\r\n فيقول شاربيل تنوري, الخباز الذي قاتل في النزاعات التي اندلعت في لبنان في الفترة من 1975 الى ,1990 كأحد عناصر مليشيات حزب الكتائب الذي كان يشكل القوة السياسية المهيمنة في فترة ما, »يريد الشيعة الحصول على كل شيء, وهم مسلحون, اما نحن المسيحيين والسنة فنُحّينا جانبا«. \r\n \r\n ومع تطويق الجنود اللبنانيين للشارع الرئيسي, اصطف الندّابون في فناء القصر الحجري الفخم لآل الجميل, لتقديم العزاء والمواساة برحيل وزير الصناعة اللبناني, وزعيم الكتائب, بيير الذي اغتيل مؤخرا. \r\n \r\n لقد اثارت وفاة الجميل موجة طاغية من الكآبة في طائفة هيمنت على لبنان في فترة ما بعد الاستقلال, لكنها تشعر الان بانها مهمشة, ومنقسمة على بعضها في ظل مواجهة جديدة يحدد الاتجاه السياسي الناقص للسنة والشيعة مسارها ومضمونها اكثر مما يفعل الاتجاه المسيحي الاسلامي التقليدي. \r\n \r\n يقول غسان مخيبر, عضو البرلمان اللبناني من كتلة ميشيل عون, القائد السابق للجيش, واحد معارضي الحكومة, »ينظر المسيحيون الى انفسهم كجماعة مطوقة ومستهدفة وزعماؤها مستهدفون«. \r\n \r\n كان بيير الجميل احدث ضحايا حملة اغتيالات متفرقة, وعمليات تفجير هزت لبنان خلال العامين الماضيين, وقد وقعت جميع التفجيرات في الضواحي المسيحية, وجميعها باستثناء محاولتين - استهدفت شخصيات مسيحية, سياسيين وصحافيين, لكن بدلا من ان تعمل هذه الاغتيالات والتوترات الطائفية الملتهبة, على توحيد المجتمع المنقسم على نفسه تقليديا, فانها قامت بتعبئة وتحشيد المسيحيين على نحو حتى اكثر مما كان, وفي هذا الخصوص, يقول جورج عدوان, عضو البرلمان عن جماعة القوات اللبنانية, بعد لقائه البطريرك الماروني, الكاردينال نصر الله صفير, »هناك فرق كبير اليوم بين المسيحيين, ولا اعتقد ان احدا منهم سيغير موقفه بسهولة«. \r\n \r\n لقد تألفت الطبقة السياسية اللبنانية تاريخيا من عدد من العائلات الاقطاعية المتحدرة من جميع الطوائف الرئيسية: العائلات المارونية والدرزية في منطقة جبل لبنان, والعشائر الشيعية في الجنوب ووادي البقاع, والتجار الاثرياء من السنة في المدن الساحلية. \r\n \r\n وبعد الاستقلال عن فرنسا عام ,1943 تحددت الانقسامات بين العائلات المارونية والى حد بعيد, من التنافس على منصب الرئاسة المحتَفَظ به لهذه الطائفة, وبعد انتهاء الحرب الاهلية في عام ,1990 جاء حزب الله المجاهد, ورفيق الحريري - رئيس الحكومة السابق - ليسيطرا على جماعتيهما المعنيتين, وليلقيا الظلال على العائلات التقليدية, وكان المسيحيون قد برزوا ضعفاء بعد القتال,وانقسموا على انفسهم في ظل الهيمنة السورية على لبنان بعد الحرب الاهلية. \r\n \r\n وراودت الآمال الكثير من اللبنانيين بأن يؤذن فك ارتباط سورية مع لبنان في اعقاب اغتيال رفيق الحرير في العام الماضي, باعادة الانتعاش السياسي للطائفة, لكنهم, بدلا من ذلك, وجدوا انفسهم في خضم المجابهة المتفاقمة بين طائفتي الشيعة والسنة في لبنان, يقول عبدالله ابو حبيب, السفير اللبناني السابق في واشنطن, »يعيش المسيحيون حالة من التشوش والارتباك, ولا يدرون اين هم متجهون«, فبعضهم مثل عائلة الجميل والقوات اللبنانية بقيادة سمير جعجع, تحالفوا مع ائتلاف 14 آذار, مجموعة الغالبية البرلمانية المعادية لسورية, من السنة والدروز والمسيحيين, وقد حصل ميشيل عون, احد الوطنيين اللبنانيين المعادين بشدة لسورية في السابق, على 70 بالمئة تقريبا من اصوات المسيحيين في الانتخابات البرلمانية التي جرت العام الماضي, غير ان شعبيته بين المسيحيين تراجعت كثيرا بعد ان عقد اتفاقا سياسيا مع حزب الله, عندما رفض ائتلاف 14 اذار اعطاءه مقعدا في الحكومة. \r\n \r\n يقول نقاد عون, ان تلك الخطوة عبرت عن دلالة شخصية, توحي بأنه يريد كسب تأييد الشيعة لتدعيم طموحاته في منصب الرئاسة, بينما يقول آخرون انه بعد ان تخلى عنه ائتلاف 14 اذار, لم يعد امام جنرال الجيش السابق من خيار سوى معانقة حزب الله, او المجازفة بانطواء سياسي, وما زال هذا قرارا باهظ الثمن. وقد رفض امين الجميل والد بيير الذي تم اغتياله, تلقي تعزية عون التي اراد تقديمها على الهاتف, بالرغم من انه قبل تعزية الشيخ حسن نصر الله, زعيم حزب الله, واتضح الشقاق بين عون وائتلاف 14 اذار في جنازة بيير الجميل, التي تحولت الى مسيرة سياسية, في وسط بيروت مؤخرا. اذ حرق المؤيدون المسيحيون لآل الجميل وللقوات اللبنانية صور عون, ووصفوه بحليف سورية وايران المساندتين لحزب الله. \r\n \r\n يقول بول سالم مدير مركز كارنيجي في الشرق الاوسط, ومقره بيروت, »ان حزب الكتائب والقوات اللبنانية استغلوا مناسبة موت الجميل للنيل من عون, وقد فعلوا ذلك بطريقة يصعب على المرء القول انهم عونيون دون ان يتعرضوا للضرب«. \r\n \r\n ويحاول الكاردينال صفير, البطريرك الماروني المبجل, صياغة حل بين المعسكرات السياسية المختلفة, لكنه يبدو غير متفائل بفرص نجاحه. وقال »اننا نمر بأيام تعيسة, لكننا نأمل ان تعقبها ايام سعيدة يتوحد فيها اللبنانيون, ونعني بذلك: المسيحيين المنقسمين على بعضهم. \r\n \r\n لقد تعهد حزب الله بتصعيد سلسلة من الاعمال, بما فيها المظاهرات والاضرابات, خلال الايام المقبلة, في محاولة لاسقاط الحكومة, وعلى العونيين ان يقرروا ان كانوا سينضمون الى حزب الله في هذا الاجراء. \r\n \r\n ويعلم التنوري احد عناصر مليشيات حزب الله الكتائب سابقا, اكثر من معظم الناس, كم هي الحرب الاهلية مكلفة. ويقول: »الشباب مغضبون ويطالبون بالسلاح. اما نحن الاكبر سنّا, فنحاول تهدئتهم. نحن نعرف ما هي الحرب وقد دمرنا حياتنا بسببها. وهكذا يتوقف الامر علينا«. \r\n