عاشت مصر خلال الفترة التي أعقبت ثورة 30 يونيو عام 2013، العديد من التحديّات الخطيرة، والتي كانت أبرزها تفشي الإرهاب بشكل غير مسبوق؛ سواء على مستوى نوعيات العمليات أو على مستوى العمق الجغرافي، ورغم الجهد المبذول من الحكومة في تلك الفترة لمواجهة هذا الخطر، والتي حققت بالفعل بعض النتائج الملموسة، إلّا أنها لم تستطع في النهاية دحر الإرهاب بشكل نهائي، الأمر الذي يتجاوز حد التهديد الأمني؛ ليشمل التهديد الاقتصادي والسياسي أيضًا. وفي ظل هذا التهديد الأمني والاقتصادي والسياسي، يصبح البرلمان المقبل أحد العوامل الرئيسية في المعادلة بين الدولة والإرهاب، لا سيما أن العديد من العمليات الإرهابية الحالية، وحسب العديد من الخبراء السياسيين، الهدف منها عدم استكمال الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل، وهي الانتخابات البرلمانية، ما يؤدي إلى ضغط سياسي على النظام الحالي من الأطراف الداخلية والخارجية. البرلمان بعيدا عن الحل الأمني سيكون للبرلمان المقبل أحد أبرز الأدوار في مواجهة الإرهاب في حالة قرأته الحقيقية لطبيعة الجماعات المتطرفة المنتشرة في مصر، وتحتاج تلك القرأة إلى إخراج نتائج على مستويين، فيشمل المستوى الأول حدود التشريعات الفاعلة في مواجهة الجماعات الإرهابية، ويتمثل المستوى الثاني في حدود السياسات الفاعلة لمواجهة الفكر الإرهابي برمته. على مستوى التشريعات شهدت الفترة من بعد ثورة 30 يونيو، العديد من التشريعات الخاصة بمكافحة الإرهاب؛ ففي أكتوبر 2013، أصدر الرئيس الانتقالي لمصر، عدلي منصور، قانون مكافحة الإرهاب، والذي تضمن تعريف الشخص الإرهابي، وحظر إنشاء جمعايات أهلية أو منظمات يكون الهدف منها تعطيل الدستور أو إسقاط نظام الدولة، وفي نوفمبر من عام 2014، أصدر الرئيس عبدالفتاح السيسي، قانون الكيانات الإرهابية، الذي تضمن صلاحيات واسعة للحكومة، في السيطرة على مصادر تمويل الجماعات والحد من عمليات تهريب الأموال، وفعّل القانون إنشاء قائمة تضم المنظمات والأشخاص الذين يثبت ضدهم صفة الإرهاب. البرلمان المقبل سيكون ملزمًا بإقرار تلك القوانين بعد مراجعتها ومناقشتها، وإعادة صياغة تشريعات جديدة تتماشى مع طبيعة الجماعات الإرهابية، خاصة القوانين المتعلقة بمكافحة الجريمة الإلكترونية، والحد من استخدام شبكات الاتصال في التخطيط والتنفيذ لتلك العمليات، والجدير بالذكر هنا أنه منذ إقرار القانون رقم 97 لسنة 1992، الخاص بمكافحة الإرهاب، لم تشهد البنية التشريعية في مصر قوانين لمكافحة الإرهاب تتضمن بنود للسيطرة على الجرائم الإلكترونية. على مستوى السياسات يحتاج المستوى الثاني من البرلمان إلى تخطيط نوع من السياسات بعيدة المدى، لمواجهة الفكر الإرهابي نفسه، وضمان عملية وقاية للأجيال القادمة، لعدم الانجراف إلى تلك الهاوية، من خلال تحديد الأسباب الحقيقة التي تدفع الشباب للانتماء لتلك الجماعات، ومن ثم التدخل بعناية لعلاج تلك الأسباب؛ باستخدام مختلف الأدوات البرلمانية المتاحة للعمل النيابي، وتعد أبرز الأسباب التي يجب على البرلمان تغييرها. رفع الظلم الاجتماعي: وهنا يكون البرلمان مطالب بتكريس سياسات جديدة، تدفع الفرد للشعور بأنه جزء من المجتمع من خلال تحقيق العدل بين المواطنين، وعدم انتهاك حقوق المواطن الأساسية، والابتعاد عن أن يكون البرلمان أداه في يد الحكومة لتنفيذ سياستها، وليس العكس. إصلاح البنية التعليمية: أكثر ما يضر المجتمع هشاشة وضعف مستويات التعليم، وعلى لجان المجلس المقبل تبني استراتيجيات سريعة لإلزام الحكومة بإعادة هيكلة مناهج التعليم وفقًا للمناهج الحديثة، وإصلاح منظومة التعليم ورفع الميزانية المخصصة له. تحقيق العدالة الاقتصادية: تعد السياسيات الخاصة بتحقيق العدالة الاقتصادية، إحدى الخطوات المهمة على طريق مكافحة الإرهاب، من خلال تبني سياسات تعتمد على الشفافية، ومكافحة الفساد، وخفض معدل الفقر، وإلزام الدولة بتبني خطط إصلاحات شاملة في البنية التحتية، وفتح أسواق جديدة للعمل، للقضاء على حالة الإحباط التي يعاني منها قطعات كبيرة من الشعب، والتي تدفع البعض للانتماء للجماعات المتطرفة.