طال الحلم بسكانى القاهرة، منذ أيام الملك فؤاد الأول وصولا إلى عهد الزعيم جمال عبد الناصر، حتى تحقق فى عهد السادات عام 1970 لإنشاء هيئة مترو الأنفاق لربط أطراف مصر بأسرع وسيلة مواصلات داخلية شهدها العالم فى ذلك الوقت. ومنذ فتح أول خط فى المرحلة الأولى، والتى تربط بين خط رمسيس وحلوان عام 1987، أصبح المترو هو وسيلة المواصلات الأسرع فى مصر يركبها الجميع، وهذا ما شجع الحكومة فى وقتها لاستكمال باقى المراحل لتصبح الآن أربع مراحل تربط بين اتجاهات متعددة فى العاصمة الكبرى القاهرة، وبعد فترة أصبح المترو وسيلة رزق لبعض الباعة الجائلين، ثم تطور الأمر ليصبح مداخل محطات المترو عبارة عن محلات على جوانب المحطة، سواء على السلالم أو الشارع المؤدى إلى المترو. وأصبح هذا الأمر واقعا لا يمكن لأحد أن يغيره رغم هجوم رجال الأمن عليهم وتكسير البضائع، والقبض على بعضهم، إلا أنهم سرعان ما يعودون مرة ثانية، الباعة هناك ترى أن المترو هو مدخل رزقهم الوحيد، ومنذ افتتاح المترو لم تغلق أبواب المترو أمام الركاب ولم يفكر أحد بغلق أحد المحطات حتى قيام ثورة 25 يناير، والتى تم فيها غلق محطة مترو السادات "ميدان التحرير" نظرا للأحداث التى كانت تمر بها البلاد فى ذلك الوقت، وفتحت بعد أن هدأ الأمر. ومنذ 6 أشهر، أى من وقت ثورة 30 يونيه، ثم غلق محطتى السادات والجيزة، وتقبل المواطنين ذلك فى البداية بجملة "الحكومة بتحافظ على أرواحنا وإحنا هنستحمل"، ولكن مع الوقت ضاق الحال على المواطنين وأصبحت محطة الشهداء، هى الوحيدة لتغيير اتجاهات المترو، والتى تعد قطعة من أكبر حشد قد يراها أحد فى العالم، مما أدى إلى حدوث حالات تحرش وسرقة وإصابات. تقول فوزية حجازى، يوميا لابد أن أخرج من المترو بمحطة غير المحطة التى أريدها، بسبب قوة دفع الخارجين من المترو، وأتأخر عن مواعيد عملى بسبب التكدس، أصبح تعدادنا يفوق 90 مليون نسمة، يأتى الجميع إلى العاصمة يوميا بأعداد كبيرة ولا يعرفون غير المترو وسيلة للمواصلات لهذا يحدث التكدس لأنهم يريدون تغيير المحطات من محطة واحدة وهى الشهداء. أما فاروق محمد، يحكى موقفا مضحكا حدث له، ويقول "خرجت من المترو فى محطة العتبة بدون حذائى، مع الازدحام خرج من قدمى دون أن أشعر، كيف يحدث لنا هذا، الأمن عليه أن يقوم بدوره ويؤمن المحطات المغلقة حتى تفتح مرة ثانية لراحة المواطنين". ورغم نداءات المواطنين التى لا تنقطع سواء عبر وسائل الإعلام المقروءة أو المشاهدة، لا يسمع لهم أحد، ومع دخول المدارس والجامعات زاد الأمر سوءا، وعلى الجانب الآخر وقع الباعة المحيطون بمحطتى السادات والجيزة فى الديون، نتيجة توقف أعمالهم هناك ومنازلهم أصبحت هى المأوى الوحيد لهم، وأصبحت المنطقة التى تحيط بسلالم المحطتين أشبه بالمهجورة خاصة محطة الجيزة التى ينقطع عنها الصوت سواء بالليل أو بالنهار. قال الحاج مصطفى سيد، أحد البائعين عند محطة مترو الجيزة "منذ غلق المحطة ولم يأت أحد إلى هنا، لأن المحطة هى المكان التى كانوا يمرون علينا من خلالها، ويشترون ما يلزمهم، تركنا جميعا الهياكل التى نضع عليها بضائعنا وذهبنا للبحث على مصدر رزق آخر". وأضاف، لا يمكن أن نذهب للعمل فى أى محطة أخرى، لأن كل محطة لها الأفراد التى تعمل بها، ولا يمكن أن نأخذ أماكنهم، بالإضافة إلى أن محطة مترو الجيزة تتميز بشارعها الواسع الذى يؤدى إلى المترو، لهذا كان يقف هنا أكثر من 90 أسرة للبيع الحلال، نريد جميعا أن يعيدوا فتح المحطة حتى نعود إلى رزقنا مرة أخرى. أما محمد سعيد، سائق أحد ميكروباصات الهرم، يقول: لم نعد نقف عند المترو مرة أخرى ونضطر إلى نقل الركاب من محطات مختلفة بشارع الهرم بداية من أوله إلى آخره، وهذا أدى إلى قلة دخلنا لأننا ننقل الركاب بين محطات صغيرة ولم تعد الأجرة كبيرة مثل قبل، لأن المحطات الكبيرة يسيطر عليها الميكروباصات من ميدان الجيزة ولا يمكن أن نتعدى على منطقتهم. ولم تكن سلالم محطة السادات أحسن حالا، وبعد أن كنا لا نرى السلالم من كثرة الباعة هناك وتكدس الجماهير عليهم للشراء، أصبح العدد هناك لا يزيد عن أربعة بائعين فقط، يحاولون الخروج من رصيف شارع التحرير للوصول إلى من يمشون فى الشوارع المحيطة والميدان عبر نداءات مرتفعة الصوت على بضائعهم، وقال سيد جمال، انتهى الحظر وأصبح الجميع يتجول فى الشارع مثل زمان، لماذا لم يتم فتح المترو؟ يمكن أن نفتحها ونؤمنها، هذا المكان هو مصدر رزقنا سوف ندافع عنه بكل طاقتنا حتى لا يحدث فيه اشتباكات، أو مشكلات ويتم غلقه مرة ثانية. وفى عبارة حادة، قال سيد "غلق أبواب الرزق أمامنا سوف يزيد عدد العاطلين والمجرمين" لم توفر لنا الحكومة العمل بحثنا نحن عن مصدر رزقنا، لماذا غلقه؟ ولم يكن صراخ سيد هو الوحيد فى ذلك المكان بل هناك صراخات كثيرة من باعة لم يستطيعوا الوقوف لقلة الزبائن، ومن باعة آخرين يقفون بجانب سيد طوال اليوم ولم يبيعوا شيئا. ويعلق الأستاذ أحمد عبد الهادى، المتحدث الرسمى لشركة المترو، على غلق المحطات ويقول، الجهات الأمنية هى صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة فى فتح المحطات المغلقة، هم يعرفون كيف يحافظون على أرواح المواطنين، ورغم ذلك طالبناهم كثيرا بما ينادى به المواطنون، وقمنا بتقديم أكثر من حل لراحة المواطنين، منه فتح محطة السادات داخليا فقط للنقل عبر الاتجاهات الأخرى دون الخروج إلى شارع التحرير، أو العمل على تنظيم الأمن داخليا، ولكن قوبلت جميع الاقتراحات بالرفض، ونحن على أتم الاستعداد لفتح المحطتين فى أى لحظة يتم إعطاؤنا إشارة البدء. ورغم ذلك يبقى الوضع كما هو عليه، الباعة فى المنطقتين بلا زبائن والمواطنين تصرخ داخل المحطات الأخرى من كثرة الازدحام، والسبب الوحيد حتى الآن هو "لدواعٍّ أمنية". موضوعات متعلقة: استمرار إغلاق محطتى مترو "السادات" و"الجيزة".. وتكدس ب"الشهداء"