الاثنان زعيمان مسيحيان يمثلان الموارنة ،ولكل منهما كتلته المسيحية الفاعلة،وكلاهما يصر على الوصول لكرسى الرئاسة،أحدهما يدعم حزب الله وسوريا ،والآخر يدعم تيار المستقبل والمعارضة السورية،ومع ذلك التقيا فجأة وأصدرا إعلان نوايا يعتبرانه هدية للمسيحيين فى لبنان. العماد ميشال عون مسيحى مارونى وزعيم التيار الوطنى الحر حليف حزب الله فى فريق 8آذار، وسوريا . الدكتور سمير جعجع مسيحى مارونى ورئيس حزب القوات اللبنانية وحليف تيار المستقبل فى فريق 14آذار،وضد حزب الله وسوريا. بينما كان عون رئيسا لحكومة انتقالية خاض حربا ضروسا ضد القوات اللبنانية،خلال الحرب الأهلية اللبنانية التى استمرت 15عاما،وانتهت باتفاق الطائف. عون هرب إلى فرنسا ،وجعجع دخل السجن بعد اتفاق الطائف ،ثم اغتيل رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريرى وخرجت سوريا من لبنان 2005 بعد ثورة الأرز،ليعود عون من المنفى ويخرج جعجع من السجن،ثم يقود عون التيار الوطنى الحر متحالفا مع حزب الله وحركة أمل وتيار المردة فى فريق 8آذار،ويقود جعجع القوات اللبنانية متحالفا مع تيار المستقبل وحزب الكتائب فى فريق 14آذار،ويستمر العداء بين الزعيمين المسيحيين المارونيين لمدة تزيد على 27عاما ،ثم تنتهى ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان فى مايو 2014 ،ليظل المنصب شاغرا لمدة عام ،أعلن خلاله جعجع ترشحه للرئاسة مدعوما من 14آذار ،ويعلن عون ترشحه للرئاسة مدعوما من 8آذار،ولأن العرف السائد فى لبنان أن يكون رئيس الجمهورية من المسيحيين الموارنة ،ظل المنصب شاغرا ولايزال ،فى ظل إصرار جعجع وعون على الترشح للرئاسة ،وعدم التنازل للآخر ،وكل منهما يعتقد أنه الأفضل والأحق بالمنصب ،ولاسيما أن كليهما مدعوم من فريقه وكتلته المارونية ،مما أربك الوسط المسيحى فى لبنان ،بل وأدى إلى ضعف الدور المسيحى الذى له الحق فى نصف أعضاء مجلس النواب البالغ عددهم 128نائبا،ووسط التناقض والتباعد بين الطرفين ،وتمسك كل منهما بموقفه وأحقيته فى المنصب ،تعطل الإجماع على منصب الرئيس ،وتم التمديد للمجلس النيابى ،وشلت الحياة السياسية فى لبنان ،وسط حضور نواب جعجع وفريق 14آذار لجلسات انتخاب الرئيس فى مجلس النواب بينما يغيب عنها نواب عون وفريق 8آذار ،وحسب الدستور لايصح انتخاب الرئيس إلا بأغلبية الأصوات ،واذا لم يحدث فيكون الانتخاب بأصوات النصف زائد واحد،وفى كل الحالات يرفض عون حتى يتم تعديل قانون الانتخاب ،ويرفض جعجع اقتراحات عون ،ليدور لبنان فى دائرة مفرغة تزيد الهوة بين أكبر كتلتين مارونيتين ،ويستمر شغور منصب رئيس الجمهورية حتى يتفق الموارنة على رئيس توافقي. وبعد قيام تيار المستقبل السنى بالدعوة للحوار مع حزب الله الشيعى لحل المشاكل العالقة بين الطرفين،ظهر إلى العلن الدعوة لحوار مسيحى مسيحى بين قطبى الموارنة جعجع وعون، أملا فى التوصل لحلول وسط تقضى على الشغور الرئاسى وتستعيد الدور المسيحى المفقود،بعد تنامى قوة حزب الله ،وانقسام الموارنة بين 8آذار و14آذار المتصارعين ،مما أضعف موقف الموارنة ،ولقيت دعوة الحوار استحسانا من جعجع وعون ،وراح الفريقان يعدان العدة للحوار ،من أجل التوافق أو الاتفاق على حلول وسط ترضى الطرفين ،وتحافظ على ماتبقى من الدور المسيحى فى لبنان ،خاصة بعد التهجير القسرى للمسيحيين فى الشرق بسوريا والعراق ،وبينما كان الطرفان يبحثان كيفية اللقاء فوجئ العماد ميشال عون بالدكتور سمير جعجع وفريق حراسته فى عقر داره بالرابية شرق بيروت ،ليصبح الغريمان وجها لوجه بعد قتال وعداء استمر 27عاما. استمر اللقاء المباغت لمدة ساعتين ،ليتفق بعده الزعيمان المسيحيان على إعلان نوايا فى ختام اللقاء التاريخى الثلاثاء الماضى فى إطار طى صفحة الماضي. مستشار جعجع ملحم رياشى أكد أن إعلان النوايا بعد اللقاء نص على انتخاب رئيس قوى ومقبول فى بيئته وقادر على طمأنة البيئات الأخرى،وتعزيز مؤسسات الدولة ودعم الجيش وتعزيز القوى الأمنية الشرعية ،وضبط الأوضاع على الحدود بين لبنانوسوريا. وأكد قريبون من اللقاء أن الاتفاق الاساسى يكمن فى التنافس سياسيا على النقاط الخلافية لا الاقتتال، والتركيز على نقاط سياسية متفق عليها بين الطرفين مثل ضرورة اقرار قانون الانتخابات النيابية واللامركزية الادارية. وبالرغم من أن زيارة جعجع لعون كانت محفوفة بالمخاطر نظرا للمعلومات التى تصله تباعا من الأجهزة الأمنية اللبنانية حول امكانية تعرضه لاعتداء أمنى من بعض المتربصين، إلا أن جعجع وجهازه الأمنى الذى يعتبر من بين الأجهزة الأقوى على الساحة اللبنانية والشرق أوسطية، تحدى كل المخاطر فى سبيل انقاذ الكيان اللبنانى المسيحى والقيام بواجبه الوطنى تجاه التحديات السياسية والأمنية الراهنة. ولم يعلم بالزيارة احد فى القوات اللبنانية حتى الحلقة المقربة جدا من جعجع، مما شكل وصول جعجع مع جهازه الامنى إلى مقر عون فى الرابية مفاجأة لأمن الرابية والموجودين فى مقر عون لأنها لم تكن متوقعة او فى الحسبان بل كان الموعد قيد الدراسة والتنسيق الأمنى بين الطرفين. ومع ذلك كان اللقاء بين عون وجعجع وديا وحميميا جدا فالجنرال كان متآبطا ذراع جعجع، وقد استمرت الزيارة إلى ما يقارب الساعتين وأكثر، حيث تناول اللقاء كل الملفات المطروحة على الساحة السياسية. ويرى مراقبون أن زيارة جعجع المفاجأة والمباغتة لعون، شكلت نقطة تحول على الخريطة السياسية المسيحية ،من أجل استقرار لبنان ومستقبلٍ المسيحيين. وكان عون قد تقدم منذ شهر بمبادرة طرح فيها أربعة مخارج للأزمة الرئاسية أبرزها، إجراء استفتاء شعبى لاختيار الرئيس بين الزعماء المسيحيين الأقوى، وصرح جعجع للصحفيين بعد الاجتماع بأنه "لا يمانع" فى إجراء الاستفتاء تحت سقف الدستور. ووصف عون اللقاء بأنه هدية للمسيحيين، مؤكدا على العمل سويا لتطبيق إعلان النوايا. عضو كتلة المستقبل وزير الداخلية الأسبق النائب أحمد فتفت أكد فى حديث تلفزيونى أن اللقاء بين عون وجعجع إيجابي، لأن التقاء أى فريقين يساعد على تهدئة الاجواء، كما أن اعلان النوايا مريح من ناحية تأكيده على الدولة والسيادة ودعم الجيش وانتخاب رئيس توافقي. وفى النهاية يبقى الأمر مرهونا بنتيجة الحوار السنى الشيعى بين حزب الله وتيار المستقبل وكذلك الحوار المسيحى المسيحى بين جعجع وعون ،ليتفق الفريقان المتصارعان – 8آذار و14آذار- بكل مكوناتهم المسلمة والمسيحية على رئيس توافقى يملأ الفراغ الرئاسى المستمر منذ عام ،ليتم بعد إجراء انتخابات نيابية بعدما تم التمديد للمجلس النيابى حتى يونيو 2017،وكذلك تشكيل حكومة جديدة بعد إجراء الانتخابات النيابية ،فهل سيمحى لقاء القطبين المارونيين الغريمين جعجع وعون ،آثار دماء الماضى والعداء المستمر بينهما منذ 27 عاما،أم أن التناقض الواضح بين الفريقين تجاه مايحدث فى سوريا وسلاح حزب الله ،سينسف كل محاولات التهدئة والتوافق بين الفرقاء اللبنانيين الذين يمثلون 18 طائفة تشكل فسيفساء المجتمع اللبناني؟