بالرغم من أن كلا منهما علي طرفي نقيض في طموحاته الداخلية وولاءاته الخارجية وحلفائه المعروفين، فإن صفقة تتحضر في كواليس السياسة اللبنانية بمباركة داخلية وإقليمية ودولية تجعل العماد ميشال عون الحليف القوي في فريق 8آذار المتضامن مع حزب الله والنظام السوري يقترب من أبواب قصر بعبدا حيث كرسي الرئاسة الشاغر منذ مايو الماضي. وهو ما يدفع برئيس وزراء لبنان الأسبق زعيم تيار المستقبل السني الحليف القوي في فريق 14 آذار أن يستعد لدخول السراي الحكومي رئيسا للوزراء للمرة الثانية في تاريخه السياسي القصير الذي بدأه عقب اغتيال والده الملياردير رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري عام 2005،فهل يتخلي الحريري عن حليفه ومرشحه الرئاسي سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية والحليف القوي في فريق 14آذار لمصلحة عون الخصم اللدود لجعجع،وهل يلين عون وحزب الله في موقفيهما المعارض للحريري بعد إسقاط وزارته في 2010، وذهاب الأخير علانية إلي مناهضة النظام السوري ودعم المعارضة السورية ضد بشار الأسد، واتقاد الدور الإيراني في لبنان ، والمطالبة دائما بنزع سلاح حزب الله،ليكون الحريري سيد السراي الحكومي بعد التفاهمات التي سوف تفضي إلي اختيار رئيس للجمهورية ومن ثم إجراء الإنتخابات النيابية المؤجلة؟ بدأت الحرب المعلنة بين فريقي 14آذار و8آذار منذ خروج الحريري من الوزارة عام 2010 عقب انسحاب وزراء حزب الله وجنبلاط من الحكومة،واندلاع الأحداث السورية في 2011،وتأييد 8آذار لبشار الأسد،وتأييد 14آذار للمعارضة السورية ،وسيطرة حزب الله وعون علي الحكومة ،حيث بادر كل فريق إلي كيل الاتهامات للفريق الآخرمستخدما مالديه من وسائل إعلامية من الصحف ومحطات التليفزيون،مما أدي إلي الشحن الطائفي وتباعد وجهات النظر بين الفريقين،خاصة في ظل إختيار الحريري لمنفاه الاختياري بين الرياض وباريس خوفا علي حياته من الاغتيال مثل والده،ولاسيما بعد اتهام المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة الحريري الأب لسوريا وحزب الله بضلوعهما في الجريمة. وسارت الأمور من سيىء إلي أسوأ،مع استمرار الأزمة السورية ،ومشاركة حزب الله في القتال داخل سوريا إلي جانب بشار الأسد،وفي المقابل دعم الحريري وفريق 14آذار المعارضة السورية بل وطالبوا مع وليد جنبلاط زعيم الدروز في لبنان بتسليح المعارضة السورية واسقاط الأسد،وظل الأمر كذلك حتي هاجمت داعش والنصرة الجيش اللبناني في مدينة عرسال شمال لبنان،وتم أسر 23جنديا لبنانيا،كما تطورت الأحداث للأسوأ في مدينة طرابلس كبري مدن الشمال اللبناني حيث سيطرت الجماعات المسلحة السنية علي المدينة ولم يستطع الجيش السيطرة عليها إلا بعد معركة حامية مع المتشددين وهروب قادتهم من طرابلس إلي البساتين ثم مخيم عين الحلوة الفلسطيني،وهنا هبط سعد الحريري فجأة علي بيروت بعد ثلاث سنوات في المنفي حاملا منحة قيمتها مليار دولار من خادم الحرمين الشريفين السابق الملك عبدالله بن عبد العزيز لتسليح الجيش اللبناني بالإضافة إلي منحة 3مليارات دولار كصفقة أسلحة من فرنسا للجيش اللبناني،بل وأعلن رفع الغطاء السياسي والأمني عن أي مسلح يرفع سلاحه في وجه الجيش اللبناني،واصفا داعش والنصرة بأنهما تنظيمان إرهابيان،وهو الذي كان يدعم المعارضة السورية ضد الأسد ،بل ورمي الكرة في ملعب الطرف الآخر موجها الدعوة لحزب الله لإجراء حوار شامل حول الأمور العالقة بين الطرفين لتقليل الشحن المذهبي في الشارع اللبناني بين السنة والشيعة، تمهيدا للإتفاق علي اختيار رئيس للجمهورية ومن ثم إجراء الانتخابات النيابية المؤجلة. وبالرغم من انتقاد الحريري دائما لحزب الله خاصة بعد مشاركته في القتال داخل سوريا إلي جانب الأسد ،وكذلك هجومه المتواصل علي إيران،فإن حزب الله تلقف دعوة الحريري للحوار وتواصل مع تيار المستقبل عبر وليد جنبلاط ورئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل الشيعية نبيه بري، وبدأ الحوار بالفعل بين الطرفين بخطوط عريضة تشمل التوافق علي اختيار رئيس للجمهورية من بين المرشحين المارونيين أو من غيرهم من المارون أيضا حسب نص الدستور اللبناني ،وهو الأمر الذي فسره البعض بأن الحريري قد يتخلي عن دعمه لمرشح 14آذار لرئاسة الجمهورية حليفه سمير جعجع رئيس حزب القوات اللبنانية،وقد يذهب لتأييد اختيار عون رئيسا للجمهورية في صفقة يكسب منها العودة لدخول السراي الحكومي رئيسا للوزراء للمرة الثانية. وبدأ الحريري عدة لقاءات جدية ومثمرة مع من كانوا خصومه ،فالتقي نبيه بري زعيم حركة أمل الشيعية رئيس مجلس النواب الحليف القوي في فريق 8آذار،كما إلتقي العماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحر صاحب أكبر كتلة نيابية والحليف القوي في آذار،وهو ماينبئ أن هناك شيئا ما ينضج علي نار هادئة لتسوية الأمور العالقة في لبنان،حيث لا انتخاب لرئيس الجمهورية دون الأغلبية المطلقة من النواب البالغ عددهم 128-60مسيحيا و60مسلما شيعيا وسنيا و8دروز-أو النصف + واحد ،وهو أمر لايمكن حدوثه دون وجود نواب حزب الله وحركة أمل والعماد عون،حيث فشل النواب علي مدي 20جلسة نيابية في اختيار الرئيس ولم يحصل سمير جعجع علي النصاب المطلوب ليصبح رئيسا نظرا لغياب نواب 8آذار عن الجلسات، وذلك يعني أن النواب لن يحضروا إلي مجلس النواب لاختيار الرئيس مالم يكن هناك توافق بين الفريقين لإختيار الرئيس،ولذلك عمد سعد الحريري إلي التواصل مع حزب الله وعون وبري في محاولة للتوافق وإختيار رئيس توافقي لملء الشغور الرئاسي بعد مايقرب من سنة من خلو المنصب. وبالرغم من التقارب بين حزب الله وعون من ناحية وتيار المستقبل-الحريري – من ناحية أخري ،وحتي إذا اتفقوا علي اسم معين ليكون رئيسا للجمهورية فإن الأمر مرهون بالتفاهم الإيراني السعودي،وكذلك الإيراني الأمريكي خاصة في الملف النووي الإيراني. ومع استمرار دعم حزب الله لمرشحه العماد عون لرئاسة الجمهورية ومع احتمال تخلي الحريري عن دعمه لمرشحه سمير جعجع ،فإن الأخير بادر بالمطالبة بلقاء عون والتفاهم علي حل المشكلة العالقة بينهما كمرشحين مسيحيين مارونيين للرئاسة ،حفاظا علي وحدة الصف المسيحي الذي يبدو متآكلا بعد انقسام الموارنة بين فريقين مسلمين ،فجعجع والجميل مع تيار المستقبل في فريق 14آذار،وعون وسليمان فرنجية مع حزب الله وحركة أمل في فريق 8آذار وهوالأمر الذي يقوض قوة المسيحيين كأصحاب نصف عدد النواب حسب اتفاق الطائف مطلع تسعينيات القرن الماضي. وفي احتفال 14آذار بذكري مرور عشر سنوات أكد الحريري حرصه علي مستقبل لبنان وحل مشكلاته بالتفاهم مع الفرقاء الآخرين مطالبا بالتعجيل بانتخاب رئيس ثم انتخابات نيابية ،فهل ينجح الشاب الطموح الذي ورث المال والسياسية عن والده في سحب البساط من تحت أقدام خصومه ليأخذوا منصب رئيس الجمهورية ويدخل عون متوجا قصر بعبدا الذي عشش فيه العنكبوت،ليدخل الحريري السراي الحكومي رئيسا للوزراء ومحققا مكسبا متعادلا لفريق 14آذارفي ظل التجاذبات الإقليمية والمحاور التي تشد لبنان في اتجاهين عكسيين؟