فى الوقت الذى خرجت فيه الأحاديث الأمريكية حول تقليص حجم مساعداتها الخارجية فى إطار سياسة تقليص الإنفاق العام التى قررت الولاياتالمتحدة اتباعها بدءًا من الشهر القادم، والتى سيتم بموجبها خفض المساعدات الأمريكية بمقدار 1.7 مليار دولار، مما سيؤدى لتقليل المساعدات لكل من إسرائيل ومصر والأردن، جاءت أول كلمات "جون كيرى" وزير الخارجية الأمريكى ليؤكد على أن ميزانية المساعدات الخارجية أصبحت تمثل قيمة زهيدة، بما لا يتناسب مع دور الخارجية، مشددًا على أن المهام والطموحات التى تسعى بلاده لتحقيقها فيما وراء البحار من الأهمية بما لا يسمح بخفض ميزانيتها، وأن تكلفة انسحاب أمريكا من الساحة الدولية سوف تكون باهظة. حول تصريحات كيرى، يقول د.فخرى رفاعة الطهطاوى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة: إن تصريح كيرى فى محله، وسواء كانت التسريبات الأمريكية حول تقليل نفقات الحكومة الخاصة بالمساعدات الدولية حقيقة أو شائعة، فإن القائمين على هذا الأمر لم يتخذوا موقفًا جيدًا؛ لأن طبيعة القرار الأمريكى يعمل بالتكلفة والعائد، ودائما ما يكون العائد مضاعفًا فى كل السياسة الأمريكية. وأضاف "الطهطاوى" فى تصريحات خاصة ل"فيتو": إن الولاياتالمتحدة تقدم معونات وتحصل على خدمات فى مقابلها قد تكون أكبر مما تقدمه، فيما عدا المساعدات المقدمة لإسرائيل والتى تعد الأكبر أمام غيرها من المساعدات للدول الأخرى، وإذا قررنا قياس الموضوع على مصر، فإن الولاياتالمتحدة تحصل على أضعاف أضعاف ما تقدمه لمصر تحت مسمى المعونة الأمريكية. ويوضح "الطهطاوى" أن حجم المكتسبات الأمريكية التى تقوم بها دولة فى حجم وثقل مصر لا تقدر بثمن؛ وذلك سواء فى الحفاظ على السلام مع إسرائيل، والحافظ على قناة السويس، كممر ممائى آمن يسهل حركة التجارة، وأهمها تجارة الوقود بالنسبة للولايات المتحدة، حتى العلاقات الأمنية فيما يسمى بالحرب على الإرهاب، وتقويض الجماعات. ويؤكد "الطهطاوى" على أهمية المساعدات بالنسبة للولايات المتحدة، قبل الدول التى توجَّه إليها، وأن "تقليص حجم المساعدات" إذا حدث فهو قرار خاطئ، وفى غير محله أيضا، موضحا أن دفاع وزير الخارجية الأمريكى "جون كيرى"، وهو رجل مخضرم، يأتى بناءً على المصالح الأمريكية. وأشار إلى أنه بالنظر إلى تاريخ العلاقات الأمريكية بالدول التى تتلقى دعما أو مساعدات فى العالم أجمع، ستجدها خاضعة لمعامل التكلفة والعائد، لا سيما أن النظام الأمريكى يختلف عن معظم النظم، وهو لديه بند عن المحاسبة، والمساعدات الأمريكية تدار وفق آلية للقرار، وميزانية محددة، وهناك لجنة فى الكونجرس هى لجنة المساعدات الخارجية يرأسها صقر من صقور الحزب الجمهورى أو الديمقراطى، وهى تمر بالكثير من العمليات المعقدة من أجل أن يتأكد صانع القرار الأمريكى من توازن القوى بحيث يحقق المصالح. وحول طبيعة المعونة الأمريكية ومساراتها يقول: "المعونة الأمريكية لا تأخذ إطارًا واحدًا، فهى ليست من حكومة لحكومة ولا من دولة لدولة فحسب، لكن وفقًا لطبيعة المصالح الأمريكية، وقد تبرز قضية منظمات المجتمع المدنى الأخيرة فى مصر طبيعة هذا الدور، فكل وزارة أو جهاز له ملف خاص.. فالمساعدات الديمقراطية مثلا لها فى الخارجية ملفات محددة، وهى ليست مساعدات فحسب، لكنها مرتبطة بتقارير للحالة الديمقراطية أو الحالة الدينية فى العالم، أو حقوق الإنسان، أو تكون ذات تأثير على مؤسسات دولية غير حكومية تقدم تقارير خاصة بحقوق الإنسان تساهم فى تصنيف الدول وفقًا للمصالح الأمريكية، كما قد تقدم لدعم مؤسسات دولية، أو شركات معينة، وهى ما نرى صداها فى شكل العقوبات الدولية على دولة ما، حيث من خلالها يتم منع بنك أو شركة من العمل فى الدول التى تنفذ ضدها عقوبات دولية، وذلك عبر تعويضها".