افتتاح بطولة إفريقيا للكرة الطائرة «سيدات» بالأهلي    تامر حسني يبدأ تصوير فيلم «ري ستارت» في مايو    رحلة فاطمة محمد علي من خشبة المسرح لنجومية السوشيال ميديا ب ثلاثي البهجة    التربية للطفولة المبكرة أسيوط تنظم مؤتمرها الدولي الخامس عن "الموهبة والإبداع والذكاء الأصطناعي"    أسعار الذهب فى مصر اليوم الجمعة 26 أبريل 2024    بالصور.. إحلال وتجديد 3 كبارى بالبحيرة بتكلفة 11 مليون جنيه    وزير التنمية المحلية يعلن بدء تطبيق المواعيد الصيفية لفتح وغلق المحال العامة    خبراء الضرائب: غموض موقف ضريبة الأرباح الرأسمالية يهدد بخسائر فادحة للبورصة    وزيرة البيئة تعقد لقاءا ثنائيا مع وزيرة الدولة الألمانية للمناخ    النواب يرسل تهنئة رئيس الجمهورية بذكرى تحرير سيناء    عاجل| مصدر أمني: استمرار الاتصالات مع الجانب الإسرائيلي للوصول لصيغة اتفاق هدنة في غزة    وزير الخارجية الروسي يبحث هاتفيا مع نظيره البحريني الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتصعيد بالبحر الأحمر    ذاكرة الزمان المصرى 25أبريل….. الذكرى 42 لتحرير سيناء.    مصطفى عسل يتأهل لنهائي بطولة الجونة للإسكواش ويستعد لمواجهة حامل اللقب "على فرج"| فيديو    تحطم سيارتين انهارت عليهما شرفة عقار في الإبراهيمية بالإسكندرية    والدة الشاب المعاق ذهنيا تتظلم بعد إخلاء سبيل المتهم    الآلاف من أطباء الأسنان يُدلون بأصواتهم لاختيار النقيب العام وأعضاء المجلس    وفد جامعة المنصورة الجديدة يزور جامعة نوتنجهام ترنت بالمملكة المتحدة لتبادل الخبرات    «الصحة»: فحص 434 ألف طفل حديث الولادة ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض الوراثية    مزارع يقتل آخر في أسيوط بسبب خلافات الجيرة    «التعليم» تستعرض خطة مواجهة الكثافات الطلابية على مدار 10 سنوات    سكاي: سن محمد صلاح قد يكون عائقًا أمام انتقاله للدوري السعودي    وزارة الأوقاف تحدد موضوع خطبة الجمعة 3 مايو    حصاد الزراعة.. البدء الفوري في تنفيذ أنشطة مشروع التحول المستدام لإنتاج المحاصيل    الناتو يخلق تهديدات إضافية.. الدفاع الروسية تحذر من "عواقب كارثية" لمحطة زابوريجيا النووية    25 مليون جنيه.. الداخلية توجه ضربة جديدة لتجار الدولار    «مسجل خطر» أطلق النار عليهما.. نقيب المحامين ينعى شهيدا المحاماة بأسيوط (تفاصيل)    مدينة أوروبية تستعد لحظر الآيس كريم والبيتزا بعد منتصف الليل (تعرف على السبب)    "الدفاع الروسية": "مستشارون أجانب" يشاركون مباشرة في التحضير لعمليات تخريب أوكرانية في بلادنا    إيرادات الخميس.. شباك التذاكر يحقق 3 ملايين و349 ألف جنيه    فعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة بقصور الثقافة بشمال سيناء    خطيب الأوقاف: الله تعالى خص أمتنا بأكمل الشرائع وأقوم المناهج    مياه الشرقية تنفذ أنشطة ثقافية وتوعوية لطلبة مدارس أبو كبير    قافلة جامعة المنيا الخدمية توقع الكشف الطبي على 680 حالة بالناصرية    طريقة عمل ورق العنب باللحم، سهلة وبسيطة وغير مكلفة    مواقيت الصلاة بعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024.. في القاهرة والمحافظات    استمرار فعاليات البطولة العربية العسكرية للفروسية بالعاصمة الإدارية    خير يوم طلعت عليه الشمس.. 5 آداب وأحكام شرعية عن يوم الجمعة يجب أن تعرفها    نجاح مستشفى التأمين ببني سويف في تركيب مسمار تليسكوبى لطفل مصاب بالعظام الزجاجية    سميرة أحمد ضيفة إيمان أبوطالب في «بالخط العريض» الليلة    أمن القاهرة يكشف غموض بلاغات سرقة ويضبط الجناة | صور    تأجيل الانتخابات البلدية في لبنان حتى 2025    دعاء صباح يوم الجمعة.. أدعية مستحبة لفك الكرب وتفريج الهموم    تشافي يطالب لابورتا بضم نجم بايرن ميونخ    اتحاد جدة يعلن تفاصيل إصابة بنزيما وكانتي    موعد اجتماع البنك المركزي المقبل.. 23 مايو    عرض افلام "ثالثهما" وباب البحر" و' البر المزيون" بنادي سينما اوبرا الاسكندرية    الشركة المالكة ل«تيك توك» ترغب في إغلاق التطبيق بأمريكا.. ما القصة؟    طرق بسيطة للاحتفال بيوم شم النسيم 2024.. «استمتعي مع أسرتك»    مساعدو ترامب يناقشون معاقبة الدول التي تتخلى عن الدولار    رمضان صبحي: نفتقد عبد الله السعيد في بيراميدز..وأتمنى له التوفيق مع الزمالك    كارثة كبيرة.. نجم الزمالك السابق يعلق على قضية خالد بو طيب    منها «عدم الإفراط في الكافيين».. 3 نصائح لتقليل تأثير التوقيت الصيفي على صحتك    توقعات الأبراج اليوم الجمعة 26 أبريل 2024.. «الحوت» يحصل علي مكافأة وأخبار جيدة ل«الجدي»    فضل أدعية الرزق: رحلة الاعتماد على الله وتحقيق السعادة المادية والروحية    أدعية السفر: مفتاح الراحة والسلامة في رحلتك    سلمى أبوضيف: «أعلى نسبة مشاهدة» نقطة تحول بالنسبة لي (فيديو)    أطفال غزة يشاركون تامر حسني الغناء خلال احتفالية مجلس القبائل والعائلات المصرية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوزيد:الإسلام مجموعة من القيم الرائعة ومن حق المسلمين أن تكون شريعتهم أساس القوانين
نشر في الدستور الأصلي يوم 16 - 07 - 2010

مثل أي مثقف يحترم نفسه قرر الروائي رءوف مسعد أن يقدم نموذجاً للحوار العقلاني المحترم الذي لا أثر فيه لمحاكم التفتيش، ولا تاريخ صلاحية لأفكاره التي لا تنفي ولا تستحدث من عدم، ولا مكان للتعصب بين سطوره، ليعرف ابنه المقيم في هولندا علي الإسلام، الذي طالما سمع عنه الابن من أصدقائه قصصاً وحكايات تخيفه أكثر مما تحببه في هذا الدين، وهكذا أجري حواراً زاد علي العشرين ساعة مع د.نصر حامد أبوزيد واضعاً فيه كل الفخاخ والاتهامات التي يكيلها الغرب للإسلام من جهة، والتي يسيء بها الأصوليون والمتشددون للإسلام من جهة أخري ليقدم للقارئ العربي شهادة منصفة ومختلفة عن الإسلام من المفكر الذي ظلموه حيا وميتاً، وهي الشهادة التي لم تجد مكاناً لها في دور النشر المصرية التي تتهافت الآن علي أعمال د.نصر حامد أبوزيد لسنوات لدرجة أنها نشرت في إحدي دور النشر المغربية ولم تلق الشهرة أو الاحتفاء الذي يليق بها وبأصحابها.
«الدستور» تنشر هذه الشهادات للباحثين عن الحقيقة
ما هو الدين ؟
أبو زيد يري أن الدين هو معني للحياة والوجود المعاش. محاولة لإنتاج معني. إنتاج المعني وإعادة إنتاج المعني. لا يوجد معني ثابت يمكن أن نسميه بالدين. هذا موجود عند الفقهاء وعند اللاهوتيين. وإذا وجد معني ثابت، فإن المعاني الأخري خارج المعني الثابت تكون خاطئة من وجهة نظر الفقهاء وخطيئة. بما أن الدين هو معني ومعني ُمنتج.
حينما أقول معني ُمنتج، فأنا كباحث، لا أطرح سؤالاً «هل يوجد إله أم لا يوجد؟» هذه ليست قضيتي هنا. فالدين حتي بالإيمان بأنه مُنزل من إله فهو إنتاج معني ذو صبغة تاريخية.. لأن الإله يتكلم في التاريخ وفي البشر. لهذا يوجد هنا الديالكتيك بين الإلهي والإنساني والبشري والتاريخي. لأن في النهاية، يتنزل المعني. يوجد «تنزيل» في القرآن.. يعني من أعلي إلي أسفل.. من المستوي الإلهي إلي المستوي البشري. هذا المعني غير ثابت، إنما هو متحرك مع البشر.
نأخذ مثالا من الفاتيكان: توجد في الفاتيكان مؤسسة لتحديد المعني. هذا غير موجود في الإسلام. حينما نراقب الفاتيكان في تطوره يسلم بصعوبة شديدة بالمتغيرات. فإذا نظرنا إلي الدين باعتباره إنتاجا للمعني، فنحن نكون في قلب التغير الاجتماعي والسياسي والثقافي والاقتصادي.. إلخ.
الفقهاء واللاهوتيون لا يتقبلون نظرية أن المعني إنتاج بشري.. في رأيهم أن المعني مُعطي إلهي ثابت، وبالتالي يميلون إلي تثبيت المعني. ولا يسلم الفقيه بحركية المعني إلا تحت ضغط الظروف وبمقاومة شديدة. لكن قوة الدفع الاجتماعية تقوم بتغيير المعني فيضطر الفقهاء إلي التسليم بتغير المعني.
الفاتيكان حينما يجد فرصة أن يسترد بعض مقولاته فإنه يتنازل عنها. البابا مثلا ضد الإجهاض. أحيانا نجده يتحدث عن حقوق الإنسان. الكنيسة تعتبر هذا تغيراً في المواقف نتيجة تغير معاني في المواقف. من الضروري أن يقوم البابا المقدس بإعادة صياغة للمعني. هذه الظاهرة تحدث في العالم الإسلامي. لكن مع عدم وجود مؤسسة عن إعادة صياغة المعني، لا نستطيع تبيان النتائج.
بتأمل المعني في القرن السابع أجد أنه نتاج لثقافة عصره.. وبتأمل المعني في القرن الحادي والعشرين أجد أن إنتاجه المتواصل للثقافة يثير اللغط حول تثبيت البعض للقرآن في القرن السابع، خاصة باعتبار «قدسية» اللغة العربية وبالتالي عدم الجرأة علي تفكيكها.
القرآن يقوم بتداخل نشط وحيوي منذ القرن السابع وحتي الآن في نسيج الحياة اليومية للمسلم الذي لا يزال يتبع «السنة» التي سنها الرسول لمعاصريه والأحاديث التي أدلي بها لهم والتي جاءت نتيجة وقائع وأحداث معينة وقتها.
الدين مفهوم ثقافي عام يتجاوز حدود العقائد والشعائر
الكاتب:
اعتبر الباحثون في علم الأديان أن الدين بدأ كمحاولة لفهم الظواهر غير الطبيعية في الكون كشروق الشمس وغروبها ودورة القمر وارتباطها بدورة الخصب الأنثوية كذا محاولة لفهم دورة الحياة الإنسانية. بدءاً بالحبل والميلاد والموت وما بعده.
ليتطور بعد ذلك ويكون هو بدايات القانون الاجتماعي المتعلق بالعقاب في الدنيا والعقاب في «الحياة الأخري».
اعتبر الدين رافدا رئيسيا من روافد التكوينات الاجتماعية للفرد والمجموع. وهو عامل بحدين: أنه يتيح للإنسان أن يحب «أخاه» الإنسان، كما أنه وفي الوقت ذاته يدفع الإنسان أن يكره الإنسان الآخر، بل ويكون في بعض الأحيان حافزاً للقتل.
هذا جانب غامض في الدين، يمتزج برغبة الإنسان المتجددة بتمسكه بأن الحقيقة وحيدة الجانب وتنتمي لمن يؤمن بهذه الحقيقة الخصوصية.
كان الكاهن والمعبد والحاكم يمثل الثالوث المقدس في الديانات القديمة وهذا ما طبقته اليهودية بعد ذلك ثم المسيحية حتي عصر النهضة. هذا أيضا ما بدا في الإسلام حينما أسس النبي محمد الدولة الإسلامية الأولي قبيل موته وتوالي عليها الحكام بعد ذلك متخذين سمة دينية بلقب الخليفة «خليفة رسول الله» ثم أمير المؤمنين وكانوا ُيعتبرون الأئمة ( الكهنة ) في المساجد وتتم لهم البيعة أي أخذ العهد في مراسم دينية.
كانت سلطة الخليفة مقدسة وغير دنيوية واستمرت هكذا حتي نهاية الخلافة في تركيا بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولي.
ويعلق الكاتب علي تفسير أبو زيد لموقف الفاتيكان من التغيير قائلاً:
حينما تغير الكنيسة مواقفها، من وقت لآخر، فهذا نتيجة الضغط الاجتماعي الذي يقع عليها. مثال قضية الإجهاض. فما زالت الكنيسة الكاثوليكية تقف ضد الإجهاض وضد حبوب منع الحمل. الإحصائيات أثبتت أن نسبة عالية من السيدات الكاثوليكيات يتناولن بانتظام حبوب منع الحمل، كما أن نسبة كبيرة، لا تمانع الإجهاض.
وحينما تتحدث الكنيسة عن حقوق الإنسان، من وقت لآخر أيضا، فهذا أيضا لأن التغيرات الاجتماعية تفرض نفسها كما يحدث حينما اتخذ الكهنة الكاثوليك بمبادرات شخصية مواقف ضد الديكتاتوريات في أمريكا اللاتينية في حين أن المؤسسة الدينية لم تتحدث عن حقوق الإنسان إلا بعد ذلك بفترة طويلة.
هنا الفرق المهم بين الأفراد الذين هم كهنة أو شيوخ دين والمؤسسة الدينية - التي مثلها كبقية المؤسسات - تكون محافظة ورجعية.
معني الإسلام
أعلن محمد بن عبد الله بأنه تلقي وحيا إلاهيا عن طريق الملاك جبريل يخبره فيه بأن الله اختاره «رسولاً» ليبلغ قومه - ثم الجنس البشري كله - بأن يعبدوا الله ويتركوا عبادة الأصنام ويؤمنوا بوحدانية الله.
وخلال عشرين سنة أُوحي إلي الرسول ب«سور» القرآن. بعضها أوحي به إلي الرسول في مكة والبعض في «المدينة» التي هاجر إليها لينجو من اضطهاد أهل مكة له ولأنصاره.
ومعني إسلام هو أن يسلّم الإنسان نفسه لله
وُيعتبر القرآن أو ( المصحف ) هو «كلام الله» إلي الرسول وهو المرجع الأول في الإسلام تليه السنة أي «أحاديث الرسول» وهناك آيات محددة تؤكد أنه في حالة حدوث خلاف بين المسلمين فمرجعهم الله ورسوله.
لكن هناك مرويات كثيرة عن الشكل النهائي الذي يوجد به القرآن حاليا.
ما هو المصحف أو القرآن ؟
كان النبي يُملي السور والآيات القرآنية علي من يعرف الكتابة؛ فقد أكدت المصادر التاريخية الإسلامية عدم معرفة النبي محمد بالكتابة أو القراءة.
كان الوحي ينزل علي النبي في أوقات مختلفة بشأن أطر مختلفة. ولم تكن السورة التي يمليها النبي - عادة - كاملة - بل يتلقاها علي دفعات. كان يقول لمن يملي عليه أن يضع آيات معينة في سور معينة. وقد تكتمل سورة بعد فترة من نزولها، يكون النبي خلال ذلك يملي آيات أخري توضع في سور محددة.
وقد سُمي المصحف لأنه كان يُكتب علي «صحائف من الجلد أو النسيج أو قطع البردي والأحجار البيض الرقاق العظام وأصول الجريد وألواح الخشب وصدور الرجال.. وقد لاحظ الخليفة عمر بن الخطاب ( الخليفة الثالث ) أن عددًا كبيراً من الناس الذين حفظوا القرآن قد مات في معركة اليمامة حوالي عام 633 فخاف من ضياع بعض القرآن من الصدور الحافظة فاقترح علي الخليفة الأول - آنذاك - أن يكلف بجمع القرآن، فعهد هذا بالمهمة إلي زيد بن ثابت، الذي جمع ما كتب علي المواد التي ذكرناها وسلمها إلي الخليفة الذي عهد بها إلي ابن الخطاب. وفي عهد الخليفة الثاني عثمان حدث خلاف حول «النص» إلي يجب التقيد به، فطلب الخليفة من أشخاص آخرين بنسخ نسخة أخري من المصحف وأمر بإعداد نسخ أخري تم إرسالها إلي المراكز الرئيسية في الدولة الإسلامية وأمر بإتلاف نسخ المصاحف الأخري. أما المصاحف الموجودة حالياً فهي المنسوخة من مصحف عثمان «هكذا سُمي المصحف الحالي مصحف عثمان». ومن المؤكد وجود عدد من المصاحف سابقة علي مصحف عثمان وأشهرها مصحف ابن مسعود.
وهكذا ظهر ما يطلق عليه الدارسون الآن «غيبة السياق»، وهو أن ترتيب سور القرآن في مصحف عثمان لم يكن بنفس الترتيب الزمني الذي نزلت به السور مما يعطي تفسيرات مختلفة لحالة واحدة.
كذلك فإن نسخ ( أي تغيير الوحي لآية ما بعد نزولها )
ABROGATION OR TO DELETE , TO ABOLISH *
أي تغيير آيات محددة بأوامر ربانية محددة.
بني الباحثون الإسلاميون نظرية ؛ بأن الله كان يريد تطبيقها لفترة محددة.. فالآيات الأولي من سورة ( المزمل - سورة 73 ) تأمر المسلمين بقضاء معظم الليل في الصلاة حينما كانوا في مكة، لكن بعد هجرتهم إلي المدينة نزلت الآيات الأخيرة من السورة تنسخ آياتها الأولي. وعلي أية حال ظلت الآيات المنسوخة والآيات الناسخة موجودة في النص القرآني.
مثال آخر من الممكن وجود آيات تنتقد اليهود والمسيحيين كانت موجهة أساسا ضد اليهود في «المدينة»؛ لأنهم عارضوا الرسول والرسالة ولكنه لم يواجه معارضة كبيرة من المسيحيين.. وفي وقت لاحق حينما ظهرت معارضة مسيحية كان هناك احتمال نزول آيات أخري ( أو الآيات نفسها ) مع إضافة النصاري
( المسيحيين )
كما أن اعتبار القرآن أنه قد تم تحريف التوراة والإنجيل، أصبح عقيدة ثابتة لدي الجماعة الإسلامية
قدسية اللغة العربية
إن مبدأ «عربية» القرآن ورد خمس مرات في القرآن. إنه يخاطب شعباً يتحدث بالعربية.
كما اتفق الباحثون أن النص القرآني غير قابل للترجمة.
وهكذا تم اعتبار اللغة العربية لغة مقدسة «لأنها كلام الله» بواسطة الملاك جبريل إلي محمد.
إن كل لغة تحتفظ داخلها بتجارب الماضي وتتطور، في نطاق بنية ثقافية لها خصائصها. كما ارتبطت اللغة العربية بقوة بحياة العرب في الصحراء.
اللغة العربية، ليست لغة صحراوية بالمعني الضيق، لكنها ارتبطت بوسط ثقافي خاص، وهذه حقيقة مهمة في الرؤية للنص القرآني.
التفسير - التأويل
تأويل القرآن وتفسيره عمل فلسفي وفقهي قديم منذ أن قام الفقهاء بتقنين الشريعة منطلقين من القرآن والسنة النبوية.
وهنا أيضا أساس الاختلاف بين المدارس الإسلامية المختلفة التي تنطلق من «صحيح الدين» والاعتراف بمحمد رسولا.
فالمدرسة السنية التي أشرت إليها والتي تتمسك ب«حرفية» النص هي المدرسة السائدة الآن. المدارس الأخري علي اختلاف رؤياها هي المدرسة القائلة بأن الكتب السماوية تظل كما هي لكن النظر إليها وإلي مقاصدها تتغير مع تغيرات الحياة.
فالوحي الذي توجه إلي العربي منذ خمسة عشر قرنا، خاطبه بمفردات لغة يتحدث بها، وأن تفسير القرآن مرتبط بتطور الحياة وأن تفسير القرآن يُعتبر عملية مكملة للنظام التاريخي للإسلام.. أو للإسلام ككيان تاريخي of the historical organism ofIslam
نظرية «خلق القرآن»
يقال إن أول شخص ادعي أن القرآن مخلوق، قُتل بعد وفاة الرسول بمائة سنة. ظهرت هذه النظرية مع محاولات «مواءمة وتكييف الوحي» في بداية العصر العباسي. فإذا اعتبر أن القرآن مخلوق، يعني أنه ليس تعبيرا أساسيا عن طبيعة الله، وبالتالي فإن الحاكم «الخليفة» يمكنه في بعض الأوقات أن يتخطي المبادئ الواردة في القرآن أو يعمل بعكسها.
ومن ناحية أخري، إذا ما كان غير مخلوق فإن القرآن يعبر عن جوهر الله وطبيعته، بالتالي لا يستطيع مخلوق أن يعمل بمبادئ تخالف تلك التي وردت به.. وهذا معناه أن المبادئ التي يجري التعامل بها في كل المواقف مضمنة علي نحو ما في القرآن.
هاتان النظرتان- نتيجة الاستخدام السياسي لهما - أدتا إلي انقسام المجتمع الإسلامي إلي سنة وشيعة
إن تفسير القرآن وفقاً لسياق الآيات ووفقاً لأسباب النزول هو التفسير المقابل للتفسير «الذري أو الجزئي» الذي يتغاضي عن عدم ترابط المعاني.
فالتفسير وفقاً للسياق يعتمد علي نظرة القرآن للحقيقة ككل. أي أن السياق أصبح النظرة الكلية للقرآن، كما أنه يمثل المكون التاريخي للإسلام.
رؤية أبو زيد في ظهور الإسلام
يقول: الفكر الديني لا يعطي أهمية للتعليل التاريخي. هكذا أراد الله. إن الله سبحانه وتعالي قرر أن يرسل رسولاً للعرب.. إلخ
إن التفسير التاريخي لنشأة الأديان مرتبط بالدراسة العلمية للدين. وإن كانت الدراسة العلمية للدين، ليست بالضرورة أن تنطلق من منطلق الحادي. بالطبع لا يوجد ثمة شك أن أية دراسة لشبه الجزيرة العربية، سياسياً واجتماعياً وثقافياً، في القرن السابع الميلادي، تكشف لنا عن بواكير الإحساس بضرورة إيجاد شكل من الأشكال الاجتماعية، يتجاوز شكل القبيلة.
فقد بدأت آنذاك مظاهر خسران القبيلة أرضها( بمواجهة ) لمجتمعات تجارية في مكة، وسيطرة مكة علي طريق التجارة من الشمال للجنوب. ثمة إرهاصات لميلاد مجتمع جديد مجتمع تجاري. بالإضافة للصراع الذي عرفته شبه الجزيرة العربية بين الروم (اليونانيين ) والفرس. إلي درجة أن الروم أسسوا دولة عربية تحمي حدودهم. كذا فعل الفرس. بمعني أنه في الصراع بين الروم والفرس - بقياس مع الفارق - كلاهما كانا «سوبر بور» آنذاك، في صراع علي مناطق النفوذ وطرق التجارة خاصة تجارة الحرير. هذا الصراع كان لابد أن يتمثل في شبه الجزيرة العربية، الموجودة في قلبه، بحكم طرق التجارة، كما كان اليمن منطقة صراع سياسي وديني أيضاً. فبينما كان الرومان يمثلون الديانة المسيحية، كان الفرس يمثلون أدياناً أخري، لكنهم( الفرس ) قاموا بحماية العناصر الدينية المعتبرة هراطقة، مثل حمايتهم لليهود مثلا، والمسيحية غير المعترف بها من كنيسة روما.
هكذا كانت شبه الجزيرة العربية جزءاً من الصراع السياسي العالمي، كما كانت أيضاً جزءاً من الصراع الديني. حيث لم ينعزل الصراع السياسي عن الصراع الديني.
ومثلما أشرت من قبل في «مفهوم النص» بأن اليهودية دين لا يتقبل قادمين جدداً إليه. دين مغلق. دين الشعب المختار كما يقولون عن أنفسهم. رغم عدم صحة المقولة علي إطلاقها، حيث دخلت بعض الجماعات اليهودية إلي المسيحية، التي أيضا دخلت في صراعات. صراعات لاهوتية حول الطبيعة الواحدة للمسيح. بين المسيحية الشرقية والمسيحية الغربية.
أعتقد أن الإسلام انبثق كدين في وسط هذه الظروف التي كانت في حاجة إلي أيديولوجيا، إلي فكر. نتيجة لاحتياج ما في الواقع.
الإسلام هو أساساً: محمد، القرآن، النبي. وإذا أعملنا قراءته، سنجد أنه دين ليس قبلياً، وأنه بالغ الوضوح في موقفه «ضد القبيلة» كمؤسسة. إنه ضد المفهوم الشيفوني للعروبة. كلمة «عرب» ليست موجودة في القرآن. القرآن عربي، لكنه يخاطب «الناس». توجد فيه نغمة سلبية عن «الأعراب» أهل البادية. إذا ما أردنا تصنيف الإسلام ثقافياً، نجد أنه ينتمي للثقافة العالية في الجزيرة العربية ثقافتان: ثقافة البدو، المتمسكة بقيم القبيلة، وثقافة أخري ترغب أن تتحرر من هذه القيم. نستطيع القول بأن الإسلام ينتمي للثقافة الثانية. وكما قلنا إنه كانت هناك رغبة في كسر العلاقات القبلية، لكن ليس هذا معناه أن الإسلام نجح في هذا؛ لأن خلال حياة النبي في مكة وفي المدينة ،نعرف درجة المقاومة التي لقيها الإسلام، ولقيها محمد في مكة. فقد مكث ( النبي ) أكثر من عشر سنوات في مكة ،وتعرض هو والمسلمون للاضطهاد، وكانت النتيجة هي الهجرة للمدينة، والدخول في تحالفات مع أهل المدينة.
البنية الأساسية للإسلام أنها قائمة علي الثقافة العالية، ثقافة ضد القبيلة، ضد البنية الاجتماعية التي كانت تتحلل أيامها.
وجد به( الإسلام ) نزوع إنساني أكثر مما هو نزوع عرقي.
لم يرفض كل المؤسسات السابقة عليه، إنما طوّع هذه المؤسسات، مثل مؤسسة الحج. وسوف يكتشف الدارس المدقق التفاصيل الكثيرة في العبادة والشريعة، التي يعتبرها المسلمون إسلامية، لكنها كانت من مرحلة ما قبل الإسلام.مثل الحج، والجزية.
هذا هو الإسلام حتي انتهاء تنزيل الوحي واكتمال القرآن.
عند موت محمد ظهرت مشكلات المجتم الناشئ.. ولن أقول هنا الدولة.
العبادات هنا ليست مجرد شعائر شكلية، إنما وراءها مضمون أخلاقي، ولكي نتحدث عن العبادات لابد من الحديث عن البنية الأخلاقية للدين.
إن البنية الأخلاقية للإسلام، إذا ما تتبعناها في تطورها التاريخي، أعتقد أنها تبدأ بفكرة العدل. العدل الاقتصادي ؛ فالآيات الأولي تتكلم كلها عن اليتيم، حتي إنها تجعل عذاب النار نتيجة لعدم إعطاء اليتيم.( نقوداً أو حسنة )
لابد من الأخذ في الاعتبار( شخصية ) محمد كتجربة إنسانية. ، محمد اليتيم في مجتمع التجار الذي وصل إلي درجة من البشاعة حدت بالفقير أن يبيع نفسه( أحياناً ) حتي يستطيع الحياة؛ فيتحول إلي عبد إذا استدان ولم يتمكن من السداد.وهذا يفسر لنا الموقف العظيم جداً في القرآن، ضد الربا. يوجد بعد اقتصادي واضح في مفهوم العدل في الإسلام. بعد أخلاقي. المساواة بين البشر، بصرف النظر عن اللون والجنس والعقيدة نجد هذا البعد واضحاً تماما في الإسلام.
هناك بعد الدفاع عن النفس، «الحرب». وكيف تحول إلي مفهوم «الجهاد». هذا الفهم - في رأيي - خاطئ عند المسلمين وعند غير المسلمين. فالدفاع عن النفس ؛ والقتال من أجل حماية هذا الدين الجديد.
في كتابي «مفهوم النص» أطرح السؤال «ما هو القرآن»؟
وقد وصلت إلي نتيجة: أن النص القرآني ُمنتج ثقافي، لكنه تحول إلي منتج للثقافة..
لا نستطيع فهم القرآن بدون فهم ثقافة القرن السابع الميلادي وبدون فهم اللغة العربية. ثقافة القرن السابع الميلادي تتضمن الثقافات الدينية في ذلك الوقت..
فقد ظهر الإسلام في فضاء كانت المسيحية واليهودية جزءا من مكوناته الدينية. وعلينا بالتالي أن نتوقع وجود عناصر مشتركة بين الأديان الثلاثة. وبإدراك العناصر المشتركة نستطيع تمييز عناصر الاختلاف في الإسلام ( بينه وبين الديانات الكتابية الأخري المسيحية واليهودية )
يعتمد الدين الإسلامي - مثله مثل بقية الأديان- علي بنية من العبادات التي تحددت في خمس: الشهادة بوحدانية الله وأن محمداً رسوله. كذا الإيمان بكل الأنبياء السابقين. إقامة الصلاة المفروضة خمس مرات في اليوم. والزكاة. وصيام شهر رمضان والحج لمن استطاع إليه سبيلا.
نظرية «الناسخ والمنسوخ»
يقول أبو زيد:
حينما نقرأ في القرآن الآيات الدالة علي التعايش والتسامح مثل «وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم» أو نقرأ «لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا، ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً وأنهم لا يستكبرون» سيرد عليك المتعصب بقوله إن هذه الآيات منسوخة. ومعني النسخ أن حكمها قد أزيل مع بقاء تلاوتها، لأن هناك حكماً آخر قد حل محله بالآيات التي تأمر بعدم التولي أو تحض علي القتال. وإذا كشفت له أنها ليست منسوخة، أو أن نسخها ليس أمراً متفقاً عليه بين العلماء، يمكن أن يقول لك إن المقصود بالنصاري المسيحيون في عصر النبي، فهي من ثم لا تنطبق علي مسيحيي اليوم.
المنهج الذي أطرحه، وأداوم علي محاولة بلورته طوال الوقت، هو التفرقة بين المعني التاريخي والمغزي المعاصر. ماذا كان يقول القرآن لمعاصريه؟ ماذا كان يقول في القرن السابع؟ كيف كان الناس في القرن السابع يفهمون القرآن، سواء علي مستوي لغته الشعرية، أو علي مستوي القواعد القانونية المتضمنة فيه؟ هذا ما أطلق عليه مصطلح «المعني التاريخي»؛ لأن المعني هو جزء من تفاعل النص مع متلقيه في لحظات تكوينه.
مثلما يتساءل الناقد الأدبي: كيف فهم البريطانيون في القرن السادس عشر مسرحيات شكسبير؟ هل فهموها كما نفهمها نحن الآن؟ أو: كيف فهم العرب أبا العلاء المعري وامرأ القيس في عصرهما؟ هل بالطريقة التي نفهمهما بها الآن بالتحليل البنيوي مثلاً؟
سؤال المعني التاريخي ليس من السهل الحصول علي إجابة له، إلا ببحث بالغ التكثيف يتعلق بطبيعة اللغة والسياق التاريخي، والملابسات التي أحاطت بتكون النص وببنائه في الشكل الذي وصل إلينا به عبر عمليات «التقعيد» والترتيب إلخ.
بعد الوصول إلي المعني ينبثق سؤال آخر: هل هذا المعني الذي فهمه الجيل الأول في القرن السابع ما زال قادراً علي مخاطبتي الآن رغم مساحة الزمن التي تفصلني عنهم، ورغم المتغيرات والتطورات التي أحدثها الزمن في شكل الحياة ومعناها؟ حيث توجد مساحة زمانية نصبح في قلب التاريخ، أي في قلب التراث التفسيري الذي تراكم حول النص منتجاً مستويات من المعني وآفاق من الدلالة. وبعبارة أخري بين المعني التاريخي وسؤال المغزي المعاصر، وهو السؤال الذي يطرحه الباحث المسلم اليوم، يوجد تراث. من خلال هذا التراث تم مناقلة المعني الديني وتطويره. دخل المعني في مجموعة من التطورات من خلال جماعات لاهوتية وجماعات فلسفية، من خلال جماعات سياسية، ومن خلال أدباء، ومن خلال شعوب. من واجبي كباحث وأنا أتأمل المعني في القرن السابع، وأبحث عن مغزاه في القرن الحادي والعشرين، ألا أغمض عيني عن تطور المعني عبر التاريخ.
ما هي الشريعة ؟
الكاتب يري أنه لما كان القرآن هو «كلام الله «ولما كانت «أحاديث الرسول «مفسرة ومكملة للقرآن، فقد قام الفقهاء باستخلاص القوانين الإسلامية من القرآن والأحاديث وسميت الشريعة
فالقرآن كلام الله المعبر عن إرادته تجاه الإنسان والكون. وإرادة الله تفرض علي البشر الانصياع لأوامر الله ورسوله.
عبر الزمن ،ومن النصوص القرآنية ومن «الحديث» ظهر تقييم لسلوك البشر الأخلاقي والدنيوي اليومي، من خلال تطبيق الشريعة باعتبارها المنهج الواجب تطبيقه بواسطة البشر لينشروا العدل في الدنيا ويقيموا الحدود «العقوبات» علي من يخالف الشريعة. وفي النهاية كي يحوزوا رضا الله ويدخلوا الجنة.
وحينما يكون هناك نص واضح في القرآن أو في الحديث فإن تقنينه ليس بمشكلة. لكن حينما لا يكون هناك نص أو حديث واضح ومحدد فإن «دارسي الشريعة» يقومون باستخلاص القاعدة الشرعية المطلوبة للحالة من خلال ما أطلقوا عليه «الاجتهاد» أي إعمال العقل والمنطق.
وحينما يتم قبول القاعدة الجديدة من غالبية دارسي الشريعة ؛ يطلق عليها «إجماع» وبالتالي تحظي بالقوة نفسها التي تحظي بها القواعد الأخري الواضحة المستخلصة دون اجتهاد من القرآن أو الحديث.
ولكن حينما لا تحظي بالإجماع فإن أصحاب القاعدة ( أو القواعد ) الجديدة يشكلون مذهباً داخل العقيدة.
التفسيرات المختلفة أدت إلي ظهور أربعة مذاهب رئيسية في الإسلام هي: السنة، والشيعة والمالكية والشافعية.؟
والسؤال المنطقي التالي
يكون: ما هي السنة ؟
تعني السنة بالاقتداء بما صدر عن الرسول من قول أو فعل أو تقرير. وتعود هذه الفكرة إلي ما قبل الإسلام.. فقد كانت القبيلة البدوية محافظة جداً وتدرك أن أمنها ورخاءها، يعتمدان علي اتباعها «سنن «الأجداد والسير علي منهاجهم في التعامل مع مختلف مشاكل الحياة. وتعني السنة الآن الطريق المطروقة a beaten tract أو الخالية من المفاجآت الخطرة. فالمسافر في الصحراء عليه أن يسير في طريق مطروقة لأنه إن ضل عنها أو شرد فقد يفقد حياته. وتلون هذه الفكرة بشكل واضح التفكير الإسلامي في عصور لاحقة.
العبارة الأولي المستخدمة عن فكرة «قانون الطبيعة» كانت «سنة الله».
وهذا ما أدركه الفقهاء المتشددون وتجنبوا الأفكار المجردة وتمسكوا بالمعاني الظاهرة والمحددة كما وردت في القرآن وفي أحاديث الرسول.
هذا يقودنا بالطبع إلي رفض غالبية الجماعة الإسلامية تفسير الآيات بمبدأ «أسباب النزول والناسخ والمنسوخ».
هذا التمسك بالمعني اللفظي والالتصاق الشديد بها وعدم الرغبة في تقديم معناها بألفاظ أخري يرجع إلي منطلق الدين الإسلامي بقدسية اللغة العربية. وحينما تحدي الرسول أعداءه أن يأتوا بسورة مثل السور التي أوحيت إليه كان من المفترض أنهم لن يستطيعوا مواجهة التحدي لأنها من عند الله. وليست بالصدفة أن كلمة «آية» تعني القدرة الإلهية.
إن كل دعاوي الجهاد الديني - العسكري تنطلق من رفض الرؤية التاريخية للنص ونقدم مثالا هو الآية التي تقول المدرسة التاريخية إنها لا تتسم بالديمومة:
«قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ورسوله ولا باليوم الآخر، ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» ( التوبة سورة رقم 6 -آية 29 )
فالحرب ضد الذين لا يؤمنون بالله ورسوله ولا باليوم الآخر حتي يدفعوا الجزية، تنظر إليها بعض أعضاء الجماعة الإسلامية باعتبارها مبدأ عاماً ولم تكن مرتبطة بواقعة تاريخية محددة في زمن الرسول. وبالتالي، فالأمر الخاص المتعلق بحالة بعينها في مكة والمدينة في أوائل القرن السابع للميلاد.، أثناء القتال ضد معارضي الإسلام، تراه الجماعة المسلحة والسياسية أمراً له ديمومته الأبدية.
لقد قبل المجتمع الإسلامي هذا المبدأ العام ( الديمومة ) ويأخذ به معظم أفراد الجماعة الإسلامية في وقتنا الحالي وأيضا، الأوقات المقبلة.
تعليق أبو زيد
من المهم الإشارة إلي أن موضوع «الشريعة الإسلامية» كان دائما من القضايا المثارة في سياق تأسيس الدولة القومية الحديثة. حاول محمد علي( جاء بعد خروج الجيش الفرنسي من مصر في القرن الثامن عشر ) أن يؤسس دولة القانون في مصر علي أساس «الشريعة الإسلامية»، فطلب من علماء الأزهر تقنين الشريعة. كان يريد صياغة «الشريعة»، الموجودة في كتب الفقه، في شكل قانون يتم تدريسه في «مدرسة الحقوق» للطلاب الذين سيصبحون محامين وقضاة ووكلاء نيابة. ولكن علماء الأزهر فشلوا خلال أربع سنوات في تقنين الشريعة. كان رشيد رضا فيما بعد من أكبر المعارضين لمسألة تقنين الشريعة. وجهة نظر رشيد رضا أن تقنين الشريعة مؤامرة استعمارية بهدف تحويل المقدس إلي مدنس. فحينما تقنن الشريعة فإنها تتحول إلي قانون وضعي. وحينما تصبح قانوناً وضعياً تنتفي عنه صفة الشريعة.
ورأيي أن من حق المسلمين أن تكون شريعتهم هي أساس القوانين التي تحكمهم. لكن من الضروري بالدرجة نفسها أن تصاغ الشريعة في قوانين يفهمها المحامي، سواء كان مسلما أو غير مسلم، ويحكم بها القاضي، سواء كان مسلما أو غير مسلم.
يقدم أبو زيد تفسيرا عن لماذا تسيدت أحكام الشريعة الفقه الإسلامي إن القواعد القانونية في القرآن ،لا تتجاوز، من حيث المساحة، سدس القرآن ،حوالي 10-17 في المائة من القرآن. أي ما يطلق عليها: الشريعة.
ويعلن أن هناك ما يطلق عليه :البعد الغائب في موضوع الشريعة
ويقول:
للأسف الشديد، أصبح لا ينظر للقرآن كله، إلا باعتباره مجموعة من القوانين. يوجد بعد غائب في مسألة الشريعة، وهو البعد الأخلاقي، البعد الروحي في العبادات، إلي آخره. فالإسلام، كأي دين، منظومة من القيم. لكن نجد أنه يحدث في عصر من العصور، أن تسيطر إحدي عناصر هذه المنظومة. ففي القرون التالية، كان السؤال السياسي، هو أول ما واجهه المسلمون. أي من يخلف الرسول ؟تم حل السؤال بشكل توفيقي. كانت نتيجته ؛ الخلفاء الأربعة لكن ثلاثة تم قتلهم. هذا أدخل المسلمين في مرحلة الحرب الأهلية، أو فيما ُيطلق عليه «الفتنة الكبري».
آن الأوان في تقديري لكي نفهم الظاهرة الدينية عامة، والظاهرة الإسلامية علي وجه الخصوص، علي أسس تاريخية واجتماعية. علينا أن نوظف كل أدواتنا المعرفية المعاصرة، في مجال علوم اللغة وعلم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم التاريخ، من أجل أن نفهم هذه الظاهرة ونحللها في سياق تطورها التاريخي من يوم نشأتها. هذا يمكن أن يساعدنا في الإجابة عن بعض أسئلتنا المعاصرة، لكن لا بد أن نتحلي بدرجة عالية جدا من الأمانة، الأمانة المعرفية.
علينا أن نكون قادرين علي إدراك البعد الآخر -البعد التاريخي- في ظاهرة الوحي خاصة وفي حقيقة نشأة الإسلام وبنائه بصفة عامة. بهذا الإدراك للبعد التاريخي يمكن التمييز بين التاريخي الذي استنفذ صلاحياته في الإسلام وبين القادر علي التواصل مع لحظات تاريخية جديدة. نحن بحاجة بالفعل لهذا العمق في الدراسة.
حينما تبرز القضايا المعاصرة، مثل حقوق الإنسان والمرأة، من الضروري ألا نكتفي بإبراز الجوانب الإيجابية في النصوص والتاريخ ونغمض العين عن الجوانب السلبية. في قضية المرأة -مثلا- لا أستطيع مناقشة قضايا المرأة في القرآن اكتفاء بإيراد الشواهد القرآنية والنبوية التي تمجد المرأة وترفع من شأنها وأتجاهل مثلا العبارة القرآنية «واضربوهن»؛ فأنا كباحث ودارس يجب أن أتعامل مع هذه النصوص جميعها. يجب أن أكتشف بالبحث والتنقيب أين «العام» وأين «الخاص»، أين يقع التاريخي وأين يقع الكوني؟
ويجيب أبوزيد عن سؤال مفاده لماذا يوجد أكثر من تفسير لنص ديني واحد؟ بالقول:
أهم قضية هي كيف ننظر إلي النصوص الدينية، ( مثل ) الشريعة في الإسلام ( وذلك بعد التقدم الذي أحدثته البشرية في الوعي بحقوق الإنسان، وفي قلب هذا الوعي حق الإنسان في تغيير دينه. القضية الأساسية هنا ؛ الوعي المعاصر الناتج عن خبرة البشر في فهم التاريخ، وعن شريعة باعتبارها مؤسسة تتضمن مقولات وقواعد تنتمي تاريخيا إلي عصور ماضية. القرآن نزل في القرن السابع الميلادي. والسنة كذلك. الشريعة كبنية دستورية وكبنية قانونية استمرت تتكون حتي القرن الثاني عشر تقريبا. ولا يزال الفكر الإسلامي المعاصر سواء في شكله السياسي ؛ فكر الدولة والدساتير والقوانين، أو الفكر الذي يقال في المنابر، في المساجد، أو الفكر المكتوب من خلال رجال الدين، يعتمد بشكل أساسي علي المقولات التي استقرت في القرن الثاني عشر.
هكذا تم اختصار بنية الإسلام كله في أحد فروعه التي أصابها الجدب.
ويعلق الكاتب
في مجتمع متعدد الديانات ليس من حق الأغلبية فرض قانونها السماوي أو الأرضي علي الأقلية ( الدينية و-أو العرقية) وإلا فإن الأقليات سوف تطالب بقانونها الخاص هي أيضا. هذا لن يخلق مساواة أمام القانون. خاصة أن «الشريعة «إسلامية كانت أم يهودية أم مسيحية، قانون سماوي لا يقبل «الاستئناف» بالعكس من القانون المدني البشري الذي يصوغه البشر طبقا لمتطلبات الحياة ومثال موقف الشريعة السماوية من قضية الزني مثلما نري في الآيات التالية:
في الإسلام:
«الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة» (سورة النور -آية 2 )
وفي التوراة:
«إذا كانت فتاة عذراء مخطوبة لرجل فوجدها رجل في المدينة أضجع معها، أخرجوهما كليهما إلي باب تلك المدينة وارجموهما بالحجارة حتي يموتا ( التثنية - 22 )
وفي العهد الجديد:
يقول بولس في رسالته إلي أهل كورونثوس الإصحاح الخامس في موضوع الزني:
«أن يسلم مثل هذا للشيطان لهلاك الجسد لكي تخلص الروح. ألستم تعلمون أن خميرة صغيرة تخمر العجين كله. إذا نقوا منكم الخميرة العتيقة لكي تكونوا عجينا جديدا..»
وحتي المسيح فإنه أعفي عن المرأة الزانية لكنه لم يلغ شريعة موسي.
وبما أن الكتاب المقدس المسيحي يحتوي علي العهدين القديم ( التوراة ) والجديد فالمسيحية تعترف بمبادئ التوراة.
وقد قامت الكنيسة الإنجليزية بتنفيذ عقوبة الموت في المشتبه فيهم ( وفيهن ) إلي عهد قريب نسبيا. فقد ظلت بريطانيا تعاقب علي تهمة الزني بالموت حتي عصر كروميل
كذلك نجد أن هنالك مدارس مختلفة في التأويل أو فقه الشيعة التي تجيز «زواج المتعة» الذي لا يزال يمارس حتي الآن في إيران، بينما تحرمه مذاهب أخري وتعتبره زني.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.