هل لدينا أحزاب سياسية مدنية ناضجة؟ بكلمات أخرى هل لدينا أحزاب سياسية مدنية مسؤولة تقدم المصلحة الوطنية على المصالح الفردية، الشخصية أو الفئوية؟ أو هل لدينا أحزاب سياسية حقيقية؟ نعلم أن مبارك وأجهزته جرفت الحياة السياسية فى مصر، مثلما جرى تجريف تربة البلاد، دفعوا شخصيات انتهازية لتشكيل أحزاب سياسية كرتونية لتلعب دور المعارضة، أقرب إلى الديكور منها إلى الأحزاب السياسية، عملوا على تفتيت وتمزيق أى حزب حقيقى، نشروا الانتهازية وسوّدوا قيمة المصلحة الشخصية على حساب مصلحة البلد، زرعوا قيم الفهلوة على حساب قيم العمل والاجتهاد. جاءت الثورة وأسقطت القيود على إنشاء الأحزاب السياسية فى مصر، فظهرت عشرات الأحزاب منها المدنية وتلك التى تنطلق من أرضية دينية، وبدا واضحا أن الأحزاب الدينية تتميز بالانضباط والهيراركية والالتزام التنظيمى، هذا بينما غابت هذه السمات عن الأحزاب المدنية بمختلف توجهاتها وبصرف النظر عن خلفياتها الأيديولوجية، تشكلت أحزاب حول أشخاص، وعرفت باسم الشخص أكثر من اسم الحزب، وأخرى تشكلت من قبل رجال أعمال، ومن ثم كانت أقرب إلى الشركات منها إلى الأحزاب السياسية، وثالثة اتخذت اسما جديدا لحزب سياسى بينما لم تغير من فكرها ولا طبيعة عملها منذ أن كانت حركة سرية تعمل تحت الأرض. باختصار ظهرت بعد الثورة أحزاب مدنية من ليبرالية ويسارية، كما شكلت عناصر من نخبة الحزب الوطنى أحزابا سياسية بأسماء جديدة. وكشفت تجربة محاولات بناء ائتلاف انتخابى قبيل الانتخابات البرلمانية السابقة عن حالة من تضخم الذات وعن تقدم الاعتبارات الشخصية على ما عداها من اعتبارات، بحيث عجزت الأحزاب المدنية عن تشكيل ائتلاف انتخابى، بل عجزت عن مجرد التنسيق فى ما بينها قبيل وفى أثناء الانتخابات البرلمانية، والائتلاف الوحيد الذى تم تشكيله هو الكتلة المصرية بين المصريين الأحرار والمصرى الديمقراطى والتجمع، هذا بينما خاضت أحزاب مدنية «الكرامة مثلا» الانتخابات بالائتلاف مع حزب الحرية والعدالة. وكانت النتيجة اكتساح تيار الإسلام السياسى الانتخابات البرلمانية، حيث حصد ما يزيد على 70٪ من مقاعد البرلمان. أيضا فشلت الأحزاب المدنية فى التوافق حول مرشح واحد للانتخابات الرئاسية وتباينت المواقف والرؤى، وهناك من فضل انتخاب مرشح الجماعة، محمد مرسى، على انتخاب المرشح المدنى الفريق أحمد شفيق. اليوم وبعد تجربة مأساوية أدت إلى اختطاف البلاد، تعود الأحزاب المدنية لتقع فى نفس الأخطاء وترتكب ذات الخطايا مرة ثانية، فالملاحظ أن قطاعا من التيار المدنى المصرى يقع فى خطيئة معاداة مؤسسات الدولة المصرية ويرفع شعارات إخوانية صرفة، يتحدث عن قضايا لا دليل عليها حتى اللحظة، وإذا ما جرى تقديم دليل واحد فسوف يتكتل التيار المدنى دفاعا عن قضايا المواطنة وحقوق الإنسان. أيضا تكشف جولات الحوار الأولية بين الأحزاب السياسية المدنية عن استمرار أمراض الأمس، فهناك قطاع يلهث وراء الجماعة ويتبنى خطابها ويهاجم مؤسسات الدولة، وهناك قطاع آخر منتفخ الذات دون مبرر موضوعى، وثالث متردد عاجز عن اتخاذ مواقف واضحة يواصل سياسة السير على الحبال، ظنا منه أنه قادر على كسب الجميع ونيل رضا الاتجاهات المختلفة، وهو لا يدرك أنه بذلك يدمر ما لديه من قواعد. باختصار تواصل الأحزاب المدنية ارتكاب الأخطاء التى تصل إلى مستوى الخطايا فى حق الوطن، وحتى الآن يبدو أنها عاجزة عن استلهام دروس الماضى القريب، وإذا واصلت الأحزاب المدنية ارتكاب هذه الأخطاء التى ترقى إلى مستوى الخطايا، فإنها سوف تدمر نفسها وتدمر التجربة الديمقراطية الوليدة، فما لم تأتلف الأحزاب المدنية وتشكل ائتلافا واسعا بإمكانه حصد غالبية مقاعد البرلمان، فسوف يتشكل حزب جديد بعد الانتخابات يكون هو حزب السلطة، حزب الأغلبية ومعه يغلق ملف تجربة محاولة بناء نظام ديمقراطى فى مصر. السؤال هنا هل تواصل الأحزاب المدنية ارتكاب الأخطاء والخطايا، أم تخطو خطوة إلى الأمام وتشكل ائتلافا واسعا لحصد غالبية مقاعد البرلمان؟ ذلك ما سوف تجيب عنه الأسابيع القادمة.