القافلة ال17، بدء دخول شاحنات المساعدات الإنسانية من مصر إلى قطاع غزة (فيديو)    اتحاد الكرة يعلن حكام مباريات الجولة.. بسيوني يقود قمة المصري وبيراميدز    نيكو ويليامز.. شوكة في قلب إشبيلية    كل ما تريد معرفته عن مسابقة توظيف بريد الجزائر 2025.. الموعد والشروط وطريقة التسجيل    قرارات صارمة من وزارة التربية والتعليم استعدادًا للعام الدراسي الجديد 20262025 (تعرف عليها)    سعر صرف الدولار مقابل الجنيه المصري الإثنين 18-8-2025 بعد الهبوط العالمي الجديد    مصرع سيدة في حادث سير ب شمال سيناء    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    45 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات على خط «طنطا - دمياط».. الاثنين 18 أغسطس    سعر الذهب في مصر اليوم الاثنين 18-8-2025 مع بداية التعاملات    "أي حكم يغلط يتحاسب".. خبير تحكيمي يعلق على طرد محمد هاني بمباراة الأهلي وفاركو    إساءات للذات الإلهية.. جامعة الأزهر فرع أسيوط ترد على شكوى أستاذة عن توقف راتبها    تامر عبدالمنعم: «سينما الشعب» تتيح الفن للجميع وتدعم مواجهة التطرف    ترامب يهاجم وسائل الإعلام الكاذبة بشأن اختيار مكان انعقاد قمته مع بوتين    وصفة مغذية وسهلة التحضير، طريقة عمل كبد الفراخ    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    أحمد إبراهيم يوضح موقفه من أزمة مها أحمد.. ماذا قال؟    قد يكون مؤشر على مشكلة صحية.. أبرز أسباب تورم القدمين    احتجاجات غاضبة أمام مقر نتنياهو تتحول إلى مواجهات عنيفة    الأمم المتحدة: نصف مليون فلسطيني في غزة مهددون بالمجاعة    أبرز تصريحات رئيس الوزراء خلال لقائه نظيره الفلسطيني الدكتور محمد مصطفى    الأونروا: ما يحدث في قطاع غزة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية    موعد فتح باب التقديم لوظائف وزارة الإسكان 2025    بدء اختبارات كشف الهيئة لطلاب مدارس التمريض بالإسكندرية    بحضور وزير قطاع الأعمال.. تخرج دفعة جديدة ب «الدراسات العليا في الإدارة»    "لا يصلح"... رضا عبدالعال يوجه انتقادات قوية ليانيك فيريرا    أحمد شوبير يكشف موعد عودة إمام عاشور للمشاركة في المباريات مع الأهلي    البنك المصري الخليجي يتصدر المتعاملين الرئيسيين بالبورصة خلال جلسة بداية الأسبوع    وزارة التربية والتعليم تصدر 24 توجيهًا قبل بدء العام الدراسي الجديد.. تشديدات بشأن الحضور والضرب في المدراس    مصرع طفل أسفل عجلات القطار في أسيوط    التحقيق في مقتل لاعبة جودو برصاص زوجها داخل شقتهما بالإسكندرية    إضافة المواليد على بطاقة التموين 2025.. الخطوات والشروط والأوراق المطلوبة (تفاصيل)    انطلاق المؤتمر الدولي السادس ل«تكنولوجيا الأغشية وتطبيقاتها» بالغردقة    سامح حسين يعلن وفاة الطفل حمزة ابن شقيقه عن عمر يناهز ال 4 سنوات    هاجر الشرنوبي تدعو ل أنغام: «ربنا يعفي عنها»    حدث بالفن | عزاء تيمور تيمور وفنان ينجو من الغرق وتطورات خطيرة في حالة أنغام الصحية    رئيس "حماية المستهلك": وفرة السلع في الأسواق الضامن لتنظيم الأسعار تلقائيًا    مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 في القاهرة والمحافظات    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    أوسيم تضيء بذكراه، الكنيسة تحيي ذكرى نياحة القديس مويسيس الأسقف الزاهد    إيران تؤكد احترام سيادة لبنان وتعلن دعمها في مواجهة إسرائيل    حضريها في المنزل بمكونات اقتصادية، الوافل حلوى لذيذة تباع بأسعار عالية    متحدث الصحة يفجر مفاجأة بشأن خطف الأطفال وسرقة الأعضاء البشرية (فيديو)    متحدث الصحة يكشف حقيقة الادعاءات بخطف الأطفال لسرقة أعضائهم    أمسية دينية بلمسة ياسين التهامى فى حفل مهرجان القلعة    وزير الثقافة ومحافظ الإسماعيلية يفتتحان الملتقى القومي الثالث للسمسمية    السكة الحديد: تشغيل القطار الخامس لتيسير العودة الطوعية للأشقاء السودانيين    ماكرون: بوتين لا يريد السلام بل يريد الاستسلام مع أوكرانيا    أشرف صبحي يجتمع باللجنة الأولمبية لبحث الاستعدادات لأولمبياد لوس أنجلوس    ننشر أقوال السائق في واقعة مطاردة فتيات طريق الواحات    بداية متواضعة.. ماذا قدم مصطفى محمد في مباراة نانت ضد باريس سان جيرمان؟    رضا عبد العال: فيريرا لا يصلح للزمالك.. وعلامة استفهام حول استبعاد شيكو بانزا    مواجهة مع شخص متعالي.. حظ برج القوس اليوم 18 أغسطس    «الصيف يُلملم أوراقه».. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم: منخفض جوى قادم    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهمين في واقعة مطاردة طريق الواحات    تنسيق الثانوية العامة 2025 المرحلة الثالثة.. كليات التربية ب أنواعها المتاحة علمي علوم ورياضة وأدبي    هل يجوز ارتداء الملابس على الموضة؟.. أمين الفتوى يوضح    مرصد الأزهر: تعليم المرأة فريضة شرعية.. والجماعات المتطرفة تحرمه بتأويلات باطلة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فيتو» تقتحم إمبراطورية الأغذية الفاسدة فى القاهرة والجيزة والقليوبية

مات الضمير بداخلهم، فتحكم فيهم الطمع والجشع.. أرادوا تحقيق الثراء السريع، فاحترفوا تجارة الموت.. لجأوا إلى مقالب القمامة وأخرجوا منها بقايا الأطعمة والعصائر الفاسدة، وأعادوا تعبئتها وباعوها للفقراء فى الأحياء الشعبية.. استعانوا بعشرات البلطجية والمسجلين خطر لحمايتهم، فكونوا إمبراطورية ضخمة لا يمكن اختراقها.. لكن محقق «فيتو» ومن خلال مغامرة مثيرة.. استطاع اختراق تلك الإمبراطورية، ورصد بالكلمة والصورة خطوات صناعة الأغذية الفاسدة من مخلفات الفنادق بداية من عمليات جمعها من مقالب القمامة، مرورا بتصنيعها وإعادة تعبئتها، وحتى وصولها إلى الغلابة والفقراء من المصريين فى الأسواق الشعبية.. تفاصيل المغامرة تحملها السطور التالية..
فى البداية.. كان لابد من مرافق لنا نستطيع من خلاله اقتحام مقلب القمامة فى صحراء «شق الثعبان» بمنطقة دار السلام، وهو المقلب الذى اختاره بعض الفنادق الكبرى لإلقاء مخلفات المواد الغذائية فيه.. وبعد فترة من البحث توصلنا لمرافق من المنطقة ولكنه اشترط ذكر اسمه خوفا من بطش بلطجية المقلب، ومافيا تجارة الأغذية الفاسدة.. فى ساعة مبكرة من الصباح التقينا فى دار السلام ومنه انطلقنا إلى شق الثعبان، وفى منطقة جبلية متطرفة وجدنا المقلب أو «الكنز» كما يلقبه البعض..
مقلب قمامة.. و3 بلطجية
قلت لمرافقي « ما حكاية هذا المقلب؟».. فقال: «فى التاسعة من صباح كل يوم.. تحضر سيارة نقل كبيرة محملة ببقايا جميع أنواع الأغذية والحلويات والعصائر تفوح منها روائح كريهة للغاية لتلقيها هنا.. بعد دقائق من تفريغ الحمولة يأتى رجل فى حوالى الخمسين من عمره يدعى المعلم «سماكة» وبصحبته فتاتان تبدأن فى فرز المقلب بدقة ليتعرف المعلم على نوعية وحجم المواد الغذائية الموجودة ومن ثم يحدد الأسعار للتجار.. تواصل الفتاتان عملهما بتقسيم الأغذية حسب النوع، بحيث توضع الحلويات من بقايا التورتة والجاتوه مع بعضها، وكذلك الحال مع العصائر بجميع أنواعها والكاتشب والمايونيز والطحينة، والجبنة والتونة.. تنتهى أعمال الفرز هذه مع أذان الظهر تقريبا، وفى حوالى الواحدة يأتى التاجر الذى سيشترى المقلب ويعاين البضاعة ثم يدفع السعر المتفق عليه للمعلم سماكة، ويضع المواد الغذائية على عربة كارو يجرها حمار، وينقلها إلى مكان آخر تجرى فيه عملية إعادة التعبئة والتغليف.. سألت مرافقى: «هل يحتكر سماكة المقلب أم هناك آخرون يشاركونه فيه؟».. أجاب: « بالطبع لا.. هناك ثلاثة أشخاص يتقاسمون السيطرة على المقلب على مدار أيام الأسبوع.. ففى يومى السبت والثلاثاء يكون المقلب من نصيب شخص يدعى «تونسى»، وهو مسجل خطر تم ضبطه فى العديد من قضايا السرقة بالإكراه وتعاطى المخدرات وحيازة أسلحة بدون ترخيص، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات.. ويومى الاثنين والأربعاء يكون المسيطر على المقلب هو «حمودة» المعروف بالبلطجة وفرض الإتاوات وسرقة المارة بالإكراه بطريق الأوتوستراد.. أما فى أيام الأحد والخميس والجمعة، فيكون المقلب من نصيب المعلم «سماكة» وهو أشهر فتوات المنطقة، ولا يجرؤ اى شخص آخر على الاقتراب من المقلب أو محاولة مشاركتهم فى هذا العمل خوفا من بطشهم وتجبرهم.
«لهاليبو ودوسة».. وصناعة الموت
قلت لمرافقى: «هذا ما يحدث بالقرب من جبل شق التعبان.. فماذا عن المرحلة التالية وهى إعادة تعبئة وتغليف تلك المأكولات؟».. قال: « هذه العملية يقوم بها أشخاص آخرون فى مناطق أخرى.. أشهرهم المعلمة «لهاليبو» التى تحتكر تجارة هذا النوع من الأغذية منذ أكثر من عشر سنوات فى عزبة «النصر»، و« ترب اليهود» بمنطقة البساتين.. تشترى المقلب كاملا أيام الخميس والجمعة والأحد من المعلم سماكة بمبلغ لا يتجاوز المائة جنيه وتنقل بقايا الطعام إلى منزلها، وبمساعدة مجموعة من السيدات والفتيات تقومن بتفريغها فى آنية كبيرة.. فمثلا تضع بقايا الكاتشب كلها فى إناء واحد وتتولى بعض الفتيات مهمة غسل الزجاجات الفارغة، ثم تبدأ عملية إعادة التعبئة يدويا، ونفس الأمر يتكرر مع المايونيز والطحينة والعصائر بجميع أنواعها.. أما بقايا التورتة وقطع الجاتوه، فيتولى فريق آخر من النساء مهمة إعادة تهذيبها وتغليفها فى أوراق مزركشة ولامعة، وفى بعض الأحيان يتم الاكتفاء بالتهذيب فقط دون التغليف.. وبالنسبة لبقايا الزبادى واللبن والجبنة والتونة، فيتم نقلها إلى مصانع صغيرة تحت بير السلم ويعاد تصنيعها وتعبئتها فى عبوات أخرى.».. استطرد الرجل موضحا: « لهاليبو ليست الوحيدة التى تقوم بهذا النشاط، فهناك أخريات يعملن فى ذات المجال منهن «سنية.م» الشهيرة ب«دوسة»، ويشاركها زوجها فى العمل وتتخذ من منطقة دار السلام مسرحا لمزاولة نشاطها.. وهى ورثت المهنة عن والديها، وتدرب أطفالها الصغار عليها ليرثوها من بعدها، وتكلفهم ببيع العصير الفاسد لطلاب المدارس وتجارتها تزدهر يوما بعد يوم.. وهناك رجال ونساء كثيرون يقومون بنفس العمل فى مناطق أخرى وبذات الطريقة».
المأكولات الفاسدة.. في أسواق الغلابة
«نأتي إلى مرحلة مهمة وهى مرحلة التوزيع فى الأسواق.. كيف تتم؟».. هكذا سألت مرافقى.. فأجاب: « بعد انتهاء عمليات التعبئة والتغليف.. تبدأ مجموعة من الأطفال خصوصا الفتيات فى عرض المنتجات على الأرصفة وفى الشوارع الضيقة المزدحمة بالمارة.. وبعض البضائع يتم نقلها إلى الأسواق فى المناطق الشعبية والعشوائية وبيعها إما لتاجر جملة أو قطاعى من خلال عرضها على فرش صغير فى أسواق قريبة من المنطقة وأخرى بعيدة عنها ومن هذه الأسواق سوق الأحد فى منطقة بيجام بشبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وسوق الثلاثاء بالمرج، والجمعة فى منشأة ناصر، بالإضافة للأسواق المنتشرة فى منطقة دار السلام، وفى محافظة الجيزة تنتشر هذه المنتجات فى أسواق منطقة إمبابة.. الأغرب من ذلك أن بعض الفنادق الصغيرة تتفق أحيانا مع المعلمة لهاليبو وزميلاتها، على توريد كميات كبيرة من تلك الأغذية الفاسدة لتقديمها للنزلاء على أنها طازجة».. قاطعته متسائلا عن الأسعار، فأوضح: « بالطبع هى أسعار زهيدة للغاية لإغراء الزبائن.. فمثلا زجاجة الكاتشب لا يزيد سعرها على جنيه ونصف الجنيه، وزجاجة المايونيز بجنيهين فقط.. وعلبة العصير أيا كان نوعها بجنيه واحد.. وعبوة الجبنة او التونة تتراوح بين نصف جنيه وجنيهين.. أما التورتة كبيرة الحجم فلا يزيد سعرها على العشرة جنيهات.. وقطعة الجاتوه بجنيه واحد، وقد يزيد السعر أو ينقص قليلا حسب إقبال الزبائن على المنتجات.. وبالطبع يقبل الغلابة من سكان العشوائيات على الشراء دون أن يدركوا أنهم يأكلون سموما قد تقتلهم أو على الأقل تصيبهم بأخطر الأمراض.. وقد أصيب بالفعل طفل يدعى محمد سعيد بحالة تسمم حادة بعد تناوله علبة عصير موز باللبن من منتجات المعلمة لهاليبو، وتم نقله للمستشفى وأجريت له عملية غسيل معدة سريعة، ورفضت والدته تحرير محضر بالواقعة واكتفت بمنع طفلها من شراء هذه المنتجات مرة أخرى».. فى نهاية اليوم وبعد هذه الجولة المرهقة، عاد محقق «فيتو» وقد امتلأت نفسه همَا وغمَا، وقال فى نفسه: « ألهذا الحد وصل الطمع والجشع ببعض البشر؟.. ألهذا الحد تجاهلت الحكومة بسطاء المصريين وتركتهم فريسة لتجار الغذاء الفاسد؟.. فتش فى ذهنه عن سبب واحد يجعل دولة تتجاهل أبناءها بهذا الشكل فلم يجد.. فطوى أوراقه.
مات الضمير بداخلهم، فتحكم فيهم الطمع والجشع.. أرادوا تحقيق الثراء السريع، فاحترفوا تجارة الموت.. لجأوا إلى مقالب القمامة وأخرجوا منها بقايا الأطعمة والعصائر الفاسدة، وأعادوا تعبئتها وباعوها للفقراء فى الأحياء الشعبية.. استعانوا بعشرات البلطجية والمسجلين خطر لحمايتهم، فكونوا إمبراطورية ضخمة لا يمكن اختراقها.. لكن محقق «فيتو» ومن خلال مغامرة مثيرة.. استطاع اختراق تلك الإمبراطورية، ورصد بالكلمة والصورة خطوات صناعة الأغذية الفاسدة من مخلفات الفنادق بداية من عمليات جمعها من مقالب القمامة، مرورا بتصنيعها وإعادة تعبئتها، وحتى وصولها إلى الغلابة والفقراء من المصريين فى الأسواق الشعبية.. تفاصيل المغامرة تحملها السطور التالية..
فى البداية.. كان لابد من مرافق لنا نستطيع من خلاله اقتحام مقلب القمامة فى صحراء «شق الثعبان» بمنطقة دار السلام، وهو المقلب الذى اختاره بعض الفنادق الكبرى لإلقاء مخلفات المواد الغذائية فيه.. وبعد فترة من البحث توصلنا لمرافق من المنطقة ولكنه اشترط ذكر اسمه خوفا من بطش بلطجية المقلب، ومافيا تجارة الأغذية الفاسدة.. فى ساعة مبكرة من الصباح التقينا فى دار السلام ومنه انطلقنا إلى شق الثعبان، وفى منطقة جبلية متطرفة وجدنا المقلب أو «الكنز» كما يلقبه البعض..
مقلب قمامة.. و3 بلطجية
قلت لمرافقي « ما حكاية هذا المقلب؟».. فقال: «فى التاسعة من صباح كل يوم.. تحضر سيارة نقل كبيرة محملة ببقايا جميع أنواع الأغذية والحلويات والعصائر تفوح منها روائح كريهة للغاية لتلقيها هنا.. بعد دقائق من تفريغ الحمولة يأتى رجل فى حوالى الخمسين من عمره يدعى المعلم «سماكة» وبصحبته فتاتان تبدأن فى فرز المقلب بدقة ليتعرف المعلم على نوعية وحجم المواد الغذائية الموجودة ومن ثم يحدد الأسعار للتجار.. تواصل الفتاتان عملهما بتقسيم الأغذية حسب النوع، بحيث توضع الحلويات من بقايا التورتة والجاتوه مع بعضها، وكذلك الحال مع العصائر بجميع أنواعها والكاتشب والمايونيز والطحينة، والجبنة والتونة.. تنتهى أعمال الفرز هذه مع أذان الظهر تقريبا، وفى حوالى الواحدة يأتى التاجر الذى سيشترى المقلب ويعاين البضاعة ثم يدفع السعر المتفق عليه للمعلم سماكة، ويضع المواد الغذائية على عربة كارو يجرها حمار، وينقلها إلى مكان آخر تجرى فيه عملية إعادة التعبئة والتغليف.. سألت مرافقى: «هل يحتكر سماكة المقلب أم هناك آخرون يشاركونه فيه؟».. أجاب: « بالطبع لا.. هناك ثلاثة أشخاص يتقاسمون السيطرة على المقلب على مدار أيام الأسبوع.. ففى يومى السبت والثلاثاء يكون المقلب من نصيب شخص يدعى «تونسى»، وهو مسجل خطر تم ضبطه فى العديد من قضايا السرقة بالإكراه وتعاطى المخدرات وحيازة أسلحة بدون ترخيص، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات.. ويومى الاثنين والأربعاء يكون المسيطر على المقلب هو «حمودة» المعروف بالبلطجة وفرض الإتاوات وسرقة المارة بالإكراه بطريق الأوتوستراد.. أما فى أيام الأحد والخميس والجمعة، فيكون المقلب من نصيب المعلم «سماكة» وهو أشهر فتوات المنطقة، ولا يجرؤ اى شخص آخر على الاقتراب من المقلب أو محاولة مشاركتهم فى هذا العمل خوفا من بطشهم وتجبرهم.
«لهاليبو ودوسة».. وصناعة الموت
قلت لمرافقى: «هذا ما يحدث بالقرب من جبل شق التعبان.. فماذا عن المرحلة التالية وهى إعادة تعبئة وتغليف تلك المأكولات؟».. قال: « هذه العملية يقوم بها أشخاص آخرون فى مناطق أخرى.. أشهرهم المعلمة «لهاليبو» التى تحتكر تجارة هذا النوع من الأغذية منذ أكثر من عشر سنوات فى عزبة «النصر»، و« ترب اليهود» بمنطقة البساتين.. تشترى المقلب كاملا أيام الخميس والجمعة والأحد من المعلم سماكة بمبلغ لا يتجاوز المائة جنيه وتنقل بقايا الطعام إلى منزلها، وبمساعدة مجموعة من السيدات والفتيات تقومن بتفريغها فى آنية كبيرة.. فمثلا تضع بقايا الكاتشب كلها فى إناء واحد وتتولى بعض الفتيات مهمة غسل الزجاجات الفارغة، ثم تبدأ عملية إعادة التعبئة يدويا، ونفس الأمر يتكرر مع المايونيز والطحينة والعصائر بجميع أنواعها.. أما بقايا التورتة وقطع الجاتوه، فيتولى فريق آخر من النساء مهمة إعادة تهذيبها وتغليفها فى أوراق مزركشة ولامعة، وفى بعض الأحيان يتم الاكتفاء بالتهذيب فقط دون التغليف.. وبالنسبة لبقايا الزبادى واللبن والجبنة والتونة، فيتم نقلها إلى مصانع صغيرة تحت بير السلم ويعاد تصنيعها وتعبئتها فى عبوات أخرى.».. استطرد الرجل موضحا: « لهاليبو ليست الوحيدة التى تقوم بهذا النشاط، فهناك أخريات يعملن فى ذات المجال منهن «سنية.م» الشهيرة ب«دوسة»، ويشاركها زوجها فى العمل وتتخذ من منطقة دار السلام مسرحا لمزاولة نشاطها.. وهى ورثت المهنة عن والديها، وتدرب أطفالها الصغار عليها ليرثوها من بعدها، وتكلفهم ببيع العصير الفاسد لطلاب المدارس وتجارتها تزدهر يوما بعد يوم.. وهناك رجال ونساء كثيرون يقومون بنفس العمل فى مناطق أخرى وبذات الطريقة».
المأكولات الفاسدة.. في أسواق الغلابة
«نأتي إلى مرحلة مهمة وهى مرحلة التوزيع فى الأسواق.. كيف تتم؟».. هكذا سألت مرافقى.. فأجاب: « بعد انتهاء عمليات التعبئة والتغليف.. تبدأ مجموعة من الأطفال خصوصا الفتيات فى عرض المنتجات على الأرصفة وفى الشوارع الضيقة المزدحمة بالمارة.. وبعض البضائع يتم نقلها إلى الأسواق فى المناطق الشعبية والعشوائية وبيعها إما لتاجر جملة أو قطاعى من خلال عرضها على فرش صغير فى أسواق قريبة من المنطقة وأخرى بعيدة عنها ومن هذه الأسواق سوق الأحد فى منطقة بيجام بشبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وسوق الثلاثاء بالمرج، والجمعة فى منشأة ناصر، بالإضافة للأسواق المنتشرة فى منطقة دار السلام، وفى محافظة الجيزة تنتشر هذه المنتجات فى أسواق منطقة إمبابة.. الأغرب من ذلك أن بعض الفنادق الصغيرة تتفق أحيانا مع المعلمة لهاليبو وزميلاتها، على توريد كميات كبيرة من تلك الأغذية الفاسدة لتقديمها للنزلاء على أنها طازجة».. قاطعته متسائلا عن الأسعار، فأوضح: « بالطبع هى أسعار زهيدة للغاية لإغراء الزبائن.. فمثلا زجاجة الكاتشب لا يزيد سعرها على جنيه ونصف الجنيه، وزجاجة المايونيز بجنيهين فقط.. وعلبة العصير أيا كان نوعها بجنيه واحد.. وعبوة الجبنة او التونة تتراوح بين نصف جنيه وجنيهين.. أما التورتة كبيرة الحجم فلا يزيد سعرها على العشرة جنيهات.. وقطعة الجاتوه بجنيه واحد، وقد يزيد السعر أو ينقص قليلا حسب إقبال الزبائن على المنتجات.. وبالطبع يقبل الغلابة من سكان العشوائيات على الشراء دون أن يدركوا أنهم يأكلون سموما قد تقتلهم أو على الأقل تصيبهم بأخطر الأمراض.. وقد أصيب بالفعل طفل يدعى محمد سعيد بحالة تسمم حادة بعد تناوله علبة عصير موز باللبن من منتجات المعلمة لهاليبو، وتم نقله للمستشفى وأجريت له عملية غسيل معدة سريعة، ورفضت والدته تحرير محضر بالواقعة واكتفت بمنع طفلها من شراء هذه المنتجات مرة أخرى».. فى نهاية اليوم وبعد هذه الجولة المرهقة، عاد محقق «فيتو» وقد امتلأت نفسه همَا وغمَا، وقال فى نفسه: « ألهذا الحد وصل الطمع والجشع ببعض البشر؟.. ألهذا الحد تجاهلت الحكومة بسطاء المصريين وتركتهم فريسة لتجار الغذاء الفاسد؟.. فتش فى ذهنه عن سبب واحد يجعل دولة تتجاهل أبناءها بهذا الشكل فلم يجد.. فطوى أوراقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.