فى معرض خطابه الاحتفائى بذكرى المولد النبوى الشريف، قال الرئيس السيسى كلاما عاصفا، ينادى بضرورة تجديد الخطاب الدينى، «لأن لدينا أفكارا ونصوصا بموجبها، قد يقتل 1.7 مليار مسلم بقية سكان العالم»، ممن لا يتشاركون مع المسلمين فى معتقداتهم، ثم دعا الأزهر والأوقاف إلى القيام بالثورة الإصلاحية المنتظرة، للقضاء على التطرف، وتفكيك الأفكار العنيفة. ثم على الجانب الآخر اعتبر المناوئون للرئيس من الإسلامجية كلامه هجوما على الدين ذاته، وكعادة العقل الإسلامجى الملبوس بالمؤامرة، وضع هؤلاء كلمات الرجل فى سياق مؤامرة متكاملة مستمرة، بدأت بإزاحة حكم الإخوان، الذى هو فى مخيلتهم حكم الإسلام، ثم ملاحقة وقتل من يسعون لتعطيل حكم الخلافة، وها هو يقضى على الدين ذاته. وبين الخطاب ومستقبليه على الضفتين تبرز حقائق: - أولها أن أصل (الإصلاح الدينى) كفكرة تبرز الحاجة إليها فى المجتمعات عندما تعطل تقدمها أفكار دينية وتهدد سلامته وأمنه، وتلك الأفكار فى العادة من وضع بشر، صاغوها كفهم لنصوص مقدسة، ففى الغرب مثلا حكم الملوك بموجب الحق الإلهى، ومارسوا قمعا مدعوما بنصوص، ووزعت صكوك غفران وتمددت إقطاعيات الكنيسة، ووقف الإكليروس حاجزا بين البشر وخالقهم، ومن ثم جاء الإصلاح الدينى الغربى بداية من مارتن لوثر أو جون كالفان فى القرن السادس عشر لتفكيك تلك الأفكار المعطلة، بنزع حق احتكار تفسير النصوص من الكهنة، ثم تدشين إصلاحات أخرى كدعم حق الانتخاب فى الكنيسة، ودعم المبادرة الفردية، والاعتماد على الكتاب المقدس وحده، بعد ترجمته للألمانية. أى أن الغرب صاغ أفكارا مضادة للأفكار الدينية المهددة لنهضته. وتختلف تلك الأفكار من مجتمع لآخر، لكن الحاجة إليها واحدة. - ثانيا فى ما يتشدق الإسلامجية بحجة أن الإسلام لم يعرف الكهنوت، وهو ما يجعل المشكلة برمتها غربية وغير موجودة لدينا، يدل ذلك على نظرة ساذجة للإصلاح الدينى، كأن الحاجة إليه تقتصر على هيمنة كنيسة، ووجود مؤسسة تفصل بين العبد وربه، وفق المعنى الغربى. لكن التاريخ الإسلامجى حتى وفق هذا الفهم، يقول إن نهج المدرسة السلفية على سبيل المثال تعتبر فهمها للدين، هو الفهم الصحيح، بينما بقية الفرق على ضلال، وتمتلئ صفحات الكتب بمجازر سياسية اتخذت من الدين حجة للقتل والتعذيب والتنكيل، منذ الخوارج مرورا بالإمبراطوريات الأموية والعباسية. لكن بالمعنى الواسع للإصلاح الدينى فنحن لدينا الآن أفكار دينية تعرقل تواصلنا مع الإنسانية، وتبرر للعنف والانتحار، وتستحل غزو المجتمعات المسالمة، وترحب بتفجير المدنيين عقابا على أفعال سياسية ترتكبها حكومتهم، ولا تؤمن بالمواطنة والمساواة، بسبب الملة أو المذهب. - إذا كان السيسى (وأوافقه الرؤية فى ذلك) يرى فى النصوص الحالية للفقهاء القدامى وما ورثته الجماعات الحركية الإسلامجية خطرا على سلامة المجتمع، وتواصله وتقدمه، فإنه على الجانب الآخر يوكل الإصلاح إلى جهة واحدة هى الأزهر، منحها توكيل الإصلاح، بما يكرس نقيض فكرة الإصلاح بذاتها، القائمة على الفرد، والمطالبة طالبت بإبعاد أى وسيط بين الخالق والمخلوق، خصوصا أن الأزهر له تاريخ طويل فى مساندة سلطات مستبدة. وهكذا تذبل فكرة الإصلاح الدينى فى حضن دولة يوليو، إرهابيون ومفخخون لا يريدون التنازل عن مكتسباتهم وطائفيتهم ونفوذهم وقنابلهم. وسلطة لا تثق فى الفرد وتضع رهانها دائما على منطق القطاع العام.