نصر حامد أبوزيد: الزواج الكاثوليكي بين الدين والسياسة في مجتمعنا العربي وراء منعي من دخول الكويت والقرار لا قيمة له الدكتور نصر حامد أبو زيد ألقي المحاضرة التي كان من المقرر أن يشارك بها في ندوة بالكويت عبر الهاتف وأضافت الصحيفة نقلا عن أبوزيد "أنا أضع قرار منعي من دخول الكويت تحت حذائي لأنه قرار سياسي ناتج عن الخضوع للابتزاز" مشيراً إلي أن خصومته الحقيقية ليست مع الإسلاميين الذي نادوا بإبعاده، بل مع المسئول الذي رضخ للضغوط، وسحب تأشيرة دخول مواطن مصري إلي وطنه الكويت، مشيراً إلي أنه من حق أي جماعة الاعتراض علي دخول مواطن، أو علي فكره لكن رضوخ المسئولين لهذا الاعتراض يعني أننا دخلنا في نفق مظلم واعتبر أبو زيد أن واقعة إبعاده تعكس ما وصفه بالزواج الكاثوليكي بين الدين والسياسة في المجتمع العربي، وقال "لماذا رضخ السياسي للابتزاز إلا حرصا علي كرسيه المزور" ودعا أبو زيد إلي إعادة النظر في منظومة التيارات الفكرية والدينية والسياسية، مشيراً إلي أن هناك فارقاً بين أساليب الضغط التي يستخدمها الأصوليون وهي التكفير، وأساليب التنوير المعتمد علي التفكير واحترام الاختلاف. كما دعا الدكتور نصر أبو زيد إلي استقلال المثقف وعدم خضوعه لاستدراج السلطة السياسية أو الدينية، مشيراً إلي أن الدولة تجند المثقفين وتجندهم باسم الحرب علي الإرهاب دون دراسة حقيقية لأسباب نشوء الإرهاب، ودون النظر إلي ما تمارسه السلطة السياسية من إرهاب، وقال "المثقف يجب أن يكون حارس قيمٍ لا كلب حراسة". كما وجه الدكتور أبو زيد انتقادات لتضمين الدين في دساتير الدول، مشيراً إلي أن دولة الدستور لا دين لها، ولا ينبغي أن يكون، مشيراً إلي أن اعتماد دين معين في الدستور يعني أن المنتمين إلي دين آخر داخل الدولة "مواطنون من الدرجة الثانية"، كما يحظر بالضرورة اجتهادات أي مؤمن بهذا الدين إذا كانت مغايرة لما تعتمده مؤسسات الدولة ، كما دعا أبو زيد لضرورة تجديد الخطاب الديني، مشيراً إلي أن الخطاب الديني المهيمن هو ضد الآخر، سواء أكان الآخر في الدين أم الملة أم الجنس، كما أن هذا الخطاب يعتبر الإبداع "آخر" وبالتالي بدعة. وانتقد أبو زيد ما وصفه بهيمنة الرؤية الفقهية للعالم ، والتي تتعامل مع الإنسان مقيداً بقيود الحلال والحرام، مشيراً إلي أن الفقه المعاصر متخلف مقارنة بالفقه القديم، وقال "ليس عند الفقهاء القدامي أن المعلوم من الدين بالضرورة" مشيراً إلي أن ما يعتمد عليه الأصوليون في عبارة "لا اجتهاد فيما فيه نص" مغلوط، لأنهم لا يفهمون المعني الحقيقي لكلمة "النص". ووصف الخطاب الديني المعاصر بأنه يفزع من التاريخ، لأنه يلقي بالضوء علي المناطق المعتمة في الماضي، مشيراً إلي أن فقهاء الكويت استعانوا برواية استعانة الرسول برجل كافر خلال الهجرة، وذلك لتبرير الاستعانة بالأمريكان لتحريرهم خلال الغزو الكويتي، بدلاً من النقاش الموضوعي حول سبب عجز الأنظمة العربية عن الوقوف في وجه الدولة المعتدية علي دولة شقيقة. ردود أفعال كويتية في حين تباينت مواقف نواب مجلس الأمة الكويتي من قرار منع نصر أبو زيد من دخول الكويت، ففي حين أشاد الإسلاميون بقرار المنع واعتبروه "حماية للقيم الكويتية من الأفكار التي يحملها نصر أبو زيد"، اعتبر النواب الليبراليون القرار "إساءة لحرية الفكر والتعبير". وأكد النائب علي العمير ان الكويت "بلد الإيمان والعقيدة لا تقبل بأمثال أبو زيد الذي تنكر للقرآن والسنة متقدما بالشكر للأجهزة الأمنية التي منعته من الدخول"، أما النائب وليد الطبطبائي فاعتبر حضور «أبو زيد» إلي الكويت "استفزازًا متعمدًا للمجتمع الكويتي المسلم"، مثنيا علي منعه من "تلويث أرض الكويت بكفره". ومن جانبه وصف النائب خالد السلطان أبوزيد ب "الزنديق"، واستنكر النائب ضيف الله بورمية دعوة «أبو زيد» إلي البلاد ، وقال "لن نسمح له بنشر فكره الإلحادي"، متسائلاً عن الفائدة المرجوة من محاضرات لشخص "لا يعترف بقدسية القرآن الكريم". كما ذكر الكاتب نبيل العوضي في مقاله لصحيفة الوطن الكويتية القريبة لإخواننا السلفيين "أحسنت الحكومة بمنعها هذا الرجل من دخول البلاد وكان الأجدي أن يحترم هذا الرجل البلاد وقوانينها وقراراتها لا ان يهين المسئولين فيها، فكيف يدافع الليبراليون عندنا عن رجل يقول عن قرار الدولة بمنع دخوله ان القرار (تحت جزمتي)؟!! البعض كتب متطرفا بغير عقل مثل المحامي راشد الردعان لصحيفة الوطن أيضا وذكر "أن «أبوزيد» ليس مثقفاً لا يشق له غبار، وليس محاضراً مفوهاً وعبقرياً حتي ندعوه للاستفادة من علمه وعمله، هو «بلطجي» أثار الخلافات في بلاده واستخدمته السلطة فترة من الزمن لضرب الإسلاميين من إخوان وغيرهم وقد تصدي لهم في بداية الأمر لكنهم في النهاية - ضربوه علي قفاه - وطردوه من الديار المصرية بعد أن تطاول علي القرآن الكريم وتجاوز كل الحدود وحاول أن يضع له مكاناً مع كبار المفكرين علي اختلاف توجهاتهم إلا أنه سقط السقطة الكبري وأصبح مهرجاً في الغرب بعد أن كان منظراً في بلده" . أما موقع شفاف الشرق الأوسط فذكر في تقاريره المتشددة المقتضبة الجدل الذي أثاره أبوزيد في منتصف التسعينات ذاكرا أن الاوساط العلمية والفكرية بمصر انشغلت في اوائل التسعينات بقضية «نصر حامد ابوزيد»، الأستاذ المساعد بهيئة تدريس جامعة القاهرة كلية الاداب قسم اللغة العربية في ذلك الوقت، وكان قد تقدم برسالة (كتاب) بعنوان (نقد الخطاب الديني) وكان مقرراً حصوله بموجبها علي ترقية علمية ليحصل علي لقب (استاذ). ولكن تقريرًا تقدم به د. عبد الصبور شاهين باعتباره رئيس لجنة الترقيات فجر القضية، اذ تحولت المسألة من مجرد رفض للترقية الي اتهام بالردة، وتلخصت اتهامات التقرير في: 1- العداوة الشديدة لنصوص القرآن والسنة والدعوة لرفضهما. 2- الهجوم علي الصحابة. 3- إنكار المصدر الالهي للقرآن الكريم. 4- الدفاع عن الماركسية والعلمانية وعن سلمان رشدي وروايته (ايات شيطانية). وعلي اثر هذا التقرير نشأت معركة فكرية واسعة بين انصار «ابوزيد» وبين المؤيدين لتقرير شاهين وتطور الأمر الي رفع مجموعة من المحامين لدعوة حسبة تطالب بالتفريق بين نصر وزوجته ابتهال يونس ودارت مساجلات قانونية وفقهية طويلة انتهت بهجرة نصر حامد وزوجته من مصر والعمل بالتدريس باحدي الجامعات الهولندية. الليبراليون الكويتيون يدافعون وعلي الجانب الآخر أصدر التحالف الوطني الديمقراطي بيانا ذكر فيه أن "منع دخول «أبو زيد» محاولة حكومية مكشوفة لضمان أصوات بعض النواب قبل جلستي عدم التعاون وطرح الثقة"، مشيرا أن هذا القرار "انتكاسة جديدة للحريات في الكويت"، وبدوره استنكر المنبر الديمقراطي قرار المنع، واصفا إياه في بيان بأنه "يمثل خضوع السلطة لقوي التطرف والإمعان في استرضائها، علي حساب حقوق وحريات المواطنين، التي كفلها الدستور". ومن جهتها، اعتبرت أمين عام الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية لولوة الملا المنع "إرهابا فكريا تمارسه الأحزاب الدينية"، مشيرة إلي أن "الحكومة الكويتية أعطته سمة الدخول إلي البلاد، ولم يحاول الدخول بطريقة غير شرعية، كما أنه غير مدان في أي قضايا، لا في بلده مصر أو في الكويت أو في أي بلد آخر"، واستغربت الملا حدوث ذلك مع شخص "مفكر ومستنير، وتستضيفه جمعية مستنيرة تؤمن بلغة العقل والثقافة والحوار وليس بلغة الإرهاب"، مضيفة أن "منع أبوزيد يعد خطوة غير حضارية، وهو إرهاب فكري نتعرض له في الكويت بين الحين والآخر، من الأحزاب المتعصبة دينيا". ومن جانبه، اعتبر عضو مؤسس في مركز الحوار للثقافة وأحد دعاة «أبوزيد» إلي الكويت، طالب المولي، أن "عدم دخول «أبو زيد» الكويت يمثل سبة للكويت وللكويتيين"، مشددا علي أن "الكويت التي طالما احتضنت الفلاسفة والعلماء والمفكرين العرب من أمثال فؤاد زكريا وعبد الرحمن بدوي وغيرهما نراها اليوم ترفض دخول «أبوزيد» بسبب التيار الوصولي المتخلف"، مشيرا أن "الكويت تنحدر من السيئ إلي الأسوأ والضحية هو الشعب". في حين أكدت الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان أن منع مفكر من دخول البلاد يصب في خانة الاستبداد والقمع الفكري والخضوع لأعداء الفكر والتنوير. وقالت الجمعية في بيانها إن الحكومة خضعت للابتزاز وقررت منع المفكر المصري المعروف نصر حامد أبو زيد، من دخول البلاد أمس الأول، علي الرغم من حصوله علي تأشيرة دخول. وبذلك يتأكد أن البلاد تسير في الطريق نحو التحول إلي دول دينية (ثيوقراطية) ، يمتلك فيها التيار الديني السلطة لتكييف القرارات والتحكم في الثقافة المجتمعية. ولا شك ان التنازلات التي تقدمها الحكومة لقوي الإسلام السياسي ستقود البلاد إلي حال من التخلف الحضاري وتؤدي الي عزل القوي الحية في البلاد، إن ما حدث أمس الأول وما حدث قبله من تسلط للقوي المتزمتة علي حقوق الأفراد والجماعات، وإصدار قرارات بشأن الحفلات والرقابة علي الكتب، يؤكد أن البلاد تتراجع عن الدور التنويري الذي اضطلعت به منذ بداية عصر النهضة الذي بدأ في مطلع خمسينات القرن الماضي. ودعت الجمعية إلي تضافر القوي الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والتعاضد مع النواب المناصرين للديمقراطية وحقوق الإنسان والمؤمنين بمبادئ الحرية التي سطرت في دستور 1962، وكذلك مع أعضاء مجلس الوزراء المؤمنين بهذه المبادئ الخيرة من أجل التصدي للقوي المستبدة في هذا المجتمع، وتعمل من أجل تغليب مفاهيم الحرية والتنوير في الكويت، وهي البلد الذي كان منارة للتقدم والديمقراطية في هذه المنطقة من العالم. موقف الأدباء والمثقفين المصريين قام عدد كبير من المثقفين المصريين بالتوقيع علي بيان يستنكرون فيه بشدة رضوخ السلطات الكويتية لدعاة تكفير التفكير والتعصب والانغلاق الفكري وإغلاق باب الاجتهاد، والامتثال لطلب المتعصبين الاستفزازي بمنع دخول المفكر المصري الكبير نصر حامد أبوزيد للكويت رغم حصوله علي تأشيرة دخول وتلقيه دعوة من مركز الحوار والجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية لإلقاء محاضرات عن الاصلاح الديني وغيره من الأمور التي تهم العرب والمسلمين. وأكدوا في بيان ان هذا القرار يمثل اهانة للعقل والعقلانية، كما يمثل إهانة للثقافة والمثقفين، واهدارا لحرية الرأي وحرية التعبير. وطالب الموقعون علي هذا البيان، الذين ينتمون إلي مختلف التيارات الفكرية، السلطات الكويتية بتصحيح هذا الخطأ الفادح، الذي لا يمثل فقط عدوانا علي شخص الدكتور نصر حامد أبوزيد وإنما يمثل أيضا عدوانا صارخا علي الثقافة والفكر والحريات العامة والخاصة، الامر الذي يتطلب رد اعتبار الدكتور «أبوزيد» والاعتذار الرسمي له. كما طالبوا نقابة الصحفيين المصريين واتحاد كتاب مصر بالرد علي هذا القرار الكويتي باستضافة الدكتور «أبوزيد» في اقرب وقت، للاستماع إلي المحاضرات التي رفض المتعصبون اعطاء الفرصة للشعب الكويتي للاستماع إليها. رئيس المركز القومي للترجمة الدكتور جابر عصفور قال لجريدة «القبس» : أولا ان يتدخل اي شخص او اي قوة لمنع مفكر من طرح أفكاره فهذا نوع من الإرهاب، «ارهاب سياسي، او ارهاب فكري، او ارهاب ديني، سمّه ما شئت من مسميات الإرهاب» الذي ينبغي أن يرفضه، ويدينه الأحرار والشرفاء في كل مكان من العالم. ثانيا: حكم الردة الذي صدر ضد الدكتور نصر حامد ابو زيد في عام 1995 والأمر بالتفريق بينه وبين زوجته، تم ايقافه بناء علي حكم قضائي من المحكمة ببطلانه. أما الأديب يوسف القعيد فقد استنكر قرار المنع قائلا: هذه جريمة يرتكبها الاسلاميون في الكويت ضد رموز الاستنارة، وفرحنا كثيرا عندما قام البرلمان الكويتي بتقديم اول استجواب في الوطن العربي لرئيس الوزراء، ولوزير الدفاع، وكنا نحسد الكويت علي ديمقراطيتها، ولكن جاء قرار المنع الذي اعتبره كلاما فارغا، ويعد بمنزلة القاء التراب علي الإنجاز الديمقراطي الذي حدث في دولة الكويت. رئيس تحرير جريدة القاهرة صلاح عيسي قال : للأسف الشديد، ان الكويت التي كانت تعتبر واحة الديمقراطية في الخليج ، والتي بنيت علي أساس واسع للحريات العامة ، يتم هدمها اليوم بعد نشاطات الجماعات الاسلامية السلفية المتزمتة، التي صنعت مشكلات كبيرة في الكويت ، خاصة بعد فترة الاحتلال، وتمثلت هذه المشكلات في اثارة الضجيج حول بعض الكتب التي تم منعها من العرض في معرض الكتاب، ومنع اقامة بعض الحفلات ، والضغط علي بعض الصحف الكويتية حتي غيرت اتجاهاتها، بالإضافة للإشكاليات التي تحدث حول سفور المرأة بشكل عام، وسفور المرأة في البرلمان وبعض الإدارات بشكل خاص، الي آخره من مشكلات. وواصل عيسي قائلا: هذا الخبر عن منع الدكتور نصر حامد ابو زيد من دخول الكويت خبر منطقي تماما مع التنامي المتواصل لنفوذ التيار الديني الاسلامي المتشدد في الكويت، وسوف تتعرض حرية التعبير والرأي هناك الي الكثير من المشكلات في الأيام القادمة، مع تنامي هذا التيار. الغريب أن الأمر كاد أن يتطور ويشكل خطرا علي حياة «أبو زيد» نفسه فقد أفاد مسئولون في مطار القاهرة ان سلطات الامن في الكويت أبلغته ان «الامن الكويتي غير قادر علي توفير الحماية له اثناء الزيارة وخشيتهم من ان يتعرض الي محاولة اغتيال بسبب فتوي سابقة بإهدار دمه».