فى مشهد صادم, استقبل الرئيس محمد مرسى الدكتور كمال الجنزورى رئيس الوزراء السابق , ليتم تكليفه كمستشار عام للرئيس ، ومنحه قلادة الجمهورية تقديراً لجهوده فى الفترة السابقة ...هذا المشهد كان يمكن أن يكون مقبولاً لولا النضال الكبير الذى خاضه حزب الحرية والعدالة ورئيسه السابق الدكتور «مرسى» فى محاولة لإسقاط حكومة «الجنزورى» وسحب الثقة منها , ووصف مرسى حكومة الجنزورى ب «المرتعشة» وأن أداءها سيئ ,ويجب محاسبتها, واستبدالها بحكومة جديدة مستقلة ,وهو نفس الشخص الذى أعلن الحزب وجماعته قبلها بشهور تأييدهم له ورفضهم المليونيات التى حشدت ضد اختياره . نرجع بالاحداث ليوم 25 نوفمبر الماضى , حينما رفع المجلس العسكرى الستار عن رئيس حكومة الثورة الجديد والذى يتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية , بعد المليونيات التى خرجت لاسقاط الدكتورعصام شرف , ولان اسم «الجنزورى» لم يكن مطروحاً فقد أثار اسمه وتاريخه كرئيس وزراء مع الرئيس السابق حسنى مبارك , وعمره يقترب من الثمانين , غضب الثوار خاصة أن «الجنزورى» لم يكن واحداً منهم . ووقتها دعت القوى الثورية لمليونية سميت «جمعة الشهداء» لرفض الجنزورى كرئيس للحكومة . وهنا جاء رد فعل أكبر جماعة اسلامية وحزب سياسى فى الشارع المصرى تجاه هذا القرار منقسماً بين فريقين، حيث أعلن المتظاهرون من شباب الجماعة بميدان التحرير رفضهم لحكومة الجنزروى كحكومة إنقاذ وطنى فى المرحلة الانتقالية لحين إجراء الانتخابات الرئاسية ، وبغض النظر عن كفاءة الجنزروى ومواقفه التى قد تحسب له ، إلا أن الرفض محوره أنه محسوب على النظام السابق ، مما يجعل يداه ملوثة بكل ما حل بالشعب المصرى خلال حكم النظام السابق. على جانب قيادات الجماعة والحزب قال محمود غزلان المتحدث الرسمى بإسم جماعة الإخوان المسلمين معلقاً على قرار تكليف الجنزورى..«لا ننشغل بالشخصيات بقدر انشغالنا بالصلاحيات التى ستعطى لنا ، بحيث يكونون قادرين على قيادة البلد فى هذه المرحلة» ، مصرحاً بأنه لا بأس من تولى رئاسة الدكتور كمال الجنزورى حكومة الإنقاذ حيث أنه سيدير البلاد لمدة ثلاثة أو أربعة شهور حتى إجراء الانتخابات ، واضاف أن الجنزورى رجل يشهد له بالكفاءة وطهارة اليد وأنه يجب أن نعطيه الفرصة للخروج من الأزمة الراهنة . وأكد نائب رئيس حزب الحرية والعدالة أن الإخوان ليسوا طرفاً فى اختيار الجنزورى وحكومته لقيادة مصر فى المرحلة الانتقالية ، وعبر عن أمله فى قيام هذه الحكومة باستكمال مسيرة التحول الديمقراطى والخروج بالبلاد من المأزق الذى تعانيه ..كما أكدت الجماعة الإسلامية دعمها لأى شخصية ذات كفاءة لتولى رئاسة الحكومة مثل الدكتور كمال الجنزورى, وكأن شباب الجماعة فى واد وقياداتهم فى واد آخر ففى إطار «جمعة الشهداء والفرصة الأخيرة» واصل المعتصمون فى ميدان التحرير مليونية تطالب برحيل المجلس العسكرى وفى نفس الوقت للإعلان عن رفضهم تعيين كمال الجنزورى رئيساً للحكومة . وهنا بدأت تظهر أركان «اللعبة» وكأنها محاولة للعب بعقول الشعب المصرى, حينما أعلن العسكرى تكليف الجنزورى بتشكيل الحكومة بصلاحيات رئيس الجمهورية ، فقد أكد فقهاء دستوريون أن إعطاء الجنزورى صلاحيات رئيس الجمهورية ليس دستورياً, حيث أكد الدكتور شوقى السيد الفقيه الدستورى أنها مسألة غير دستورية حيث أن مرسوم 136 لسنة 2011 بتكليف الدكتور كمال الجنزورى بصلاحيات رئيس الجمهورية ليس كافياً وأن المادة 46 من الإعلان الدستورى تحدد اختصاصات المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومنها تفويض رئيسه أو أحد أعضائه بصلاحيات رئيس الجمهورية ، وليس شخصاً خارج هذا المجلس .. وأكد السيد أن حاجة حكومة الإنقاذ الوطنى لصلاحيات كاملة لا يجب أن يتحقق بإصدار مرسوم مخالف للإعلان الدستورى. وتستمر سياسة الشد والجذب حتى نصل ليوم 27 أبريل 2012 الذى كشف فيه الدكتور سعد الكتاتنى رئيس مجلس الشعب المنحل تفاصيل واقعة تهديد الجنزورى رئيس الحكومة بحل البرلمان ، مؤكداً على ان الفريق سامى عنان كان شاهداً على الحوار الذى دار بينه وبين الجنزورى حول رفض النواب لأداء الحكومة, والذى وصفوه بالضعيف والفاشل ، ومطالبتهم بسحب الثقة من حكومته بسبب فشلها فى حل أزمة البنزين والبوتاجاز ، وقال الكتاتنى للجنزورى إن الإعلان الدستورى رغم خلوه من حق البرلمان فى سحب الثقة إلا ان الأعراف البرلمانية ودستور 71 منحه رفض بيان الحكومة ، وعلى الحكومة التى يتم رفض بيانها أن تقدم استقالتها احتراماً لرغبة الشعب باعتباره منتخبا بإرادة شعبية ، وإن لم تفعل فعلى المجلس العسكرى ان يقوم بإقالتها ، وما كان من الجنزورى إلا أن قال «إن الطعن المقدم لحل البرلمان موجود فى أدراج المحكمة الدستورية ويمكن إخراجه فى أى وقت» ، فرد الكتاتنى إنه لا أحد يستطيع حل البرلمان إلا البرلمان نفسه. وتمضى الأيام والوزارة باقية فى مكانها ومستمرة فى عملها سواء أكان ملحوظاً أم غائباً فقد ظهرت أول حلقة من سلسلة الصراع والهجوم الذى وقع بين الإخوان المسلمين وحكومة الجنزورى ..ففى تصريح للرئيس مرسى فى قناة 25 يناير قال بأن المجلس العسكرى أخطأ فى تقدير الموقف بإبقائه على حكومة الجنزورى ، التى تصنع الازمات التى حدثت فى الفترة الأخيرة من أزمة أنابيب للبنزين ، وبعد أحداث العباسية نشر خبر على موقع الإخوان تحت عنوان « استجواب يتهم الجنزورى والعسكر بالوقوف وراء أحداث العباسية» وتحقيق آخر مجمله أن الجنزورى والعسكر يمثلان الطرف الثالث فى أحداث العباسية» ويظهر الدكتور محمد مرسى رئيس الحزب حينها يوم 3 مايو 2012 فى احد اللقاءات الإعلامية مع الإعلامى وائل الإبراشى ويصف حكومة الجنزورى بالهشة والضعيفة ، ومن الواضح أن رئيسها لا يملك صلاحيات وألقى بالمسئولية على المجلس العسكرى ، مضيفاً أن المتابع لأداء الحكومة فى الثلاثة شهور الماضية يجد الإهمال الجسيم وتصرفات عن عمد للإبقاء على الاقتصاد المتدهور حتى يتم تسليمه للرئيس القادم فى حالته السيئة وعلى حد قوله «قلت للدكتور كمال الجنزورى خلال زيارته إن الحال أصبح أسوأ مائة مرة لما قابلتك وتحدثت معك» ، ولم تمض أيام كثيرة حتى ذكر مرسى فى لقاء آخر أن حكومة الجنزورى لم ينتخبها الحرية والعدالة أو الجماعة بل المسئول عنها هو العسكرى وأكد ثانية أنها حكومة ضعيفة جداً وبلا إرادة ، ووفق ما نشره موقع «إخوان اون لاين» من اخبار وتقارير منها على سبيل المثال فى 7 أبريل تقريراً بعنوان «لا تراجع عن ترشيح الشاطر .. وحكومة الجنزورى تحرق مصر» أكد محمد جوده رئيس اللجنة الاقتصادية بالحزب ان حكومة الجنزورى تتمتع بصلاحيات رئيس الجمهورية, إلا أن مهمتها تحولت إلى خلط الأوراق, والعمل على جعل الأوضاع أكثر سوءاً ، كما نشر الموقع خبراً أخر متعلق بمقاطعة نواب الحرية والعدالة اجتماع الجنزورى بكفر الشيخ .. ولم تقتصر موجة الهجوم والصراع بين الإخوان المسلمين والجنزورى على حزب الحرية والعدالة فقط ، بل امتد الصراع داخل البرلمان من خلال مطالبة أعضاء المجلس بضرورة سحب الثقة من الحكومة معللين ذلك الطلب بأن برامج الحكومة لا تصلح للمرحلة التى تعيشها مصر الآن ، وفى نفس الوقت رفض النواب إجراء أى تعديل وزارى داخل الحكومة واكدوا أنهم مصرون على سحب الثقة منها ،وامتد الهجوم ليشمل المجلس العسكرى الذى لم يأخذ قراره بسحب الثقة من حكومة الجنزورى الفاشلة فى إدارة الأمور فى البلاد ، وأن هذا الموقف المتخاذل من العسكرى هدفه إفشال مجلس الشعب . وفى نهاية المشهد تغلق الستار بعد تولي مرسى الرئاسة وإبقائه علي حكومة الجنزورى اكثر من شهر، وحتى عقب تشكيل حكومة جديدة برئاسة الدكتور هشام قنديل أبقى عدداً من وزراء حكومة الجنزورى ، وليس ذلك فقط بل عين الجنزورى صاحب اليد المرتعشة والأداء السيئ كما وصفه سابقاً مستشاراً له ، ومنحه مرسى فى يوم 2 أغسطس قلادة الجمهورية تقديراً لجهوده فى الفترة السابقة ، فى حين دافع الإخوان عن القرار معتبرين الجنزورى رجلاً كفئا أنقذ سفينة الوطن من الغرق ، وحسب تعليق عضو الهيئة العليا للحزب صابر عبد الصادق فإنه يرى أن قرار التعيين بمثابة مكافأة لجهوده فى الفترة السابقة فى ظل غياب معظم مؤسسات الدولة قائلاً «الجنزورى قاد السفينة عندما كانت تغرق ، وهو رجل كفء والرئيس فى حاجة إلى خبراته فى مؤسسة الرئاسة» .