سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
دراسة لمعهد "الأمن القومى الإسرائيلى" تحذر من التقارب المصرى -الروسى.. واشنطن قلقة من توجه حليفها السابق لعقد صفقة السلاح مع موسكو.. وإتمام الصفقة يؤكد ضعف أمريكا بالمنطقة ويشكل إنجازا جديدا للروس
حذر معهد "الأمن القومى الإسرائيلى" للدراسات الإستراتيجية – INSS - من التقارب المصرى – الروسى الأخير، خلال الفترة الأخيرة، موضحا أن العلاقات بين الجانبين أصبحت قوية للغاية وذلك للمرة الأولى منذ بداية السبعينيات من القرن الماضى. وقال المعهد خلال دراسة أعدها عدد من خبرائه ونشرها على موقعه الإلكترونى، إنه فى نوفمبر 2013، زار مدير الاستخبارات العسكرية الروسية القاهرة، وبعدها بأيام وصل إلى القاهرة وزيرا الدفاع والخارجية الروسيان للمرة الأولى منذ بداية السبعينيات، مضيفا أنه على إثر الزيارة، زار موسكو فى فبراير 2014 وزير الدفاع والإنتاج الحربى، الرجل الأقوى فى مصر، المشير عبدالفتّاح السيسى، ووزير الخارجية، الدكتور نبيل فهمى، بمرافقة وفد عسكرى رفيع المستوى، وبعد الزيارة، جرى الحديث عن زيارة أخرى بين الجانبَين على مستوى رفيع فى نهاية مارس، كما تطرح تقارير صحفية إمكانية زيارة الرئيس بوتين إلى مصر. وأوضحت الدراسة أن الموضوع المركزى الذى طرح فى هذه الاتصالات بين الدولتين زيادة التعاون العسكرى بينهما، وأنه وفق تقارير عديدة، جرى فى المحادثات النقاش حول صفقة سلاح كبيرة بين الجانبين، لفترة تبلغ عامين حتى ثلاثة أعوام. ولفتت الدراسة الإسرائيلية أنه يفترَض أن تشمل الصفقة طائرات مقاتلة من طراز "ميج 29"، ومروحيات من طراز "MI 35"، ومنظومات دفاع جوى متطورة، ومنظومات صواريخ بحرية مضادة للسفن، وأسلحة متقدّمة مضادّة للدبابات، مشيرة إلى أنه من المفترض أن تمول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة الصفقة. وأضافت الدراسة الإسرائيلية أنه فى ختام زيارة الوزيرين المصريين الأخيرة إلى موسكو، لم ينشر إعلان حول الصفقة، وجرى التوصل إلى اتّفاق مبدئى حولها، لكنه لم يوقَّع بعد، وقد يجرى الاتّفاق النهائى فى لقاء ممثلى الحكومتَين فى مارس 2014. وادعى معهد الأمن القومى الإسرائيلى أنه فى إطار التعاون، ستزود مصر روسيا بخدمات بحرية فى ميناء الإسكندرية، تكون بديلًا للخدمات التى تنالها روسيا فى ميناء طرطوس السورى، فى حال سقوط نظام الأسد، وأنه يمكن أن تشتمل العلاقات الموسعة أيضًا على تعاون فى مجال الحرب على الإرهاب، وتدريبات عسكرية مشتركة، وتعاوُن تقنى، وكذلك فى المجال الاقتصادى، وتجديد المنظومة الكهربائية فى "سد أسوان". وأوضح المعهد الإسرائيلى أن كثافة الاتصالات بين مصر وروسيا مرتبطة بالتوتر الذى نتج فى الشهور الأخيرة بين مصر والولاياتالمتحدة، مشيرا إلى أنه فى مصر، يوجد سخط كبير من الانتقاد العلنى الذى توجهه إدارة الرئيس الأمريكى باراك أوباما، للقاهرة بعد إسقاط نظام "الإخوان المسلمين" واستخدام القوى الأمنية ضد ناشطى الإخوان، مضيفا أن موقف الإدارة الأمريكية أثار لدى القيادة المصرية إحساسًا بأنها لا تدرك مشاكل مصر، وأنها مستعدة لدعم نظام "الإخوان المسلمين" لمجرّد أنهم وصلوا إلى السلطة عبر انتخابات ديمقراطية، مستغلّةً حاجة مصر إلى المعونات الأمريكية للتدخل فى شئونها الداخلية. وأضافت دراسة المعهد أن ما أثار غضب المصريين بشكل خاص هو قرار الإدارة الأمريكية تجميد قسم من المساعدة الأمريكية المقدمة إلى مصر، خاصة أن ذلك يأتى فى وقت تناضل فيه القيادة من أجل منع خطر موجة التفجيرات الإرهابية وفرض القانون والنظام. ولفتت الدراسة إلى أن قرار الإدارة الأمريكية كان أشبه بتسوية بين الذين طالبوا - فى الكونجرس أيضًا - بتجميد المساعدة العسكرية لمصر بين الذين حذروا مِن خطوات قد تمس بالمصالح الأمريكية، بما فى ذلك علاقات السلام بين مصر وإسرائيل، فكان أن قررت الإدارة تجميد قسم من المساعدة العسكرية لمصر بقيمة 250 مليون دولار، وتأجيل الشحنات المخطَط لها لبضع طائرات F-16، ومروحيات الأباتشى، وصواريخ مضادة للسفن، وقطع للدبابات - بانسجام مع حظر تقديم المساعدة لدولة تمّت الإطاحة برئيسها بتدخل عسكرى. وأضافت الدراسة الإسرائيلية أن السؤال المهم هو: "هل تتمخض العلاقات بين الدولتين عن صفقة سلاح هامة بينهما؟" مجيبة فى الوقت نفسه، إنه إذا كانت هذه هى النتيجة، فسيشكّل ذلك تغييرًا هامًّا فى السياسة المصرية، مشيرة إلى أنه منذ عام 1974، توقفت إمدادات السلاح من الاتحاد السوفياتى إلى مصر، بعد أن انتقلت الأخيرة من اتّجاه مؤيد ل"السوفيت" إلى توجه سياسى وعسكرى واقتصادى تام على الولاياتالمتحدة، بما فى ذلك السلاح الأمريكى. وأوضح المعهد الإسرائيلى أن قرار النظام المصرى الحالى - بعد أشهر معدودة من صعوده إلى السلطة – بتوقيع صفقة سلاح كبيرة مع روسيا، يؤكد أنه يريد أن يغير ولو بشكلٍ محدود، توازن علاقاته مع القطبين السابقين والقوتين العظميين حاليا، ويوقف اعتماده التام على السلاح الغربى. وأضاف المعهد الأمنى الإسرائيلى أن صفقة كهذه قد جرى التباحث بشأنها بين الجانبين، مؤكدا أنه لا يوجد مبرر آخر لمشاركة وزيرى دفاع البلدين والوفدين العسكريين فى المحادثات، وأن روسيا معنيّة بصفقة كهذه، فمن ناحيتها يعتبر التوقيع على الصفقة إنجازا هاما، سواء لعودتها إلى سوق السلاح فى مصر، أو للرسالة التى سترسلها إلى الدول العربية المعتمدة على السلاح الغربى بأن صفقة سلاح مع روسيا هى أمر مناسِب وشرعى، ويمكن أن تشكل الصفقة أيضًا رافعة لتوسع جديد لنفوذ روسيا فى العالم العربى، كما جرى أواسط الخمسينيات. وأضاف المعهد الإسرائيلى خلال دراسته أنه فضلا عن المصلحة الروسية الواضحة فى توسيع حلقة التصدير العسكرى إلى الشرق الأوسط، فإن الاعتبار الروسى فى استئناف الحِوار مع مصر، ودول أخرى فى الإقليم، هو سياسى - إستراتيجى فى الأساس، فمنذ بداية "الربيع العربى"، تخوض روسيا صراعًا على مكانتها فى منطقة الشرق الأوسط، بعد أن اضطُرت إلى التراجُع عن مكانتها السابقة التى وصلت إليها بعد مشقّات كثيرة، تحت ضغط المعسكر السنى مدعوما بالغرب. وقالت الدراسة الإسرائيلية إن نفوذ روسيا، بجانب إيران، اقتصر على سوريا وحدها، حيث نجحت فى الحفاظ عليه، حتى الآن، ومن جهتها، فإنّ استئناف الحوار مع دول أخرى فى الإقليم هو فرصة إيجابية، يجب انتهازها لتقوية مكانتها وتعزيز أفضلياتها مقابل الغرب فى النظام الاقتصادى العالمى. وأضافت دراسة المعهد أن هذه الفرصة سنحت على ضوء التغيير فى سياسات بعض دول المنطقة، التى تشعر بالتحدى جراء سياسة الولاياتالمتحدة، وأنه من بين هذه الدول، فضلًا عن مصر، كل من المملكة العربية السعودية، والأردن، والعراق، التى تجرى حوارًا جديدًا مع روسيا، سواء حول صفقات الأسلحة أو حول التعاون السياسى. وادعت الدراسة أن موقف النظام المصرى مِن الصفقة أقل وضوحًا، وأنه متعلق بثلاثة قيود، أولهما: "منذ الثمانينيات، تقيم مصر علاقات عسكرية وطيدة مع الولاياتالمتحدة، ولا تقتصر هذه على إمدادات سلاحٍ واسعة، بل تشمل أيضًا اكتساب العقيدة القتالية الأمريكية، منح الإرشاد والتدريبات للضباط المصريين، ومناورات مشتركة، وبناء علاقات شخصية بين ضباط من الجيشَين". وأشارت الدراسة إلى أنه برغم من أن الجيش المصرى بقيت فيه منظومات سلاح من فترة العلاقة مع الاتحاد السوفياتى، لكن تلك الأسلحة قديمة وعمرها أربعة عقود أو أكثر، وليس للجيل الحالى من الضبّاط المصريين أية صلات بالمنظومة العسكرية الروسية، لذلك، لن يكون سهلًا استيعاب منظومات سلاح روسية مجددًا على مدى كبير، على حد قولها. وفيما يتعلق بالقيد الثانى، قالت الدراسة إنه قيد مالى، حيث إن السلاح الأمريكى يقدم للمصريين كجزءٍ من المساعَدة الممنوحة لهم منذ الثمانينات، ويرجَّح أنّ روسيا لن تزوِّد سلاحًا كهذا كمساعدة، وليست لدى المصريين القدرة خاصة فى الوضع الاقتصادى الحالى على تمويل صفقة كهذه، مشيرة إلى أن هناك علاقة مصلحة كلٍّ من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية بتمويل هذه الصفقة. وحول القيد الثالث، فوفقا للدراسة الإسرائيلية فهو الأكثر أهميّة، حيث لم ترد الإدارة الأمريكية عَلَنًا بعد على إمكانية توقيع الصفقة، لكن يمكن الافتراض أنها تنظر إليها بامتعاضٍ شديد، حيث إن توجه حليف مركزى لها لعقد صفقة غير مسبوقة مع روسيا يشير إلى ضعف أمريكى كبير آخر فى المنطقة، ويشكّل إنجازًا كبيرا للغاية لروسيا. وادعت الدراسة أن الأمريكيين مارسوا ضغوطًا على المصريين لعدم التوقيع على الصفقة، مضيفة أنه على المصريين أن يأخذوا فى الحسبان أن التوقيع على الصفقة سيجلب رد فعل أمريكيا سلبيا، قد يمس بالعلاقات مع الولاياتالمتحدة. وفى نهاية الدراسة قال المعهد، إنه فى جميع الأحوال، ليس واضحًا بعد إن كان سيجرى التوقيع على الصفقة، فلا يزال ممكنًا أن تردع القيود السابقة عن توقيعها، ويمكن أن يقلِّصوها إلى صفقة محدودة وغير مهمة، ويكتفوا بالتعبير عن امتعاضهم من سلوك الإدارة الأمريكية تجاههم فى الشهور الأخيرة، زاعما أنه حتى إن وقّع النظام المصرى على الصفقة، فيرجح أن يستمر فى النظر إلى الولاياتالمتحدة على أنها الشريكة الإستراتيجية الأساسية له، وأنه لا بديل عنها، لكنه سيسعى إلى زيادة قدرته على المناورة معها والإيضاح لها أنه غير مستعد لقبول تدخُّلها فى شئونه الداخلية.