الانتخابات الرئاسية هى الشاغل الرئيسى للمصريين اليوم، فالشعب المصرى يتطلع إلى الرئيس الجديد ويعوّل على انتخابه كثيرا، وينتظر قرار وزير الدفاع المشير عبد الفتاح السيسى بقبول التكليف الشعبى للترشح للانتخابات الرئاسية التى ينتظر أن تجرى فى شهر أبريل القادم، والواضح أن الرجل قد اتخذ قراره بالترشح بعد طول تفكير وتأمل، هو يعلم مدى ثقل المسؤولية، ويعرف جيدا الرهان الشعبى عليه. الرجل يريد النجاح ويرغب فى أن يكون عند حسن ظن الشعب به، ويدرك التحديات التى تواجهه، فالرئاسة ليست مطمعا أو مغنما، بل هى مسؤولية ثقيلة للغاية، لا سيما فى ظل الظروف التى تمر بها البلاد وشدة التحديات الداخلية والخارجية، وفى تقديرى أن الوضع لا يحتمل المراهقة السياسية من جانب بعض الشخصيات الطامحة للمنصب، ولا مناورات بعض الساسة، بل المطلوب تضافر الجهود للعبور بالبلاد إلى مرحلة آمنة، وهذا العبور لن يتحقق بمجرد انتخاب رئيس للبلاد مهما كانت شعبيته ومهما بلغت قدراته الشخصية، هذا العبور يتحقق فى حال تقديم الوطنى على الشخصى وتوفير الظروف السياسية التى تمكن رئيس الجهورية القادم من العمل. وفى تقديرى أن انتخابات مجلس النواب الجديد لا تقل أهمية عن انتخاب الرئيس الجديد، فالأخير حتى يطبق ما لديه من مشروعات وبرامج يريد برلمانا قويا متماسكا يشكل حكومة قوية بالتفاهم مع الرئيس، فالبرلمان الجديد يمكن أن يفاقم مشكلات مصر ويفشل الرئيس الجديد، كما يمكنه أن يكون عونا له وسندا قويا بل وشريكا فى إنجاز حلم المصريين بتحقيق الاستقرار والتوازن الداخلى من ناحية، وتقوية دور مصر الخارجى من ناحية ثانية، يتحقق ذلك فى حال نجاح الأحزاب المدنية المصرية فى الفوز بأكثرية مقاعد البرلمان القادم، ومن ثم التفاهم مع رئيس الجمهورية الجديد فى تشكيل حكومة قوية تكون عونا للرئيس الجديد لا عالة عليه، تساعده فى تنفيذ خططه ومشروعات لا تعمل على عرقلته وإفشاله. من هنا فإن المسؤولية الوطنية للأحزاب المدنية فى مصر تتمثل فى تشكيل تحالف انتخابى واسع يجمع كل أشكال الطيف السياسى من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تحالف انتخابى يضم الجميع ولا يستثنى أحدا، تحالف انتخابى يختار مجموعة من الشخصيات الوطنية المخلصة تتولى الفصل فى الترشيح على المقاعد الفردية تحديدا، بحيث لا تتنافس هذه الأحزاب على المقاعد الفردية فتسقط رموزا وطنية، ومن ثم تذهب الكراسى لوجوه قديمة تعيدنا إلى زمن مبارك أو تعيد لنا إنتاج نخبة مرسى، المرشد والجماعة. نعلم أن مشكلات مصر معقدة وأن التحديات أمام الرئيس القادم ضخمة، وإذا كان الرئيس الجديد لديه استعداد كبير لمواجهة هذه التحديات، فإن مسؤولية الأحزاب المدنية ثقيلة، فبمقدورها أن تكون جزءا من الحل وتسهم فى إنجاح الرئيس الجديد، كما أنه وبنفس القدر بإمكانها أن تكون جزءا من المشكلة وتصعّب من مهامّ الرئيس الجديد، المطلوب من هذه الأحزاب أن تثبت أن لديها رؤية وطنية تتجاوز الحسابات الشخصية وتنظر إلى ما هو أبعد من الكراسى والمناصب، تساعد مصر على عبور المرحلة الأصعب فى تاريخها عبر التوصل إلى صيغة مشتركة لتحالف انتخابى واسع يجمعها معا من أجل ضمان الفوز، إن لم يكن بأغلبية مقاعد البرلمان فبأكثريتها، ومن ثم تكون طرفا فاعلا فى تشكيل الحكومة الجديدة، وتحصل على حصة معتبرة من حقائبها، وتشارك الرئيس الجديد تحمل المسؤولية وتوفر له الأساس للنجاح. وإذا لم يكن بمقدور هذه الأحزاب أن تشكل تحالفا انتخابيا، فعلى الأقل تدخل فى تنسيق انتخابى، بحيث لا تتنافس على المقاعد الفردية أو لا تقدم أكثر من مرشح للمقعد الفردى، هذا هو التحدى الأبرز للأحزاب المدنية، وربما يكون إعلان الحفاظ على جبهة الإنقاذ خطوة مهمة على هذا الطريق الطويل، مطلوب من قادة هذه الأحزاب التوافق على رؤية مشتركة لخوض الانتخابات البرلمانية على الأقل فى الانتخابات القادمة التى نعتبرها أخطر انتخابات فى تاريخ مصر على الإطلاق.