«لم أجد فى مصر إلا المصريين، بعضهم يصلى فى المسجد وبعضهم يصلى فى الكنيسة» هذا القول الشهير للورد كرومر الذى كتبه فى مذكراته يصور المصريين من نظرة أجنبى عاش فى مصر وكان شاهد عيان على ما يجرى فيها، فإذا كانت تفجيرات كنيسة القديسين بالإسكندرية هى أسوأ ختام لعام 2010 وأسوأ بداية لعام 2011، إلا أنها أظهرت تضامن جميع طوائف الشعب المصرى واستنكاره وإدانته لهذا الحادث الإرهابى غير المسبوق فى مصر، فالجميع، مسلمين ومسيحيين، شبابا وأطفالا، رجالا وسيدات، طلابا وأساتذة- اجتمعوا على قلب رجل واحد لمواجهة الإرهاب الغاشم الذى لم يفرق بين مسلم أو مسيحى، الكل تبادل التعازى فالمأساة نالت الجميع. جاء خطاب الرئيس حسنى مبارك بعد الحادث بساعات ليدل على أهمية الحدث وتأثيره على جميع المصريين، وليبث الطمأنينة من رئيس الدولة إلى جميع الشعب، وليؤكد أن هذا الحادث الإرهابى لن يمر مرور الكرام وأنه سيتم تعقب الجناة والنيل منهم. لقد أوفد البابا شنودة الثالث بابا الاسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية وفداً ضم الأنبا باخوميوس مطران البحيرة ومرسى مطروح والمدن الخمس الغربية مع الأنبا مرقس أسقف شبرا الخيمة والمتحدث الرسمى باسم الكنيسة والأنبا يوأنس سكرتير البابا والأنبا كيرلس أسقف دير مارمينا بمريوط الى كنيسة القديسين بالإسكندرية لأداء الصلوات على جثمان ضحايا أحداث الاسكندرية ال 13 الذين تم التعرف عليهم بكنيسة مارمينا بمريوط، ووصف الأنبا باخوميوس حادث كنيسة الاسكندرية بالمؤسف للغاية.. لافتاً الى أنه سيزور المصابين بمستشفيات شرق المدينة والألمانى ومارمرقس الملحقة بكنيسة القديسين للاطمئنان على تقديم الرعاية اللازمة لهم. ومن جانبه أكد الدكتور محمود الدماطى مدير مستشفى شرق المدينة أنه بمجرد وقوع الحادث استقبلت المستشفى حوالى 35 مصاباً منهم 8 مسلمين والباقى أقباط حيث تم فتح غرف العمليات ورفع حالة الطوارئ بالمستشفى، حيث تم على الفور تشخيص الحالات عن طريق الأطباء والأشعة المقطعية وفوق الصوتية وإجراء الإسعافات الأولية لهم وتم إجراء عمليات جراحية خطيرة لثلاثة من المصابين فى الوقت الذى تلقى المستشفى من أكثر من جهة الورود للمرضى وزيارة وفود أطباء من المستشفيات الأخرى كمستشفى المعمورة النفسية كما تلقى المستشفى منذ وقوع الحادث أكثر من 200 متبرع بالدم من أهالى الإسكندرية. أكتوبر قامت باستطلاع آراء عدد من المفكرين والشيوخ والقساوسة بالإسكندرية حول هذه المأساة وكانت البداية مع كرم أنور بخيت عضو مجلس الشورى الذى أكد أن تفجير كنيسة القديسين والذى راح ضحيته عدد من الشهداء والجرحى من المصريين ما هو إلا إرهاب أعمى تحركه عقول ظلامية حاقدة مأجورة تهدف إلى النيل من استقرار مصر عن طريق بث الفرقة بين المسلمين والأقباط وضرب الوحدة الوطنية فى هذا البلد الذى يعتبر العمق الاستراتيجى العربى الحقيقى للقضية الفلسطينية حسب تعبيره. وأضاف بخيت أن عبارات التعازى لا تستطيع أن تطيب خواطر الأسر المكلومة بأبنائها الذين سقطوا ضحية هذا الغدر الأسود ولكن العزاء الحقيقى يظل بحكمة القيادة المصرية وبفطنة الشعب المصرى وبذكائه الفطرى الذى سيفوت الفرصة على هؤلاء المجرمين القتلة ولن يمكنهم من تحقيق أهدافهم بضرب الاستقرار فى مصر أو النيل من الوحدة والتعايش بين عنصرى الأمة المصرية وذلك حسب نص البيان الصادر عن مكتبه. ومن جانبه أكد الدكتور إبراهيم الصاوى وكيل كلية رياض الأطفال بالإسكندرية أنه يجب فصل هذا الحادث عن كل الحوادث الماضية، وأن نقوم بالمواجهة بطريقة قصيرة المدى وأخرى بعيدة المدى، وتتمثل الطريقة قصيرة المدى فى إصدار قوانين رادعة لا تقل عن قوانين التجسس والمخدرات تصل عقوبتها إلى الإعدام لمن يقوم بالتأثير على الوحدة الوطنية أو المساس بها، لأن الوحدة الوطنية هى قضية أمن قومى ويجب عدم المساس بها. علاج الاحتقان ويقول الدكتور سمير فهمى رئيس جمعية الشبان المسيحية إن ما حدث مؤسف ومؤلم، وضربنا جميعا فى مقتل، ولكن لابد أن نعترف بوجود جو من الاحتقان داخل البلد، هذا الجو أصبح بيئة حاضنة لأى شىء يمكن أن يحدث، فسوف يتم القبض على الفاعل، ولكن يبقى حالة الاحتقان الموجودة والتى لها أسباب معروفة وكل الندوات والمؤتمرات التى عقدت حول هذا الشأن ذكرتها ومع ذلك لم يتم حلها، وأهمها قوانين خاصة بدور العبادة ما زالت مجمدة حتى الآن، والقانون الخاص بالأحوال الشخصية المتفق عليه من كل الطوائف وتم تقديمه لمجلس الشعب ولم يتم البت فيه حتى الآن،بالإضافة لتعديل المناهج يجب تعليم المدرسين الذين يزرعون العلم للأطفال وتدريبهم وإقناعهم بضرورة عدم التفرقة بين الطلبة على أساس الدين، ولا أستطيع أن ألغى دور الأسرة والإعلام فى التنشئة الاجتماعية. الثقة فى الأمن أما مايكل زكى راعى الكنيسة الإنجيلية بالإسكندرية، فيقول إن هذا الحادث مفزع وغريب، وثقتى بالأمن المصرى كبيرة فى قدرته على ضبط الجناة والسيطرة على الوضع الأمنى، ولكنى أتساءل كيف حدث هذا رغم وجود تهديدات مباشرة منذ شهرين تقريبا. ويقول الشيخ خالد فياض إمام مسجد منار الإسلام بالأنفوشى وأمين عام نقابة العاملين بالأوقاف إن هناك رفضا تاما لكل ما حدث لأنه لا يوجد دين أو قانون بشرى يحمى غير المسلم فى اعتناق ما يريد مثل الإسلام، فالإسلام يكفل حرية التدين وحرية الكسب والمعيشة والحماية من الظلم الداخلى أو العدوان الخارجى، وحديث الرسول صلى الله عليه وسلم «من ظلم معاهدا أو انتقص أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئا بغير طيب نفس لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليشم من مسيرة أربعين عاما»، كما أن التاريخ الإسلامى يشهد العديد من المواقف فى هذا الشأن. وحول هذا الحادث يقول إن أصابع الاتهام تشير إلى تدخل خارجى، فطبيعة الجريمة بعيدة عن الشعب المصرى، فحتى طبيعة المتشددين فى مصر لا يمكن أن تصل إلى هذا القدر من الوحشية. وأما عن حالة الاحتقان الموجودة بالمجتمع فيقول الشيخ خالد إنه لا شك أن هناك حالات خرجت عن القاعدة من بعض الخطباء وبعض القساوسة وهو نابع من الفهم غير الصحيح للدين فهناك بعض الفتاوى الغريبة التى تشوه سماحة وطبيعة الإسلام وقبوله للآخر يرددها بعض هؤلاء الناس مضيقين واسعا، ومعثرين يسيرا، ونحن نؤكد على ضرورة تغيير لغة الخطاب الدينى بما يتناسب مع روح العصر فهؤلاء لو فهموا جيدا لعلموا أن النبى صلى الله عليه وسلم كان من أكثر الناس حرصا على تطوير خطابه الدينى. ثقافة المواطنة كما أدان الدكتور محمد سعيد الدقاق الأمين العام للحزب الوطنى الديمقراطى بالإسكندرية الحادث مؤكداً أنه يدين هذا الحادث تمامًا ويرفضه شكلا وموضوعاً لأننا نسيج أمة واحد ولابد أن نعى الجميع أننا نعيش على أرض واحدة ولابد أن نستمر فى ذلك، وذلك بلاغ لكافة الأطراف، وأن ما حدث إنما يضر بالمصلحة العليا للمسلمين، لأن ذلك من شأنه ضرب الوحدة الوطنية ونحن نتعرض فى المنطقة كلها لمخططات تهدف إلى تفكيك وحدتنا الوطنية. وفى السياق ذاته تحدث أحمد مهنا عضو مجلس الشورى، وقال إن الإسكندرية تعد من المناطق الهادئة وتعيش أسرة واحدة لا فرق بين مسيحى ومسلم كما أكد على أهمية التنشئة والتربية بالنسبة للشباب والأطفال منذ الصغر. كما تحدث سمير النيلى عن الفضائيات وقال أصبحنا عالماً صغيراً وكل حدث يحدث ينقل للخارج وأصبحت المشكلة مشكلة عالمية وليس فى مصر فقط وأكد على أهمية ما قاله الرئيس فى خطابه الأخير ووصفه بكلام خطير وأنه مخطط عالمى. وقد كان للمجتمع المدنى بالإسكندرية ومصر عامة دور مهم فى أعقاب الحادث، حيث شاركت كل النقابات والجمعيات والمؤسسات بالبيانات وبمشاركة الضحايا فى العزاء وزيارة المستشفيات وعمل حملات للتبرع بالدم، فقد أصدرت اللجنة الإقليمية ومجموعات الشباب لمنتدى حوار الثقافات بالإسكندرية التابع للهيئة القبطية الإنجيلية للخدمات الاجتماعية من المسلمين والمسيحيين فى اجتماعها برئاسة القس راضى عطا الله راعى الكنيسة الإنجيلية بالعطارين بحضور عدد من قيادات المجتمع المدنى وممثلى الإعلام وعدد من علماء الدين الإسلامى ورجال الدين المسيحى وأساتذة الجامعات والمفكرين، بيانا تدين الحادث بشدة وأهابت اللجنة بأبناء مصر جميعا أن يتكاتفوا صفا واحدا – كما عرفوا على مر التاريخ - لمواجهة هذه الهجمة الشرسة التى تستهدف وحدة الوطن بل ومصيره ومستقبله. النقابات والاتحادات وبنفس المعنى قام اتحاد الصحفيين العرب ونقابة الصحفيين برئاسة مكرم محمد أحمد بإصدار بيان يندد بما تم من أحداث وقام بإرسال وفد من الصحفيين يمثله لزيارة كنيسة القديسين والمستشفيات التى بها المصابين. كما قامت أيضا نقابة الصحفيين بالإسكندرية ومجلسها بإصدار بيان عبرت فيه عن استنكارها للجريمة البشعة والحادث الإرهابى الذى أودى بحياة الآمنين من أبناء شعبنا من المسيحيين والمسلمين، وأيضا قامت لجنة التنسيق بين النقابات وعددها وسبع عشرة نقابة تمثل أكثر من نصف مليون مهنى بالإسكندرية بإصدار بيان تتقدم فيه بعظيم الأسى والحزن وتدين الحادث الإرهابى الأليم أمام كنيسة القديسين بسيدى بشر وراح ضحيته أكثر من عشرين من أبناء مصر الأبرياء من المسلمين والمسيحيين. ومن جانبها أصدرت أيضا القوى الوطنية والتى تضم جميع الاتجاهات السياسية بالإسكندرية بيانا أدانت فيه الحادث وأكد البيان على أن الشعب المصرى دائماً نسيج واحد لا يفرق بين دين وآخر. كما أدان المجلس الملى بالإسكندرية ومجمع أباء كهنة الإسكندرية حادث التفجير الإرهابى على كنيسة القديسين بسيدى بشر ووصفوه بالمؤسف الذى يهدد أمن وأمان الوطن معتبرين هذا الحادث تصعيدا للأحداث الطائفية التى تهدف النيل من أقباط مصر. وذكر البيان الصادر من داخل كنيسة القديسين بالإسكندرية أن الحادث يسعى إلى تحقيق الشحن الطائفى والنيل من الرموز الدينية بالإسكندرية، كما طالب البيان بسرعة الانتهاء من التحقيقات وتقديم الجناة الى العدالة. وبناء على توجيهات الدكتور حمدى السيد نقيب الأطباء فقد قدمت نقابة الأطباء 150000 جنيه تبرعا لضحايا حادث كنيسة القديسين بسيدى بشر وسوف يقوم بتسليمها الدكتور محمد البنا القائم بأعمال النقيب العام للأطباء بالمحافظة. كما قامت جامعة الإسكندرية برئاسة الدكتورة هند حنفى بإصدار بيان تندد فيه بالعمل الإرهابى، وطالبت هند حنفى فى البيان أبناء الوطن مسيحيين ومسلمين أن يقفوا صفاً واحداً فى مواجهة قوى الإرهاب الغادرة وبالمتربصين بأمن مصر واستقرارهما ووحدة أبنائها فهيهات أن يحققوا مأربهم فالشعب المصرى بمسلميه ومسيحييه على بصيرة من أمره وعلى دراية ووعى كامل بما يحاك ضد وحدته الوطنية بفعل قوى خارجية مغرضة ، ولا يمكن اعتبار أن من يفخخون السيارات لتفجيرها إلا جبناء وخونة للدين ولله وللوطن، ولن نسمح لأى مخططات إرهابية أن تزرع فتيل الفتنة بمصر. ومن جانبه أعلن الدكتور إسماعيل سراج الدين؛ مدير مكتبة الإسكندرية، إدانته الشديدة للحادث الإرهابى الآثم الذى استهدف كنيسة القديسين ليلة رأس السنة، موقعا العديد من القتلى والمصابين من المواطنين، معربا عن استهجانه للحادث ومن يقف وراءه من دعاة الكراهية. وقد كان للفن والفنانين دور مهم أيضا حيث قام عدد من الفنانين بتنفيذ أغان تعبر عن القضية وعن الوحدة الوطنية تضامنا مع الأحداث المؤسفة وعلى رأسهم جاء تامر حسنى وسامو زين ومحمد عدوية، ثم هشام عباس الذى ما زال يجهز للأغنية ولم ينته منها بعد، والذى أدان الحادث الإرهابى الذى استهدف كنيسة القديسين واصفاً إياه بأنه كارثة أضاعت فرحة الشعب المصرى باستقبال العام الجديد، وقد جاء ذلك أثناء قيامه بزيارة المصابين بمستشفى شرق المدينة تضامنا معهم حيث كان متواجداً بالإسكندرية ليلة وقوع الحادث وعندما علم بما حدث قرر التوجه على الفور لزيارتهم.