سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الذكرى الأولى لاعتراف الأمم المتحدة بدولة فلسطين "عضو مراقب".. أبو مازن رجل المفاوضات يحقق الانتصار لشعبه.. رفض المقايضة بين التصويت مقابل التعهد بعدم الدخول إلى عضوية "محكمة الجرائم الدولية"
"لنا هدف واحد أن نكون.. وسنكون"، بتلك الكلمات أنهى الرئيس الفلسطينى محمود عباس من عام مضى، خطابه التاريخى فى مجلس الأمن بالأممالمتحدة، من أجل الاعتراف الدولى بدولة فلسطين على حدود 1967، عملا بقول الإمام مالك "هم رجال ونحن رجال"، ليكون اليوم 29 نوفمبر من عام مضى، هو الذكرى الأولى لاعتراف العالم بدولة فلسطين، على حدود 1967. ففى مثل هذا التاريخ منحت الأممالمتحدةفلسطين صفة دولة مراقب غير عضو، فى قرار يحمل الرقم «19 /67» فى تصويت تاريخى بالجمعية العامة، بأغلبية 138 دولة فيما عارضته 9 دول وامتنعت 41 دولة عن التصويت، لتصبح فلسطين الدولة رقم « 194» فى الأممالمتحدة، الأمر الذى وصفه كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات تغير فى وجه الخريطة الدولية، قائلا "اليوم وضعت فلسطين على خارطة الجغرافيا وبين الدول والشعوب". وللمفارقة الغريبة، تزامن موعد التصويت مع يوم التضامن العالمى مع الشعب الفلسطينى، الذى أقرته الجمعية العامة ل"الأممالمتحدة" فى العام 1977، بعدما كان هذا اليوم يوماً يؤرخ تاريخ تقسيم فلسطين بموجب القرار «181» الصادر عن الأممالمتحدة بتاريخ 29 نوفمبر 1947. حصول دولة فلسطين على صفة دولة كاملة العضوية إلى هيئة الأممالمتحدة، له أهمية كبيرة، أولها الاعتراف الرسمى بدولة فلسطين على 1967، بالتالى تصبح أراضى دولة محتلة من دولة أخرى، وليست أراضٍ متنازع عليها، كما يزعم الاحتلال الإسرائيلى، ويعنى ذلك أن الدولة الفلسطينية فى اليوم التالى لن يكون واقعها كما كانت ما قبل التصويت. أيضا الاعتراف بفلسطين كدولة قائمة بذاتها على حدود "1967"، سيحقق مكاسب مهمة لها ولشعبها، فمن جانب سيصبح باستطاعتها الانضمام لعدد من الاتفاقيات والمواثيق والمعاهدات والمنظمات الدولية، وسيكون بإمكانها الانضمام ل«اتفاقية جنيف الثالثة» الخاصة بحالة الحرب، وهو ما يعنى تحول وضع الأسرى فى سجون الاحتلال الإسرائيلى من متهمين جنائيين فى نظرها إلى أسرى حرب. كما سيتوجب على إسرائيل إطلاق سراحهم عند توقف الأعمال العدائية، كما يصبح بإمكان فلسطين أن تنضم إلى "اتفاقية فيينا" للعام 1961 الخاصة بالعلاقات الدبلوماسية، و"معاهدة قانون البحار للعام 1982" التى تحدد المياه الإقليمية، بحيث يصبح لفلسطين سيادة على البحر الإقليمى فى قطاع غزة، واعتبار أى اعتداء إسرائيلى أو دخول لهذه المناطق سواء بالطائرات، أو السفن، خرقاً لهذه الاتفاقية، مما يعطى فلسطين حق التقدم بشكوى ضد "إسرائيل" فى محكمة العدل الدولية، بالإضافة لإمكانية الانضمام للمنظمات الدولية، مثل «منظمة الصحة العالمية، ومنظمة العمل الدولية ومنظمة التجارة العالمية»، التى يعنى الانضمام لها التخلص من القيود الإسرائيلية، وإمكانية طرد إسرائيل منها إذا ارتكبت خروقاً تجاه فلسطين، من ناحية أخرى، فإن المواطنين الفلسطينيين يصبحون بعد الحصول على الاعتراف الدولى، مواطنين يتبعون دولة يمكنها أن تمنحهم جنسيتها، وجواز سفر، وحمايتهم فى الخارج دبلوماسياً أيضا على صعيد القضاء الدولى، الاعتراف الرسمى سيعطيها إمكانية الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية ورفع دعوى قضائية جنائية ضد إسرائيل، فيما يتعلق ببعض القضايا مثل الاستيطان والجدار الفاصل والمياه والحدود وقضايا اللاجئين، كما أن لها الحق بالانضمام لجمعية الدول الأطراف للمحكمة الجنائية الدولية، وهذا يعنى أن لها الحق بملاحقة أى فرد مهما كانت صفته الرسمية، أو الفردية أمام المحاكم الجنائية الدولية إذ ثبت ارتكابه أى جريمة دولية خصوصاً الجرائم التى تدخل ضمن اختصاص المحاكم الجنائية الدولية، مثل جرائم الحرب والعدوان والإبادة الجماعية. اعتراف المجتمع الدولى بفلسطين أيضا، يعنى أنها بهذه الصفة لها حضور اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، دون أن يكون لها الحق فى التصويت، إلا أنها تحضر كل الاجتماعات وتتبادل كافة الوثائق مع الآخرين، ويعامل رئيس السلطة الوطنية كرئيس دولة، وهى بهذه الصفة تشترك مع دولة الفاتيكان بنفس الوضع، وبالنتيجة فإن هذا الاعتراف هو إقرار من المجتمع الدولى بأن إسرائيل هى دولة الاحتلال الوحيدة فى العالم، وهو قرار ضمنى كذلك بالظلم التاريخى الذى مارسه المجتمع الدولى- بقصد أو بغير قصد- بحق الشعب الفلسطينى منذ عام 1948 وحتى هذه اللحظة. أما فيما يتعلق بالاقتصاد الفلسطينى، بعد الاعتراف الدولى تستطيع فلسطين أن تنضم إلى اتفاقيات التجارة الدولية، وأن تبرم اتفاقيات ثنائية أو متعددة مع دول أخرى، وهذا يحرر الاقتصاد الفلسطينى بعض الشىء من التبعية للاقتصاد الإسرائيلى، أو أن يبقى رهينة فى يد إسرائيل، وهذا مقدمة للاستقلال التام، لأن الاستقلال الاقتصادى هو بمثابة مقدمة للاستقلال الفعلى والتام، وهذا له أهمية كبيرة إذا أدركنا وجود أعداد كبيرة لفلسطينى الشتات فى دول الخليج وأفريقيا وأمريكيا اللاتينية، والتى يمكن على ضوء الوضع الجديد توظيف جزء منها مدخراتها لخدمة الاقتصاد الفلسطينى بما ينعكس على تقدم المواطن الفلسطينى. ورغم أن تغير الوضع الدولى الجديد يعتبر نصرا دبلوماسيا كبيرا، فهو يعرض السلطة الفلسطينية إلى عقوبات مالية أمريكية وإسرائيلية، تحديدا بعد رفض الرئيس أبو مازن المقايضة بين التصويت على دولة فلسطينية مقابل التعهد بعدم الدخول إلى عضوية «محكمة الجرائم الدولية»، ثم بطرح آخر بألا يكون هناك مفعول رجعى عن جرائم سابقة، ارتكبها المسئولون الإسرائيليون ضد الفلسطينيين. ووفقا لبعض المحللين فإن الاعتراف الدولى بحق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطنى، هو ترجمة لحق أى شعب احتلت أراضيه فى تقرير مصيره، خاصة فى ظل الربيع العربى الذى أعطى للعالم انطباعا أن على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وخصوصا فلسطين التى أبدت وفى أكثر من مناسبة بأنها على استعداد على التعايش مع الآخر، وبالتالى فإن رفض الآخر هذا التعايش يتعارض مع رغبة المجتمع الدولى بالاعتراف بفلسطين كدولة، ومع ذلك على الجانب الآخر، خرج الطرف الفلسطينى الآخر رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية، قائلا إن المداولات الجارية فى الأممالمتحدة تمس كرامة الشعب الفلسطينى. وعلى الرغم من ذلك، خرجت بعدها بعض قيادات حماس، تؤكد أهمية الاعتراف الدولى، حيث أكد عضو المكتب السياسى لحركة حماس، عزت الرشق، أن الحركة مع أى جهد أو حراك سياسى ودبلوماسى تهدف إلى حشد التأييد والاعتراف الدولى بالحقوق الفلسطينية فى التحرر، وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة، مضيفا فى تصريحات صحفية، أن حماس مع أى جهد وتحرك فى أى ساحة ومنبر دولى يؤدى إلى إدانة ومحاصرة العدو الصهيونى الرافض لحقوق المواطنة. وعن هذا التباين فى موقف حماس، قال أحمد عساف المتحدث باسم حركة فتح، إن حركة فتح اعتادت على تباين مواقف حركة حماس، واتهاماتها المتكررة لمواقف حكومة السلطة الفلسطينية التى وصفها بال«مشككة»، قائلا «اعتدنا على تشكيك حركة حماس فى كل خطوات حكومة السلطة الفلسطينية فى رام الله، ثم تعاود الاستفادة منها فمثلا اتفاق «أوسلو» التى وصفته حركة حماس فى البداية بأنه خيانة للشعب الفلسطينى، عادت بعد 10 سنوات واستفادت منه، حيث خاضوا انتخاباتهم على أساس اتفاق أوسلو، أيضا فيما يخص المقاومة الفلسطينية اعتادت حركة حماس على وصف شهدائها بأنهم مجرد قتلى وتنفى عنهم صفه الشهادة أو المقاومة، هم الآن يسيرون على نفس النهج الفلسطينى لحركة فتح» _ على حد تعبيره. وتابع عساف قائلا: «الأمر نفسه فى خطواتنا تجاه مجلس الأمن نحو الاعتراف الرسمى بدولة فلسطين، فى البداية وصفتها حماس بأنها خطوة غير وطنية، وفقا لتصريح رئيس حكومة حماس إسماعيل هنية، ومع ذلك اليوم توصفه بأنه من أعظم إنجازاتها، وهو تباين اعتدنا عليه». من جانبه، وصف عساف خطوة الاعتراف الدولى بفلسطين كدولة عضو مراقب فى الأممالمتحدة إنجاز كبير وانتصار سياسى لدولة فلسطين، استطاعت تحقيقه بقيادة الرئيس محمود عباس، فى ظل كم كبير من الضغوطات الدولية التى وقعت على حكومة السلطة الفلسطينية. قبل صدور القرار النهائى بالاعتراف الرسمى بدوله فلسطين، مر بعدد من العثرات داخل مجلس الأمن، على رأسها تهديد الولاياتالمتحدة باستخدام حق النقض فيتو، لكن جاءت زيارة رئيسها باراك أوباما إلى الضفة الغربية 21 مارس من العام الجارى، لتكسر جليد العلاقات المجمدة، أيضا موقف الاتحاد الأوروبى المرتبك حيث جاء تصريح ممثلة الاتحاد الأوروبى للشئون الخارجية كاثرين آشتون فى بيان نشر قبل ساعات من التصويت، أن الاتحاد الأوروبى مستعد للاعتراف بدولة فلسطينية فى الوقت المناسب، حيث كان يخشى الأوروبيون أن تقطع واشنطن التمويل عن وكالات الأممالمتحدة التى سيصبح بوسع الفلسطينيين الانضمام إليها بعدما حصلوا على وضعهم الدولى الجديد. وحين انضمت فلسطين إلى اليونسكو فى أكتوبر 2011 قطعت الولاياتالمتحدة على الفور الأموال عن المنظمة بعدما كانت تؤمن 22% من تمويلها، التزاما بما يمليه عليها قانونان أمريكيان يعودان إلى التسعينيات، إلا أنه كان هناك العديد من المدعمات التى ساندت موقف الرئيس أبو مازن أمام هيئة الأممالمتحدة، منها المبادرة التى أطلقها الرئيس "أبو مازن" لحل سياسى للأزمة فى سوريا، والتى اعتمدت بنودها ل"مؤتمر جنيف 2"، المنوى عقده قريباً، كما جاءت زيارة العديد من المسئولين العرب والدوليين إلى الأراضى الفلسطينيةالمحتلة، فى رسالة دعم وتأييد. كما كان لعضوية فلسطين العديد من التوابع الهامة المؤيدة للموقف الدولى كزيارة الرئيس أبو مازن، التاريخية إلى لبنان فى العام الجارى والحفاوة التى لقيها خلالها، والإشادة بالموقف الفلسطينى من عدم التدخل بما يجرى على الساحة اللبنانية، أيضا لعب الدور الفلسطينى فى تشكيل محور رئيسى للاتصالات التى أثمرت الإفراج عن الزوار اللبنانيين، الذين كانوا مخطوفين فى أعزاز بتاريخ «19» أكتوبر من العام الجارى، أيضا جاء تصويت مندوب فلسطين فى الأممالمتحدة للمرة الأولى فى جلسة للجمعية العامة المخصصة لانتخاب أحد قضاة محكمة الجزاء الدولية الخاصة بيوغوسلافيا « 18» نوفمبر 2013.