متحدث الحكومة: المرحلة العاجلة من تطوير جزيرة الوراق تشمل تنفيذ 50 برجا سكنيا    أسعار البصل الأحمر اليوم الثلاثاء 7 مايو 2024 في سوق العبور    مسئول فلسطيني: حالة نزوح كبيرة للمدنيين بعد سيطرة الاحتلال على معبر رفح    بتسديدة صاروخية.. عمر كمال يفتتح أهدافه بقميص الأهلي    "جلب السيطرة والقيادة والقوة لنا".. سام مرسي يحصد جائزة أفضل لاعب في إبسويتش    عاجل| أول تعليق لشقيق ضحية عصام صاصا: "أخويا اتمسح به الأسفلت"    إليسا تحتفل بطرح ألبومها الجديد بعد عدد من التأجيلات: الألبوم يخص كل معجب أنتظره بصبر    البورصات الخليجية تغلق على تراجع شبه جماعي مع تصاعد التوتر بالشرق الأوسط    وفد النادي الدولي للإعلام الرياضي يزور معهد الصحافة والعلوم الإخبارية في تونس    رئيس جامعة المنوفية يهنئ الأقباط بعيد القيامة المجيد    إصابة 4 أشخاص في حادث سقوط سيارة داخل ترعة في قنا    رئيس وزراء فرنسا يعرب مجددًا عن "قلق" بلاده إزاء الهجوم الإسرائيلي على رفح    جامعة القاهرة تعلن انطلاق فعاليات مهرجان المسرح الجامعي للعروض الطويلة    خالد الجندي يوضح مفهوم الحكمة من القرآن الكريم (فيديو)    محافظ أسوان: تقديم الرعاية العلاجية ل 1140 مواطنا بنصر النوبة    وزير الدفاع يلتقى قائد القيادة المركزية الأمريكية    خطة الزمالك لتأمين شبابه من «كباري» الأهلي (خاص)    مواعيد منافسات دور ال32 لدوري مراكز الشباب    «مهرجان التذوق».. مسابقة للطهي بين شيفات «الحلو والحادق» في الإسكندرية    كيف يمكنك ترشيد استهلاك المياه في المنزل؟.. 8 نصائح ضرورية احرص عليها    نائب رئيس جامعة الأزهر السابق: تعليم وتعلم اللغات أمر شرعي    «الأعلى للطرق الصوفية» يدين هجمات الاحتلال الإسرائيلي على رفح الفلسطينية    محافظ قنا يفتتح عددا من الوحدات الطبية بقرى الرواتب والحسينات وبخانس بأبوتشت    وضع حجر أساس شاطئ النادي البحري لهيئة النيابة الإدارية ببيانكي غرب الإسكندرية    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لتحلية المياه بشرم الشيخ    وزير الصحة يؤكد أهمية نشر فكر الجودة وصقل مهارات العاملين بالمجال    وائل كفوري ونوال الزغبي يحييان حفلًا غنائيًا بأمريكا في هذا الموعد (تفاصيل)    سب والدته.. المشدد 10 سنوات للمتهم بقتل شقيقه في القليوبية    الرئاسة الفلسطينية تحمل واشنطن تبعات الاجتياح الإسرائيلي لرفح    بدء تطبيق نظام رقمنة أعمال شهادات الإيداع الدولية «GDR»    9 أيام إجازة متواصلة.. موعد عيد الأضحى 2024    وزير الدفاع البريطاني يطلع البرلمان على الهجوم السيبراني على قاعدة بيانات أفراد القوات المسلحة    للأمهات.. أخطاء تجنبي فعلها إذا تعرض طفلك لحروق الجلد    انطلاق الأعمال التحضيرية للدورة ال32 من اللجنة العليا المشتركة المصرية الأردنية    ضبط متهم بالاستيلاء على بيانات بطاقات الدفع الإلكتروني الخاصة بأهالي المنيا    الأمم المتحدة: العمليات العسكرية المكثفة ستجلب مزيدا من الموت واليأس ل 700 ألف امرأة وفتاة في رفح    حفل met gala 2024..نجمة في موقف محرج بسبب فستان الساعة الرملية (فيديو)    9 عروض مسرحية مجانية لقصور الثقافة بالغربية والبحيرة    المشاكل بيونايتد كبيرة.. تن هاج يعلق على مستوى فريقه بعد الهزيمة القاسية بالدوري    3 ظواهر جوية تضرب البلاد.. الأرصاد تكشف حالة الطقس على المحافظات    نصائح مهمة لطلاب ثانوي قبل دخول الامتحان.. «التابلت مش هيفصل أبدا»    الضرائب: تخفيض الحد الأدنى لقيمة الفاتورة الإلكترونية ل25 ألف جنيه بدءًا من أغسطس المقبل    75 رغبة لطلاب الثانوية العامة.. هل يتغير عدد الرغبات بتنسيق الجامعات 2024؟    بحضور مجلس النقابة.. محمود بدر يعلن تخوفه من أي تعديلات بقانون الصحفيين    بكتيريا وتسمم ونزلة معوية حادة.. «الصحة» تحذر من أضرار الفسيخ والرنجة وتوجه رسالة مهمة للمواطنين (تفاصيل)    عادات وتقاليد.. أهل الطفلة جانيت يكشفون سر طباعة صورتها على تيشرتات (فيديو)    الجدول الزمني لانتخابات مجالس إدارات وعموميات الصحف القومية    اقوى رد من محمود الهواري على منكرين وجود الله    إيرادات «السرب» تتجاوز 16 مليون جنيه خلال 6 أيام في دور العرض    المتحف القومي للحضارة يحتفل بعيد شم النسيم ضمن مبادرة «طبلية مصر»    تفاصيل نارية.. تدخل الكبار لحل أزمة أفشة ومارسيل كولر    كيفية صلاة الصبح لمن فاته الفجر وحكم أدائها بعد شروق الشمس    عبد الجليل: استمرارية الانتصارات مهمة للزمالك في الموسم الحالي    زعيم المعارضة الإسرائيلي: على نتنياهو إنجاز صفقة التبادل.. وسأضمن له منع انهيار حكومته    أجمل دعاء تبدأ به يومك .. واظب عليه قبل مغادرة المنزل    هجوم ناري من الزمالك ضد التحكيم بسبب مباراة سموحة    اللواء سيد الجابري: مصر مستمرة في تقديم كل أوجه الدعم الممكنة للفلسطينيين    رغم إنشاء مدينة السيسي والاحتفالات باتحاد القبائل… تجديد حبس أهالي سيناء المطالبين بحق العودة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«الدستور» تنشر فصول كتاب"نصر أبوزيد" لتعريف غير المسلمين في أوروبا بقيم الإسلام
نشر في الدستور الأصلي يوم 15 - 07 - 2010

غالبية المؤمنين بالإسلام لا يعرفون إلا أقل القليل عن الدين ويركزون علي الطقوس ويعتمدون علي مشايخ وسائل الإعلام
د. نصر حامد أبو زيد
مثل أي مثقف يحترم نفسه قرر الروائي رءوف مسعد أن يقدم نموذجاً للحوار العقلاني المحترم الذي لا أثر فيه لمحاكم التفتيش، ولا تاريخ صلاحية لأفكاره التي لا تنفي ولا تستحدث من عدم، ولا مكان للتعصب بين سطوره، ليعرف ابنه المقيم في هولندا علي الإسلام، الذي طالما سمع عنه الابن من أصدقائه قصصاً وحكايات تخيفه أكثر مما تحببه في هذا الدين، وهكذا أجري حواراً زاد علي العشرين ساعة مع د.نصر حامد أبوزيد واضعاً فيه كل الفخاخ والاتهامات التي يكيلها الغرب للإسلام من جهة، والتي يسيء بها الأصوليون والمتشددون للإسلام من جهة أخري ليقدم للقارئ العربي شهادة منصفة ومختلفة عن الإسلام من المفكر الذي ظلموه حيا وميتاً، وهي الشهادة التي لم تجد مكاناً لها في دور النشر المصرية التي تتهافت الآن علي أعمال د.نصر حامد أبوزيد لسنوات لدرجة أنها نشرت في إحدي دور النشر المغربية ولم تلق الشهرة أو الاحتفاء الذي يليق بها وبأصحابها.
«الدستور» تنشر هذه الشهادات للباحثين عن الحقيقة
لماذا الجهاد؟
الموضوع المسيطر علي الحوار هو «الجهاد» لأن الكاتب يري أن الجهاد بالمفهوم الديني القتالي، الموجود في العالم الإسلامي، هو التطبيق العملي لما يطلق عليه الباحثون الإسلاميون تعبير «الظاهرة الإسلامية» أي ارتباط الدين الإسلامي بأحداث بالغة الأهمية، سياسية، أو قتالية، والمثال علي ذلك من واقعنا الحديث والمعاصر، حالات محددة مثل منظمات حماس والجهاد الفلسطينية وحزب الله اللبناني، وسبق ذلك الظهور الفعال «للمجاهدين» في أفغانستان، الذين تطوعوا لقتال الجيش السوفيتي، والحكومات الأفغانية الموالية لهم، وعلي المستوي التطبيقي جاء تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران واستيلاء الانقلاب العسكري علي الحكم في السودان وهو الانقلاب المنبثق عن تنظيمات سياسية أصولية في السودان!
كما أن تطبيق الشريعة في بعض ولايات نيجيريا، التي تعيش فيها مجموعات دينية مختلفة.. أدي إلي صدامات دموية بينها، بسبب ونتيجة لهذا التطبيق.
ومن المعتقد أن هذه الحالات ظهرت في العقود الأخيرة من القرن العشرين، نتيجة لازدياد حدة الصراع الطبقي داخل المجتمعات المذكورة وازدياد نظرة الشك تجاه الغرب، وخيبة الأمل في إمكانية التطور الديمقراطي، كل هذه الدعاوي انطلقت تحت مسميات متنوعة للجهاد الديني، وإن كانت هذه الأسباب ليست هي الأسباب النهائية لما يطلق عليه الظاهرة الإسلامية.
كانت جريمة الحادي عشر من سبتمبر هي «التتويج النهائي» لعولمة الجهاد والإعلان الكامل للقطيعة بين غالبية شعوب المناطق المذكورة، وبين إمكانية الحوار مع الغرب.
أدي هذا إلي ظهور ما يطلق عليه الكاتب «البن لادنية» معتمداً علي البيان التأسيسي لتنظيم «القاعدة» وإعلان الجهاد علي اليهود والصليبيين.
إن ذريعة استغلال الظلم الواقع علي الفلسطينيين من الدولة اليهودية الصهيونية ومؤازرة معظم دول العالم الغربي المسيحي لمواقف إسرائيل، أوجد أرضاً خصبة للعداء ضد «اليهود والنصاري» وأسس التعاطف الواسع لأفكار وأفعال القاعدة ولشخصية «أسامة بن لادن» في العالم الإسلامي وسط طبقات مختلفة، خاصة أن قضية الشعب الفلسطيني اتخذت أبعاداً دينية بعد فشل الحوارات السياسية بين الفلسطينيين من ناحية وإسرائيل وأمريكا من ناحية أخري.
المبادئ التي يستند عليها الكاتب في بنائه للكتاب:
تحليل مبدأ «الجهاد الديني» وارتباطه بالعنف السياسي المسلح من خلال وقوع الأحداث التاريخية التي غيرت مصائر بعض الشعوب.
رصد تاريخ العنف السياسي وأسسه في الأديان التي يُطلق عليها «سماوية أي توحيدية».
سرد خطاب العنف السياسي الديني للجماعات الإسلامية المعتمد علي آيات محددة من القرآن.
وقد اتخذ الكتاب منهجاً استدلالياً للتعريف بالأولويات المتعلقة بالإسلام فابتدأ بالتعريف ب«فكرة الدين» في عمومه ثم التعريف بالإسلام، وبالتالي التعريف بالنبي محمد «ص».
ثم تطبيقات تاريخية، عن تأسيس النبي محمد «ص» لمبدأ الجهاد وما ترتب علي ذلك من تأسيس أول دولة دينية كان علي قمة هرم الحكم فيها النبي محمد «ص» نفسه.
وكيف ترسخ مبدأ الجهاد كعقيدة سياسية دينية بعد وفاة الرسول «ص» في الدولة الإسلامية الجديدة بممارسات الخليفة الأول والخلفاء الذين تولوا الحكم بعده، حيث قاموا، بالتطبيق سياسياً ودينيا وعملياً لمنهج تبرير الغزو الحربي خارج شبه الجزيرة العربية وباسم نشر الدين الإسلامي.
نتيجة لهذا تأسست الإمبراطورية تطبيقاً لمبدأ الجهاد.
تواصل تعميق هذا المبدأ الديني السياسي حتي بعد أن توقفت الإمبراطورية عن الاهتمام بأسلمة الشعوب المهزومة وتركز الاهتمام بتحصيل الأموال.
يستند الكاتب في حججه علي قراءته وعلي تجربة حياته السياسية، وكذا تجربته الخاصة مع ابنه الصغير، حيث تقيم الأسرة في هولندا، حينما كان الصغير في الحادية عشرة من عمره وقرر أن يمارس الطقس الإسلامي الشهير المتعلق بالصيام شهراً كاملاً في شهر رمضان.
كان الصغير يظن مثل الغالبية الهولندية والغربية أن كل العرب مسلمون.
لم يكن يعرف تعبير «الصيام» لكنه قال إنه يريد أن «يعمل رمضان»! كان يظنني مسلماً.
فقد اتفقنا زوجتي وأنا علي إعطاء أولادنا الحق في اختيار الدين الذي يرونه وليس موقفنا نحن من الدين ولم نعلن له لا انتماءنا الديني.
كان الصغير يريد بطريقته الخاصة أن يعلن ويمارس الانتماء ثقافياً يقدم له هوية مختلفة عن الغالبية هنا في هولندا.
تجربة ابني كانت سبباً في أن أعلن له أنني انتمي إلي أقلية دينية في مصر.. وأنني غير ممارس للعبادة.. وشجعته علي مواصلة الصيام.
ومن هنا جاءت فكرة الحوار، أن أقدم لابني ومن علي شاكلته رؤيتين قائمتين للدين الإسلامي، «وللأديان عامة» من خلال تبني الكاتب لخطاب «الآخر» خطاب رؤية الإسلام من وجهة النظر الأصولية، وإفساح المجال ل«أبوزيد» أن يناقش هذا الخطاب وأن يدلي بحججه المعتمدة علي منهجه في تأويل النص.
اتفقنا.. واختلفنا
قبل الحوار وبعده اتفقنا الدكتور نصر حامد أبوزيد وأنا علي أن:
الأديان جميعها تعتقد وتعلن أنها تمتلك الحقيقة الوحيدة.
الأديان جميعها ليست بها حقوق إنسان.
خطورة وخطأ استخدام الدين في الصراع السياسي القومي.
خطورة وخطأ ربط الصراع الوطني بالصراع الديني.
واختلفنا حول:
ضرورة الدين ووظائفه.
أحوال المرأة قبل الإسلام وبعده.
أسباب مبدأ حقوق الإنسان في الغرب.
حق المسلمين في الحكم بالشريعة.
مبدأ وتفسيرات الجهاد الديني السياسي المسلح.
الموقف من الخلافة وزوالها.
أسباب ظاهرة الإسلام السياسي.
والمفصل الأساسي للخلاف هو أن أبازيد يري وجود علاقة جدلية بين الدين والمجتمع يمكن للدين أن يقوم بدور إيجابي فيها.
وهو يحدد مقاصد الإصلاح ودور المصلحين الدينيين من خلال مقاصد الإسلام بالعدل والحق والتسامح.
بينما يري الكاتب أن العلاقة بين الدين والمجتمع قلقة، لأن الدين لعب لفترة طويلة دوراً معوقاً للتطور الاجتماعي والعلمي والإنسان والمعرفي، وقد تم استخدام نصوصه وأساطيره في معظم الوقت لخدمة الطبقات الحاكمة والمستغلة، تبريراً لحروب ومذابح بعضها يخدم تصفيات عرقية أو مذهبية وبعضها لفوائد اقتصادية «الحروب الصليبية» لهذا يري الكاتب أنه من الضروري فصل الدين عن النشاط الاجتماعي والسياسي للإنسان.
ويري بالرغم من ذلك أن المقاصد العليا للإسلام التي ذكرها أبوزيد تتفق مع المقاصد العليا للأديان الأخري.
ولكن الدولة الحديثة التي فصلت الدين عن السلطة السياسية تبنت هذه المقاصد وطبقتها بقوة القانون، كما يري الكاتب أن إصلاح المجتمع يسبق الإصلاح الديني وليس العكس، بل إن إصلاح المجتمع ووضعه علي الطريق الديمقراطي والاقتصادي الصحيح كما حدث في معظم الدول الرأسمالية يعطي الإصلاح الديني ديناميكية قوية كما يحدث الآن في المؤسسة المسيحية الغربية، بعكس الجمود الحادث في المؤسسة المسيحية المشرقية، التي هي انعكاس لتردي الوضع السياسي والديمقراطي والاقتصادي في بلدانها.
ويري الكاتب، أن الجماعة الإنسانية حينما تتخلي عن الهوس الديني وتكف عن الاقتناع بأنها تمتلك لوحدها الحقيقة وأن الآخرين علي ضلال، يكون هذا نتيجة نهضة اجتماعية واقتصادية وامتلاك للمعرفة وأدواتها، وليس نتيجة تنوير ديني.. الذي يأتي نتيجة التطور الاجتماعي.
بينما يري أبوزيد أن المجتمعات المتخلفة تفرز تفسيرات دينية متخلفة.. يري الكاتب أن الرؤية المتخلفة للدين حتي في مجتمعات متقدمة مثل الولايات المتحدة ، تصطدم بالقانون المدني وتجبر علي الخضوع له في معظم الأحيان وليس العكس كما يحدث الآن في المجتمعات الإسلامية أو تلك التي تدعي سيادة الشريعة، التي تحكمها أنظمة لا ديمقراطية.
وهو الدين في حالة صراع مع المجتمع المدني مثل الصراع الدائر في بعض الولايات الأمريكية حول الحق في الإجهاض فبعض الولايات تسمح به بالرغم من المعارضة الدينية والبعض رضخ للمعارضة الدينية.
فالتخلف الذي يناقشه الكاتب ليس في عدم الاستفادة من المنجزات التقنية الحديثة واستيعابها، لكنه رؤية أحادية متجمدة للواقع والكون والطبيعة والآخر، رفض التعددية السياسية والدينية والعرقية والثقافية، رفض الآخر ورفض الحوار.
ويري أبوزيد أن الأسباب الرئيسية للأزمة بين العالمين الدينيين الكبيرين المسيحي والإسلامي لها جذور تاريخية سياسية واقتصادية وهي نتيجة لاستعمار الغرب المسيحي للعالم الإسلامي في أفريقيا وآسيا ونهب الموارد وإبقاء الشعوب هناك في حالة التخلف التقني والعلمي.
بينما يري الكاتب أن هذه الأسباب صحيحة، لكنها ليست هي جميع الأسباب، لأنها تحمل الطرف الآخر المسئولية كاملة ولا تقدم إجابة مرضية.
أفغانستان لم تقع مطلقاً تحت سيطرة أجنبية، وكذا تركيا التي كانت قوة ضاغطة ومسيطرة علي شعوب ودول أخري حتي الحرب العالمية الأولي.
إن المجموعة الأساسية من قتلة الحادي عشر من سبتمبر، تحت أسامة بن لادن المنحدر من عائلة ثرية في أعلي السلم الطبقي والاجتماعي والاقتصادي في السعودية ونائبه الطبيب محمد الظواهري المصري المنحدر من أسرة متعلمة من الطبقة الوسطي هم من مواطني المملكة العربية السعودية الغنية، لهذا لا نستطيع تعميم القول إن الغالبية العظمي من المتعصبين دينيا متخلفة اقتصاديا أو اجتماعياً، طبقياً، فمعظم الطبقات حتي الفقيرة في مجتمع كالمجتمع المصري تمتلك وسائل المعرفة الحديثة وتتطلع علي القنوات الفضائية، التي تساهم معظمها بدورها بنشر الأفكار السلفية المتشددة عن الإسلام.
بالنسبة للتغيير:
أبوزيد، يري إمكانية التغيير من خلال الإصلاح والتجديد الديني.. أي أنه ينظر إلي الدين باعتباره الوعاء الأكبر لعمليات التغير الاجتماعي.. الآن.
بينما يري الكاتب أن التفسيرات الدينية التي تحل محل صحيح الدين، تعوق عملية التغيير الاجتماعي، بالرغم من أن الدين في بساطته الأولي عند ظهوره كان يحمل بذور التغيرات الاجتماعية في زمن ومنطقة الظهور الديني، وأن غالبية المؤمنين بالإسلام مثلاً حتي النخبة المتعلمة منهم لا يعرفون إلا أقل القليل عن الدين ويركزون اهتمامهم علي طقوسه ويعتمدون علي مفسري وسائل الإعلام المحلية والعربية وعلي البسطاء ممن يطلقون علي أنفسهم لقب «الدعاة» والذين يكون صلب خطابهم هو الشريعة بنواهيها مضافاً إليها الأساطير والأحاديث التي لا سند لها، فيصبح المؤمن فريسة سهلة لأفكارهم.
كان الخطاب الديني آنذاك يعبر عن تطور عصره، لكن الخطاب الديني الآن، تجمد بعد مرحلته الأولي فأصبح عائقاً للتطور.
وقد حدث هذا التجمد في الخطاب الديني المسيحي في العالم الغربي خلال سيطرة الكنيسة وقبل هزيمتها أمام الاكتشافات العلمية المتعلقة بدوران الأرض، وقانون الجاذبية ونظرية دارون للنشوء والتطور.
هذه الهزيمة غيرت دور المؤسسة الدينية وجعلتها أكثر مرونة لتقبل التغيرات العلمية والاجتماعية الحادثة في المجتمع الغربي، بالرغم من وجود هيئات رجعية في المؤسسة الدينية لا تزال تقاوم.
فتطور الخطاب الديني لا يأتي فقط من داخله وبالبحث عن نصوص تؤيد مبدأ التطور، لكنه يتطور، حينما يكون في حالة ديناميكية مستمرة مع حركة التطور في المجتمع، حينئذ فإن تطوره يكون موازياً للتطورات الاجتماعية للجماعة الإنسانية في تقبلها لمبدأ التسامح الأخلاقي والتعدد الديني والعرقي.
لكن التجربة الإنسانية أثبتت استحالة التوازن بين الحركة الإيجابية للتطور وبين الخطاب الديني والمجتمع، بل علي العكس انتهت إلي أن التطور الاجتماعي يسبق التطور في العلاقة بين الإنسان والدين دائماً بعدة مراحل وأحيانا يكون التطور الاجتماعي سبباً لظهور رؤية للدين بشكل متطور.
ثبت من التجربة الإنسانية أن الدين كفاعل مؤثر في المجتمع يتم تطويره نتيجة لحركة التطور الاجتماعي، وبعد نجاحها بعقود.
هكذا تطور الحوار وخلق له الكاتب منطقه الذي أسس به بنية الكتاب.
تاريخ العصر وتاريخنا
يورد الكاتب هنا فصلاً خاصاً تتقاطع فيه التواريخ الشخصية لكل من أبوزيد والكاتب.
يوضح فيه كيف اختار كل منهما طريقاً مختلفاً في الحياة.
فبينما انضم الكاتب إلي تنظيم ماركسي سري وألقي القبض عليه وسجن أربع سنوات، كان أبوزيد يواصل دراسته الأكاديمية وينشر أبحاثه في علوم القرآن. أبحاث أبوزيد الأكاديمية أفضت به إلي المحاكمة واضطر لمغادرة مصر والإقامة في هولندا ومواصلة نشاطه العلمي في جامعة لايدن.
والهدف المقصود هنا: أن نشأتين مختلفتين تخلقان وجهتي نظر مختلفتين، كنتيجة منطقية، فيبحث صاحباهما كل بطريقته عن الحق وتحقيقه.
قرية أبوزيد يقول أبوزيد أنه غير واثق من دقة تاريخ ميلاده المسجل رسمياً بأنه في 10 يوليو 1943، ويبرر ذلك بأن العائلات المصرية المقيمة في القري الصغيرة والبعيدة عن الإدارات الحكومية آنذاك كانت تتباطأ في تسجيل مواليدها.
ويعلن أن ترتيبه في مواليد العائلة جاء الثالث، وأصبح أكبر إخوته الذكور نتيجة لوفاة الأخ الأكبر، أهله هذا الواقع لأن يتحمل مسئوليات الأسرة في سن مبكرة.
هكذا ذهب للعمل في دكان والده الصغيرة لبيع مواد البقالة في قريتهم وواصل العمل مع والده حتي توفي عام 1957 والصبي نصر في الرابعة عشرة من عمره.
دكان القرية كان مركز لقاءات اجتماعية لرجال القرية من أصدقاء الأب خصوصا، حيث كانوا يتناقشون في جميع المواضيع من سياسية واجتماعية واقتصادية وجنسية.
ويكتشف الصبي مبكراً التفرقة في معاملات الوالدين بين الذكور والإناث في العائلة، فقد قام الأب بإنهاء تعليم الشقيقة الكبري بدرية فور بلوغها مرحلة الأنوثة.
وبدأ دخول الصبي الصغير إلي عالم القراءة والكتابة، عالم المعرفة من خلال النص القرآني في «كتّاب» القرية.
ففي سنوات إدراكه الأولي، بدأ الصبي التعرف علي النص القرآني وهو في الثالثة من عمره، ويواصل التعمق في قراءة النص، بعد أن امتلك أدوات معرفته العلمية، ليصبح أستاذاً لعلوم القرآن، في جامعة القاهرة وهي أقدم وأعرق جامعة عربية.
بينما تعرف الصبي علي القرآن من خلال «الحفظ» غيباً بتلقين «الشيخ» الذي يقوم بتحفيظ القرآن للأطفال في القرية.
يقدم أبوزيد الأستاذ الجامعي القرآن لطلابه من خلال المنطق وعلم البلاغة مستخدماً الوسائل والنظريات الحديثة ل«تفكيك» النص.
الصدام مع السلطة
يفسر أبوزيد جذور أزمة التطرف التي بلغت ذروتها في مصر باغتيال السادات، بالدور الذي لعبته «السعودية» حيث فتحت أبواب العمل فيها لعشرات الآلاف من المصريين من جميع الطبقات.
ويقول إن النظام السياسي الوراثي القبلي في السعودية يقوم علي ركيزة دينية أصولية «المذهب الوهابي» وهو مذهب متشدد، وقد تأثر العديد من المصريين الذين ذهبوا للعمل في السعودية بهذا المذهب، كما أن السعودية قدمت اللجوء المؤقت أحيانا لقيادات الإخوان المسلمين الهاربين من مصر في عهد عبد الناصر الذي كان ينازعها السيطرة علي العالم العربي والإسلامي.
هكذا ظهرت - في رأي أبو زيد - بذور التطرف الديني السياسي الإسلامي في مصر واستولي المتطرفون علي النقابات و«نوادي» مدرسي الجامعة وقاموا باغتيالات سياسية نجح بعضها.
يقول إن الإرهاب الديني السياسي استولي كذلك علي مقاعد بعض القضاة في المحاكم، أي أن الإرهاب قام باستخدام القانون وثغراته، لمحاكمة الفكر الآخر المتمثل في قصائد وأغان وروايات ويضرب مثلا برواية لنجيب محفوظ «الحائز علي نوبل» وقد تمت مصادرتها لاتهامها بأنها إلحادية.
هكذا جاءت الدعوي القضائية ضد أبو زيد في سياق وجو مهيأ للتعصب الديني.
انقسم المثقفون المصريون تجاه أبو زيد، فاليساريون قاموا بتأييده في جميع المجالات، المتزمتون هاجموه، الدولة ادعت وقوفها علي الحياد بحجة أن الجامعة مؤسسة مستقلة، لكن الدعوي رفعت استنادا إلي مواد قانونية في القانون الجنائي المصري.
وعيي أنا بالسياسة تناقض مع الدين ككل، فقد اعتبرت الدين بأنواعه وتعددات الوسيلة التي يستغلها الأغنياء ضد الفقراء.
رأيت في الدير تأكيد التجربة العنصرية في نفي الآخر وعزله كان العهد القديم «التوراة» ولا يزال بالنسبة لي نصاً أعيدت كتابته لأسباب سياسية وعنصرية» نصا ميثولوجيا معادياً للعلم والمعرفة البشرية.
أما المسيحية التي خرجت من رحم اليهودية فقد ارتبطت من خلال مؤسساتها التبشيرية بالجيوش الكولونيالية التي رفعت شعار الصليب فوق أسلحة القتل، ووظفت المؤسسة الدينية المسيحية نفسها كأداة لشعوب غير مسيحية ساهمت مع المؤسسات المالية والعسكرية الكولونيالية في تحطيم ثقافات هذه الشعوب وتهميشها.
لكني في الوقت نفسه أعتبر، أن النصوص الدينية علي اختلافها وتنويعاتها، رافد مهم من مجموعة الروافد الثقافية التي تكون ما نطلق عليه «ثقافة شعب ما وحضارته».
فالحضارة المصرية القديمة، في الأصل نتاج رؤية دينية للعالم، لكنها وظفت هذه الرؤيا في مجال العلوم التطبيقية مثل علم الفلك والهندسة والعمارة والتحنيط وغيرها، كما قدمت مفهوما محددا للكون وبدء الوجود الكوني والإنساني وعلاقة الإنسان بالكون وعلاقته بالآخر.
هكذا قامت هذه الحضارة بإنتاج ثقافتها، وتواصلت الحضارة والثقافة المصرية خلال العصور الفارسية والهيلينة، والقبطية، والإسلامية العربية، في مصر جدليا، مع ديانات مختلفة، أنتجت لنا في النهاية ما يطلق عليه الدارسون «الديانة الشعبية» المصرية من إسلامية ومسيحية.
وسنجد أنه مع تطور وعي أبو زيد وصعوده الأكاديمي، بدأ ينظر إلي النص القرآني وما ارتبط به ونتج عنه من خلال رؤية تاريخية له، فهو يبحث عن تأويل للنص يتلاءم مع العصر ومتطلباته.
ومن خلال رؤيته الأكاديمية وتطبيقاته العملية أخذ أبوزيد يحدد الفرق بين التدين في المجتمع الإسلامي العالمي والمصري علي وجه الخصوص، والجماعات الدينية المتعصبة.
وهو يري أن الدولة «العربية/ الإسلامية» تقوم باستخدام الدين لأهداف سياسية.
هو يعتبر أن التدين في المجتمع المصري الإسلامي، يبدأ من الالتزام بشرائع الدين وفروضه مثل الصوم والزكاة.. إلخ أي رؤية الدين في مقاصده السامية من عدل وواجبات اجتماعية.
التأويل واللغة
يؤمن أبوزيد أن اللغة وعاء للفكر، وأنها تتضمن شحنات تاريخية وسياسية ونتائج صراعات اجتماعية.
هذه الرؤية نبتت عنده - كما يقول - بعد رحلته الأولي لأمريكا وبعد التعرف علي كتابات المفكر الياباني «ايزتسو» عن القرآن.
ويضرب مثالا حينما يقول إن بعض العبارات عندما تقال باللغة العربية تصبح خطيرة جدا، فعندما يقول «إن القرآن نص تاريخي فهي لا تصل إلي المتلقي العربي بنفس الكيفية التي تصل إلي متلق غير عربي لو قلتها بالإنجليزية».
ويعتبر أبوزيد أن دراسة علوم اللغة العربية هي الأساس بالنسبة له في نظريته الخاصة بالتأويل وبالتحديد، علم البلاغة.
ويتحدث عن استفادته واستثماره للطرق والنظريات الحديثة في تفسير النص مثل البنيوية والتفكيكية وغيرها التي جاءت نتيجة دراسات وأبحاث قام بها مفكرون وفلاسفة من الغرب.
ويقول إن التأويل الحديث لا يقطع الصلة - في رأيه - بين الحاضر والماضي مع التراث الإسلامي وأن الهدف النهائي هو تحرير المجتمع من السلطات الديكتاتورية.
أما بالنسبة لي، فقد استطعت من خلال الحوار مع «أبوزيد» أن اندفع إلي البحث «فلست بباحث أكاديمي» في جذور المسألة الإسلامية - فأنا كاتب منشغل بالشأن العام سياسيا وثقافيا - ليزداد اقتناعي بأن القرآن يقدم لقارئه مبررات الأصولية كما يقدم له مبررات التسامح، يأخذ القارئ ما يريد وقت ما يريد طبقا لحاجته.
إنني الآن مقتنع تماما بعدم جدوي الإصلاح أو التجديد الديني للأسباب التي ذكرتها في الحوار أكثر من مرة.
مقتنع تماما أيضا بأن الدين يجب أن يستقر نهائيا في دور العبادة دون أن يتحول إلي دستور سياسي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.