أخيراً.. أخيراً ينطلق قطار بطولة الدورى الممتاز لكرة القدم «قولوا إن شاء الله» بعد توقف دام طويلا، ولكن حسب الفرمان الأمنى فإن المباريات ستقام بمدرجات خالية من المشجعين. نتفق جميعا على أن مباريات الكرة دون جمهور تشبه «الطبيخ» دون ملح ولا زيت ولا سمن ولا حتى خضار!! ولكن ما باليد حيلة.. فالظروف الحالية «المؤقتة» تفرض هذا الشرط للسماح بإعادة ضخ الحياة إلى كرة القدم فى مصر من جديد، رغم أنها ستكون حياة بلا روح ولا طعم، لكنها بالطبع أفضل من حالة الموت بالتقسيط التى عاشتها كل عناصر اللعبة فى العامين الماضيين. تشجيع زمان يختلف كلًّا وجزءًا عن تشجيع اليومين دول «مش فى التشجيع بس والله.. ده فى كل حاجة!»، كنا نسمع هتافات الجماهير الجماعية فى المدرجات كل لفريقه، التى لم تكن تخلو من «جر شكل» الفريق المنافس، ولكن دون خروج عن حدود الأدب!! كنا نشاهد فى المقصورة كبير مشجعى الأهلى الحاج حليم، وهو يطلق عبارته الشهيرة «خش عليه» فيبتسم صديقه -الجالس قريبا منه- كبير مشجعى الزمالك جورج سعد صاحب براءة اختراع العبارة الخالدة «يا زمالك يا مدرسة لعب وفن وهندسة»! حتى وقت قريب كنا نستمتع مع المرحوم على السباعى مشجع الأهلى ومنتخب مصر بزيه الفلكلورى «الطربوش والقفطان»، وهو يمسك بعوده مغنيا ومشجعا فريقه، فيلتف حوله كل المدرج ولكن بعد وفاته بعنا العود واشترينا الشماريخ! فى الستينيات رأينا الشحرورة صباح «كانت فى عز مجدها وجمالها» تحضر مع زوجها أحمد فراج مباراة بين الأهلى والزمالك فى الملعب وهى تصفق بحماسة «مش عارف كانت بتشجع مين؟ ما هم الاتنين حلوين الاتنين طعمين»، فلم يتعرض لها أحد من الجمهور بإساءة أو حتى معاكسة.. فهل تجرؤ مثلا ليلى علوى أو دينا على حضور مباراة مثل هذه فى الاستاد؟ طبعا كلنا عارفين إيه اللى ممكن يحصلها. سلوك المشجع الآن فى المدرجات أصبح يتسم بالعدوانية «تحس إنهم رايحين ياخدوا بالتار» وأيضا بالمبالغة الشديدة فى عبارات التشجيع من عينة «أديله عمرى وبرضه قليل»، وطبعا لا يمكن تجاهل المستوى اللغوى لعبارات الشتائم التى توجه إلى أمهات وآباء وجدود الفريق المنافس!! أعلم أن معظم من يذهب إلى الملاعب الآن هم من الشباب المتحمس الذى ينفق كل مصروفه على شراء تيشيرت وأعلام فريقه، وكذلك المساهمة فى عمل الدخلات الجميلة التى تكلف كثيرا من المال ولكن.. لازمته إيه بقى بعزقة الفلوس على شراء الشماريخ والألعاب النارية؟ ليه بتدى ظهرك للملعب وتتنطط فى مكانك فى أثناء المباراة بدلا من أن تشاهد وتستمتع؟ لازمته إيه يا عم الشحات مبروك تخلع تيشيرت فريقك وتقف نصف عارٍ فى عز البرد؟ يجب أن نعترف أن إيقاع العصر مختلف وأن الضغوط التى يعيشها هؤلاء الشباب كثيرة، أما الإحباطات فأكثر، وبالتالى فإن حضورهم للمباريات يكون فرصة للتنفيس عن طاقاتهم المكبوتة، ولذلك فإن احتواءهم يجب أن يتم بحكمة وبحزم أيضا خصوصا أن كلهم ولاد ناس. أسعدنى الحظ وحضرت عدة مباريات لفريق البارسا على مسرح النو كامب. عندما يبدأ اللاعبون فى النزول إلى أرض الملعب ينطلق من الميكروفونات نشيد البارسا، فيقف له الجميع احتراما ويردد كلماته بصوت واحد فى مشهد تشجيعى رائع. سأترجم لك ما يقولون: «كل الملعب يهتف بصوت واحد.. نحن شعب البلوجرانا. لا يهم من أين أتينا.. من الشمال أو الجنوب. نحن الآن متفقون.. راية واحدة تجمعنا.. صيحة البلوجرانا تشق الرياح.. صرخة قوية.. اسمنا الآن يعرفه كل العالم.. بارسا بارسا بارسا. اللاعبون والمشجعون.. باتحادنا نحن أقوياء.. سنوات طويلة من الكفاح.. لأهداف كثيرة هتفنا من أجلها.. ها نحن قد أثبتنا أنه لا يوجد أحد قادر على هزيمتنا.. بارسا بارسا بارسا». ابنى وأخى وصديقى المشجع.. الكرة أدب مش هز اكتاف!!