المعركة ضد الإرهاب لم تكن يومًا سهلة، ولن تكون، وإذا كانت المواجهة الأمنية أمرا أساسيا فى هذه المعركة، فإنها إذا اقتصرت على ذلك أدت إلى كارثة. المواجهة مع الإرهاب لا بد أن تكون مواجهة شاملة تخوضها كل مؤسسات الدولة، وتتوافق عليها كل القوى السياسية. وإذا كانت الأنظار تتركز الآن على سيناء، والكل يتحدث عن ضرورة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، فإن علينا أن ندرك أن الخطر لا يقتصر على سيناء وحدها، وأن الإرهاب يتمدد فى كل أنحاء الوطن، ويستغل الظروف الصعبة التى نمر بها.. سواء فى الغياب الأمنى، أو التدهور الاقتصادى والاجتماعى.. ففى مجتمع تزداد فيه البطالة، ويقع نصف المصريين تحت خط الفقر، تصبح البيئة مهيأة لانتشار التطرف.. فما بالك إذا أضيف لذلك تأثير الآلاف من الذين خرجوا من السجون أو عادوا من أفغانستان أو الصومال أو العراق، وإذا أضيف أيضا تدفق السلاح من حدود مفتوحة وتوفر التمويل الخارجى، وانطلاق التآمر حتى لا تستعيد مصر دورها أو تتجاوز أزماتها.. إذا أضيف ذلك كله فنحن أمام وضع يستدعى حشد كل الجهود لكى نستطيع أن نهزم الإرهاب قبل أن يستوطن فى أرض مصر. إن حشد جهد الدولة فى هذه المعركة، يستلزم الإدراك بأن جانبا هاما فى هذه المعركة يتعلق بالفكر والثقافة، وأن إنقاذ شبابنا لا بد أن يتناول هذا الجانب، إلى جوار الاهتمام بالظروف الاقتصادية والاجتماعية، وأظن أننا هنا نواجه مشكلة كبرى! فكيف يمكن أن نخوض هذه المعركة إذا كان من يسيطرون على الحكم يعادون الثقافة ولا يحترمون العلم، ويشنون حربا على الإبداع، ويسعون لفرض القيود على التعبير؟ كيف يمكن أن نخوض هذه المعركة إذا كان الصحفيون متهمين بأنهم إخوان الشياطين؟ وإذا كانت وزارة الثقافة فى قبضة وزير قادم من المجهول ليدخل فى حرب ضد كل المثقفين، وإذا كان الإعلام الرسمى قد فقد ثقة الناس، وتحول إلى الحديث عن إنجازات وهمية لحكومة لم تعرف إلا الفشل؟! وكيف يمكن أن نخوض هذه المعركة ضد إرهاب يستخدم الدين، بينما وزارة الأوقاف مشغولة باستكمال «الأخونة»!! وبينما المساجد تستباح من جانب المتطرفين، وبينما فضائيات تقول إنها «دينية» تسىء للدين الحنيف وهى تنشر الفتنة وتوزع فتاوى التكفير؟! وكيف يمكن أن نخوض هذه المعركة ولدينا أحزاب ترعى الإرهاب وتدافع عنه، ولدينا ميليشيات تمارس العنف وتهدد بالقتل من يخالفها، وتريد أن تلغى الدولة وتسقط القانون، لكى تكون هى الدولة والقانون؟ وكيف يمكن أن نخوض هذه المعركة إذا كان الأزهر الشريف رمز الوسطية والاعتدال يتعرض لهذا الهجوم المستمر والمحاولات التى لا تتوقف لكى يخضع للحكم أو يقبل السير فى طريق الغلو والتطرف؟ وكيف يمكن أن نخوض هذه المعركة واستقلال القضاء يتعرض للخطر، ودولة القانون تنهار، وشباب الثورة فى السجون بينما القتلة يتمتعون بالحرية، وقرارات العفو تكافئ من زرعوا الإرهاب فى أنحاء الوطن؟ وكيف يمكن أن نخوض هذه المعركة إذا كانت كل سياسات الحكم -حتى الآن- تعمل فى خدمة هذه التيارات الإرهابية.. تنشر الفقر والبطالة، وتضرب مؤسسات الدولة وتترك الميليشيات بلا ردع، ثم تنافس هذه الجماعات فى توزيع اتهامات التكفير على كل المعارضين؟! لن ننتصر فى الحرب ضد الإرهاب إلا بوحدة وطنية شاملة، وبحكم رشيد ينحاز للثورة ويسعى لتحقيق أهدافها لا لكى يستحوذ فريق أو جماعة على مصير الوطن. لن ننتصر فى الحرب ضد الإرهاب إلا بتجفيف منابعه من جهل وفقر وبطالة وفكر فاسد وظلم اجتماعى. ولن ننتصر إلا إذا كانت الدولة قد انحازت للعدل والحرية، وانتصرت للعقل والمستقبل. الحرب ضد الإرهاب تبدأ باستعادة مصر من خاطفيها!