أخبار كفر الشيخ اليوم.. إعلان نتائج انتخابات مجلس النواب رسميًا    جامعة طنطا تقدم مشروعات طلابية مبتكرة لتطوير مرافق شركة مصر للغزل والنسيج بالمحلة    تراجع جماعي لمؤشرات البورصة بختام تعاملات اليوم الخميس    تعيين محمد حلمي البنا عضوًا بمجلس أمناء الشيخ زايد    إرسال الصندوق الأسود لطائرة رئيس الأركان الليبى لألمانيا لإجراء التحليل الفنى    قطر: نؤكد الدعم التام للحكومة الشرعية لإنهاء معاناة الشعب اليمني    زيلينسكي: تحدثت مع ويتكوف وكوشنر بشأن كيفية إنهاء الحرب    ضياء رشوان: نتنياهو يريد تجنب الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق غزة    ستة منتخبات تصنع المفاجأة وتُحافظ على شباكها نظيفة في افتتاح أمم إفريقيا 2025    الإسماعيلي يضرب بيراميدز بثلاثية في كأس عاصمة مصر    حبس طليق المطربة رحمة محسن في قضية الفيديوهات الخادشة    إصابة 6 أشخاص من أسرة واحدة في مشاجرة بقنا    التحقيق مع المتهم بالتعدي على زوجته بالعباسية    نجاح عالمي للمعارض السياحية الخارجية وقرارات جديدة لتعزيز تجربة الزائر    ريهام حجاج تظهر بالحجاب فى مسلسل توابع وعرضه برمضان 2026    هي تلبس غوايش وأنا ألبس الكلبش| انفعال محامي بسبب كتابة الذهب في قائمة المنقولات    «مؤسسة محمد جلال الخيرية» تكرم أكثر من 200 حافظة وحافظ للقرآن الكريم    17 حالة انفصال للمشاهير في 2025.. آخرهم عمرو أديب ولميس الحديدي    بعد قرار البنك المركزي بخفض الفائدة.. خبراء: ينعش أسواق المال ويعيد توجيه بوصلة المستثمرين    شبكة أطباء السودان: الدعم السريع تحتجز 73 امرأة و29 طفلة بولاية غرب كردفان    جراحة دقيقة بمستشفى الفيوم العام تنقذ حياة رضيع عمره 9 أيام    أخصائي يُحذر: نمط الحياة الكارثي وراء إصابة الشباب بشيخوخة العظام المبكرة    ختام مبهج ل «الأقصر للتحطيب»    خبير تشريعات: جولة الإعادة أكدت صعود المستقلين وبروز ملامح البرلمان الجديد    بعد عام من الانفصال.. طلاق شريف سلامة وداليا مصطفى    جمارك السلوم تحبط محاولة لتهريب كمية من البذور الزراعية الموقوف تصديرها    العائلة المصرية في برلين: مشاركة إيجابية للجالية المصرية في انتخابات «النواب»    كيف نُصلِح الخلافات الزوجية بين الصم والبكم؟.. أمين الفتوى يجيب    خبير: صناعة التعهيد خلقت فرص عمل كبيرة للشباب وجذبت استثمارات أجنبية لمصر    "إسماعيل" يستقبل فريق الدعم الفني لمشروع تطوير نظم الاختبارات العملية والشفهية بالجامعة    برلمانية: الاستحقاق البرلماني الأخير يعكس تطورًا في إدارة العملية الانتخابية    نائب محافظ الجيزة يتفقد المراحل النهائية لتشغيل محطة رفع الصرف الصحى بدهشور    هل يمنح اتفاق تبادل الأسرى هدوءاً نسبياً لليمن؟.. ترحيب عربى ودولى.. تبادل 3000 أسير ومختطف برعاية الأمم المتحدة.. توقعات بأن يشمل الإفراج عن قيادات بارزة بحزب الإصلاح.. مجلس الأمن: ندعم السلام فى اليمن    الجزائرى محمد بن خماسة آخر عقبات الإسماعيلى لفتح القيد في يناير    اتحاد الكرة يحذر من انتهاك حقوقه التجارية ويهدد باتخاذ إجراءات قانونية    وزير الخارجية: التزام مصر الراسخ بحماية حقوقها والحفاظ على استقرار الدول المجاورة    هل للصيام في رجب فضل عن غيره؟.. الأزهر يُجيب    صندوق التنمية الحضرية يعد قائمة ب 170 فرصة استثمارية في المحافظات    إزالة مقبرة أحمد شوقي.. ماذا كُتب على شاهد قبر أمير الشعراء؟    البابا تواضروس يهنئ بطريرك الكاثوليك بمناسبة عيد الميلاد    بشير التابعي يشيد بدور إمام عاشور: عنصر حاسم في تشكيلة المنتخب    الوطنية للانتخابات: إبطال اللجنة 71 في بلبيس و26 و36 بالمنصورة و68 بميت غمر    ادِّعاء خصومات وهمية على السلع بغرض سرعة بيعها.. الأزهر للفتوي يوضح    التفاصيل الكاملة لافتتاح المركز النموذجي بالغرفة التجارية بالقليوبية    جامعة بدر تستضيف النسخة 52 من المؤتمر الدولي لرابطة العلماء المصريين بأمريكا وكندا    محافظ الجيزة يفتتح قسم رعاية المخ والأعصاب بمستشفى الوراق المركزي    كرة طائرة - بمشاركة 4 فرق.. الكشف عن جدول نهائي دوري المرتبط للسيدات    مصادرة 1000 لتر سولار مجهول المصدر و18 محضرا بحملة تموينية بالشرقية    سيول وثلوج بدءاً من الغد.. منخفض جوى فى طريقه إلى لبنان    شوبير يكشف موقف "الشحات وعبد القادر" من التجديد مع الأهلي    الصحة تعلن اختتام البرنامج التدريبي لترصد العدوى المكتسبة    من هو الفلسطيني الذي تولي رئاسة هندوراس؟    عبد الحميد معالي ينضم لاتحاد طنجة بعد الرحيل عن الزمالك    نائب وزير الصحة تتفقد منشآت صحية بمحافظة الدقهلية    لليوم الثاني.. سفارة مصر بإيران تواصل فتح لجان التصويت بجولة الإعادة للدوائر ال19 الملغاة    أمن القليوبية يكشف تفاصيل تداول فيديو لسيدة باعتداء 3 شباب على نجلها ببنها    وزيرا «التضامن» و«العمل» يقرران مضاعفة المساعدات لأسر حادثتي الفيوم ووادي النطرون    أحمد سامي يقترب من قيادة «مودرن سبورت» خلفًا لمجدي عبد العاطي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبو زيد: لماذا تحول الصراع السياسي في فلسطين إلى صراع بين الأديان؟
نشر في الدستور الأصلي يوم 18 - 07 - 2010

العالم الآن يميل إلي الحلول السلمية للمشكلات.. لكن يجب أن يحارب الإنسان دفاعاً عن أرضه ضد الاحتلال أيا كان شكله
القول إن الجهاد واجب علي كل مسلم.. كلام مغلوط..والشخص المتحمس لا يجب أن يجاهد ضد المجتمع الذي يمنحه حرية الاختلاف
نصر حامد أبو زيد
مثل أي مثقف يحترم نفسه قرر الروائي رءوف مسعد أن يقدم نموذجاً للحوار العقلاني المحترم الذي لا أثر فيه لمحاكم التفتيش، ولا تاريخ صلاحية لأفكاره التي لا تنفي ولا تستحدث من عدم، ولا مكان للتعصب بين سطوره، ليعرف ابنه المقيم في هولندا علي الإسلام، الذي طالما سمع عنه الابن من أصدقائه قصصاً وحكايات تخيفه أكثر مما تحببه في هذا الدين، وهكذا أجري حواراً زاد علي العشرين ساعة مع د.نصر حامد أبوزيد واضعاً فيه كل الفخاخ والاتهامات التي يكيلها الغرب للإسلام من جهة، والتي يسيء بها الأصوليون والمتشددون للإسلام من جهة أخري ليقدم للقارئ العربي شهادة منصفة ومختلفة عن الإسلام من المفكر الذي ظلموه حيا وميتاً، وهي الشهادة التي لم تجد مكاناً لها في دور النشر المصرية التي تتهافت الآن علي أعمال د.نصر حامد أبوزيد لسنوات لدرجة أنها نشرت في إحدي دور النشر المغربية ولم تلق الشهرة أو الاحتفاء الذي يليق بها وبأصحابها.«الدستور» تنشر هذه الشهادات للباحثين عن الحقيقة.
الأمة الإسلامية
ضرورة قيام الدولة الإسلامية
يقدم الكاتب هنا رؤيته لمفهوم «الأمة» القرآني
يعتبر الرسول في حديث له أنه مُرسل إلي الإنسانية جمعاء بالعكس من الأنبياء الذين سبقوه مثل المسيح وموسي.
وبالنسبة للمسلمين ، فإن كل نبي أرسل إلي مجتمع محدد ( إلي أمته ) ليحذره وينذره، وإن هذه الأمة بعد أن تقبل الرسالة تقوم بتجاهلها أو رفضها أحيانا بتحريفها. ومن هنا تأتي ضرورة المزيد من إرسال الرسل والوحي لهم.
آخر هؤلاء الرسل - محمد - كانت رسالته مختلفة عن سابقيه موسي والمسيح ؛ بأنها موجهة للجنس البشري. وأنها تحمل بين جوانبها إثباتات صدقيتها وجوهرها الأصلي بدون تحريف.
ذلك أن الوحي الإسلامي يعلن صدقه الكلي والتالي يلغي ما حدث من تحريف اليهودية والمسيحية.
ولأن الرسالة المحمدية رسالة عالمية ، فهي تخلق بالتالي أمة عالمية، مختلفة الأجناس واللغات لكنها تؤمن بنبي واحد وإله واحد تتجاوز حدود الأوطان القومية.
هي أمة الإسلام.
هناك تصادم ولا شك، حاصل في الأذهان بين فكرة الوطن، والشعور الغامض الحاضر دوما، بالانتماء إلي «أمة النبي» 1.
إن اصطلاح «الأمة» واحد من الاصطلاحات المثيرة للجدل بين مدارس تفسير القرآن المختلفة.. فمدرسة الإسلام السياسي، والإسلام المسلح ، تعتقدان بشكل جازم أن معني أمة هو المعني الحديث والمتداول في الأدبيات السياسية.
بينما تعتقد بعض مدارس التجديد، أن اصطلاح أمة المقصود به «الجموع الإسلامية» في مجملها.
نجد في القرآن: «كنتم خير أمة أخرجت للناس».
والكثير من الآيات التي تتحدث «عن أمة المسلمين».
لهذا نجد أن الجماعات الإسلامية السياسية والمسلحة تعتقد بوجود أمة إسلامية واحدة من مسلمي العالم شرقه وغربه تتعدي حدود الوطن القومي وتكون فوقها بالنسبة لولاء المسلمين.
ومن المنطقي أن يكون مبدأ الجهاد الإسلامي، هو الشعار المرفوع من «الأمة الإسلامية» في حروبها ضد من تعتبرهم أعداءها.
هذا الموقف، ليس غريبا علي فلسفة «أمة دينية» فلسفة تشبه كثيرًا «الأمة الدينية» اليهودية التي يكون الدين الرابطة الأساسية ليهود منتمين لجنسيات مختلفة.
ضرورة الأمة والحاكم المسلم عند الأفغاني».
الأفغاني استخدم تعبير «الأمة الإسلامية» حينما اعتبر، أن مهمات الحاكم الإسلامي هي تطبيق قواعد الشريعة وتنفيذ العقوبات لمخالفي هذه القواعد. ومراقبة تطبيق الواجبات التي فرضها الله علي المسلم، والدفاع عن «الأمة» ( هكذا كتب ) ضد أعدائها وشن الحرب والجهاد في سبيل الله، كل هذا يتطلب وجود دولة وقائد لهذه الدولة. أي بعبارة محددة: قوة سياسية.
هكذا تظهر ضرورة ظهور «حاكم إسلامي في دولة إسلامية» كي تكتمل أركان الإسلام - كما تفهمها جماعات الإسلام السياسي - لتطبيق الشريعة والجهاد ضد الأعداء والجهاد من أجل توسيع حدود الدولة الإسلامية 2.
إن العمل السياسي هنا - في الدولة الإسلامية - ومن خلال الأمة الإسلامية هو وسيلة لعبادة الله 1.
«من الواجب اعتبار أن ممارسة السلطة كشكل من أشكال الدين، باعتباره عملا يتقرب به الإنسان لله».
إن الدوائر الثلاث: الأمة الإسلامية التي تتخطي حدود الوطن أي العالمية والدائرة الثانية لمفهوم الخلافة المرتبط بشكل ما مع نظرية الحاكمية، يقودنا حتما إلي الدائرة الثالثة أي مفهوم الجهاد المرتبط بشكل عضوي بصراع الإسلام - كما يفهمه الإسلام السياسي وينادي به - ضد الدينين الآخرين اليهودية والمسيحية ( وغير الموحدين أيضا ) وما عبر عنه بن لادن أكثر من مرة.
لكن هذه يخلق عدة مآزق للجماعة الإسلامية بشكل عام وللمتعصبين بشكل خاص.
فالمأزق الأول هو اتساع رقعة الأمة وواجبات المسلم تجاهها وموقفه حينما يري أنها تتعرض لمخاطر من أعداء الدين.
فالهجوم علي «الأمة الإسلامية» ليس هجوما، كما يفهمه المحلل السياسي، باعتبار أنه بغرض التوسع الكولنيالي بأشكاله المختلفة ؛ بل - كما تفهمه الجماعة - هو هجوم من أعداء الدين الإسلامي عليه وتهديده.
هذا ما استخدمه صدام حسين في الحرب الأخيرة ضد العراق ( مارس 2003 ) حينما نعت جيش التحالف بجيش الكفار وطالب المسلمين بإعلان الجهاد ضد الكفار.
ووجدت دعوته صدي في أوساط إسلامية كثيرة في آسيا وأفريقيا..إلخ.
هذا سوف يقودنا أيضا إلي «عالمية» دعوة بن لادن وإعلانه «الجهاد» ضد أعداء المسلمين في كل مكان من صليبيين ويهود.
مفهوم الأمة عند الأفغاني، يتركز في ترابط المسلمين «من خلال مواجهتهم الخطر المشترك واشتراكهم في القيم المشتركة التي تضمهم».
رفض الأفغاني فلسفة الفقهاء التي تطالب المسلم بطاعة ولي الأمر حتي لو لم يتبع تعاليم الإسلام والشريعة. طالب المسلمين أن يتمردوا علي حكامهم ( المسلمين ) الذين يتعاونون مع المحتلين 3.
يتحدث الأفغاني عن «وحدة المسلمين» ليس بالتضامن السلبي بل «تضامن الأمة» وإحساس أفرادها المختلفين بالمسئولية تجاه الآخرين من أعضاء الأمة الإسلامية. وهو ما أطلق عليه «التعصب للأمة».
قرر: أن إنقاذ الأمة يعتمد علي الحاكم الفاضل، ولا يمكن للمواعظ أو المدارس أو الكتابات أن تعيد الإسلام الحقيقي، بل يرجع الإسلام الحقيقي من خلال عودة «العلماء» أي رجال الدين، «إلي مكانتهم السابقة» أي في ممارسة القضاء بواسطة تطبيق الشريعة وإعطاء المشورة السياسية للحاكم.
وهذا هو مفهوم الأفغاني عن ضرورة تسيد «علماء الإسلام» للمجتمع الإسلامي
فهل حدث في إيران غير ذلك بعدأقل من قرنين من دعوته؟!
أي أن الإصلاح السياسي لابد له أن ينطلق من القرآن وما يمثله.
يري الكاتب أن مفهوم «الأمة» الإسلامي قد ارتبط قديما بمبدأ الجهاد لأسباب سياسية.
وأنه بدأ بالظهور مجددا بعد فترة طويلة من الخمود، في أفغانستان، حينما قررت أجهزة الحرب الأمريكية استخدام التعصب الديني الإسلامي كوسيلة لمحاربة الاتحاد السوفيتي هناك تنفيذا لمبدأ الحرب الباردة التي اشتعلت أيامها بسبب التنافس علي مناطق النفوذ.
هكذا تم «تجنيد» المسلمين «ليجاهدوا» ضد السوفيت (الملحدين) والحكومات التابعة لهم في أفغانستان. بل إن وسائل الإعلام العالمية الغربية والإسلامية اتفقت علي إطلاق لقب «المجاهدين» علي هؤلاء المقاتلين.
وأصبح لقب «المجاهدين الأفغان» اصطلاحا سياسيا في الكتابات المختلفة يتعلق «بكل من يؤمن بمبدأ الجهاد الإسلامي الأممي».
ولن ندخل هنا في تفاصيل العلاقة المعقدة بين أجهزة المخابرات الأمريكية والمجاهدين بمن فيهم بن لادن، هذه العلاقة التي أدت إلي اتخاذ «الجهاد الأفغاني» طابعا عالميا. وتم وصفه بالإرهاب، بعد جريمة الحادي عشر من سبتمبر.
قد خصص الكاتب، بالتالي، حيزا كبيرا من الحوار ( والكتاب ) ليقدم الآراء المختلفة المتعلقة بمبدأ الجهاد.
وسوف نتخذ من الوضع القتالي( الجهادي ) الآن في فلسطين - إسرائيل النموذج المقترح للحوار.
فقد ظهرت في السنوات الأخيرة موجة من العنف المتبادل من جانب المستوطنين الإسرائيليين والجيش الإسرائيلي من ناحية والفلسطينيين المدنيين من ناحية أخري. ويقوم الفلسطينيون المنتمون إلي منظمات إسلامية مسلحة، بتفجير أنفسهم وقتل الإسرائيليين مدنيين وعسكريين بدون تمييز ويعلنون «لم يعد عندنا سوي أجسادنا نقاوم بها العنف الإسرائيلي المسلح» ويعتبرون ذلك جهادا دينيا.
في حين أن غالبية المشتغلين بالسياسة، يعرفون أن الصراع الدائر هناك هو صراع وطني يقوم به الفلسطينيون ضد دولة إسرائيل، وسياستها التي تتخذ إطارا دينيا توراتيا متعصبا.
السؤال إذن:
لماذا تحول الصراع السياسي في فلسطين - إسرائيل إلي صراع ديني يشعل العالم الإسلامي من ناحية والمتعصبين اليهود والمسيحيين من ناحية أخري؟
تعليق أبو زيد علي ما يحدث في فلسطين
أبو زيد
أنا لا أقول إنه لا ينبغي أن تحارب. علي العكس، يجب أن تحارب دفاعا عن وطنك وأرضك. تحرير الأرض ومناهضة الاحتلال أيا كان شكله، واجب وطني.
( لنأخذ ) فلسطين كمثال حي: من الخطورة بمكان في تقديري، أن تبني النضال من أجل تحرير فلسطين علي أساس ديني. لأن هذا يستبعد عناصر غير مسلمة. إن اختصار القضية الفلسطينية - علي المستوي الأيديولوجي - باعتبارها قضية إسلام، هو اختصار ضار يتساوي فعليا، مع الاختصار الضار الذي تمارسه إسرائيل كلها باعتبار أنها قضية «يهود».
تحويل حرب التحرير الوطنية إلي «جهاد ديني» يجعلنا نصطدم من الناحية المقابلة ب «جهاد ديني» آخر.
ونجد في السنوات الأولي من الدعوة الإسلامية في عصر النبي، حينما كان العديد من المسلمين يريدون المشاركة في الغزوات، وفي نشر الإسلام التي كان يقود معظمها الرسول بنفسه. كانت تظهر عوائق مثل رعاية الوالدين المسنين. ونجد في أقوال الرسول أن رعاية الوالدين أكثر أهمية من القتال في سبيل نشر الدعوة الإسلامية.
في السنوات الأولي من الدعوة الإسلامية كانت الحرب تمثل الجهاد الأصغر، بينما الجهاد الأكبر هو جهاد النفس، الصراع ضد الطمع ومقاومة الرذائل. في التاريخ الإسلامي نماذج رائعة لهذا الجهاد الروحي نجدها كلها في التراث الصوفي. فالصوفي، يخوض حربا ليس ضد الخارج لكن ضد ما يعتمل في نفسه من نزوات.
إن كلمة «جهاد» في القرآن لها أكثر من معني، معناها المعجمي هو «بذل الجهد»، محاولة بذل أقصي الجهد في سبيل تحقيق أمر من الأمور والوصول إلي هدف ما. في استخداماتها القرآنية لها ثلاثة معاننً: بذل الجهد في مقاومة النفس، وبذل الجهد في التعرف علي الدين، وأخيرا بذل الجهد في مقاومة العدوان. وفي هذا السياق الأخير نجد الأمر بالمقاتلة «قاتلوا»، وفرق هائل بين الأمر بالمقاتلة، الذي يعني «الدفاع عن النفس» والأمر بالقتل بالمعني العدواني التحريضي. وحين يرد الأمر بالقتل «فاقتلوهم» فإنه يرد دائما في سياق «المقاتلة» أي حالة الحرب. التركيز في مفهوم «الجهاد» علي آيات القتال والمقاتلة هو تركيز علي بعد واحد - تاريخي بالأساس- بينما للجهاد معاننً أعمق. وفي التراث النبوي الصحيح، بعد ما رجع المسلمون من غزوة من الغزوات يقول النبي: «لقد عدنا من الجهاد الأصغر إلي الجهاد الأكبر»، وفسر النبي «الجهاد الأكبر» بأنه الجهاد ضد النفس والجهاد ضد الشيطان.
لا يجب الآن ممارسة الحرب علي أسس دينية، بل نحن الآن في عالم يميل في الغالب إلي الحلول السلمية للمشكلات، ولكني أتحدث في حالات عدم إمكانية تجنب الصراع العسكري والحربي.
يجب أن يحارب الإنسان دفاعا عن وطنه وأرضه ضد الاحتلال والعدوان؛ فتحرير الأرض ومناهضة الاحتلال، أيا كان شكله، واجب وطني.
أليست هنالك آيات في القرآن تحرض علي الجهاد؟
وألا يجد المسلم المقيم في الغرب المسيحي نفسه مدفوعا «للطوع» للجهاد كما حدث بالفعل؟
أبو زيد
القول بأن «الجهاد» واجب علي كل مسلم كلام مغلوط. وإذا كان مثل هذا الكلام يستهوي بعض المسلمين الذين يعيشون في الغرب باعتبار أن البلاد التي يعيشون فيها «غير إسلامية» فمن الأفضل لمثل هؤلاء أن يغادروا هذه البلاد ويعودوا إلي بلادهم «الإسلامية». يجب أن يفهم هذا الشخص المتحمس أنه لا يجب أن يجاهد ضد المجتمع الذي يمنحه حرية أن يمارس اختلافه، وأن يفهم أن هذه الحرية في ممارسة حق الاختلاف لا تعني أن يحاول أن يفرض اختلافه علي أحد. هذا المجتمع يحمي حريته - كمسلم - في إطار حمايته للحريات الأساسية للآخرين. علي المسلم إذن أن يحترم قيم هذا المجتمع ويدافع عن تقاليده. إذا كان لا يريد ذلك فعليه أن يعود إلي «مجتمعه» الأساسي ويؤسس نضاله هناك.
يوجد في هولندا مجموعات كبيرة من المغاربة والأتراك المسلمين، فضلا عن الإندونيسيين والسير ناميين، أصبحوا جزءا من نسيج هذا المجتمع بالمشاركة والقدرة علي الاندماج. لكن ربما توجد بعض الجماعات القليلة، أو الأفراد الذين عجزوا لأسباب متباينة عن الاندماج، فيتعلقون بهويتهم «الدينية» ويتصورون أن واجبهم هو أن يغيروا «المجتمع» ليلائمهم بالجهد. أعتقد أن مثل هؤلاء لا يعرفون معني «الجهاد»، ولكنهم يتعلقون به ليحسوا بتمايزهم عن بقية المجتمع. ما هو السبب في ذلك؟ جزء من المسئولية يقع علي عاتق المجتمع الهولندي. شيء ما يدفعهم إلي هذا، لعله كما قلنا العجز عن الاندماج إما بسبب غياب التعليم، أو خلل في القوانين. علينا دائما إلا نكتفي بالإجابات الجاهزة المريحة، ففي أي مشكلة اجتماعية يجب الفحص عن الأسباب البنيوية في النسق السياسي أو الثقافي أو الاجتماعي. يجب أيضا أن نعرف في أي مجال يُطرح مفهوم «الجهاد» هذا، هل في مجال الأحاديث اليومية؟ هل يطرح في المسجد؟ علينا أن نحلل بدقة الخطاب الذي يستخدم مصطلح «الجهاد» لنفهم ماذا يعني. هل لأنهم يعيشون في مجتمع يشاهدون فيه جماعات الجنس المثلي، ويراقبون بامتعاض الحريات الجنسية المباحة، ويضطرون للمشاركة في احتفالات يتم فيها تناول المحرمات من الطعام والشراب؟ هل يحسون أنهم يعيشون في مجتمع لا ينتمون له، ولكنهم لا يملكون خيارات أخري؟
من المحتمل أن يكون حديث البعض منهم عن «الجهاد» أنهم يقصدون «جهاد النفس» والتحكم فيها بمواجهة كل هذا. ومن المحتمل أيضا أن يكون الإحساس بالعزلة والفشل في الانتماء محركا لمشاعر الغضب التي تتبدي في التعبير عن الرغبة في استخدام العنف لتحقيق هذا الانتماء المفقود. ويمكن أيضا النظر لهؤلاء الشباب الذين يعيشون خارج أوطانهم الأصلية باعتبار أنهم يعانون من الإحساس بازدواجية الولاء. التعليم الرسمي في المدارس والمعاهد الهولندية يزرع فيهم قيم الانتماء، لكن التعليم داخل الأسرة يبرز لهم قيم الاختلاف بين الثقافة التي ينتمون إليها روحيا وبين الثقافة التي يعيشونها. من هنا يتزايد إحساسهم بالعزلة الروحية وفي الوقت ذاته يعجزون عن التحقق السوي. هذه مشكلة توجد عادة في الجيل الأول الذي يعيش حالة الازدواج تلك ويعاني الانقسام والتشتت. ومع ذلك فيجب ألا نعمم الاستنتاج. فأنا مثلا أقوم بالتدريس لطلبة وطالبات مسلمين ومسلمات من جميع الأجناس. إنهم يعرفون أن الكثير من العادات والتقاليد هنا لا يمكن قبولها بالنسبة لهم كمسلمين، ولكنهم تعلموا فضيلة التعايش معها بدون كراهية أو حقد. إنهم يشعرون بامتنان بالنسبة لجو الحرية التي يتحركون بها؛ إذ يقدرون حماية حقهم في ممارسة شعائرهم الدينية بدون مضايقات.
ويقول أبو زيد أيضا:
إن ( الجيوش ) المسيحية استخدمت رمز الصليب من أجل خوض حروب دينية ضد العالم الإسلامي، ورفعت رايات مسيحية لتبرير هذه الحرب ولإخفاء أهدافها الحقيقية. اللافت للانتباه أننا لا نجد علي الإطلاق في الوثائق العربية الإسلامية آنذاك أي إشارة تستخدم مفردات مسيحية في وصف هذه الحرب. إن الاسم الذي استخدمه المؤرخون المسلمون هو «حرب الروم» لم يقولوا مطلقا «المسيحيين» أو «النصاري»، فقد كانت النصرانية موجودة داخل نسيج العالم الإسلامي، وكان «النصاري» يحاربون مع المسلمين هذا الغزو «الصليبي» القادم من الخارج.
تعقيب من الكاتب
ليس هناك شك في خطورة منهج التلاعب الدلالي كما يطلق عليه أبو زيد. لكن الأكثر خطورة هو الآيات التي ترفض «ولاية» غير المسلم علي المسلم وهي واضحة ومحددة.
حقا أنها نزلت في سياق تاريخي محدد ومعين ؛ لكن الجماعة الإسلامية في مجملها لا تعترف بمبدأ السياق التاريخي..
ففي كتاب بعنوان «الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي» الذي طبعت منه 8 طبعات - في القاهرة - حتي عام 1957.
ونجد أن المؤلف كان عند تأليف الكتاب مديرا لجامعة الأزهر المصرية. وعضو مجمع البحوث الإسلامية.
وجامعة الأزهر هي محاولة جريئة لتحويل «مؤسسة الأزهر» الدينية التقليدية إلي جامعة عصرية لأول مرة منذ تأسيس الأزهر قبل خمسة عشر قرنا. قامت الدولة المصرية بهذا التحويل، بعد أن اكتشف ظباط انقلاب يوليو أن المؤسسة الدينية تلقي بثقلها وراء الطبقات التي كانت تعادي الثورة - املاك الأرض الإقطاعيين وأصحاب رءوس الأموال).
يكتب المؤلف محمد البهي في مقدمة الطبعة الثالثة «أن وزير التربية والتعليم المصري كمال الدين حسين نصح الشباب بقراءة هذا الكتاب وذلك في حديث له في صحيفة الأهرام المصرية، كذلك في حديث آخر في إذاعة الجمهورية العربية المتحدة ( مصر وسوريا بعد الوحدة ).
وكمال الدين حسين كان واحدا من الظباط الذين قاموا بالانقلاب علي الحكم الملكي في مصر وأسسوا فيما عرف بثورة 23 يوليو.
يصف البهي هذا الكتاب بأنه «يستعير من الدراسات الإسلامية للمستشرقين القساوسة الصليبيين واليهود الحاقدين ما لهم من آراء في هذا الجانب».
وما قالوه «في خصوص الزعامة النبوية موقوتة بوقت الرسول».
وأن رأيهم «أن الجهاد أيضا موقوت بوقت الرسول».
ويرفض البهي هذا الرأي وأطلق عليه «مثنوية» التفكير الذي يقول عنه إنه التفكير الذي ساد الغربيين عند فصلهم بين الكنيسة والدولة.
ويؤكد البهي أن ثمرة تجربة الفصل بين الدين والدولة في الغرب كانت نتيجتها إخضاع واحدة منهما للأخري وانتهي بإخضاع الكنيسة للدولة.
ويستند البهي بالآيات «الحاكمية» من سورة المائدة 57 والمائدة 49 و50 و55
سورة النساء 193 و183 سورة التوبة 29
وهكذا نري كيف أن وزيرًا مهمته إرساء قواعد «التربية والتعليم» وهو أحد المؤسسين لنظام حكم سياسي جديد، في مصر، يدعم الحكم السياسي ، بالاستناد إلي شرعية الفقه الديني، بالرغم من ادعاء المجموعة العسكرية القيام بالثورة.
وسنجد هذا في حالات مماثلة بعد ذلك حينما قامت مجموعة عسكرية في السودان بانقلاب علي الحكم واستندت في شرعيتها علي الدين.
هدف الأصوليين هو إعادة تأسيس دولة إسلامية - دينية، تحكم بالشريعة، علي نمط الخلفاء السابقين. اعتبروا أن نظام حكم الخلفاء هو الفردوس المفقود. بالرغم من أن المؤرخين القدماء والحاليين، في العالم العربي والإسلامي سجلوا مساوئ ذلك العهد والعهود التي تلته.
كانت أفغانستان - قبل غزوها وإسقاط حكم طالبان الديني - هي المثل الأفظع لتلك العهود. فلم تكن «طالبان» سوي طلاب متوسطي العلم يدرسون الفقه في المعاهد الدينية.
ونتيجة للصراع بين باكستان التي بها غالبية سنية وإيران التي بها أغلبية شيعية، شجعت باكستان هؤلاء الطلاب وقدمت لهم السلاح للزحف علي كابول ( بعد انتزاعها من السوفيت والحكومة الموالية لهم ) وساعدتهم في الاستيلاء عليها وعلي أفغانستان كلها.
ولم تعترف بالدولة الجديدة سوي دولة واحدة في العالم كله ؛ هي باكستان.
ولن ننسي بطبيعة الحال كيف تعاونت الحكومة الباكستانية الحالية ( نتيجة انقلاب عسكري قام به برويز مشرف مع القوات الأمريكية ضد حليفتها السابقة أفغانستان من أجل احتفاظ المجموعة العسكرية بالحكم اللاديمقراطي ).
تمت هزيمة «إمارة أفغانستان الإسلامية» وقامت باكستان بمطاردة الهاربين من حكومة وقوات طالبان الذين لجأوا إلي قبائل البشتون في باكستان وهي القبائل التي ينتمون إليها. ونري هنا الرجوع مرة أخري من «عالمية الأمة الإسلامية» إلي الجذور الضيقة للقبيلة بهدف طلب الحماية.
طبقت أفغانستان الطالبانية الشريعة ؛ فقامت بتنفيذ حكم الرجم علي الزانية 3 وقطع يد السارق. ألغت دور السينما وصالونات حلاقة النساء. أجبرت الرجال علي إطلاق اللحي والنساء علي ارتداء « الشادور» أي الثياب التي تغطي الجسد كلة والوجه والعينين. ومنعت المرأة من العمل ومن التعليم.وحرّمت الصور واللوحات والموسيقي. أصبحت مكانا لتطبيق أيدولوجية بن لادن ومعسكرا لتدريب رجاله. وبالنسبة لإيران فإنها تجد نفسها، مجبرة علي قبول التغيرات التي يطالب بها الشعب بعد أن اكتشف ديكتاتورية الحكم بالشريعة. فبدأ يظهر تحول بسيط في نظام حكمها الإسلامي ليتجه إلي الأخذ بمبدأ التعددية الحزبية والسياسية. إلا أن رجال الدين الذين يتمتعون بامتيازات دينيوية لم تكن متاحة لهم في السابق، يقاتلون علي جبهات مختلفة من أجل الاحتفاظ بسلطاتهم ومكاسبهم.
إن أهم شخصية في النظام الحاكم هناك هو رجل دين يحتفظ بلقب المرشد الأعلي للدولة الإسلامية.
إن المرشد السابق للإخوان المسلمين في مصر كان قد أدلي بحديث منشور للصحيفة مصرية منذ سنوات قليلة حول موقفه من تجنيد المسيحيين المصريين في الجيش المصري. فقد رفض ذلك باعتبارهم «لا يدينون بالإسلام وبالتالي لا تكون هناك ثقة فيهم إذا قام الجيش بمحاربة دولة مسيحية» ونادي بالتطبيق الحرفي للآية: «قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتي يُعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون» ( سورة التوبة).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.