حالة من التخبط والارتباك تصيب الحكومة بشأن إجراء العملية الانتخابية، حيث لم تستطع الحكومة منذ ما يقرب من ال30 عاما وحتى الآن وضع قانون سليم غير قابل للطعن ملائم للوضع السياسي، والذي يتناسب مع الأحزاب والقوى السياسية التي ستخوض البرلمان، بالإضافة إلى حالة من عدم الرضا من قبل القوى السياسية لكل ما تصدره الحكومة من قرارات وقوانين، واتهامها بأنها لا تريد برلمانا حقيقيا يعبر عن فئات الشعب المصري، بل تريد برلمانا يأتى برأس المال والنفوذ غير مهدد بالحل وعدم الدستورية مرة أخرى. من هنا كانت البداية بدأت رحلة إجراء الانتخابات البرلمانية حين أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا جمهوريا بتشكيل اللجنة العليا للانتخابات في 15 يوليو 2014 لتباشر مهامها لإتمام انتخابات مجلس النواب، وحينها صرح المتحدث الرسمى باسم الرئاسة المصرية بأن هذا القرار الجمهورى ينص على تشكيل اللجنة العليا للانتخابات برئاسة المستشار أيمن عباس رئيس محكمة استئناف القاهرة وعضوية أقدم نائبين من نواب رئيس محكمة النقض، وأقدم نائبين لرئيس مجلس الدولة، وأقدم رئيسين بمحاكم الاستئناف تاليين لرئيس محكمة استئناف القاهرة، وتختار المجالس العليا للهيئات القضائية عضوا احتياطيا عن كل عضو أساسى بمراعاة الأقدمية، ثم بعد ذلك أصدر المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء قرارًا بتشكيل لجنة قومية لبحث قوانين الانتخابات وتقسيم الدوائر برئاسة إبراهيم الهنيدى وزير العدالة الانتقالية. وفى 26 أكتوبر 2014 بدأت أول اجتماعات لجنة إعداد مشروع قانون تقسيم الدوائر بمقر مجلس النواب، لبحث الترتيبات الخاصة بالإعداد لقانون تقسيم الدوائر بشكل يتم الالتزام فيه بالدستور، حتى لا يتعرض للطعن عليه بعدم الدستورية، والإطلاع على مسودات مشروع قانون تقسيم الدوائر التي سبق إعدادها، وبحث التنسيق مع اللجنة العليا للانتخابات لأخذ رأيها في مشروع القانون. حوار مجتمعي وخرج اللواء رفعت قمصان مستشار رئيس مجلس الوزراء للشئون البرلمانية بتصريحات أكد فيها أن اللجنة ستقوم بإجراء حوارات مجتمعية مع القوى السياسية والأحزاب، حتى لا يخرج القانون بشكل غير توافقى يؤدى إلى حالة من الجدل والخلاف مع باقى الأطراف، والوصول إلى قانون يراعى الدستور. انتهاء اللجنة من عملها ورفع القانون لمحلب وفى 16 ديسمبر 2014 انتهت لجنة وضع مشروع قانون تقسيم الدوائر الانتخابية من عملها، وحصلت على موافقة اللجنة العليا للانتخابات على مشروع القانون، وفى صباح اليوم التالى وافق وزير العدالة الانتقالية على مشروع القانون، مؤكدا أنه يتطابق مع المعايير الدستورية والدولية بشأن تقسيم الدوائر، ورفعه إلى إبراهيم محلب. تقسيم الدوائر وفى يوم الإثنين 22 ديسمبر لعام 2014 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي قرارا بشأن قانون تقسيم دوائر انتخابات مجلس النواب، ونص القانون على أن أحكامه تسرى على أول انتخابات لمجلس النواب تجرى بعد العمل بأحكامه وعلى كل انتخاب تكميلى لها ويلغى كل ما يخالفه من أحكام. أول طعن على قانون الانتخابات وفى نفس اليوم أقام عضو مجلس النواب المنحل محمد حامد أول طعن أمام محكمة القضاء الإدارى يطالب فيه ببطلان قانون تقسيم الدوائر الانتخابية بمجلس النواب ووقف تنفيذه، وذلك لضم القانون مركزى أخميم وساقلتة بسوهاج في دائرة واحدة. وفى 27 يناير 2015 قضت محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة برئاسة المستشار يحيى الدكرورى بعدم الاختصاص بنظر الدعوى القضائية المقدمة من محمد حامد للمطالبة ببطلان قانون تقسيم الدوائر. فتح باب الترشح وفى 29 يناير 2015 أعلنت اللجنة العليا للانتخابات فتح باب الترشح للانتخابات البرلمانية في 8 فبراير وإجراء الانتخابات على مرحلتين، بحيث تكون المرحلة الأولى يومى 21 و22 مارس للمصريين المقيمين بالخارج، ويومى 22 و23 داخل مصر، أما المرحلة الثانية فتجرى يومى 25 و26 أبريل في الخارج ويومى 26 و27 أبريل داخل مصر. وحددت اللجنة العليا للانتخابات الفترة ما بين 26 فبراير و20 مارس لانطلاق الدعاية الانتخابية في مرحلتها الأولى، وبدأت العد التنازلى للمعركة الانتخابية التي ينتظرها الشعب المصرى والقوى السياسية وبدأ المرشحون في تجهيز أوراقهم للتقدم بها إلى اللجنة. وتوالت الدعاوى القضائية التي تطالب ببطلان قانون تقسيم الدوائر، وبطلان قرار اللجنة العليا للانتخابات بدعوة الناخبين للانتخاب وفتح باب الترشح لمخالفتهما للدستور، واستندت الدعاوى في مطالبها إلى ضرورة وقف الانتخابات المرتقبة انتظارا للفصل في مدى دستورية المواد 3 و4 و5 و10 من قانون مجلس النواب ومدى دستورية المادتين 3 و4 من قانون تقسيم الدوائر. هيئة المفوضين تنتفض وفى 21 فبراير تقدمت هيئة مفوضى المحكمة الدستورية العليا المفوضين برئاسة المستشار محمود غنيم تقرير تطعن فيه على قانون تقسيم الدوائر وأنه يخل بمبدأ المساواة وتكافؤ الفرص بين الناخبين والمرشحين، وعدم دستورية الجداول الانتخابية الخاصة بالنظام الفردي، وتمييز الرجل عن المرأة في إسقاط العضوية، وحجم الإنفاق على الدعاية الانتخابية بين مرشحى الفردى والقائمة. بطلان القانون في 1 مارس قضت المحكمة الدستورية العليا برئاسة المستشار أنور العاصى بعدم دستورية قانون تقسيم الدوائر الانتخابية، وألزمت الحكومة بالمصروفات، وتأجيل انتخابات مجلس النواب، كما قضت بعدم قبول الدعوى بالطعن على نص المادة 25 من قانون مباشرة الحقوق السياسية وعدم دستورية نص المادة الثالثة من القانون 202 في شأن تقسيم الدوائر بمجال الإدارة على الانتخاب بالنظام الفردي. بعد هذا القرار تباينت القوى السياسية في آرائها حول بطلان قانون تقسيم الدوائر الذي أدى إلى تأجيل العملية الانتخابية برمتها، حيث رأى البعض أن ذلك يعطل مساعى الدولة في استكمال الاستحقاق الثالث من خارطة الطريق، بينما رأى آخرون أنه كان لا بد من تأجيل الانتخابات لتعديل القوانين المنظمة لها حتى لا يتعرض البرلمان القادم للحل ويكون مهددًا بعدم الدستورية، وتوقفت كل إجراءات الانتخابات البرلمانية لحين الانتهاء من تعديل القوانين. لجنة تعديل قوانين الانتخابات وبناءً على قرارات المحكمة الدستورية، تم تكليف اللجنة التي أخرجت قانون تقسيم الدوائر بالبحث مرة أخرى وتعديل قوانين الانتخابات البرلمانية برئاسة المستشار إبراهيم الهنيدى وزير العدالة الانتقالية، حيث بدأت أول اجتماعاتها في 8 مارس لتعديل القوانين في ضوء قرارات المحكمة الدستورية، وكلف السيسي هذه اللجنة بالانتهاء من هذه التعديلات في مدة أقصاها شهر واحد. اعترضت القوى السياسية على تكليف نفس اللجنة التي أخرجت القوانين المعيبة دستوريا بتعديل القوانين مرة أخرى، حيث كانت هناك العديد من المطالب بالاستناد إلى فقهاء دستوريين، وبرلمانيين سابقين، وأساتذة علوم سياسية، والاستماع إلى آراء القوى السياسية المختلفة ومقترحاتهم حول تعديل القوانين، ووصف السياسيون هذه اللجنة بالفاشلة، وأنها تستمر في مواصلة فشلها التشريعى، وأنها غير قادرة على إخراج قانون دستوري. محلب والحوار المجتمعي بعد بدء جلسات لجنة تعديل قوانين الانتخابات، اقترح محلب إجراء جلسات حوارية مع القوى السياسية والأحزاب للاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم بشأن تعديل قوانين الانتخابات، وأجرى ثلاث جلسات بمقر مجلس النواب، ولكنها لم تسفر عن أي نتائج إيجابية ولم يرض عنها السياسيون بل زادت من شعورهم بالتهميش وعدم جدية الحكومة في الاستماع بالفعل لرؤية القوى السياسية. وقال محلب في إحدى الجلسات الحوارية مع القوى السياسية إنه حريص على أن يسمع للجميع في الحوار المجتمعى، وإنه يبذل قصارى جهده لبدء الانتخابات قبل رمضان، وإن تحقيق هذا الأمر يتطلب جهدا كبيرا، مؤكدا أن الانتخابات ستجرى قبل رمضان المقبل وليس بعده وها هو رمضان على الأبواب. السيسي يعد بإجراء الانتخابات هذا العام ورغم وضوح تكليفات السيسي للجنة بضرورة الانتهاء من مشروع القانون في موعد أقصاه شهر، إلا أن اللجنة لم تنته من مشروع القانون سوى نهاية الأسبوع الماضى ليستمر عملها إلى أكثر من شهرين في عملية مماطلة وصفتها الأحزاب السياسية بغير المبررة. وتعهد السيسي بإجراء الانتخابات البرلمانية في البلاد قبل نهاية العام الجاري، وذلك بعد أن أنهت اللجنة المكلفة بتعديل قانون الانتخابات مهمتها، وقال في أحد تصريحاته: «أعطى وعدا بأن الانتخابات ستجرى قبل نهاية السنة». وهو مكررر خلال اجتماع من الأحزاب السياسية الأسبوع الماضى. وحتى الآن تنتظر القوى السياسية التعديلات النهائية بشأن قوانين الانتخابات لتحسم موقفها من مشاركتها في المعركة الانتخابية المقبلة من عدمه، حيث لاقى تعطيل إجراء الانتخابات سخطا من القوى السياسية التي تردد دائما مقولة إن الرئيس يريد برلمانا مساندا له وليس مراقبا عليه. وحتى الآن لا يزال موعد تحديد انتخابات مجلس النواب في علم الغيب ما يفتح بابا للجدل. ويؤكد أن جميع الوعود السابقة كانت حبرًا على ورق.