يوم الجمعة القادم 9 سبتمبر 2011 سوف تتقدم دولة فلسطين بطلب رسمي للأمم المتحدة لقبول عضويتها كي تصبح الدولة رقم 193 بالمنظمة الدولية أو 194 في حالة قبول عضوية دولة جنوب السودان قبلها .. وحتي الآن تتحرك الدول العربية وكأن عضوية فلسطينيبالأممالمتحدة مسألة محسومة سواء عبر مجلس الأمن أو الجمعية العامة، وأن القضية الفلسطينية ستحقق مكاسب عديدة بانضمامها للأمم المتحدة في حين أن القضية أعقد من هذا بكثير !. بداية يجب أن نوضح أن "العضوية بالأممالمتحدة مفتوحة أمام جميع الدول المحبة للسلام"، حسبما ينص (ميثاق الأممالمتحدة)، ولكن لم يرد في ميثاق الأممالمتحدة أي ذكر لتفاصيل الحصول علي هذه العضوية، وعادة تكون العضوية بموجب توصية من مجلس الأمن، مثلما حدث مع دولة جنوب السودان الوليدة التي أوصي مجلس الأمن الأممالمتحدة بقبول عضويتها مؤخرا . وقد أكد جوزيف ديس، الرئيس الحالي للجمعية العامة الذي يحمل الجنسية السويسرية، في مايو الماضي أن هذه التوصية من مجلس الأمن، في حالة العضوية بالأممالمتحدة، "تُعتبر أمراً إلزامياً .. والجمعية العامة لا تستطيع أن تقوم بمبادرة بهذا الشأن"، ما يعني أن اللجوء للجمعية العامة غير مجدٍ كما يقول الفلسطينيون بدون توصية مجلس الأمن، وهذه التوصية ليست مضمونة بعدما أعلنت أمريكا أنها ستعارض هذا الأمر . فإسرائيل وأمريكا تسعيان للطعن علي مبدأ أن "العضوية بالأممالمتحدة مفتوحة أمام جميع الدول المحبة للسلام"، فيما يخص الدولة الفلسطينية بالزعم أن هذه الدولة الفلسطينية تحكمها حماس وفتح، وحماس علي الأقل تعتبرها تل ابيب وواشنطن إرهابية، وهذه يراها بعض خبراء القانون "حجة معقولة" تلعب بها إسرائيل، وقد أشارت إدارة أوباما لأنها تنوي استخدام حق النقض الفيتو، ضد قرار مجلس الأمن، وذلك خوفاً من أن يؤدي هذا القرار إلى نزع الشرعية عن إسرائيل. سوابق رفض العضوية ولذلك علينا أن نتوقع من الآن رفض مجلس الأمن التوصية بقبول عضوية دولة فلسطين في الأممالمتحدة بالرغم من اعتراف 123 دولة بها حتي الآن بسبب هذه الألاعيب الصهيونية الأمريكية .. فبسبب رفض الصين عضوية دولة تايون في الأممالمتحدة واتباع أسلوب الفيتو ضدها تم رفض عضويتها خمس مرات آخرها عام 2007 . أيضا دولة كوسوفا الإسلامية تعاني نفس المشكلة بسبب الفيتو الروسي علي عضويتها وبرغم أنها تحظي باعتراف 75 دولة من بينها الولاياتالمتحدة ومعظم دول الاتحاد الأوروبي. كيفية حل المشكلة المتوقع بالتالي أن تلجأ السُلطة الفلسطينية – مدعومة بالجامعة العربية – أولا إلى مجلس الأمن في يوم 9 سبتمبر للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية ضمن حدود الرابع من شهر يونيو 1967وعاصمتها القدس الشريف .. وفي حالة استخدام أمريكا حق الفيتو لمنع قيام الدولة الفلسطينية - وهذا أمر متوقع – يتم الذهاب إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية والمطالبة بعضوية كاملة للدولة الفلسطينية . وتحتاج فلسطين، لقبول عضويتها بالأممالمتحدة، إلى 129 صوتاً في الجمعية العامة بنسبة ثلثي الأعضاء، لتصبح بذلك العضو 194 في منظمة الأممالمتحدة، وحاليا تشير تقديرات وزارة الخارجية الإسرائيلية – بحسب صحيفة "هآرتس" - إلى أن عدد الدول التي ستؤيد المبادرة الفلسطينية يتراوح ما بين 130 و140 دولة، وأنه ما زال هناك علامة استفهام كبرى بشأن تصويت دول الاتحاد الأوروبي. ولأن التصريحات الغربية تشير لضرورة "توصية مجلس الأمن"، فقد ألمّحت السلطة الفلسطينية للجوء - في حال استخدام الولاياتالمتحدة حق النقض- إلى طلب انتقال فلسطين من وضع (دولة عضو مراقب) إلى وضع (دولة غير عضو) بالأممالمتحدة، ولا يتطلب ذلك سوى موافقة من الجمعية العامة، حيث ستتمتّع فلسطين، في هذه الحالة، بجميع الحقوق التي ستتمتع بها إذا أصبحت عضواً، باستثناء الحق بالتصويت. وقد حصلت في الماضي كل من الكوريتين والألمانيتين، بالإضافة إلى سويسرا على هذه الصفة، كما أن الفاتيكان، مقر الكرسي الرسولي، لديه صفة الدولة غير العضو بالأممالمتحدة، ولكن هذا لن يغير – عمليا - الكثير في وضع فلسطين الحالي كما يقول المحامي الدولي (مارتن فيلش) في دراسة نشرها مؤخرا، فقد سبق أن منحت الجمعية العامة فلسطين حقوقاً وامتيازات إضافية للمشاركة في دوراتها العامة كما في أعمالها .. أما الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الأليمة للفلسطينيين فستبقى على حالها !. الانتفاضة الثالثة قادمة والحقيقة أن ما يثير مخاوف إسرائيل وأمريكا ليس موافقة الأممالمتحدة علي ضم فلسطين لعضويتها ولا يعنيها هذا الأمر كثيراً لأنها مطمئنة لعرقلة الفيتو الأمريكي لهذا الاعتراف الدولي بفلسطين ومطمئنة لأن بقاءها دولة فوق القانون سيستمر بفضل الدعم الأمريكي .. ولكن ما يزعج الصهاينة أكثر هو استعداد الفلسطينيين للخروج فيما يشبه الثورات الشعبية العربية بداية من يوم 9 سبتمبر لدعم هذا المطلب الفلسطيني ومواجهة الحواجز الصهيونية، والمخاوف من أن يدعم هذا انتفاضة ثالثة غير مسبوقة تحظي بدعم الثورات الشعبية العربية . وهو ما استعد له الصهاينة باستعدادات أمنية مثيرة تضمنت إنتاج قنابل قذرة جديدة لتفريق المتظاهرين تنتج روائح كريهة، وأسلحة وخيول، ومع هذا يثار في إسرائيل حاليا جدل حول مدي كفاية هذه الاستعدادات لمواجهة تداعيات مبادرة أيلول/ سبتمبر في الأممالمتحدة بعدما ذكرت صحيفة "معاريف" أن إسرائيل لا تملك استراتيجيا واضحة لمواجهة تداعيات ذلك، ويقول مسئولون كبار إن هناك تقارير تؤكد وجود استعدادات لمواجهة الأحداث المتوقعة في سبتمبر المقبل، ولا سيما امتلاكه وسائل خاصة لتفريق التظاهرات وأعمال الشغب في المناطق المحتلة . وبحسب صحيفة "يسرائيل هَيوم" 4 أغسطس الجاري فليس من مصلحة السلطة الفلسطينية قيام هذه الانتفاضة الثالثة إذ: "يدرك كبار المسئولين في السلطة أن المارد الإسلامي ينتظر اللحظة المناسبة للسيطرة على الضفة الغربية كما سيطر على غزة، لذا فهم لا يسارعون إلى القيام بخطوة قد تشكل انتحاراً جماعياً من خلال الدعوة إلى أعمال شغب أو إلى انتفاضة ثالثة قد تخرج عن سيطرتهم" !. مزايا عضوية الأممالمتحدة والحقيقة أن هناك مزايا يمكن أن يستفيد منها الفلسطينيون من عضوية الأممالمتحدة منها زيادة عزلة إسرائيل وزيادة معارضة الرأي العام العالمي للممارسات الإسرائيلية، والاستفادة من هذه العضوية في تخفيف الحصار عن غزة . كما أن هذه العضوية قد تتسبب بزيادة العزلة الإسرائيلية، وانخفاض حجم التأييد في الوسط الدولي مقابل ارتفاع حجم التأييد للقضية الفلسطينية. أيضا استخدام الفيتو الأمريكي لإفشال الخطوة الفلسطينية سيقدم دليلاً جديداً صارخاً على الانحياز الأمريكي للكيان الإسرائيلي، وسيؤكد ما هو معروف مسبقاً أن أمريكا لا تصلح وسيطاً أميناً في العملية السلمية . وقد يكون من مزايا هذه العضوية أنها ستجن جنون إسرائيل وتدفعها لتنفيذ تهديداتها بإلغاء اتفاقية أوسلو وتعتبر نفسها غير ملزمة بالتطلعات الفلسطينية المتعلقة بمسألة السيادة والاقتصاد، ما يعني عودة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي لطبيعته الأولي ولكن وفق أسس ومتغيرات دولية جديدة يبدو فيها الطرف العربي أكثر صحة بعد الثورات الشعبية في حين تعاني أمريكا وإسرائيل من مشاكل اقتصادية عديدة . عيوب العضوية أما أبرز العيوب فهي أن انضمام فلسطين إلى الأممالمتحدة بعضوية كاملة قد لا يحدث تغييراً على أرض الواقع في الضفة الغربية؛ بحكم الاحتلال الإسرائيلي، كما أنه قد يشكل ضغطاً علي حركة حماس لأنه سيعطي اعترافاً بسلطة فتح والرئيس أبو مازن علي حساب حركة حماس، وقد يدفع هذا السلطة الفلسطينية لإعلان حماس منظمة خارجة عن الإجماع الفلسطيني وغير شرعية ويحظي هذا بدعم دولي باعتبار أنه صادر من حكومة دولة عضو في الأممالمتحدة !. وبحسب "تقدير استراتيجي" لمركز الزيتونة للدراسات والاستشارات فإن نجاح إعلان دولة فلسطينية كدولة عضو في الأممالمتحدة، لن يحمل على الأغلب دلالات عملية على الأرض، حيث سيبقى الاحتلال الإسرائيلي، مستعيناً بلغة القوة، وبالدعم الأمريكي، وبالتعامل الدولي مع "إسرائيل" كدولة فوق القانون . أيضا لا ننسي أن الكونجرس الأمريكي أصدر قراراً دعم فيه استخدم حق النقض ضد أي قرار يؤيد الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولوح بقطع المساعدات الأمريكية عن السلطة الفلسطينية والمقدرة بنحو 500 مليون دولار سنوياً، برغم أن هذا يتناقض مع الموقف السابق للرئيس الأمريكي باراك أوباما في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2010، والذي عبر فيه عن رغبته بوجود دولة فلسطينية مع حلول سبتمبر 2011 . وفي حال فشل القيادة الفلسطينية في الانضمام إلى الأممالمتحدة،عموما، فإن ذلك سيزيد من ضعف تيار التسوية في الساحة الفلسطينية لصالح قوى المقاومة. أما أخطر هذه العيوب فهي أن أخذ العضوية الكاملة في الأممالمتحدة بالاستناد إلى قرار التقسيم رقم 181 قد يفتح المجال لتكريس فكرة يهودية "إسرائيل"، ولتدويل القدس المنصوص عليهما في هذا القرار الدولي .