ظن البعض أن إضراب 6 أبريل سيكون بمثابة "كارثة اقتصادية" ستقضى على الاقتصاد المصرى مثلما حدث فى "ثورة الجياع" خلال عام 1977. إلا أن خبراء الاقتصاد أكدوا أن تأثير الإضراب على القطاعات الاقتصادية، لا يتجاوز كونه "كدبة" أبريل، خاصة أن التعاملات فى البنوك والبورصة والمصانع كانت طبيعية جدا طبقاً لتصريحات المسئولين بتلك القطاعات فى حين تسبب الإضراب فى خسائر فادحة للعديد من التجار بسبب ابتعاد كثير من المستهلكين عن التعامل مع الأسواق، احتجاجاً على الارتفاعات المتتالية "المخيفة" فى أسعار السلع بالسوق المحلية. التجار.. أكثر المتضررين وجوه حائرة.. بائعون خائفون.. شوارع خالية.. هى أكثر الملامح التى اتسمت بها أسواق وسط القاهرة يوم الإضراب، التى شهدت هدوءاً نسبياً بحركة بيع وشراء السلع المختلفة، نتيجة الإجراءات الأمنية المشددة التى فرضتها الحكومة – ممثلة فى عناصر الأمن المركزى – على الباعة الجائلين وأصحاب المحلات التجارية، والتى دفعت التجار إلى الشعور بالاستياء والإحباط بسبب الركود الواضح فى البيع والشراء، بل إن بعض التجار أغلقوا محلاتهم خوفاً من قيام المشاركين بالإضراب بتحطيم محلاتهم مثلما حدث فى أحداث 1977 كما صورت للمواطنين بعض وسائل الاعلام المعارضة. و خلال جولة "اليوم السابع" الميدانية فى الأسواق، لاحظنا الركود الواضح بعمليات البيع والشراء التى وصفها بعض التجار بأنها "تحت الصفر" فى العديد من الشوارع التجارية، التى اعتاد التجار ازدحامها بالمواطنين، واختفاء 80% من الباعة الجائلين فى شوارع القاهرة خاصة فى منطقة العتبة، وإغلاق معظم المحلات فى شارع رمسيس بسبب خوف أصحابها من تأثير الإضراب.. أما شارع الشواربى فى منطقة وسط البلد فبدا خالياً تماماً من الناس، عكس الأيام العادية تماماً. لا مشكلة فى المصانع أكد محمد البهى - نائب رئيس غرفة الصناعات الدوائية باتحاد الصناعات ورئيس مجلس إدارة إحدى شركات الدواء - أنه لم يحدث أى إضراب بالقطاع الصناعى ليتم تقييمه لأننا كصناع لا علاقة لنا بما حدث، والمصانع أنتجت بكامل طاقاتها الإنتاجية المعتادة، ونسبة حضور العاملين بالمصانع مرتفعة كالمعتاد ولا توجد نسبة غياب بين العمال كما ظن البعض. لكن الاعتصامات العمالية المزمع حدوثها فى مصانع غزل المحلة خلال الأيام القادمة لا يمكن اعتبارها تضامناً مع إضراب 6 أبريل، لأن اعتصام عمال غزل المحلة، ما هو إلا امتداد لاعتصاماتهم المتتالية لتحقيق مصالحهم التى تم الاتفاق عليها مسبقاً، وبالتالى حصولهم على حقوقهم الضائعة، التى لم تلبيها لهم وزارة القوى العاملة حتى يومنا هذا، كما حدث أيضاً خلال اعتصامات موظفى الضرائب العقارية ونقابة الأطباء والنقابات الأخرى بالفترة الماضية. وأضاف البهى أن كل ما تم الاتفاق عليه بين المواطنين كان الإضراب عن التعامل مع الأسواق والتوقف عن الشراء بشكل كامل تعبيراً عن رفض الشعب لغلاء الأسعار بالصورة المبالغ فيها بالأسواق المحلية، وهذا بالطبع شىء مشروع لأن المواطنون بذلك يعبرون عما يشعرون به بطريقة سلمية ومنظمة، بعيداً عن أى أحداث شغب. وليس معنى أن الأسعار مرتفعة على مستوى العالم أن ترتفع لدينا بالصورة نفسها، فمن غير المعقول أن يتم زيادتها حتى تتشابه مع الأسعار العالمية، فلابد من مراعاة البعد الاجتماعى لأفراد الشعب، خاصة أن عدد الفقراء ومحدودى ومعدومى الدخل فى مصر مرتفع جداً، ورواتب الأفراد منخفضة مقارنة بالدول الأخرى، وهو ما يؤكد أهمية الدعم الحكومى للسلع الاستهلاكية، لحماية الفئات الفقيرة من تقلبات السوق العالمية. وبالفعل قامت شريحة كبيرة من المستهلكين بتفعيل دورهم يوم الإضراب عن التعامل مع الأسواق، وتوقفت حركة بيع وشراء العديد من السلع الاستهلاكية بالأسواق المحلية إلى حد كبير، كرد فعل رمزى للأحداث المحيطة بنا. و قد يتطور الأمر ونلاحظ وجود تصعيد فيما بعد إن تم تجاهل مطالب المواطنين التى تدعو إلى خفض الأسعار. لكن الذين توقعوا وجود أحداث شغب فى مختلف أرجاء الجمهورية وتحطيم السيارات، نقول لهم إن ردود الأفعال الثورية الطائشة هذه انتهت "من زمان"، مع انفتاح مصر على الثقافات الأخرى، والتحضر الذى نعيش فيه الآن. والحقيقة أن ما تحدثوا عنه لا يتجاوز كونه "رسائل مسمومة" من بعض الجهات والعديد من القوى "الخفية"، التى تستغل الظروف وتوظفها لصالحها، من خلال إثارة الذعر بين أبناء الشعب. وأشار البهى إلى ضرورة احترام وجهة نظر الشارع المصرى وعدم "الاستخفاف" بعقول المواطنين أو التعامل بتهاون ولامبالاة مع ما سيفعلونه خلال الأيام القادمة، لأننا لا نتحدث عن شعب "ميت"، فالتعبير عن رأى الشعب بصراحة دون الخوف من أحد كما حدث يوم الإضراب الأحد يؤكد أن أصوات المصريين ظهرت وستتعالى من جديد، ولن يتراجعوا عن تحقيق مطالبهم مهما حدث. لذلك يجب على كبار المسئولين فى الدولة القيام بتحليل ما حدث لنشعر بتأثير إيجابى مباشر يعود علينا جميعاً، من خلال خفض أسعار السلع الاستهلاكية والحديد والأسمنت بصورة حقيقية خاصة أن الأمور ستتصاعد خلال الفترة المقبلة أكثر مما نحن عليه الآن، فلابد من الخوف مما سيحدث فى أى إضراب قادم لأن الأجواء ستكون أسوأ مما حدث اليوم. البورصة.. لم تتأثر رغم "العطل" الفني من جانبه، قال محمد السيد – مسئول ببورصتى القاهرةوالإسكندرية – إن البورصة المصرية لم تتأثر إطلاقاً بالإضراب، مشيراً إلى أنها شهدت يوماً عادياً بالنسبة للتداول بحضور حوالى 160 سمساراً والعديد من المتعاملين بالبورصة، حيث بلغت نسبة استثمار المصريين اليوم 80.7 % ، و 7.6% للمستثمرين العرب و 11.6% للمستثمرين الأجانب، بل ارتفعت معدلات تداول 5 شركات وهى: الدولية للمحاصيل الزراعية، النيل لحليج الأقطان، مطاحن ومخابز الإسكندرية، الشركة العامة لاستصلاح الأراضى والتنمية والتعمير، الشركة العامة للصوامع والتخزين. و شدد السيد على أن العطل الذى تعرضت له البورصة الساعة 10.30 صباحاً خلال بداية جلسة التداول لا يتجاوز كونه "عطلاً فنياً" استمر حتى الساعة 11.30 صباحاً نتيجة العمل بأنظمة جديدة فى البورصة المصرية، وبعد ذلك تم مواصلة جلسة التداول بصورة طبيعية مثل أى يوم والتى انتهت الساعة 2.30 ظهر الأحد. إلا أن هذا العطل للأسف دفع البعض لإطلاق الشائعات والربط بين العطل والإضراب، وهو كلام "عارٍ" تماماً من الصحة، لأن البورصة ليس لها أى علاقة بالإضرابات أو الاعتصامات، وليس كل ما يحدث على الساحة المحلية يكون له تأثير واضح على البورصة، خاصة أنه يوجد مستثمرون عرب وأجانب يتعاملون مع البورصة. هدوء نسبى فى تعاملات البنوك قطاع البنوك شهد هدوءاً نسبياً فى تعاملات العملاء اليومية.. القيادات بالقطاع شددت على ضرورة ابتعاد العاملين بالبنوك عن الإدلاء بأى تصريحات صحفية. لكن من جهته، قال عبد الوارث حبيب – نائب مدير فرع بالمصرف المتحد - فى تصريحات خاصة ل "اليوم السابع" إنه لا يوجد غياب بين موظفى البنك، كما أن التعاملات فى البنك جاءت طبيعية ومشابهة لكل الأيام الأخرى دون وجود أى تأثير للإضراب على البنك. مشيراً إلى أن العملاء توافدوا بشكل متزايد على فروع البنك خلال الأيام القليلة الماضية، لكسر ودائعهم و صرف مدخراتهم لمواجهة ارتفاع الأسعار. كما أوضح محمود خليفة – محاسب بأحد البنوك – أن البنك شهد انخفاضاً فى عدد العملاء الذين كان من المتوقع حضورهم للبنك، حيث بلغ الانخفاض نحو 80% مقارنة بأيام الأحد فى بداية كل شهر، خاصة أن إقبال العملاء يتزايد على البنوك فى بداية كل شهر لصرف رواتبهم ومعاشاتهم وغيرها من المعاملات البنكية الأخرى. وصرح مصدر مسئول فى بنك مصر أن نفس العدد المعتاد من العملاء توافدوا على فروع البنك دون أى تأثير للإضراب على معاملات البنك المصرفية.