1- كتاتيب السياسة «إن تحرير القدس سيتم حين تصبح صلاة الفجر، أكثر عدداً من صلاة الجمعة» هذه الجملة إن لم تكن قابلتك حرفيا، فى مئات الزوايا خلال دروس دينية، فالأكيد أن منطقها، مر على أذنيك فى صور عديدة، ومأثورات متنوعة تفوه بها الإسلامجية، ولم تستوقفنا إلى أسئلة بريئة؛ من قبيل، وما علاقة القدس بالصلاة؟ وهل كان احتلالها لمئات المرات من عجم وصليبيين ويهود، عقوبة على التقصير فى الصلاة؟ وهذه الأسئلة مشروعة، فقواعد التفكير السليم، من شروطها القابلية للتعميم والتكرار، فنحن من حقنا أن نعرف كيف ستحرر الصلاة وطنا، أو تحميه من السقوط. منطق هذه العبارة ومثيلاتها يمكن التسامح معه فى سياق، المبالغة الوعظية، للحث على تنفيذ تعاليم الدين، أو فى سياق يخلط بين الدينى والدنيوى، فالحرص على تعاليم الدين الصحيحة، يشمل الصلاة والإيمان معها أيضاً بقيم الدين ومنها العمل والفكر، ما يمكننا من أخذ أسباب النهضة، فتقوى الدولة وتسترجع حقوقها المسلوبة. هكذا تفكر الأمم الناهضة التى تثور الدين كقيمة دافعة للرقى. لكن الخطاب الإسلامجى يقفز بعيدا، وينتهى إلى كون الاكتفاء بإتمام الطقوس، واتباع تنظيماته وجماعاته من الأسباب المباشرة للنهضة والقوة بالضرورة، وأن خصومه حتما سيسقطون، لأنهم غارقون فى الخطايا، ولا يصلون الفجر، (مثلما قال مرسى فى ستاد القاهرة). هذا المنحى فى التفكير سهل، وله فوائد عديدة فى تجنيد الأتباع، ودغدغة العواطف الدينية، لكنه لا يقيم مشروعا ثابتا، ولا يقدم حلولا للمشكلات. وعلى عكس ما يظنه أصحابه، ربما يكون سببا فى افتقاد النهضة والقوة معا، لأنه أسير استدلال فاسد، قائم على الإيمان بأسباب لن «تؤدى إلى النتائج المرجوة». فالصلاة عمل مقدس، يقرب الإنسان إلى الله، ويكون سببا فى دخول الجنة، لكنه لا يمكن أن يكون سببا مباشرا فى كسب الحرب، أو الانتصار فى المعارك، وإلا ما انهزم الصحابة، قديما فى معارك وغزوات. ثم كيف ينتصر غير المسلمين فى معاركهم؟ منطق السبب الزائف، كثيرا ما يستخدمه الإسلامجية فى السياسة، لعلك سمعت عبارات من قبيل: - «الجماعة لن تهزم لأنها ربانية». - «مصر لن تجوع لأن حكمها إسلامى». - «البركة ستحل مع تولى مرسى». - «سقط حكم الملك فاروق لأن حسن البنا، دعا عليه وقال بدد الله ملكك»، (من أساطير الإخوان). - «انتصرنا فى حرب أكتوبر لأن الشيوعية الملحدة خرجت من مصر». نعم فى سياقات بعينها يؤدى الانحلال الأخلاقى إلى ضياع العروش، لكن بقليل من التأمل سنجد الانحلال كان مقرونا بإهمال شئون السياسة، وترك الدولة، وهنا تمرض السلطة، لكن الانحلال ليس سببا مباشرا للسقوط السياسى، والتجارب أثبتت أنه يمكن جدا أن تكون سياسيا ناجحا ومنحلا أيضاً، ولنا فى ملوك الخلافة العباسية الأوائل عبرة، خاصة الأمين والمأمون. كما لا تزال مغامرات كلينتون/مونيكا عالقة فى الذاكرة. 2- أسواق العبيد: تمتعت الدولة الأموية باقتصاد مزدهر للغاية، خاصة بعد انتهاء معارك ما يعرفه التراث الإسلامى بعصر الفتنة الكبرى، الازدهار بلغ أوجه مع عهدى الرشيد وعمر بن عبدالعزيز، وفى المخيال الإسلامجى يتم النظر لاتساع رقعة الدولة فى هذه الأثناء على أنها النموذج الأمثل لعز الإسلام، ومن ثم ضرورة الأخذ بأسباب النهضة وقتها، وهو الأمر الذى دفع رجلا مثل أبوإسحاق الحوينى للقول فى فيديو مسجل ومنتشر، إن الغزوات واستعباد أصحاب الأمم الأخرى سيضمن الرخاء، واستطرد يضرب الأمثال عن فوائد الرق والغنائم، وإذا نحينا تعارض ذلك مع قوانين الدول الحديثة التى تنظر لما أراده الحوينى كجريمة ضد الإنسانية، سنكتشف بعدا آخر، وهو أن الاسترقاق قديما فى الإمبراطوريات التى بناها مسلمون، لم يكن سببا فى الرواج الاقتصادى، بل أسباب أخرى، منها سيطرة المسلمين على طرق التجارة العالمية بفعل اتساع الفتوحات، والتحكم فى حواضر صناعية تجارية غنية، وما الرق وقتها إلا عرف دولى كان يصاحب المعارك، وشيوع الرق مع ازدهار دولة الأمويين لا يعنى أنه سبب فى نهضتها، فلا تزال مناطق إلى الآن تعترف بالرق وغارقة فى التخلف، لكنه تخلف التفكير، الذى يعزو النتائج إلى «أسباب زائفة»، أو «فقط مصاحبة للأسباب الحقيقية». 3- الجنس الجماعى صب ياسر برهامى غضبه على لجنة الخمسين واتهمها، فى مقال على موقع صوت السلف، بأنها إذا ألغت مواد الهوية، ستسمح بعبادة الشيطان وحفلات الجنس الجماعى، التى قال إنها كانت منتشرة أيام النظام السابق. وقع برهامى فى سلسلة من نوبات الهذيان الفكرى، فما علاقة الدستور بحفلات الجنس وعبادة الشيطان، وهل هذه مهمة الدستور أم القوانين التى تعالج قضايا الآداب العامة؟ وهل كفالة المجتمع للحفاظ على الآداب، فى الدستور مثلما فعل دستور الإخوان حل لعبادة الشيطان، أم تفويض للعامة بتعقب الناس فى الشوارع؟ ثم ما دليلك على وجود عبادة للشيطان وحفلات للجنس الجماعى؟ وهل أدين شخص واحد فى مصر بتهمة عبادة الشيطان؟ منطقيا الرجل يمارس مغالطة «المنحدر الزلق»، وتعنى أن السماح بفعل ما بسيط سيجر عواقب وخيمة، فإذا خرج شخص ما فى الهواء البارد، سيصاب بالبرد، وقد يتطور إلى ربو، فيصعب علاجه، ومن هنا سيموت. وما لا يدركه برهامى وغيره أن أخلاق مجتمعنا أقدم من وجودهم، ولا تموت برحيلهم.