على رصيف شارع محمد محمود وجدتها تبكى.. فقلت علامة تنتحب الفتاة؟!!.. فقالت: كيف لا أبكى وأهلى جميعاً دون خلق الله ماتوا!.. قلت: ومن أنت يا فتاتى؟!!.. قالت: أنا المنهوبة باسم الوطنية.. أنا المسروقة.. أنا المغتصبة الآن بعد أن أبهرت العالم بجمالى وروعتى.. أنا الثورة التى هزت عرش الطاغية دون أن تمسه بأذى.. إلا أنه وزبانيته ورجال حاشيته قتلوا أبنائى ومزقوا أوصالى وقيدونى ليعتلينى من هو ليس أهلاً لى.. لقد ركبوا ظهرى كما تركب البغال على ظهور إناثها بعد أن قتلوا أبنائى وهمشوا من تبقى منهم وأبعدوهم ولوثوا سمعتهم وعايروهم بأنهم استطاعوا يوما ركوبى وتلويث سمعتى ومرمغت شرفى فى التراب.. قلت: لماذا كل هذا ياسيدتي فكلنا نعشقك ونتمنى رضاكى!!.. قالت: وهذا هو العشق الممنوع يا فتى.. أنتم الآن ترتكبون كل الموبقات فى حق أمى «مصر» باسمىوتحت شعار هذا العشق الذى منحتمونى إياه دون سابق إنذار.. فأنتم يا من تنكرتم لى يوماً ما.. وشبهتمونى ب»الهوجة» مرة وب»العابرة« مرة أخرى وأبيتم أن تدخلوا إلى محرابى وسببتم أبنائى الذين صمدوا فى الميدان.. أنتم أنتم يا من قلتم: لن نخرج على الحاكم بسبب تلك الثورة مهما كانت رشيقة وجميلة.. أنتم يا من تعاونتم مع العسكر للنيل منى دون أن يراكم أحد وقد حدث.. سوف أحكى للعالم كله ما فعلتموه بى وبجسدى المقدس! قلت: لكن يا فتاتى أنا لست من هؤلاء الذين تحكى عنهم ولا أعرفهم.. لقد سهرت معك فى الميدان وصرخت بأعلى صوتى كى تكتملى وتصلى لهذا الجمال الذى تباهين به العالم.. لكنى بعد ذلك تواريت لأترك الميدان وأعود لعملى ولم أسئ لك يوماً ما.. قالت: بل أسأت بأن تركتنى هكذا نهباً لهذا وذاك ينتهكونى تارة باسم الدين وتارة باسم الوطنية، بل وتارة باسمى أنا شخصياً - باسم الثورة ياصديقى!.. قلت: لكننا لم نتركك إلا ومعك رئيس منتخب يأخذ شرعيته منكِ مباشرة!.. ضاحكة قالت: رئيس منتخب ويأخذ شرعيته منى.. من قال لك هذا أنا لم أعط شرعية لأحد.. أنا كان هتافى وشعارى «إيد واحدة» لكن برئيسك هذا أصبحت الأيادى أكثر من الأقدام الواقفة هنا وهناك تتربص بى!.. قلت: يا فتاتى لقد اختار الرجل لنفسه مستشارين من جميع التيارات السياسية كى لا يكون قد تجاهل أحداً وكى لا يقال عليه أنه يعمل بمفرده هو وجماعته!.. قالت: أى مستشارين يا صديقى؟!.. فهل كانوا يعلمون بقراراته الأخيرة هذه؟! بالطبع لا يعلمون شيئا إذن من الذى نصح الرئيس بإطلاق هذه القرارات.. لقد نصَّب مرسى نفسه حاكماً بأمر الله وأجهضنى وأعاد القوانين سيئة السمعة، وتحجج بأنه يرضينى ويتحدث باسمى - باسم الثورة - بينما هو يتحدث باسم الجماعة التى نصبته رئيساً بعدما كان مجرد «استبن» لا ينفع ولا يضر!.. قلت: أراكِ تشعرين بالأسى والمعاناة يا فتاتى وأنا لا أعرف ماذا أقدم لك كى تعودى لنا كما تعودناكى!.. قالت: كيف أعود بعد أن فعلوا بى كل هذا؟ أنا لن أعود إليك.. ليس لأننى لا أريد لكن لأننى مكسورة العين والجناح فالباغى ليس كسابقه، إنه هذه المرة يتحدث بقال الله وقال الرسول «ويبرر اغتصابه لى بأنه زواج مسيار وأحياناً عرفي وأحياناً متعة وقال هو ورفاقه- كل حسب انتمائه سلفياً كان أو إخوانياً أو حتى تكفيرياً- فكل المبررات لركوبى بالحلال موجودة ومقنعة للعامة الذين من الممكن أن أعود بهم لكن ليس خلال هذه السنوات المقبلة.. فالقناعة بأنك مضحوك عليك باسم الدين تحتاج لسنوات وسنوات!! قلت: نحن فداكِ يا ثورتنا.. فمثل الذين استشهدوا لأجلك عشرات، بل مئات وآلاف فلا تبكى ولا تحزنى نحن عائدون!.. قالت: أين أنتم ياصديقى لقد تغيرت ملامح من فى الميدان.. لماذا أصبحتم هكذا؟! «لُحاكم» تكسو وجوهكم.. منها الطويلة ومنها القصيرة ومنها بين بين.. هل هذه الوجوه هى من قامت بى واستنهضتنى وبهرت بى العالم؟!!.. بالطبع لا.. إنهم كانوا يشبهونك أنت صاف الوجه والملامح متوضئ بماء النيل تصلى فى الميدان ويحرسك رفيقك القبطى.. دعنى أبكى على نفسى وأبكى أبنائى الذين استشهدوا من أجلى وأبنائى الذين يوماً سيعودون.. الحالة الآن أصبحت ثأرية وليست ثورية والثورة الجديدة أصبحت قاصراً لا تتعدى سن الطفولة رغم ذلك ابحثوا لها الزواج بالعرش - عرش مصر - والمأذون قابع فى المقطم يحمل شعار «وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولى الأمر منكم.. والمغلوب على أمره ليس له إلا أن يردد عبارة «ياراجل ياكافر يا عديم الدين» كما رددها الممثل القدير «شكرى سرحان» فى فيلم «الزوجة الثانية»!!. وهنا ربت على كتفها وقبلت جبينها وتركتها مكسوراً مطأطئ الرأس لا تحملنى قدماى المجرورتان نحو اللا شيء!