غلق باب التصويت في انتخابات النواب بالخارج ب 6 دول    محافظ الغربية يقود جولة ميدانية بحي أول وثان المحلة لمتابعة النظافة ورفع الإشغالات    التضامن الاجتماعي: تكافل وكرامة الأول عربيا في برامج الحماية الاجتماعية    مسئول إسرائيلي: ويتكوف أبلغ الوسطاء بأن المرحلة الثانية من اتفاق غزة ستبدأ في يناير    بمشاركة رونالدو.. النصر يكتسح فريق عماد النحاس بخماسية في أبطال آسيا    إخلاء سبيل صانع المحتوى شاكر محظور بكفالة مالية في اتهامه ببث فيديوهات خادشة    أحمد الفيشاوي يروج لفيلمه الجديد «سفاح التجمع»    اشتياق.. تحذير.. شكر وتقدير    وسرحوهن سراحا جميلا.. صور مضيئة للتعامل مع النساء في ضوء الإسلام    بحضور مستشار رئيس الجمهورية.. تنظيم اليوم السنوي الأول لقسم الباطنة العامة بطب عين شمس    رئيس الأساقفة سامي فوزي يرأس قداس عيد الميلاد بكاتدرائية جميع القديسين بالزمالك    رئيس جامعة الأزهر: لدينا 107 كليات بجميع المحافظات و30 ألف طالب وافد من 120 دولة    كوت ديفوار ضد موزمبيق.. شوط سلبي في كأس أمم إفريقيا    أيها «الستارة».. الآن ترتفع «السادة» عن أم كلثوم!    الخارجية الروسية: موسكو تؤكد مجددا دعمها لسيادة سوريا    إتاحة الاستعلام عن القبول المبدئي للمتقدمين لشغل 964 وظيفة معلم مساعد بالأزهر    رئيس جامعة المنصورة ونائب وزير الصحة يوقِّعان بروتوكولًا لتعزيز التطوير والابتكار    القبض على المتهم بإنهاء حياة والدته بسبب مشغولات ذهبية بالمنيا    أبرد ليلة بفصل الشتاء فى ريكاتير اليوم السابع    رئيس الوزراء: فى 2014 كنا دولة شبه حطام وحاليا إحنا على أرضية ثابتة    لحظة إنهاء السوريين مؤتمرا لوزير خارجية تركيا عند حديثه عن فلسطين تثير الغضب (فيديو)    بالأسماء.. مصرع شخص وإصابة 18 آخرين إثر انقلاب ميكروباص في أسوان    مدرب بنين: قدمنا أفضل مباراة لنا رغم الخسارة أمام الكونغو    محافظ قنا يعقد اجتماعًا موسعًا للاستعداد لانطلاق الموجة ال28 لإزالة التعديات    البورصة المصرية تربح 4 مليارات جنيه بختام تعاملات الأربعاء    بعد الاعتداءات.. ماذا فعل وزير التعليم لحماية الطلاب داخل المدارس؟    الكنيست الإسرائيلي يصدق بقراءة تمهيدية على تشكيل لجنة تحقيق سياسية في أحداث 7 أكتوبر    هذا هو موعد ومكان عزاء الفنان الراحل طارق الأمير    اليمن يدعو مجلس الأمن للضغط على الحوثيين للإفراج عن موظفين أمميين    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن :شكرا توتو وتوتى ..!؟    ليفربول يجتمع مع وكيل محمد صلاح لحسم مستقبله    السكة الحديد: تسيير الرحلة ال41 لنقل الأشقاء السودانيين ضمن مشروع العودة الطوعية    الصحة تواصل العمل على تقليل ساعات الانتظار في الرعايات والحضانات والطوارئ وخدمات 137    أمم أفريقيا 2025| شوط أول سلبي بين بوركينا فاسو وغينيا الاستوائية    ڤاليو تعتمد الذكاء الاصطناعي لتعزيز تجربة العملاء    جامعة قناة السويس تعلن أسماء الفائزين بجائزة الأبحاث العلمية الموجهة لخدمة المجتمع    الزراعة تحذر المواطنين من شراء اللحوم مجهولة المصدر والأسعار غير المنطقية    النائب محمد رزق: "حياة كريمة" نموذج للتنمية الشاملة والتحول الرقمي في مصر    كوت ديفوار تواجه موزمبيق في الجولة الأولى من كأس أمم إفريقيا 2025.. التوقيت والتشكيل والقنوات الناقلة    ميناء دمياط يستقبل 76 ألف طن واردات متنوعة    وكيل تعليم الإسكندرية: مدارس التكنولوجيا التطبيقية قاطرة إعداد كوادر فنية لسوق العمل الحديث    هل يجوز استخدام شبكات الواى فاى بدون إذن أصحابها؟.. الإفتاء تجيب    «أبناؤنا في أمان».. كيف نبني جسور التواصل بين المدرسة والأهل؟    مدافع من سيتي وآخر في تشيلسي.. عرض لتدعيم دفاع برشلونة من إنجلترا    الاتصالات: إضافة 1000 منفذ بريد جديد ونشر أكثر من 3 آلاف ماكينة صراف آلى    تأجيل محاكمة عامل بتهمة قتل صديقه طعنًا في شبرا الخيمة للفحص النفسي    محافظ الجيزة يتابع الاستعدادات النهائية لإطلاق القافلة الطبية المجانية إلى الواحات البحرية    ماريسكا: إستيفاو وديلاب جاهزان ل أستون فيلا.. وأشعر بالرضا عن المجموعة الحالية    "البحوث الزراعية" يحصد المركز الثاني في تصنيف «سيماجو» لعام 2025    وزيرا التعليم العالي والرياضة يكرمان طلاب الجامعات الفائزين في البطولة العالمية ببرشلونة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 24-12-2025 في محافظة الأقصر    ضياء السيد: إمام عاشور غير جاهز فنيا ومهند لاشين الأفضل أمام جنوب إفريقيا    فاضل 56 يومًا.. أول أيام شهر رمضان 1447 هجريًا يوافق 19 فبراير 2026 ميلاديًا    وكيل صحة بني سويف يفاجئ وحدة بياض العرب الصحية ويشدد على معايير الجودة    محمد إمام يكشف كواليس مشهد عرضه للخطر في «الكينج»    القومي للطفولة والأمومة يناقش تعزيز حماية الأطفال من العنف والتحرش    وزير الخارجية يتسلم وثائق ومستندات وخرائط تاريخية بعد ترميمها بالهيئة العامة لدار الكتب    واشنطن في مجلس الأمن: سياسات مادورو تهدد أمن الولايات المتحدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العظماء يرحلون فى أغسطس
نشر في اليوم السابع يوم 02 - 09 - 2009

إنها حالة حداد، فلنجهز العيون للدموع والقلوب للوجع، والأكف للضراعة، والصدور للخفقان اضطرابا، والعقول للاعتماد على النفس، واليوم لمستقبل بلا آباء، يمر الموت مرة، فيخطف من الأحبة ما يشاء، ويتركنا باشتياقنا للقريبين وقد راحوا بعيدا، يدركوننا ولا ندركهم يرونا ولا نراهم يلوحون لنا ولا نلمح أكفهم يبتسمون لنا فلا يضاء لنا طريق ولا تبهجنا ابتسامة. لا أعرف هل أنعى بهذه السطور "أبي" الذى توفى قبل أيام؟ أم "كاتبي" الذى توفى أمس الأول؟ أم أنعى حفنة من الأدباء والكتاب العظام الذى رحلوا مؤخرا؟ أم أنعى قيما سامقة غابت وتوارت وسادت فى غيابها ما هو أدنى؟ أم أنعى وطنا أراه يترنح وهو يفتقد بوصلة الحق والخير والجمال؟ أم أنعى كل هذا فى شخص محمود عوض؟ أم أنعى محمود عوض وفيه كل هذا؟
يتساقط الأحبة، واحدا تلو الآخر، كما تتساقط الأسنان من فم المسن، ويتساقط الشعر من رأس المريض، وتتساقط أوراق الشجر فى الخريف، وإن قلنا إن البلاد كالسنين، لكل منها فصول للازدهار وأخرى الانحدار، فبلا شك تعيش مصر الآن فى خريفها الممتد منذ أعوام، أشعر بالغبار يملأ الحلوق، والصفار يملأ الوجوه، والغربة تسكن الملامح، والقهر يملأ القلوب، وكما تفسد السمكة من رأسها، تشيخ البلاد من رأسها أيضا فيخطف الموت رموزها وكتابها وضميرها كأننا فى موسم للجفاف، وكأن الصيف هو "حانوتى" مصر القمىء، يأتى الصيف فكأنما تستعد القبور للزائرين ويستعد المودعون للتلويح، وكأننا اعتدنا على الوداع، واستعذبتنا الدموع التى تخرج صافية سالكة طريقها المعلوم.
فى كل صيف من كل عام يأتى الموت حاملا مفاجآته المريرة، واضعا فى قائمته كثيرون مما عشقناهم وعشنا معهم فأعطوا لحياتنا طعما ولونا وشكلا وقيمة، كانت آخر مقالاتى باليوم السابع عن صلاح عبد الصبور الذى رحل فى أغسطس قبل ثمانية وعشرين عاما، وقبلها كانت مقالتى التى كتبتها فى الذكرى السنوية الأولى لمحمود درويش، وتتسع قائمة موتى أغسطس لتشمل عبد الوهاب مطاوع الذى رحل فى العام 2004 والقيادى العمالى إبراهيم شكرى الملقب بالشهيد الحى، وأيضا قبل ثلاث سنوات رحل أديب نوبل نجيب محفوظ فى الثلاثين من أغسطس، وقبله رحل يوسف إدريس ولويس عوض، وفى الماضى البعيد رحل أيضا فى أغسطس كل من سعد زغلول ومصطفى النحاس، وفؤاد سراج الدين، ووفى صيف العام الماضى رحل كل من يوسف شاهين ورءوف عباس، وألبير قصيرى، وسامى خشبة، ونالت الصحافة المصرية أكثر طعناتها إيلاما برحيل كل من رجاء النقاش وكامل زهيرى وعبد الوهاب المسيرى ومحمود أمين العالم وصلاح الدين حافظ، وأبى صيف هذا العام أن يرحل دون أن أودع أبى، وبعده بأيام محمود عوض.
لا أتخيل شكل الصفحة الأخيرة من اليوم السابع بدون "محمود عوض، والآن أتذكر أيام ما قبل صدور العدد الأول فى الرابع من أكتوبر من العام المنصرم، وقتها كنا نجرى الاستعدادات النهائية للخروج إلى النور، ولا أنسى شكل "خالد صلاح" وهو يزف لى مبتهجا خبر الاتفاق مع محمود عوض على الكتابة معنا، ووقتها كان اليوم السابع غير معروف لقاعدة كبيرة من الناس، فكنت حينما يسألنى أحد عن جريدتى الوليدة أقول متندرا: يرأس تحريرها خالد صلاح وأنا ومحمود عوض نكتب فيها، وحينما صدر العدد الأول من اليوم السابع كانت الصفحة الأخيرة تتزين بقلمه وصورته، صارت كل مقالة يكتبها بالنسبة لى درسا من دروس الصحافة، وفى كل مرة أحسده على سعة أفقه وعمق رؤيته واتساع ثقافته وشمولية متابعته، ما من صغيرة ولا كبيرة فى أحوال السياسة والثقافة والاقتصاد فى العالم العربى إلا وأحصاها وربطها بأسلوب صحفى شيق ورشيق، وهو الوحيد من بين كتابنا الصحفيين الذى كنت أرى أن كتاباته تخاطب كل العرب، حتى وهو يتناول أشد الموضوعات محلية وخصوصية مثل تصفية القطاع العام أو مشاكل مصانع النصر للسيارات، كنت أرى الوجه العروبى الأصيل فى كل كتاباته ألمح هذا الوجه ببساطة وفطرية نادرة، وهنا أدركت مدى تمكنه من فن الكتابة الصحفية العالمية التى تصلح لأن تكون وجها صادقا للمجتمع الذى يحيا فيه الكاتب، وكأنه "شاهد المذبحة وشهيد الخريطة" حسبما يقول محمود درويش، فى كل مرة كنت أقرأ فيها مقاله كنت أعتزم مكالمته إلا أن الحياء كان يمنعنى، وحينما كتب عن تجربته فى إنشاء جوائز نقابة الصحفيين لم أستطع أن أمنع نفسى من مهاتفته والثناء على دوره التاريخى النزيه، إعمالا بقول صلاح جاهين "الحلو أقوله يا حلو فى عيونه" فطلبت رقمه من الأستاذ سعيد الشحات وكلمته، كان هادئا ورصينا استنزف منى الكلمات دون رد، وحينما انتهيت من كلامى ظل يستجوبنى عن حالى ومواقفى وكتاباتى وتعليمى ثم فاجأنى فى آخر المكالمة بسؤالى عن رقم تليفونى، وكأنه يريد أن يحافظ على اتصاله الدائم بأبنائه الصحفيين حتى ولم يرهم ولا مرة فى حياته.
"حال الدنيا" هكذا اختار محمود عوض عنوان مقالاته ليؤكد على فكرة أن الصحفى الأمين هو الذى يتابع الأحوال ويراها ويحللها ويتوقع مستقبلها، معتمدا على خبرته الماضية ورؤيته الحاضرة، واستشرافه لما هو آت، ويحسب لمحمود عوض أنه خرج بالصحافة المصرية إلى الفضاء العربى الكبير وكانت مقالاته أشبه بتاريخنا القادم مؤكدا فى كل كتاباته على أن الكتابة قيمة، والكتابة حياة، والكتابة رسالة والكتابة نجاة والكتابة فخ والكتابة صيد والكتابة فريسة، والكتابة فريضة، وكأنه يقول فى كل مقال "حى على الحياة".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.