بدأت المرحلة الانتقالية الجديدة فى الثالث من يوليو 2013، فقد أعلنت خارطة مستقبل تبدأ بتكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا برئاسة الدولة، تشكيل حكومة ولجنة من عشرة خبراء لاقتراحات بتعديل دستور الجماعة، ثم لجنة من خمسين عضوًا لإجراء التعديلات النهائية على دستور 2012، وبعد الاستفتاء تجرى الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية. سارت الخارطة فى طريقها، صحيح فى ظل ظروف صعبة للغاية وسط مؤامرات داخلية وإقليمية ودولية، إلا أنها سارت فى الطريق المرسوم. وصلنا إلى مرحلة الاستفتاء على الدستور والذى سيجرى يومى الرابع والخامس عشر من يناير القادم، وبدا واضحًا أن الواقع فرض تعديلًا على الخارطة بحيث تجرى الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية، وذلك بصرف النظر عمن سوف يخوض سباق الانتخابات الرئاسية، كما بدا واضحًا أن هناك توجهًا لإجراء الانتخابات وفق نظام مختلط يجمع ما بين الفردى والقائمة (مع ترجيح زيادة نسبة الفردى على القائمة). وقد دخلت رئاسة الجمهورية فى حوارات مكثّفة مع القوى والتيارات السياسية المختلفة من أجل التوافق حول هاتين القضيتين. وخلال هذه الفترة كشفت التفاعلات والتحركات عن استمرار ظواهر قديمة، سبق وقادت إلى كوارث حقيقية، منها استمرار قطاع من التيار المدنى فى لعبة الانتهازية بكل معانيها، فقد عادت وجوه قديمة لتطل برأسها من جديد وظهورها معادل لوجود الفساد والتلون، كما بدا واضحًا أن المصالح الشخصية المباشرة لا تزال تتحكم فى مواقف وقرارات عدد مَن تصدّروا المشهد السياسى فى المرحلة الانتقالية الأولى، غلّبوا مصالحهم الشخصية المباشرة، فكانت النتيجة سرقة الثورة من قبل الجماعة، منهم مَن ألعن أنه سوف يرشّح نفسه للرئاسة قبل التفاهم مع باقى مكونات التيار المدنى، وهو مؤشر خطر يكشف عن استمرار مرض الحسابات الشخصية على الوطنية. ولكن أخطر التحديات التى تواجهنا فى المرحلة الانتقالية الثانية هو ظاهرة «هواة السياسة» الذين قرروا خوض المعترك السياسى دون مبرر ودون خبرة كافية أو قدرة على التعلم، فأغلب هواة السياسة اليوم من رجال الأعمال الذين يتصورون أن ما لديهم من مال كفيل بتشكيل حزب أو ائتلاف يحصد غالبية مقاعد البرلمان، ومن ثَم يلعب دورًا حاسمًا فى تشكيل الحكومة المصرية الجديدة، المؤهل الرئيسى لديهم هو المال، فهم أثرياء بالفعل، ولكن لا خبرة لهم فى العمل السياسى، كما أن دخولهم مجال العمل السياسى جاء من بوابة المال ويواصل انتهاج سياسة خاطئة دمّرت نظام مبارك، وهى خلط السلطة بالمال، صحيح أن رجال أعمال نظام مبارك دخلوا المعترك السياسى مباشرة وتقلّدوا المناصب التشريعية والمسؤولية عن لجان على صلة مباشرة بمجال عملهم وأنشطتهم، وأن هواة السياسة من رجال الأعمال اليوم لا يخططون لدخول الحياة السياسية مباشرة، بل عبر واجهات شكلية، إلا أن الصحيح هو أن الفعل سيكون واحدًا والنتائج ستكون متشابهة. البعض منهم لا يدرك قواعد اللعبة فى مصر والحسابات المعقدة للعمل السياسى، هناك مَن جعل من تحطيم حزب مدنى آخر غايته الرئيسية، وجميعهم يتحدّث بلغة المال، وللأسف الشديد فإن عددًا كبيرًا من الساسة انجذب بقوة إلى جبروت المال، ودخل فى وصلات مديح (نفاق) لرجال الأعمال أملًا فى أن يحظى بقدر من المال يمكّنه من اقتناص كرسى فى البرلمان أو يضعه على أول طريق المناصب التنفيذية. لقد أصبح هواة السياسة وتحديدًا من رجال الأعمال يمثّلون خطرًا شديدًا على فرص التيار المدنى فى بناء شبكة واسعة من التحالفات يكون بمقدورها حصد غالبية مقاعد البرلمان الجديد، لكل ذلك أحسب أن المسؤولية الوطنية تقتضى إبعاد هؤلاء مع أموالهم عن المشهد السياسى المصرى اليوم، حتى يتمكّن التيار المدنى من التوحّد وراء مرشح رئاسى واحد، ويقيم ائتلافًا انتخابيًّا واسعًا يحصد غالبية مقاعد البرلمان الجديد، فإذا كان التفكك وقلة الخبرة وراء سرقة الجماعة للثورة، فإن دخول هواة السياسة وتحديدًا من رجال الأعمال إلى قلب العملية السياسية لحسابات ومصالح شخصية بالأساس يمكن أن يعيد إنتاج أخطاء المرحلة الانتقالية الأولى، وهذه المرة النتيجة ستكون كارثية، والتوصيف سيكون خطايا بحق الوطن لا مجرد أخطاء.