تراجع أسعار الذهب محليا في أول أيام عيد الأضحى    أهالى بنى سويف يلتقطون الصور السيلفى مع المحافظ بالممشى السياحي أول أيام عيد الأضحى المبارك    إسرائيل بالجرم المشهود.. قصف غزة في العيد وسقوط شهداء    أنشيلوتي: رأيت تحسنا أمام الإكوادور رغم ضيق الوقت.. ونملك ثقة كبيرة قبل مواجهة باراجواي    حجاج الجمعيات الأهلية يواصلون أداء المناسك.. ويرمون جمرة العقبة الكبرى.. والبعثة توفر كافة الخدمات في مشعر منى    "بيصبح علينا العيد".. أغنية جديدة لوزارة الداخلية في عيد الأضحى    وفاه الملحن الشاب محمد كرارة وحالة من الحزن بين زملائه ومحبيه    محمود المليجي.. الوجه الآخر للشر وصوت الإنسان في دراما القسوة    محافظ الدقهلية في زيارة خاصة لأيتام المنصورة: جئنا لنشارككم فرحة العيد    صحة الأقصر تتابع سير العمل بمستشفى الحميات ومكتب صحة ثان    «لو مبتكلش اللحمة»..طريقة عمل فتة مصرية بالفراخ    أسعار الخضار أول أيام عيد الأضحى في مطروح    هل تعمل المخابز خلال عيد الأضحى المبارك 2025؟.. التفاصيل    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية للتأكُد من الخدمات المقدمة للزائرين (صور)    حبس المتهم بقتل شاب يوم وقفة عيد الأضحى بقرية قرنفيل في القليوبية    فى أول أيام عيد الأضحى.. إقبال متوسط على شواطئ الإسكندرية    برواتب مجزية وتأمينات.. العمل تعلن 3209 وظيفة جديدة للشباب    استشهاد مصور صحفي متأثرا بإصابته في قصف للاحتلال الإسرائيلي خيمة للصحفيين بغزة    اليابان تطالب بإعادة النظر في الرسوم الجمركية خلال محادثات مع وزير التجارة الأمريكي    بعد رحيله مساء أمس، 5 معلومات عن الملحن محمد كرارة    نانسي نور تغني لزوجها تامر عاشور في برنامج "معكم منى الشاذلي"|فيديو    تركي آل الشيخ يطرح البرومو الدعائي لفيلم "The seven Dogs"    محافظ القليوبية يتفقد حدائق القناطر الخيرية    محافظ دمياط يحتفل بمبادرة العيد أحلى بمركز شباب شط الملح    لا تكدر صفو العيد بالمرض.. نصائح للتعامل مع اللحوم النيئة    ماذا يحث عند تناول الأطفال لحم الضأن؟    «وداعًا للحموضة بعد الفتة».. 6 مكونات في الصلصة تضمن هضمًا مريحًا    الرمادي: الحديث عن استمراري في الزمالك سابق لأوانه    محافظ سوهاج يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد "الشرطة" بمدينة ناصر    أحمد العوضى يحتفل بعيد الأضحى مع أهل منطقته في عين شمس ويذبح الأضحية    شباب قنا يوزعون بليلة بالكوارع والقرقوش في عيد الأضحى (صور)    الآلاف يؤدون صلاة عيد الأضحى وسط أجواء احتفالية بالحسين    الآلاف يؤدون صلاة العيد داخل 207 ساحات في المنيا    روسيا: إسقاط 174 مُسيرة أوكرانية فيما يتبادل الجانبان القصف الثقيل    مقترح ويتكوف| حماس تبدي مرونة.. وإسرائيل تواصل التصعيد    سعر الدولار والعملات اليوم الجمعة 6 يونيو 2025 داخل البنك الأهلي في عيد الأضحى    محافظ شمال سيناء يؤدي صلاه العيد وسط جموع المواطنين في مسجد الشلاق بالشيخ زويد (صور)    جبران يستعرض جهود مصر في تعزيز بيئة العمل مع وفد "أصحاب الأعمال" بجنيف    وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد لبنان: لا استقرار دون أمن لإسرائيل    الونش: الزمالك قادر على تحقيق بطولات بأي عناصر موجودة في الملعب    إقبال ملحوظ على مجازر القاهرة في أول أيام عيد الأضحى المبارك    سرايا القدس تعلن تفجير آلية عسكرية إسرائيلية بعبوة شديدة الانفجار في خان يونس    "إكسترا نيوز" ترصد مظاهر احتفالات المواطنين بعيد الأضحى في مصر الجديدة    محافظ القليوبية يقدم التهنئة للمسنين ويقدم لهم الهدايا والورود - صور    محافظ جنوب سيناء يؤدي صلاة العيد بشرم الشيخ ويوزع عيديات على الأطفال    أجواء من المحبة والتراحم تسود قنا بعد صلاة عيد الأضحى المبارك وتبادل واسع للتهاني بين الأهالي    خطيب عيد الأضحى من مسجد مصر الكبير: حب الوطن من أعظم مقاصد الإيمان    محافظ الفيوم يؤدي صلاة عيد الأضحى المبارك بمسجد ناصر الكبير.. صور    مدح وإنشاد ديني بساحة الشيخ أحمد مرتضى بالأقصر احتفالا بعيد الأضحى    عاجل - موضوع خطبة الجمعة.. ماذا يتحدث الأئمة في يوم عيد الأضحى؟    الرئيس السيسي يشهد صلاة عيد الأضحى من مسجد مصر بالعاصمة الإدارية| صور    الونش: الفوز بالكأس أبلغ رد على الانتقادات    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك    سنن وآداب صلاة عيد الأضحى المبارك للرجال والنساء في العيد (تعرف عليها)    اليوم.. وزارة الأوقاف تفتتح 8 مساجد جديدة بالمحافظات    «ظلمني وطلب مني هذا الطلب».. أفشة يفتح النار على كولر    بالفيديو.. استقبال خاص من لاعبي الأهلي للصفقات الجديدة    «3 لاعبين استكملوا مباراة بيراميدز رغم الإصابة».. طبيب الزمالك يكشف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«فيتو» تقتحم إمبراطورية الأغذية الفاسدة فى القاهرة والجيزة والقليوبية

مات الضمير بداخلهم، فتحكم فيهم الطمع والجشع.. أرادوا تحقيق الثراء السريع، فاحترفوا تجارة الموت.. لجأوا إلى مقالب القمامة وأخرجوا منها بقايا الأطعمة والعصائر الفاسدة، وأعادوا تعبئتها وباعوها للفقراء فى الأحياء الشعبية.. استعانوا بعشرات البلطجية والمسجلين خطر لحمايتهم، فكونوا إمبراطورية ضخمة لا يمكن اختراقها.. لكن محقق «فيتو» ومن خلال مغامرة مثيرة.. استطاع اختراق تلك الإمبراطورية، ورصد بالكلمة والصورة خطوات صناعة الأغذية الفاسدة من مخلفات الفنادق بداية من عمليات جمعها من مقالب القمامة، مرورا بتصنيعها وإعادة تعبئتها، وحتى وصولها إلى الغلابة والفقراء من المصريين فى الأسواق الشعبية.. تفاصيل المغامرة تحملها السطور التالية..
فى البداية.. كان لابد من مرافق لنا نستطيع من خلاله اقتحام مقلب القمامة فى صحراء «شق الثعبان» بمنطقة دار السلام، وهو المقلب الذى اختاره بعض الفنادق الكبرى لإلقاء مخلفات المواد الغذائية فيه.. وبعد فترة من البحث توصلنا لمرافق من المنطقة ولكنه اشترط ذكر اسمه خوفا من بطش بلطجية المقلب، ومافيا تجارة الأغذية الفاسدة.. فى ساعة مبكرة من الصباح التقينا فى دار السلام ومنه انطلقنا إلى شق الثعبان، وفى منطقة جبلية متطرفة وجدنا المقلب أو «الكنز» كما يلقبه البعض..
مقلب قمامة.. و3 بلطجية
قلت لمرافقي « ما حكاية هذا المقلب؟».. فقال: «فى التاسعة من صباح كل يوم.. تحضر سيارة نقل كبيرة محملة ببقايا جميع أنواع الأغذية والحلويات والعصائر تفوح منها روائح كريهة للغاية لتلقيها هنا.. بعد دقائق من تفريغ الحمولة يأتى رجل فى حوالى الخمسين من عمره يدعى المعلم «سماكة» وبصحبته فتاتان تبدأن فى فرز المقلب بدقة ليتعرف المعلم على نوعية وحجم المواد الغذائية الموجودة ومن ثم يحدد الأسعار للتجار.. تواصل الفتاتان عملهما بتقسيم الأغذية حسب النوع، بحيث توضع الحلويات من بقايا التورتة والجاتوه مع بعضها، وكذلك الحال مع العصائر بجميع أنواعها والكاتشب والمايونيز والطحينة، والجبنة والتونة.. تنتهى أعمال الفرز هذه مع أذان الظهر تقريبا، وفى حوالى الواحدة يأتى التاجر الذى سيشترى المقلب ويعاين البضاعة ثم يدفع السعر المتفق عليه للمعلم سماكة، ويضع المواد الغذائية على عربة كارو يجرها حمار، وينقلها إلى مكان آخر تجرى فيه عملية إعادة التعبئة والتغليف.. سألت مرافقى: «هل يحتكر سماكة المقلب أم هناك آخرون يشاركونه فيه؟».. أجاب: « بالطبع لا.. هناك ثلاثة أشخاص يتقاسمون السيطرة على المقلب على مدار أيام الأسبوع.. ففى يومى السبت والثلاثاء يكون المقلب من نصيب شخص يدعى «تونسى»، وهو مسجل خطر تم ضبطه فى العديد من قضايا السرقة بالإكراه وتعاطى المخدرات وحيازة أسلحة بدون ترخيص، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات.. ويومى الاثنين والأربعاء يكون المسيطر على المقلب هو «حمودة» المعروف بالبلطجة وفرض الإتاوات وسرقة المارة بالإكراه بطريق الأوتوستراد.. أما فى أيام الأحد والخميس والجمعة، فيكون المقلب من نصيب المعلم «سماكة» وهو أشهر فتوات المنطقة، ولا يجرؤ اى شخص آخر على الاقتراب من المقلب أو محاولة مشاركتهم فى هذا العمل خوفا من بطشهم وتجبرهم.
«لهاليبو ودوسة».. وصناعة الموت
قلت لمرافقى: «هذا ما يحدث بالقرب من جبل شق التعبان.. فماذا عن المرحلة التالية وهى إعادة تعبئة وتغليف تلك المأكولات؟».. قال: « هذه العملية يقوم بها أشخاص آخرون فى مناطق أخرى.. أشهرهم المعلمة «لهاليبو» التى تحتكر تجارة هذا النوع من الأغذية منذ أكثر من عشر سنوات فى عزبة «النصر»، و« ترب اليهود» بمنطقة البساتين.. تشترى المقلب كاملا أيام الخميس والجمعة والأحد من المعلم سماكة بمبلغ لا يتجاوز المائة جنيه وتنقل بقايا الطعام إلى منزلها، وبمساعدة مجموعة من السيدات والفتيات تقومن بتفريغها فى آنية كبيرة.. فمثلا تضع بقايا الكاتشب كلها فى إناء واحد وتتولى بعض الفتيات مهمة غسل الزجاجات الفارغة، ثم تبدأ عملية إعادة التعبئة يدويا، ونفس الأمر يتكرر مع المايونيز والطحينة والعصائر بجميع أنواعها.. أما بقايا التورتة وقطع الجاتوه، فيتولى فريق آخر من النساء مهمة إعادة تهذيبها وتغليفها فى أوراق مزركشة ولامعة، وفى بعض الأحيان يتم الاكتفاء بالتهذيب فقط دون التغليف.. وبالنسبة لبقايا الزبادى واللبن والجبنة والتونة، فيتم نقلها إلى مصانع صغيرة تحت بير السلم ويعاد تصنيعها وتعبئتها فى عبوات أخرى.».. استطرد الرجل موضحا: « لهاليبو ليست الوحيدة التى تقوم بهذا النشاط، فهناك أخريات يعملن فى ذات المجال منهن «سنية.م» الشهيرة ب«دوسة»، ويشاركها زوجها فى العمل وتتخذ من منطقة دار السلام مسرحا لمزاولة نشاطها.. وهى ورثت المهنة عن والديها، وتدرب أطفالها الصغار عليها ليرثوها من بعدها، وتكلفهم ببيع العصير الفاسد لطلاب المدارس وتجارتها تزدهر يوما بعد يوم.. وهناك رجال ونساء كثيرون يقومون بنفس العمل فى مناطق أخرى وبذات الطريقة».
المأكولات الفاسدة.. في أسواق الغلابة
«نأتي إلى مرحلة مهمة وهى مرحلة التوزيع فى الأسواق.. كيف تتم؟».. هكذا سألت مرافقى.. فأجاب: « بعد انتهاء عمليات التعبئة والتغليف.. تبدأ مجموعة من الأطفال خصوصا الفتيات فى عرض المنتجات على الأرصفة وفى الشوارع الضيقة المزدحمة بالمارة.. وبعض البضائع يتم نقلها إلى الأسواق فى المناطق الشعبية والعشوائية وبيعها إما لتاجر جملة أو قطاعى من خلال عرضها على فرش صغير فى أسواق قريبة من المنطقة وأخرى بعيدة عنها ومن هذه الأسواق سوق الأحد فى منطقة بيجام بشبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وسوق الثلاثاء بالمرج، والجمعة فى منشأة ناصر، بالإضافة للأسواق المنتشرة فى منطقة دار السلام، وفى محافظة الجيزة تنتشر هذه المنتجات فى أسواق منطقة إمبابة.. الأغرب من ذلك أن بعض الفنادق الصغيرة تتفق أحيانا مع المعلمة لهاليبو وزميلاتها، على توريد كميات كبيرة من تلك الأغذية الفاسدة لتقديمها للنزلاء على أنها طازجة».. قاطعته متسائلا عن الأسعار، فأوضح: « بالطبع هى أسعار زهيدة للغاية لإغراء الزبائن.. فمثلا زجاجة الكاتشب لا يزيد سعرها على جنيه ونصف الجنيه، وزجاجة المايونيز بجنيهين فقط.. وعلبة العصير أيا كان نوعها بجنيه واحد.. وعبوة الجبنة او التونة تتراوح بين نصف جنيه وجنيهين.. أما التورتة كبيرة الحجم فلا يزيد سعرها على العشرة جنيهات.. وقطعة الجاتوه بجنيه واحد، وقد يزيد السعر أو ينقص قليلا حسب إقبال الزبائن على المنتجات.. وبالطبع يقبل الغلابة من سكان العشوائيات على الشراء دون أن يدركوا أنهم يأكلون سموما قد تقتلهم أو على الأقل تصيبهم بأخطر الأمراض.. وقد أصيب بالفعل طفل يدعى محمد سعيد بحالة تسمم حادة بعد تناوله علبة عصير موز باللبن من منتجات المعلمة لهاليبو، وتم نقله للمستشفى وأجريت له عملية غسيل معدة سريعة، ورفضت والدته تحرير محضر بالواقعة واكتفت بمنع طفلها من شراء هذه المنتجات مرة أخرى».. فى نهاية اليوم وبعد هذه الجولة المرهقة، عاد محقق «فيتو» وقد امتلأت نفسه همَا وغمَا، وقال فى نفسه: « ألهذا الحد وصل الطمع والجشع ببعض البشر؟.. ألهذا الحد تجاهلت الحكومة بسطاء المصريين وتركتهم فريسة لتجار الغذاء الفاسد؟.. فتش فى ذهنه عن سبب واحد يجعل دولة تتجاهل أبناءها بهذا الشكل فلم يجد.. فطوى أوراقه.
مات الضمير بداخلهم، فتحكم فيهم الطمع والجشع.. أرادوا تحقيق الثراء السريع، فاحترفوا تجارة الموت.. لجأوا إلى مقالب القمامة وأخرجوا منها بقايا الأطعمة والعصائر الفاسدة، وأعادوا تعبئتها وباعوها للفقراء فى الأحياء الشعبية.. استعانوا بعشرات البلطجية والمسجلين خطر لحمايتهم، فكونوا إمبراطورية ضخمة لا يمكن اختراقها.. لكن محقق «فيتو» ومن خلال مغامرة مثيرة.. استطاع اختراق تلك الإمبراطورية، ورصد بالكلمة والصورة خطوات صناعة الأغذية الفاسدة من مخلفات الفنادق بداية من عمليات جمعها من مقالب القمامة، مرورا بتصنيعها وإعادة تعبئتها، وحتى وصولها إلى الغلابة والفقراء من المصريين فى الأسواق الشعبية.. تفاصيل المغامرة تحملها السطور التالية..
فى البداية.. كان لابد من مرافق لنا نستطيع من خلاله اقتحام مقلب القمامة فى صحراء «شق الثعبان» بمنطقة دار السلام، وهو المقلب الذى اختاره بعض الفنادق الكبرى لإلقاء مخلفات المواد الغذائية فيه.. وبعد فترة من البحث توصلنا لمرافق من المنطقة ولكنه اشترط ذكر اسمه خوفا من بطش بلطجية المقلب، ومافيا تجارة الأغذية الفاسدة.. فى ساعة مبكرة من الصباح التقينا فى دار السلام ومنه انطلقنا إلى شق الثعبان، وفى منطقة جبلية متطرفة وجدنا المقلب أو «الكنز» كما يلقبه البعض..
مقلب قمامة.. و3 بلطجية
قلت لمرافقي « ما حكاية هذا المقلب؟».. فقال: «فى التاسعة من صباح كل يوم.. تحضر سيارة نقل كبيرة محملة ببقايا جميع أنواع الأغذية والحلويات والعصائر تفوح منها روائح كريهة للغاية لتلقيها هنا.. بعد دقائق من تفريغ الحمولة يأتى رجل فى حوالى الخمسين من عمره يدعى المعلم «سماكة» وبصحبته فتاتان تبدأن فى فرز المقلب بدقة ليتعرف المعلم على نوعية وحجم المواد الغذائية الموجودة ومن ثم يحدد الأسعار للتجار.. تواصل الفتاتان عملهما بتقسيم الأغذية حسب النوع، بحيث توضع الحلويات من بقايا التورتة والجاتوه مع بعضها، وكذلك الحال مع العصائر بجميع أنواعها والكاتشب والمايونيز والطحينة، والجبنة والتونة.. تنتهى أعمال الفرز هذه مع أذان الظهر تقريبا، وفى حوالى الواحدة يأتى التاجر الذى سيشترى المقلب ويعاين البضاعة ثم يدفع السعر المتفق عليه للمعلم سماكة، ويضع المواد الغذائية على عربة كارو يجرها حمار، وينقلها إلى مكان آخر تجرى فيه عملية إعادة التعبئة والتغليف.. سألت مرافقى: «هل يحتكر سماكة المقلب أم هناك آخرون يشاركونه فيه؟».. أجاب: « بالطبع لا.. هناك ثلاثة أشخاص يتقاسمون السيطرة على المقلب على مدار أيام الأسبوع.. ففى يومى السبت والثلاثاء يكون المقلب من نصيب شخص يدعى «تونسى»، وهو مسجل خطر تم ضبطه فى العديد من قضايا السرقة بالإكراه وتعاطى المخدرات وحيازة أسلحة بدون ترخيص، وحكم عليه بالسجن خمس سنوات.. ويومى الاثنين والأربعاء يكون المسيطر على المقلب هو «حمودة» المعروف بالبلطجة وفرض الإتاوات وسرقة المارة بالإكراه بطريق الأوتوستراد.. أما فى أيام الأحد والخميس والجمعة، فيكون المقلب من نصيب المعلم «سماكة» وهو أشهر فتوات المنطقة، ولا يجرؤ اى شخص آخر على الاقتراب من المقلب أو محاولة مشاركتهم فى هذا العمل خوفا من بطشهم وتجبرهم.
«لهاليبو ودوسة».. وصناعة الموت
قلت لمرافقى: «هذا ما يحدث بالقرب من جبل شق التعبان.. فماذا عن المرحلة التالية وهى إعادة تعبئة وتغليف تلك المأكولات؟».. قال: « هذه العملية يقوم بها أشخاص آخرون فى مناطق أخرى.. أشهرهم المعلمة «لهاليبو» التى تحتكر تجارة هذا النوع من الأغذية منذ أكثر من عشر سنوات فى عزبة «النصر»، و« ترب اليهود» بمنطقة البساتين.. تشترى المقلب كاملا أيام الخميس والجمعة والأحد من المعلم سماكة بمبلغ لا يتجاوز المائة جنيه وتنقل بقايا الطعام إلى منزلها، وبمساعدة مجموعة من السيدات والفتيات تقومن بتفريغها فى آنية كبيرة.. فمثلا تضع بقايا الكاتشب كلها فى إناء واحد وتتولى بعض الفتيات مهمة غسل الزجاجات الفارغة، ثم تبدأ عملية إعادة التعبئة يدويا، ونفس الأمر يتكرر مع المايونيز والطحينة والعصائر بجميع أنواعها.. أما بقايا التورتة وقطع الجاتوه، فيتولى فريق آخر من النساء مهمة إعادة تهذيبها وتغليفها فى أوراق مزركشة ولامعة، وفى بعض الأحيان يتم الاكتفاء بالتهذيب فقط دون التغليف.. وبالنسبة لبقايا الزبادى واللبن والجبنة والتونة، فيتم نقلها إلى مصانع صغيرة تحت بير السلم ويعاد تصنيعها وتعبئتها فى عبوات أخرى.».. استطرد الرجل موضحا: « لهاليبو ليست الوحيدة التى تقوم بهذا النشاط، فهناك أخريات يعملن فى ذات المجال منهن «سنية.م» الشهيرة ب«دوسة»، ويشاركها زوجها فى العمل وتتخذ من منطقة دار السلام مسرحا لمزاولة نشاطها.. وهى ورثت المهنة عن والديها، وتدرب أطفالها الصغار عليها ليرثوها من بعدها، وتكلفهم ببيع العصير الفاسد لطلاب المدارس وتجارتها تزدهر يوما بعد يوم.. وهناك رجال ونساء كثيرون يقومون بنفس العمل فى مناطق أخرى وبذات الطريقة».
المأكولات الفاسدة.. في أسواق الغلابة
«نأتي إلى مرحلة مهمة وهى مرحلة التوزيع فى الأسواق.. كيف تتم؟».. هكذا سألت مرافقى.. فأجاب: « بعد انتهاء عمليات التعبئة والتغليف.. تبدأ مجموعة من الأطفال خصوصا الفتيات فى عرض المنتجات على الأرصفة وفى الشوارع الضيقة المزدحمة بالمارة.. وبعض البضائع يتم نقلها إلى الأسواق فى المناطق الشعبية والعشوائية وبيعها إما لتاجر جملة أو قطاعى من خلال عرضها على فرش صغير فى أسواق قريبة من المنطقة وأخرى بعيدة عنها ومن هذه الأسواق سوق الأحد فى منطقة بيجام بشبرا الخيمة بمحافظة القليوبية، وسوق الثلاثاء بالمرج، والجمعة فى منشأة ناصر، بالإضافة للأسواق المنتشرة فى منطقة دار السلام، وفى محافظة الجيزة تنتشر هذه المنتجات فى أسواق منطقة إمبابة.. الأغرب من ذلك أن بعض الفنادق الصغيرة تتفق أحيانا مع المعلمة لهاليبو وزميلاتها، على توريد كميات كبيرة من تلك الأغذية الفاسدة لتقديمها للنزلاء على أنها طازجة».. قاطعته متسائلا عن الأسعار، فأوضح: « بالطبع هى أسعار زهيدة للغاية لإغراء الزبائن.. فمثلا زجاجة الكاتشب لا يزيد سعرها على جنيه ونصف الجنيه، وزجاجة المايونيز بجنيهين فقط.. وعلبة العصير أيا كان نوعها بجنيه واحد.. وعبوة الجبنة او التونة تتراوح بين نصف جنيه وجنيهين.. أما التورتة كبيرة الحجم فلا يزيد سعرها على العشرة جنيهات.. وقطعة الجاتوه بجنيه واحد، وقد يزيد السعر أو ينقص قليلا حسب إقبال الزبائن على المنتجات.. وبالطبع يقبل الغلابة من سكان العشوائيات على الشراء دون أن يدركوا أنهم يأكلون سموما قد تقتلهم أو على الأقل تصيبهم بأخطر الأمراض.. وقد أصيب بالفعل طفل يدعى محمد سعيد بحالة تسمم حادة بعد تناوله علبة عصير موز باللبن من منتجات المعلمة لهاليبو، وتم نقله للمستشفى وأجريت له عملية غسيل معدة سريعة، ورفضت والدته تحرير محضر بالواقعة واكتفت بمنع طفلها من شراء هذه المنتجات مرة أخرى».. فى نهاية اليوم وبعد هذه الجولة المرهقة، عاد محقق «فيتو» وقد امتلأت نفسه همَا وغمَا، وقال فى نفسه: « ألهذا الحد وصل الطمع والجشع ببعض البشر؟.. ألهذا الحد تجاهلت الحكومة بسطاء المصريين وتركتهم فريسة لتجار الغذاء الفاسد؟.. فتش فى ذهنه عن سبب واحد يجعل دولة تتجاهل أبناءها بهذا الشكل فلم يجد.. فطوى أوراقه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.