بث مباشر.. رئيس الوزراء يشهد احتفال تدشين الأكاديمية الدولية للعمارة والعمران    تباين مؤشرات الأسهم الآسيوية بعد تسجيل وول ستريت مستويات قياسية جديدة    أسعار الخضراوات والفاكهة بسوق العبور اليوم الثلاثاء 16 سبتمبر 2025    كامل الوزير يترأس الاجتماع الثلاثين للمجموعة الوزارية للتنمية الصناعية    الاحتلال يكثف غاراته على مدينة غزة    قمة الدوحة.. رسائل السيسي الحاسمة إلى إسرائيل تتصدر المشهد (فيديو وصور)    فحص طبي يحدد موقف زيزو من مباراة الأهلي وسيراميكا    التابعي: الزمالك لم يكن يريد الاحتفاظ بزيزو    طقس الإسكندرية اليوم: تحسن نسبي وانخفاض في درجات الحرارة والعظمى تسجل 30 درجة    مصرع مسن صدمته سيارة ملاكي بأكتوبر    صيف قطاع المسرح يختتم فعالياته بالاحتفال باليوم المصري للموسيقى    مهرجان الإسكندرية المسرحي يكرّم عصام السيد ومحسن منصور وعددًا من المبدعين    وزير الصحة يبحث مع نائب رئيس شركة أليكسيون تعزيز التعاون في مجال الأمراض النادرة والوراثية    اليوم.. انتهاء العمل بمكتب تنسيق القبول بجامعة الأزهر وغلق تسجيل الرغبات    حبس أجنبي لقيامة بالتحرش بسيدة في المعادي    21 موقعًا لحطام السفن الغارقة بالبحر الأحمر تجذب آلاف السائحين هواة الغوص سنويًا وتبحث عن الحماية والتوثيق    نقل الأسرى فوق الأرض.. ترامب يتحدث من جديد عن قطر ويحذر حماس "فيديو"    حماس ترد على ترامب: تصريحاتك انحياز سافر.. وحياة الأسرى بيد نتنياهو    بريطانيا تؤكد إرسال مقاتلات حربية إلى بولندا    إنقاذ حياة طفل مصاب بنزيف في المخ وكسر بالجمجة بمستشفى إيتاي البارود    رئيس لجنة مكافحة كورونا: هناك انتشار للفيروسات النفسية لكنها لا تمثل خطورة    بعد 4 أشهر من حكم محكمة النقض، تحرك جديد من دفاع "حبيبة الشماع" ضد "أوبر" العالمية    عشية بحث سعر الفائدة، تعيين مستشار لترامب عضوا بالاحتياطي الفيدرالي وبقاء ليزا كوك في منصبها    بعد فشل النحاس في لملمة الجراح، قناة الأهلي تفجر مفاجأة حول المدرب الجديد (فيديو)    قلبك يدفع الثمن، تحذير خطير من النوم 6 ساعات فقط كل ليلة    وزير العمل يُصدر قرارًا لتحديد ضوابط وآليات اعتماد «الاستقالات العمالية»    قرارات التعليم بشأن الكتب المدرسية 2025.. تسليم دون ربط بالمصروفات (تفاصيل)    هند صبري عن والدتها الراحلة: علاقتنا كانت استثنائية ومبحبش أعيط قدام بناتي    قبل أيام من بدء العام الدراسي.. تفاصيل قرارات وزارة التعليم (نظام الإعدادية الجديد وموقف التربية الدينية)    رسمياً موعد صرف مرتبات شهر سبتمبر 2025 للمعلمين.. هل يتم الصرف قبل بدء الدراسة؟ (تفاصيل)    «سويلم» لمجموعة البنك الدولي: «سياسات حديثة لمنظومة الري»    خالد جلال وكشف حساب    إبراهيم صلاح: فيريرا كسب ثقة جماهير الزمالك بعد التوقف    ترامب يقترح توسيع الضربات ضد مهربي المخدرات من البحر إلى البر    ارتفاع سهم تسلا بعد شراء ماسك 2.5 مليون سهم بمليار دولار    أول رد رسمي من بيراميدز على مفاوضات الأهلي مع ماييلي    مسلسلات المتحدة تتصدر نتائج تقييم موسم 2025 باستفتاء نقابة المهن السينمائية.. تصدر "لام شمسية" و"أولاد الشمس" و"قهوة المحطة" و"قلبى ومفتاحه" و"ظلم المصطبة".. كريم الشناوى أفضل مخرج وسعدى جوهر أفضل شركة إنتاج    عاجل القناة 12: إجلاء 320 ألفًا من سكان غزة يفتح الطريق أمام بدء العملية البرية    تألق 4 لاعبين مصريين في اليوم الثاني من دور ال16 لبطولة CIB للإسكواش 2025    تحية العلم يوميًا وصيانة شاملة.. تعليمات جديدة لضبط مدارس الجيزة    ليت الزمان يعود يومًا.. النجوم يعودون للطفولة والشباب ب الذكاء الاصطناعي    أمين الفتوى بدار الإفتاء: الكلب طاهر.. وغسل الإناء الذي ولغ فيه أمر تعبدي    بسبب المال.. أنهى حياة زوجته في العبور وهرب    صور.. حفلة تخريج دفعة بكالوريوس 2025 الدراسات العليا تجارة القاهرة بالشيخ زايد    لقاء تاريخي في البيت الأبيض يجمع البطريرك برثلماوس بالرئيس الأمريكي ترامب    فيديو أهداف مباراة إسبانيول و مايوركا في الدوري الإسباني الممتاز ( فيديو)    فائدة 27% للسنة الأولى.. أعلى عائد تراكمي على شهادات الادخار في البنوك اليوم (احسب هتكسب كام؟)    الشيبي: نريد دخول التاريخ.. وهدفنا مواجهة باريس سان جيرمان في نهائي الإنتركونتيننتال    الاحتلال يكثف غاراته على مدينة غزة    الدكتور محمد على إبراهيم أستاذ الاقتصاد بالأكاديمية العربية للنقل البحري ل«المصري اليوم»: سياسات الصندوق جوهرها الخفض الخبيث للعملة وبيع الأصول العامة بأسعار رخيصة (الحلقة الخامسة)    «مشاكله كلها بعد اتنين بالليل».. مجدي عبدالغني ينتقد إمام عاشور: «بتنام إمتى؟»    مهرجان الجونة السينمائي يكشف اليوم تفاصيل دورته الثامنة في مؤتمر صحفي    الوقت ليس مناسب للتنازلات.. حظ برج الدلو اليوم 16 سبتمبر    تحذير من تناول «عقار شائع» يعطل العملية.. علماء يكشفون آلية المخ لتنقية نفسه    شيخ الأزهر: مستعدون للتعاون في إعداد برامج إعلامية لربط النشء والشباب بكتاب الله تعالى    أستاذ بالأزهر يحذر من ارتكاب الحرام بحجة توفير المال للأهل والأولاد    ما حكم أخذ قرض لتجهيز ابنتي للزواج؟.. أمين الفتوى يوضح رأي الشرع    كيفية قضاء الصلوات الفائتة وهل تجزئ عنها النوافل.. 6 أحكام مهمة يكشف عنها الأزهر للفتوى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أبوزيد:من يقل إن الإسلام انتشر بالسيف يرتكب مغالطة فالنبي لم يرفع سيفاً بل دعا للإيمان
نشر في الدستور الأصلي يوم 18 - 07 - 2010

مثل أي مثقف يحترم نفسه قرر الروائي رءوف مسعد أن يقدم نموذجاً للحوار العقلاني المحترم الذي لا أثر فيه لمحاكم التفتيش، ولا تاريخ صلاحية لأفكاره التي لا تنفي ولا تستحدث من عدم، ولا مكان للتعصب بين سطوره، ليعرف ابنه المقيم في هولندا علي الإسلام، الذي طالما سمع عنه الابن من أصدقائه قصصاً وحكايات تخيفه أكثر مما تحببه في هذا الدين، وهكذا أجري حواراً زاد علي العشرين ساعة مع د.نصر حامد أبوزيد واضعاً فيه كل الفخاخ والاتهامات التي يكيلها الغرب للإسلام من جهة، والتي يسيء بها الأصوليون والمتشددون للإسلام من جهة أخري ليقدم للقارئ العربي شهادة منصفة ومختلفة عن الإسلام من المفكر الذي ظلموه حيا وميتاً، وهي الشهادة التي لم تجد مكاناً لها في دور النشر المصرية التي تتهافت الآن علي أعمال د.نصر حامد أبوزيد لسنوات لدرجة أنها نشرت في إحدي دور النشر المغربية ولم تلق الشهرة أو الاحتفاء الذي يليق بها وبأصحابها.
«الدستور» تنشر هذه الشهادات للباحثين عن الحقيقة
السيف أصدق أنباء
يقول الكاتب: هناك بيت شعر عربي قديم يقول:
«السيف أصدق أنباء من الكتب.. في حده الحد بين الجد واللعب»
أي أن أخبار الحرب وما حدث فيها تحمل صدقا أكثر مما في الكتب!
من أكثر القضايا الداعية إلي النقاش هو موضوع «انتشار الإسلام» خارج منطقته في شبه الجزيرة العربية.. فالعديد من المؤرخين في الدول الإسلامية يطلقون علي حركة الجيوش العربية «الفتح الإسلامي- العربي» وليس الغزو، مستندين إلي الآية الأولي من سورة الفتح وأيضا سورة النصر في القرآن.
ففي بداية القرن السابع كانت منطقة الشرق الأدني ومنطقة الشرق الأوسط مقسمتين بين الإمبراطوريتين المتنافستين: البيزنطية والفارسية( الإيرانية ).
إن تاريخ القرون الثلاثة السابقة علي ظهور الإسلام، كانت قرون صراعات وحروب بينهما، فالإمبراطورية البيزنطية وعاصمتها «القسطنطينية» كانت يونانية مسيحية، تمتد ذراعها الطويلة عبر سهل أناطوليا ليصل حتي سوريا ومصر.
وكانت الإمبراطورية الفارسية قلبها يتركز في إيران وثقافتها آسيوية، الدين الرسمي هو الزرادشتية، لكن تكوينها الأساسي كان أكثر ضعفاً من البيزنطية.
ما بين أعوام 602 و628 حاربت الإمبراطوريتان آخر حروبهما التنافسية فيما بينهما.
وبعد وفاة الرسول في الثامن من يونيو عام 632 نجد أن الخليفة الأول «أبو بكر» يرسل بعد سنة واحدة من حكمه حملة عسكرية إلي سوريا التي تم الاستيلاء، نهائياً، عليها عام 636.
ثم تحرك الجيش العربي الإسلامي باتجاه العريش ( علي حدود مصر الشرقية ) في ديسمبر عام 639و وتمت هزيمة الحامية الرئيسية الرومانية عام 640.
.. ومن مصر توجهت الجيوش غرباً لتغزو شمال أفريقيا، وعام 710 هبطوا إسبانيا.
أوردت هذه التواريخ لأبرهن علي السرعة الهائلة التي تأسست بها الإمبراطورية ما بين أعوام انتصار الرسول علي جيوش مكة عام 630 والدخول إلي الأراضي الإسبانية عام 710.
فقبل وفاة الرسول كانت الدولة الإسلامية تأسست في شبه الجزيرة وأصبح الدين الإسلامي «كله لله» كما جاء في القرآن.
فقد انتشر الإسلام في أنحاء شبه الجزيرة العربية، نتيجة لتحالفات الرسول مع قبائل معينة، ونتيجة انتصاراته العسكرية المتعددة .
بعد وفاته، بدأ الخلفاء في تحريك جيوش القبائل التي توحدت للمرة الأولي تحت راية واحدة لتحقيق هدفين: الأول نشر الإسلام، والثاني هو التوسع الجغرافي والاستيطان والحصول علي الغنائم.
يعترض أبوزيد علي صيغة السؤال وعلي فحواه..
هل كان السيف هو الوسيلة لنشر الإسلام؟
رد أبوزيد: أنا لا أوافق علي هذا الرأي، (الغزو العسكري في مجمله) الدعوة -دعوة الناس للدين- جزء من تاريخ الأديان، نجد( ذلك ) في تاريخ المسيحية، حيث خرج الحواريون يدعون الناس للمسيحية، محمد حينما بعث برسائله التي تتحدث عنها لم يكن يهدد أو يرفع سيفاً، بل كان يدعو إلي الإيمان، أي دين في بنيته الأساسية هو دين تبشيري، حتي لو لم يكن دعاة هذا الدين يبشرون به علي نطاق عالمي. دعني أؤكد ما يلي:
إن الإسلام نتاج منظومة اجتماعية سياسية عالية، أنا لا أنفي البعد السياسي عن الإسلام، لا يوجد دين ليست به سياسة، فالمسيح يقول: أنا لم آت بالسلام بل جئت بالسيف (إنجيل لوقا ). هل يمكن تفسير هذا بأن دعوة المسيح كانت بالأساس دعوة سياسية؟ ليس هناك دين يطلب من الناس أن يعبدوا الله في الكهوف، بل كل دين بما في ذلك الأديان «الأرضية» هو بالضرورة دعوة للبشر جميعهم.
أما ما يقال عن انتشار الإسلام بالسيف فهذا ليس دقيقاً، كان العرب يريدون نشر الإسلام وفتح العالم، كان هذا جزءاً من موقعهم في العالم، فما المانع بعد أن أقاموا مجتمعاً أن يقيموا إمبراطوريتهم علي أنقاض الإمبراطوريتين المتهالكتين، الرومانية والفارسية؟
ثمة فرق بين إقامة إمبراطورية وبين نشر الإسلام بالسيف، فنشر الإسلام بالسيف معناه أن أضع السيف فوق رقبة كل شخص في الأقطار المفتوحة لكي يصبح مسلماً، وهذا لم يحدث، من يقول أن الإسلام انتشر بالسيف يرتكب مغالطة منطقية بالخلط بين موقف دولة أو مجتمع يريد أن يبني إمبراطورية، بين إجبار الأفراد بالسيف علي اعتناق الإسلام. هذا أولا.
ثانيا: ليس صحيحاً أن معظم العالم الإسلامي تم فتحه بالسيف، إندونيسيا لم تُفتح بالسيف، ولا أفريقيا فُتحت بالسيف، انتشر الإسلام في كثير من المناطق بفضل التجار والمتصوفة، هذه بلاد لم تفتح بقوة الجيوش، لكن الإسلام انتشر فيها بفضل المتصوفة والتجار.
الفتح بالجيوش كان جزءاً من سياسات تكوين الإمبراطوريات، وهكذا تكونت الإمبراطورية الإسلامية، لم يكن متوقعاً أن تبني الإمبراطورية الإسلامية الوليدة نفسها علي أسس غير قوانين تشكيل الإمبراطوريات في العالم آنذاك، السؤال هنا: هل أُرْغِم الأفراد علي التحول إلي الإسلام؟
ويعلق الكاتب: تحدثت بالتفصيل عن الغزوات الإسلامية ؛ لأنني أري أن مفهوم الجهاد السائد الآن هو نتاج التجربة الإسلامية منذ... بداياتها الأولي: أي المواجهة بين المسلمين وغير المسلمين، إن الدخول الانتصاري لجيش الرسول وبقيادته إلي مكة وتحطيم الأصنام في الكعبة ؛ أكبر دليل علي «عسكرة الإسلام» كدين منذ بداياته الأولي، فالظروف التي نشأ فيها الإسلام حتمت هذا كضرورة تاريخية.
وحينما قال المسيح: أنا لم آت بالسلام بل جئت بالسيف كان يقصد أنه سوف يقسم العالم والناس إلي قسمين والآية تقول: جئت لألقي ناراً علي الأرض. فماذا أتريد لو اضطرمت.. أتظنون أني جئت لألقي سلاما علي الأرض، كلا أقول لكم بل انقساما، لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد، منقسمين ثلاثة علي اثنين واثنين علي ثلاثة.. «آيات 49 حتي 52».
أما بالنسبة للسلام فالأسطورة اليهودية تقول إن المسيح المنتظر سيأتي ويحكم العالم بألف سنة من السلام، لكنه يؤكد «مملكتي ليست من هذا العالم».
أوافق أبوزيد علي أنه لم يجبر الناس بالقوة علي دخول الإسلام وتم تخييرهم بين الإيمان بالإسلام أو دفع الجزية والبقاء علي ديانتهم الأصلية، كانت تلك حكمة سياسية من الدولة الجديدة لحاجتها للمال المقبل من الجزية المفروضة علي غير المسلمين من الشعوب المهزومة بالإضافة إلي الضرائب الأخري التي كانت سائدة في مناطق الإمبراطورية الرومانية التي حلت الإمبراطورية الإسلامية محلها.
ونجد أن رسائل النبي بعد تأكيد انتصاره النهائي علي جميع القبائل في شبه الجزيرة، إلي حكام وملوك الدول المجأورة يطالبهم بالدخول في الإسلام، تنتهي بهذه العبارة «أسلم تسلم» تم ختم الرسائل بخاتم النبي.
هذه المرة الأولي كما تذكرها كتب التاريخ الإسلامي، التي يتصرف فيها النبي، باعتباره حاكماً له خاتم حكمه.
هذه الدول التي أرسل لها النبي رسائله، تم الاستيلاء عليها بالسيف، عدا الحبشة التي لم يسلم ملكها وبقيت علي المسيحية.
من يشاهد خارطة حركة الجيوش الإسلامية التي اندفعت من شبه الجزيرة، يري أنها اتجهت إلي الشرق: العراق وفارس، وغربا إلي الشام وفلسطين ومصر والمغرب، وشمالا إلي إسبانيا وجنوب فرنسا، أي أنها سيطرت علي جميع «طرق التجارة» في العالم القديم!
هذه كانت استراتيجية الغزو الإسلامي.
ويجب أن أكون واضحا هنا بأن «الأسلمة» لم تكن الهدف الأساسي للإمبراطورية.
فبعد انتهاء الحالة الرومانسية الدينية لأسلمة المشركين وأهل الكتاب، تحول الجهاز الإداري للدولة إلي نظام جامع للضرائب أساساً.. وليس بهدف التغيير الديني.
كذلك نلاحظ أن تكوين «الدولة اليهودية بقيادة يشوع خليفة موسي» لم تكن تهدف إلي نشر الدين بل الاستيطان وأن التبشير بالمسيحية في عهد المبشرين الأوائل كان هدفه الضم السلمي لمن يقتنع.
هذا هو الفرق المهم بين الإسلام وما سبقته من ديانات.
أما إرغام الأفراد علي التحول إلي الإسلام فلم يكن يتم بشكل فج بل نتيجة ظروف اقتصادية معقدة وقد ذكرت هذا بالتفصيل في تناولي مقتطفات من كتاب د. سيدة إسماعيل الكاشف «مصرفي فجر الإسلام».
يقول لوي غارديه 2: لم يكن شعار «أسلم أو تموت» هو السائد فالنصاري واليهود بتنظيماتهم الطائفية وشرائعهم، وقضاتهم، قبلوا «كذميين» داخل الأمة الإسلامية. صحيح أنه منذ أيام الخليفة الأموي عمر الثاني تغير الوضع لهم وأصبحت معاملتهم أكثر ضيقاً وأقسي من العهد الذي قطعه الرسول لنصاري نجران إذ كان عليهم أن يدفعوا جزية مضاعفة وهي جزية الرقاب أي الضريبة الشخصية وضريبة الممل والتركات العقارية».
ونعلم من القرآن أن النبي بشّر الناس الذين يقاتلون معه بالجنة والذين يتكاسلون بعذاب الجحيم كما في الآيات.
كيف يظهر التفسير السياسي للنص الديني؟
أبو زيد يؤكد: ما أحاوله في كتاباتي وأبحاثي هو التمييز بين «المعني التاريخي»، الذي كان يقصده القرآن في القرن السابع مخاطباً لمعاصريه، وبين الدلالة التي يمكن استنباطها الآن، في عصرنا الحالي، من ذلك المعني التاريخي، إن النص بالنسبة لي لا يتضمن معني ثابتاً موضوعياً يمكن الوصول إليه من خارج التاريخ؛ بل النص ينتج معناه من خلال تفاعل مع قارئ، مع تفسير، في عصر بعينه، في مناخ اجتماعي ثقافي متغير، وهناك فارق بين نمطين من التفسير: نمط يسيطر عليه «الهدف السياسي» فيحأول من منطلق إيديولوجي أن يفرض المعني علي النص زاعماً أن هذا المعني الذي يفرضه، ويقسر النص علي الإفصاح به، هو معني موضوعي، النمط الثاني من التفسير هو التفسير الواعي بقصديته المفصح عنها، أي الذي لا يخبئ قصده وراء مزاعم ومبررات تدعي «الموضوعية»، هناك فرق بين المفسر غير الواعي بقصديته، ولكنه يطرح هذه القصدية باعتبارها «الحقيقة»، وبين الواعي بقصديته ويطرحها باعتبارها «معني» لا «حقيقة»، إن المودودي ينطلق من مسلمة يعتقد أنها بديهية لا تحتاج لإثبات مفادها أن الإسلام «دين ودولة»، هذه قضية ليست محور اختبار عنده، ولكنها محور اختبار عند باحثين آخرين لا يرون أنها قضية بديهية.
منهج التلاعب الدلالي هذا يمكن أن يفضي إلي كوارث، ليس أقلها السعي إلي إقامة الدولة الدينية الديكتاتورية، يمكن مثلاً بالقراءة غير السياقية للآية «يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصاري أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين» (المائدة (5) الآية 51) -أي دون أن ينتبه إلي معني أن المقصود ب«الولاية» و«التولي» هو التحالف ضد الإسلام والمسلمين- يمكن أن يعزز التمييز الديني بين أبناء الوطن الواحد، وقد عانينا في مصر مثلاً من خطباء مساجد ووعاظ يقولون إنه لا يجب علي المسلم تهنئة صديقه القبطي بأعياد الميلاد، أو مشاركته في أفراحه أو أحزانه؛ لأن ذلك كله يعتبر «التولي» الذي نهي عنه القرآن، أكثر من ذلك يمكن للقراءة غير السياقية أن تحرض علي «قتل» المخالف في الدين لمجرد أنه كذلك. ولكن علينا أيضا تحريا للدقة أن نشير إلي أن عمليات التلاعب الدلالي تلك قد تكون أحيانا أدوات للدفاع عن الُهوية وحمايتها من الانتهاك، خاصة في مواقف وظروف تتعرض فيها الذات الاجتماعية للانتهاك. تستخدم الآيات المشار إليها أحيانا في سياق إدانة أي تعامل أو تعأون مع الأعداء المحتلين الأوروبيين، كما استخدمت في إندونيسيا مثلا ضد الاحتلال الهولندي. لكن مع غياب العدو الأجنبي بالاستقلال يكمن الخطر في توجيهها ضد غير المسلم من أبناء الوطن.
هل توجد تيارات رجعية إسلامية؟
أبو زيد: التيارات الرجعية، ارتبطت بالخطاب السياسي، وأنتجت خطابها الديني في ظل أفق الخطاب السياسي المسيطر، الذي يحدد المواطن (بحالتين ) 3 إما أن يكون مطيعا أو عاصيا مخطئا. وبالتالي يتحول ليصبح مسلما أو عاصيا بالمعني الديني.بمعني أن الفقه ارتبط في العصور المتخلفة بالدولة وبالنظام السياسي المتخلف. بالرغم من أنه كان في البداية متحرراً من فكر الدولة.
هكذا تم اختصار الإسلام ومقاصده في جزء منه وهو الشريعة بالمعني الفقهي وليس بالمعني الإنساني.اختصار بنية الإسلام كله لأحد فروعه التي أصابها الجدب.
هل هناك مناقشة لاهوتية؟ ممنوع فقد استقر اللاهوت.
هل هناك مناقشة فلسفية؟ لا فالفلسفة ممنوع تدريسها في السعودية وكذلك المنطق «من تمنطق فقد تزندق».
وهكذا لا نجد نشاطاً في الفكر الإسلامي الآن إلا في الفقه. أبطال الخطاب الإسلامي الآن هم الفقهاء.
ففي غياب اللاهوت وعدم تكرار مشروع محمد عبده وهو محأولته أن يقيم لاهوتا. فهنا بالضرورة، ارتبط الفقه بالقوي الرجعية ( السياسية )، تجد هذا واضحا في مفهوم «الحلال والحرام» في الفقه. فقد تم التغاضي عن البني الأساسية للفقه ؛ وهي خمس وليست اثنتين. فالحلال والحرام هما «الواجب» ثم المكروه والمستحسن، والمباح. دائرة المباح أغني بكثير من الأربعة الأخري. لكن انحسر البحث في الفقه الإسلامي في الحلال والحرام. إن جميع ما سكت عنه القرآن فهو، مباح.
ثقافة الجهاد الديني
يقول الكاتب: لكي نصل إلي فهم دقيق لمبدأ الجهاد في الإسلام من الضروري أن نتتبع التاريخ السياسي للأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام.
فالإسلام وجد في بيئة من الثقافة -السياسية الدينية لليهودية والمسيحية في شبه الجزيرة العربية، حيث تشابكت المعتقدات اللغات مع بعضها البعض.
من المهم كذلك في تحليلنا للتاريخ السياسي للأديان ألا ننسي أن «النبوءة التوراتية عن المسيا» وهو الملك اليهودي المنتظر الذي سيحكم العالم ؛ هي نبوءة دينية سياسية في المقام الأول.
لذا كانت إقامة الدولة الدينية - الإسلامية ليست بالغريبة علي الفضاء الثقافي الديني - السياسي في شبه الجزيرة حيث دار فوق أرضها جزء من الصراع التوراتي عن أحقية الميراث والحكم بين أبناء «الأب إبراهيم» ونسائه: سارة وهاجر الجارية المصرية.
وما قصة وضع أسس الكعبة وتقديسها سوي الدليل علي ما أشرت إليه.. بل إن العيد الإسلامي الكبير «عيد الأضحي» وهو التضحية بشاة وتُذبح في موسم الحج.وهذا الطقس الديني، إعادة الرواية العبرانية حينما طلب الإله اليهودي من إبراهيم أن يذبح ابنه إسحق 4ومعاناة هاجر وابنها إسماعيل مذكورة بالتفصيل في القرآن.
وفي العصر الحديث مع تمسك الأصوليين الإسلاميين بالرؤية الدينية الجامدة للحياة والمجتمع وبالتالي «تكفير» مجتمعات بعينها لأنها لا تتبع تعاليم الإسلام النقية بما فيها مجتمعات إسلامية، نجد ازدهارا لمفهوم الجهاد الديني - السياسي، الهادف إلي تغيير المجتمع بالقوة ومن ثم حكمه بما يتواءم مع رؤيتهم للشريعة.
فثقافة الجهاد الإسلامية -السياسية لها جذور تاريخية. فهي نتاج أزمات وضرورات سياسية حدثت في عصر الرسول محمد وصراعه مع «الآخر» المتمثل في المركز الديني - السياسي - التجاري للمناوئين والرافضين للإسلام وما يحدثه من تغييرات في البنية الأساسية المتعارف عليها لسيطرة القبيلة.
وحتي قبل أن تتم السيطرة النهائية للإسلام نجد آية «وقاتلوهم حتي لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله» وهي من سورة البقرة
فمبدأ «القتال في سبيل الله» مبدأ قرآني حيث يطالب المؤمنين بالقتال «فليقاتل في سبيل الله الذين يشرون الحياة الدنيا بالآخرة ومن يقاتل في سبيل الله فيُقتل أو يغلب فسوف نؤتيه أجراً عظيما» ( النساء /74)
بالنسبة للمشركين ( الذين لا يؤمنون بالوحدانية ) يقول القرآن: «إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا» ( سورة التوبة الآية 28 )
بالطبع هناك من المفسرين من يقول إنه من الأهمية تحري «أسباب النزول» أي المناسبة التاريخية التي نزلت فيها آية بعينها. هذه النظرية في التأويل سيستفيض فيها د. أبو زيد فيما بعد.
ولكن الإشكال هنا أن هذه الآيات موجودة ومتاحة دون تفسير ملحق بها في النص القرآني يفسر أسباب النزول، فتؤخذ عندئذ، كما هي.
اندحار المسيحية في الشرق
حل الإسلام والكلام مازال للكاتب محل المسيحية في الشرق بعد دحر الأمبراطورية الرومانية بقوة السلاح في مناطق العراق والشام وفلسطين ومصر.
في البداية كان اعتناق السكان للإسلام بطيئا، وفضلوا دفع «الجزية» ( وهي الضريبة التي يدفعها المسيحي بالإضافة للضرائب الأخري ) لكن مع مرور الزمن تزايدت أعداد الذين انضموا لسلام إما عن اقتناع أو لأسباب مختلفة.
بعض هذه الأسباب كما حدث في مصر أن الخليفة الوليد بن عبد الملك سنة 87 هجرية -706 ميلادية، فرض اللغة العربية كلغة رسمية في مصر..كما حاول الخليفة عمر بن عبد العزيز قرر إحلال المسلمين محل المسيحيين في الوظائف الصغيرة.. وربما أدي قرار ابن عبد العزيز إلي إسلام كثيرين كي لا يتركوا وظائفهم.
كما أن الاضطهاد المذهبي لمسيحي الشرق بسبب تسيد الكنيسة والثقافة اليونانية، حولت الخلافات اللاهوتية إلي معارك سياسية. عقلية العرب، كانت متماثلة مع عقليات أهل العراق والشام وأقرب إليهم من عقلية اليونانيين.
فبينما فشلت المسيحية المرتبطة بالمفاهيم والثقافة اليونانية أن تقدم نفسها للعقول الشرقية، نجح الإسلام المرتبط بالمفاهيم العربية أن يقدم نفسه بديلا كما قبل الوسط الثقافي والفكري الإسلامي كثيرا من الفلسفة والعلوم اليونانية.
ونجد الكثير من شعوب آسيا الصغري لم تكن لها لغة كتابة أو لغة أدب سوي اليونانية. والبلاد التي كان يسيطر عليها المسيحيون الشرقيون أصبحت إسلامية.
هكذا أصبح المفكرون الذين ينتمون لشعوب غير عربية، وانضموا إلي الإسلام، أما باعتناقهم له أو بالعمل في المدارس الإسلامية المختلفة من فكرية وعلمية وفنية، أصبحوا يقومون بدور مهم في مزج الثقافات والحضارات المختلفة بالثقافة والحضارة العربية، مما انتج بعد ذلك ما نطلق عليه «الثقافة والحضارة الإسلامية» لشعوب الشرق أوسطية التي كانت مسيحية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.