لبنان هو البلد الوحيد في منطقة الشرق الأوسط الذي يتم فيه انتخاب رئيس مسيحي للدولة، ولكن بسبب عدم الاتفاق على مرشح واحد، يخشى المسيحيون اللبنانيون أن تضيع حقوقهم المكتسبة في اتفاق الطائف. في صباح الخميس الماضى بالعاصمة اللبنانية«بيروت» ازدحمت السيارات أمام الحي الدبلوماسي، والذي ترفع فيه أعلامًا برتقالية اللون، تشير للتيار الوطني الحر. وقالت الطالبة «جويل» 23 عامًا، والتي رفعت إلى جانب زميلاتها صورًا ل«ميشيل عون»: «نحن هنا للدفاع عن حقوق المسيحيين في لبنان.. لا يجب أن نترك هؤلاء القابعين في الأعلى يقررون مصيرنا». فيما قال الشاب «أنطون»: «المتظاهرون يطالبون بضرورة حصول لبنان على رئيس الدولة المفضل لديهم وينادون بصوت عال الرب، لبنان وعون، لاغير ذلك». وأضاف: «في لبنان هناك ما يسمى ديمقراطية التوافق، حيث يتم توزيع المناصب السياسية حسب الانتماء الديني، فرئيس الدولة يكون دائما مسيحيًا مارونيًا، وهي الطائفة الممثلة لأكبر جالية مسيحية في لبنان إلى جانب الأورثوذكس والكاثوليك، ومنذ انتهاء فترة رئاسة ميشيل سليمان في مايو من شهر 2014، لم تتمكن الأحزاب والمعارضة من الاتفاق على مرشح آخر لهذا المنصب». واعتبر الخبير اللبناني «ماريو أبو زيد» -يعمل بمعهد كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت- أن «ميشيل عون» الذي يود أن يصبح رئيسًا للجمهورية يريد تعبئة مسيحيي البلد لأهدافه، حيث يصرح بأن الحكومة الحالية تقلص من حقوقهم. تخوفات متنامية من خلال هذه التصريحات يؤجج «عون» مخاوف المسيحيين اللبنانيين، الذين ينظرون بقلق إلى ما يحدث في سوريا والعراق، حيث يلاحق تنظيم «داعش» إخوانهم في العقيدة بوحشية. وبالنظر إلى تطورات الوضع الكارثي في منطقة الشرق الأوسط تعمل الأحزاب المسيحية للحيلولة دون فقدان موقعها السياسي هناك، فرئيس الدولة اللبناني هو المسيحي الوحيد في هذا المنصب في كامل المنطقة، وبذلك «يعتبر لبنان الأمل الأخير للمسيحيين في المنطقة العربية» حسب الخبير أبو زيد. ترتبط آمال المسيحيين اللبنانيين باتفاقية الطائف لعام 1989 والتي أنهت 15 عامًا من الحرب الأهلية هناك، حيث تقضي معاهدة السلام هذه بتقسيم التمثيل السياسي في البرلمان بمعدل 50% لكل طرف بين المسلمين والمسيحيين، وقد يضمن ذلك نظريًا ميزان القوى في البلد، غير أن تطبيق اتفاقية الطائف لم يكتمل بعد؛ لأن ذلك يعود إلى تدخل النظام السوري الذي لم يسحب قواته إلا عام 2005. وقبل ذلك كانت معاناة «المارونيين» أكبر بسبب تمردهم على الوجود السوري في البلد، وقاد «ميشيل عون» حربًا تحريرية ضد الاحتلال السوري للبنان، ولزمه الهروب إلى المنفي في فرنسا لمدة 15 عامًا. أما بالنسبة لخصمه وزعيم ميليشيا مسيحية أخرى «سمير جعجع» فقد حكم عليه بالسجن، حيث لم يكن أحد منهم برئيًا ولذلك يجب على المسيحيين أيضًا تحمل مسؤولياتهم، كما يلاحظ مارون في ورشته لإصلاح السيارات، والذي يبلغ من العمر 72 عامًا، حيث تدلت من عنقه سلسة بها صليب ذهبي، وخلفه عُلّقت على الحائط صورة ابنه مع زوجته وأبنائه الذين يعيشون في أمريكا والتي هاجر إليها ابنه الأكبر مارون بعد الحرب الأهلية. بحث عن النفوذ بسبب القمع السوري هاجر بين 1990 و2005 العديد من المسيحيين اللبنانين، ولحماية ما تم التوصل إليه من تمثيل سياسي في معاهدة الطائف دعت مؤسسات مسيحية أولئك المهاجرين إلى تسجيل جنسيتهم في القوائم الوطنية المرتبطة بالانتماء الديني، غير أن دراسات أظهرت أن المسيحيين لا يمثلون الآن إلا نسبة 40%، من مجموع سكان لبنان، أي بمعدل نصف عدد ما كان عليه الأمر قبل 100عام، وقد يصب هذا التحول الديمغرافي ووضع المنصب الشاغر للرئيس في مصلحة الجاليتين الشيعية والسنية في البلد، حيث قدمت حكومة حزب الله الشيعية اقتراحًا بتغيير الدستور وتوزيع ميزان القوى السياسية في البلاد بمعدل الثلث بين المسيحيين والسنة والشيعة. وبالنظر إلى المواجهة مع التيار الوطني الحر هناك ما يدعو إلى الأمل في التوصل إلى حل من خلال وقف التنافس على السلطة بين ميشيل عون وسمير جعجع، الذي يتقلد الآن منصب رئيس حزب القوات اللبنانية. وخلال الحرب الأهلية لعب الطرفان دور أمراء حرب دموية، وبعدها انتقلت المنافسة إلى المنصة السياسية، حيث ترشح «جعجع» لمنصب الرئاسة، كما اقترح الطرفان على أن يختار المسيحيون من يفضلونه كرئيس للبلد. المسيحي مارون لا يود التصويت لصالح أي من كلا المرشحين، فعند مشاهدته تظاهرة العونيين على شاشة التليفزيون يهز رأسه للتعليق على تجربة الحرب الأهلية وما تلاها ليقول «لا يسير الدين والسياسة معًا، ولاعلاقة للمسيحية بالمسيرات الاحتجاجية، أنا لبناني أولًا ومسيحي بعد ذلك، وهذا ما أنتظره من رئيس دولتي أيضًا».