سنقهر الإرهاب وسنقضي علي قوي الظلام والإظلام. لا ينبغي أن يكون لدينا شك في ذلك ونحن نري مصر كلها تنتفض لمواجهة الكارثة، والحزن النبيل لا يفرق بين أبناء الوطن وهم يتلقون صدمة الحادث البشع في كنيسة القديسين بالإسكندرية، وأمسكنا باللحظة التي توحدنا جميعا ضد الجريمة، وأدركنا حجم الخطر وانتبهنا إلي ما يدبر لهذا الوطن. إنها اللحظة التي تعكس روح مصر الحقيقة والتي نستطيع من عندها أن نبدأ المواجهة وأن ننتصر فيها. ومن هنا ينبغي ألا نسمح مطلقاً بأن يتحول حزننا النبيل الذي جمع أبناء الوطن جميعاً إلي مجرد تقديم العزاء أو البكاء علي ما حدث، وينبغي أيضا ألا يأخذ الغضب البعض منا إلي حيث يريد من ارتكبوا الجريمة، فتكون فتنة ندفع ثمنها جميعاً، وتضيع من أيدينا تلك اللحظة التي يتوحد فيها الوطن في مواجهة الخطر. ولسنا نريد أن نستبق التحقيقات، ولا أن نستبعد أي احتمال حول الجريمة الحقيرة و من ارتكبها . ونحن ندرك أن تآمر إسرائيل علي أمن واستقرار مصر لم ولن يتوقف و أنها ستظل - رغم أي اتفاقيات أو معاهدات - تتعامل مع مصر باعتبارها الجبهة الأساسية في مواجهتها وتسعي لإضعافها بأي شكل . ونحن ندرك أيضا أن قوي عديدة تسعي للهيمنة علي المنطقة و إعادة رسم خريطتها، و يهمها أن يتم ذلك في غيبة مصر أو انكفائها علي مشاكلها الداخلية أو مواجهة التهديدات علي حدودها أو في حوض النيل. وهناك أيضا "القاعدة" وتهديداتها المعلنة وامتداداتها التي قد تتسرب من الخارج او تتكون في الداخل وترتبط تنظيمياً أو فكرياً ب" القاعدة" وقياداتها المشبوهة التي لم توجه يوماً سلاحها إلي المكان الصحيح، والتي لم تطلق رصاصة واحدة علي هدف إسرائيلي!! وأيا كان الطرف الذي سيثبت أنه وراء الجريمة البشعة، فإن ما ينبغي أن ندركه أننا أمام فصل جديد في مواجهة الإرهاب الذي يحاول الآن استغلال ظروف داخلية دقيقة لزرع الفتنة وتمزيق الوطن. وهنا ينبغي التأكيد علي أننا لن نكرر ما فعلناه في مواجهات سابقة توحد فيها المجتمع أيضا في مواجهة الإرهاب حتي تم دحره بجهد أمني كبير، ثم اكتفينا بالنجاح الأمني وبتراجع عمليات الإرهاب، وتركنا الأخطر.. حين تركنا ساحة المجتمع كله مفتوحة أمام فكر ظلامي غريب علي مصر، يطارد العقل ويرفض الاجتهاد، ويعادي العلم وينشر الخرافة، ويشيع الكراهية ويوزع أحكام التكفير علي كل من يخالفه الرأي أو العقيدة، ينسف أسس التعايش بين فئات الأمة التي قاومت محاولات الاستعمار وتقسيم الوطن الذي رفض أقباطه أن يكونوا "أقلية" وأصر مسلموه علي المساواة في الحقوق والواجبات بين كل المواطنين، وأصر كل أبنائه علي ان وحدته الوطنية هي خط أحمر لا يمكن تجاوزه. أعرف أن هذا التاريخ المشترك لأبناء الوطن الواحد لن يذهب هباء، وسيظل هو الأساس الذي نبني عليه علي الدوام، ولكن علينا أن نعترف أننا حين اكتفينا في مواجهة الإرهاب و التطرف بالجانب الأمني وتركنا الساحة لفكر التطرف ودعوات الظلام والإظلام، فإن ما لحق بالوطن كان كارثياً .. فعلي مدي سنوات يتلقي أطفالنا دروساً في الكراهية من خلال مناهج دراسية بح صوتنا في ضرورة تعديلها، ومن خلال عملية تعليمية تلغي العقل وتزرع التطرف والتمييز. وعلي مدي سنوات يتلقي شبابنا دروساً في التعصب الديني والفهم الخاطئ للدين، وكانت المحطات التليفزيونية تقتحم البيوت ولا تكتفي بنشر الخرافة وتفسير الأحلام وفتاوي الجاهلين بأحكام الدين، بل تتمادي لتنشر الكراهية وتسئ للأديان السماوية ولا تحترم مشاعر الطرف الآخر (مسلماً او مسيحياً) وعلي مدي سنوات كانت الحياة السياسية تذبل والأحزاب تزداد ضعفاً يوماً بعد يوم، والبعض يتصور أن هذا يجعل إدارة الأمور أسهل ولا يدرك خطورة الفراغ السياسي الذي أدي الي اللجوء للمؤسسات الدينية بكل ما يحمله ذلك من مخاطر علي مدنية الدولة وما يفرضه من واقع يحل فيه الجامع والكنيسة بديلاً لمؤسسات الدولة، وينخرط فيه رجال الدين في العمل السياسي، وتضيع فيه الفوارق بين الدعوة لله والصراعات الحزبية. وقد رأينا نتيجة كل ذلك في انفجار العديد من التوترات الطائفية التي كانت تستغل أيضاً ظروفاً اقتصادية صعبة يعاني منها الشباب خاصة في مناطق الصعيد والأرياف، حيث تزيد معدلات البطالة ووطأة الفقر، وأيضا وطأة الإحساس بالفوارق الطبقية التي تزداد مساحتها يوما بعد يوم. ومع ذلك فقد اكتفينا بالمعالجات الأمنية التي حملناها العبء كاملاً. ولم تكن قوي التطرف في الداخل والخارج هي وحدها السعيدة بكل ذلك، ولم يكن أعداء الوطن الذين يراهنون علي إضعاف مصر وانكفائها علي مشاكلها الداخلية هم وحدهم الذين يسعون إلي استغلال هذه الأحداث. بل كان هناك أيضاً الأخطر وهو حزب بالفساد الذي نعرف جيداً أنه لن يتورع عن استخدام أي سلاح لإبعاد الأنظار عن ممارساته الفاسدة، والذي علمنا التاريخ انه الحليف الأساسي لكل من يزرع الفتنة ويشغل الناس بالصراعات الطائفية وغير الطائفية عن قضايا الوطن وبناء المستقبل. الآن يصحو الجميع علي الخطر الذي يهدد الوطن. ويدرك الجميع أننا أمام معركة حاسمة ضد الإرهاب الذي أعلن عن نفسه في جريمة تفجير كنيسة الإسكندرية. ويتوحد الوطن مدركاً أنه لا مجال أمامه إلا المواجهة ولا هدف إلا الانتصار الكامل علي هذا الخطر الداهم. وسيمسح الوطن دموعه علي الشهداء، ويحول الغضب النبيل إلي حيث ينبغي ان يكون.. في مواجهة العدو جبهة واحدة لن نكرر خطأ المعارك السابقة، ولن نكتفي بالمواجهة الأمنية رغم أهميتها.. فالقضية أصبحت أبعد من ذلك، وتجفيف منابع الإرهاب يفرض المواجهة الشاملة.. من التعليم، إلي الثقافة، إلي إعادة الروح للحياة السياسية وإعادة التوازن في الظروف الاقتصادية، وبناء الدولة المدنية التي لا تعرف التمييز وترفض التعصب ولا تفرق بين مواطنيها في الحقوق والواجبات وفي توزيع الأعباء والحصول علي ثمار التنمية، والتي يتشارك فيها الجميع مؤمنين بأن الأوطان تبني بالعلم والعمل، وتتحصن بالعدل والحرية .. وكل عام ومصرنا العزيزة بألف خير، من أرادها بسوء قصمه الله. آخر كلام أشعر بالاعتزاز حين يحصل الدكتور مجدي يعقوب علي ارفع وسام في وطنه. إنه تقدير للكفاءة والعلم والتفوق، وللعمل الصادق بعيداً عن الأضواء وفي تواضع يليق بالعلماء .. وما أحوجنا جميعاً لأن نتذكر كل هذه المعاني في زمن يكافح فيه العلم أمام الخرافة، وتناضل فيه الكفاءة أمام الفهلوة!! وأيضاً في صمت يعمل رجل آخر في مجال آخر ويحقق الكثير. إنه إبراهيم محلب "رئيس المقاولون العرب" الذي يحقق للعام الرابع علي التوالي ارتفاعاً كبيراً في أرباح الشركة العملاقة التي واجهت ظروفاً صعبة واستطاعت تجاوزها، وقدمت نموذجاً ناجحاً استطاع منافسة كبري الشركات العالمية والتفوق عليها في الداخل والخارج. من إبداع صلاح جاهين الحاضر معنا علي الدوام: من أرضنا هل الإيمان والدين عيسي ومحمد ثورتين خالدين والعلم ثورة .. ومن هنا قامت والفن، والحرية، والتمدين