات والانتهاكات التى تمت فى حق الشباب المصرى، فكتب قصيدته "ضحكة المساجين" قائلا: الصرخة هادية بس هزة الكون قال الغشيم للوردة خبِّى اللون إيش يفهم الطُور فى هوا البساتين الشرّ فى طرْف الميدان يِسكر والفجر يطلع.. تحجبُه العسكر وأنت بتكتب سكَّة للجايّين وكان للأبنودى آراء لاذعة فى الإخوان، واعتبر وصولهم للسلطة وحكمهم لمصر "انتكاسة للثورة"، وقال فى قصيدته التى انتقد فيها حكمهم إنهم كانوا "شؤما" على مصر، وإنهم لم يترددوا لإعلان تحالفهم مع دول أخرى كتركيا من أجل الوصول لإمبراطوريتهم المتوهمة، وأن ادعاءاتهم حول دخول القدس وتحريرها كان كذبا، وقال فيهم الشاعر الكبير الراحل: مكانش بيبات فيها جعان دلوقتى نشفت تنشيفة ضرايبنا رايحة على الإخوان وشبابنا مش لاقى وظيفة داير يبيعنا للترك والفرس ومفيش بيعة ملهاش عمولة بيقولوا دا اللى هيفتح القدس هى القدس يابنى إزازة كوكاكولا؟ لو منهم لأتغر الأهداف أنجزوها والقدس صَبَحِت حر من كتر ما حرروها وتحمس الأبنودى كثيرا للرئيس عبد الفتاح السيسى، وتوسم فيه خيرا لمصر، وربما رأى فيه منقذا لها من "الضياع" الذى تركها عليه الإخوان، فأوصاه الخال بها خيرا، وأن يحاول لم شمل الشعب المصرى وألا يتردد فى الدفاع عنه، وكتب الخال موصيا الرئيس: حضن عليها بجناحك واحلم لها بأعز صباح ونام إيديك حاضنة سلاحك للفتح يا عبد الفتاح 76 عاما كانت نصيب الأبنودى من عمر الدنيا التى غاب عنها اليوم، تاركا لنا "وجعا" قد تكون الاستزادة من قصائده وحدها هو دواؤه الوحيد. موضوعات متعلقة.. - دحلان ناعيا"الأبنودى": شاعر عروبى عظيم كان حاضرا فى أحلك أوقات الأمة